دمج

حقوق الملكية الفكرية

في سياسة التنمية

 

تقرير لجنة حقوق الملكية الفكرية

 

 

 

لندن

عام 2003


 

 

 

 

 

 

 

الناشر

لجنة حقوق الملكية الفكرية

بواسطة الإدارة البريطانية للتنمية الدولية

1 Palace Street

London SW1E 5HE

 

البريد الالكتروني: ipr@dfid.gov.uk

موقع الانترنت: http://www.iprcommission.org

 

عام 2003

 

يمكن الحصول على النص الكامل للتقرير وعلى الملخّص التنفيذي من موقع الانترنت الخاص بلجنة حقوق الملكية الفكرية وعنوانه: http://www.iprcommission.org

 

 

© لجنة حقوق الملكية الفكرية 2002

 

تصميم وطباعة

Dsprint/redesign

7 Jute Lane

Brimsdown

Enfield EN3 7JL


أعضاء اللجنة

 

البروفيسور جون بارتون (رئيس اللجنة)

كرسي استاذية جورج ئي. اوزبورن في القانون، جامعة ستانفورد، كاليفورنيا، الولايات المتحدة

 

السيد دانيال ألكسندر

محامي في المحاكم العليا متخصص في قانون الملكية الفكرية، لندن، المملكة المتحدة

 

البروفيسور كارلوس كورّيا

مدير برنامج الماجستر في سياسة وادارة العلوم والتكنولوجيا، جامعة بوينس آيرس، الأرجنتين

 

الدكتور راميش ماشيلكار، زميل الجمعية الملكية

المدير العام للمجلس الهندي للأبحاث العلمية والصناعية والأمين العام لدائرة الأبحاث العلمية والصناعية، دلهي، الهند

 

الدكتورة جيل سامويلز، حاملة وسام كوماندور في الامبراطورية البريطانية

كبيرة المدراء لسياسة العلوم والشؤون العلمية (اوروبا) في شركة فايزر انك، ساندويتش، المملكة المتحدة

 

الدكتورة ساندي توماس

مديرة مجلس نافيلد للأخلاقيات الحيوية، لندن، المملكة المتحدة

 

الأمانة

 

شارلز كليفت – الرئيس

فيل ثورب – محلل السياسة

توم بنجيللي – محلل السياسة

روب فيتر – الموظف المسؤول عن الأبحاث

برايان بيني – مدير المكتب

كارول اوليفر – مساعدة شخصية

 


تمهيد

 

في شهر مايو/أيار عام 2001 أسست كلير شورت، وزيرة الدولة للتنمية الدولية، لجنة حقوق الملكية الفكرية. اللجنة مؤلفة من أعضاء من مختلف الأقطار والخلفيات ووجهات النظر. وقد أتى كل عضو في اللجنة بوجهات نظره مختلفة بدرجة كبيرة الى مائدة المداولات. ونحن نعبر عن اصوات الدول المتقدمة والدول النامية في مجالات العلوم والقانون والأخلاقيات والاقتصاد والصناعة والحكومة والأكاديميا.

 

انني أعتقد بأننا حققنا انجازا عظيما باتفاقنا على اسلوب تناول الموضوع وعلى رسالتنا الأساسية. ومثلما يوحي عنوان تقريرنا فاننا نعتبر بأن هناك حاجة لدمج أهداف التنمية في سياسة الحقوق الفكرية، على الصعيدين القومي والدولي، ويقدم تقريرنا الطرق التي يمكن فيها ان نطبق ذلك عمليا.

 

وعلى الرغم من أنه قد تم تعييننا من قبل الحكومة البريطانية فقد تم منحنا الحرية المطلقة لوضع جدول اعمالنا واستنباط برنامج عملنا والتوصل الى نتائجنا الخاصة والى توصياتنا. وقد أوجدوا لنا الفرصة وقدموا لنا الدعم المالي لتحسين فهمنا للقضايا عن طريق التكليف باجراء دراسات وتنظيم ورشات عمل وعقد مؤتمرات وزيارة المسؤولين والمجموعات المتأثرة في كافة أنحاء العالم. وقد وفرت لنا الدعم على أفضل وجه بشكل الأمانة القديرة التي زودتنا اياها وزارة التنمية الدولية وكذلك من مكتب براءة الاختراع للمملكة المتحدة ونود ان نقدم اليهم الشكر بصورة خاصة.

 

تقابلنا كفريق للمرة الاولى بين 8 و 9 مايو/أيار عام 2001 وعقدنا سبعة اجتماعات منذ ذلك الحين. وقد قام جميعنا او البعض منا بزيارة البرازيل والصين والهند وكينيا وجنوب أفريقيا وقمنا أيضا بالتشاور مع المسؤولين في القطاع العام والقطاع الخاص ومع المنظمات غير الحكومية في لندن وبروكسيل وجنيف وواشنطن. وقمنا بزيارة لوحدة الأبحاث الخاصة بشركة فايزر في ساندويتش. وتجدون في نهاية التقرير لائحة بالمؤسسات الرئيسية التي قمنا باستشارتها. وقد كلفنا بإعداد سعبة عشر ورقة عمل وباقامة ثمانية ورشات عمل في لندن بخصوص شتى نواحي الملكية الفكرية. وقمنا بعقد مؤتمر كبير في لندن بين 21-22 فبراير/شباط عام 2002 لنتأكد من أننا نسمع الأسئلة ونعرف على الاهتمامات التي تصدر من وجهات نظر عديدة. ونحن نعتبر تلك الجلسات اجزاء مهمة من علمنا في حد ذاتها من عملنا. فهي التي جمعت معا مجموعة من الأفراد التي غايتها تسهيل الحوار والبحث في مجال السير قدماً في بعض القضايا.

واشتملت مهامنا على دراسة ما يلي:

·                   كيف يمكن تصميم أنظمة حقوق الملكية الفكرية بحيث تفيد الدول النامية ضمن اطار الاتفاقيات الدولية، بما فيها إتفاقية النواحي التجارية المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية "تريبس" (TRIPS)؛

·                   كيف يمكن تحسين وتطوير الاطار الدولي للقواعد والاتفاقيات – مثلا في مجال المعرفة التقليدية – والعلاقة بين قواعد وأنظمة حقوق الملكية الفكرية التي تشمل القدرة على الوصول الى الموارد الجينية؛

·                   واطار السياسة الواسعة اللازم لتكملة أنظمة الملكية الفكرية بما في ذلك، مثلا، التحكم في الممارسات المناهضة للمنافسة وذلك عن طريق سياسة وقانون التنافس.

 

وقد قررنا من البداية ان لا نحاول فقط تقديم حلول وسط بين مختلف الجماعات المهتمة بالأمر بل ان تكون توصياتنا مبنية على الأدلة بقدر الامكان. وقد واجهتنا تحديات لأنه كثيرا ما كانت توجد أدلة محدودة او غير حاسمة ولكن ساعدتنا أمانتنا والاستشارات المسهبة التي قمنا بها وكذلك أوراق العمل التي كلفنا بها احد على تحديد هوية الأدلة المتوفرة التي قمنا فيما بعد بتقييمها بدقة وحذر.

 

كما أدركنا مبكرا أهمية التمييز بين الأقطار المختلفة التي تتمتع بقدرات عملية وتكنولوجية هائلة وتلك التي لا تتمتع بتلك القدرات (متوسطة او منخفضة الدخل). وقد حاولنا ان نتعرف على التأثيرات الحقيقية للملكية الفكرية، الايجابية منها والسلبية على حد سواء، في كل مجموعة من تلك الأقطار, وقد اخترنا التركيز على اهتمامات افقر تلك الأقطار في كل من الاقطار ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

 

وكلنا متفقون على هذا التقرير. غايتنا هي الوصول الى حلول عملية ومتوازنة. في بعض الحالات تبنينا اقتراحات تقدم بها الآخرون ولكن مسؤولية الاستنتاجات تقع على عاتقنا وحدنا. ونحن نأمل بأن نكون قد وفينا بالمهمة وبأن يكون التقرير مصدرا ثمينا لكل من يشترك في الحوار حول كيف يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تخدم على نحو أفضل التنمية وتقلل الفقر.

 

وهكذا بالنيابة عن اللجنة أود ان أشكر جميع العاملين في كافة أنحاء العالم، وعددهم كبير يصعب ذكرهم بالاسم، وذلك على مساهماتهم في نقاشنا ولا سيما اولئك الذين أعدوا أوراق العمل.

 

وأخيرا أتوجه بالشكر الى السيدة كلير شورت والى الإدارة البريطانية للتنمية الدولية على بعد نظرها في تشكيل لجنة حقوق الملكية الفكرية. وقد تشرفت بترأس هذه اللجنة. لقد كانت خبرة رائعة بالنسبة لي وبالنسبة لجميع أعضاء اللجنة. طلب منا انجاز مهمة فيها نوع من التحدّي ونحن تمتعنا جدا بانجازها وبالفرصة التي سنحت لنا لنتعلّم من بعضنا البعض ولا سيما من العدد الكبير ممن ساهموا في عملنا.

 

جون بارتون

رئيس اللجنة

مقدمة

 

هناك القليل ممن يهتم بالملكية الفكرية الذين سيجدون راحة في قراءة هذا التقرير. لا توجد اشادة بالتقرير الذي أعده البروفيسور بارتون وفريقه من أعضاء اللجنة أكبر من هذه الاشادة. ولا توجد دلالة أكبر عن بعد نظر وشجاعة كلير شورت، وزيرة الدولة للتنمية الدولية، في تشكيل اللجنة من البداية ووضع نطاق سلطاتها وصلاحياتها.

 

ربما هناك شيء في الزمن الذي نعيش فيه يشجع الالتزام الأعمى بالمبادىء الثابتة أي بالدوغماتية. لقد أثّر ذلك على نواح عديدة من مرافق الحياة. وبكل تأكيد قد أثّر على مجال حقوق الملكية الفكرية بكامله. فمن ناحية العالم المتطور هناك لوبي قوي يعتقد بأن جميع حقوق الملكية الفكرية تعود بالنفع على المؤسسات العامة في السوق وعلى الشعب عامة وانها تعمل بمثابة حافز للتقدم الفني. فهم يعتقدون ويجادلون بانه اذا كانت حقوق الملكية الفكرية ذات فائدة فان المزيد من تلك الحقوق يجب ان تكون أكثر فائدة. ومن ناحية العالم النامي هناك لوبي عالي الصوت ممن يعتقدون بأن حقوق الملكية الفكرية من المحتمل ان تشلّ تنمية الصناعة والتكنولوجيا المحلية ومن شأنها ان تؤذي الشعب المحلي ولن تفيد إلا العالم المتقدم. وهم يعتقدون ويجادلون بأنه اذا كانت حقوق الملكية الفكرية سيئة فان القليل منها هو أفضل وأحسن. وعملية تنفيذ الاتفاقية ذات العلاقة بالنواحي التجارية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية (تريبس) لم تسفر عن تضييق الفجوة التي تفصل بين الجانبين بل بالأحرى ساعدت على تقوية وجهات النظر التي يحملها كل طرف من الأطراف. فاولئك الذين يحبذون المزيد من حقوق الملكية الفكرية واحداث "ملعب متساوي يتسنى للجميع اللعب فيه" يرحبون باتفاقية (تريبس) على انها أداة مفيدة لتحقيق أهدافهم. وبالنسبة للذين يعتقدون بأن حقوق الملكية الفكرية هي سيئة للدول النامية، فهم يعتقدون بأن الملعب الاقتصادي كان غير متساو قبل اتفاقية "تريبس" وان ادخال هذه الاتفاقية قد عزز عدم المساواة هذه وقواها. كانت وجهات النظر هذه التي يحملها هؤلاء ثابتة وصادقة بحيث بدا أحيانا بأنه لم يكن أحد منهم مستعدا لسماع وجهة نظر الآخر. الاقناع كان منعدما والاكراه كان موجودا.

 

اذا كانت حقوق الملكية الفكرية حسنة او سيئة فقد تعوّد العالم المتقدم على التعايش معها خلال فترة طويلة من الزمن. حتى عندما تزيد المزايا عن المساوئ في بعض الأحيان، لدى العالم المتقدم على العموم القوة الاقتصادية القومية والآليات القانونية الموطدة للتغلب على المشاكل المرتبطة بها، طالما زادت الفوائد عن المساوئ فإن الدول المتقدمة لديها الثروة والبنية الأساسية التي تمكنها من الإستفادة من الفرص المتاحة. من المحتمل ان لا ينطبق ذلك على الدول النامية وعلى الدول الأقل نموا.

وهكذا ازاء هذه الخلفية قررت وزيرة الدولة تشكيل اللجنة وطلبت منها ان تأخذ بعين الاعتبار، من ضمن أمور أخرى، كيف يمكن تصميم نظام لحقوق الملكية الفكرية الوطنية يفيد أفادة أفضل الدول النامية. وفي هذا الطلب كان هناك اعترافا ضمنيا بأنه يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تكون أداة تساعد او تعيق الاقتصاد الهش. وأعضاء اللجنة أنفسهم يمثلون أفضل ما يمكن ان نبتغيه من الخبرة والبراعة ذات الصلة بالموضوع. وقد قاموا بالاستشارة على نحو واسع. وهذا التقرير هو نتيجة عملهم. انه تقرير رائع.

 

وعلى الرغم من ان نطاق السلطة والصلاحية دعا اللجنة الى ايلاء اهتمام خاص بالدول النامية فهم لم يهملوا مصالح واهتمامات الجانب الأخر. ومثلما يقول التقرير يجب ان لا تفرض معايير عالية من الملكية الفكرية على الدول النامية من دون القيام بتقييم جدي وموضوعي لتأثيرها على نمو تلك الدول. وقد اجتهدت اللجنة اجتهادا كبيرا في توفير هذا التقييم. فقد أصدرت تقريرا يحتوي على مقترحات معقولة معدة لتلبية معظم المتطلبات المعتدلة للجانبين.

 

ومع ذلك فان اصدار سلسلة من المقترحات القابلة للتنفيذ ليس أمرا كافيا بحد ذاته. الحاجة تدعو الى قبولها والى الارادة من أجل تنفيذها. ومن هذه الناحية نجد اللجنة مرة أخرى تلعب دورا رئيسيا. هذا ليس تقرير مجموعة ضغط. لقد جرى تشكيل اللجنة لتقديم نصيحة غير منحازة على قدر الامكان. ان أصول أعضاء اللجنة وطبيعة أفرادها يجب ان تشجّع جميع الأشخاص الموجه اليهم التقرير على أخذ توصياتها بجدية.

 

ظلت لمدة طويلة تعتبر حقوق الملكية الفكرية طعاما سائغا بالنسبة للدول الغنية وسمّا نقيعا بالنسبة للدول الفقيرة. أرجو ان يبيّن هذا التقرير بأن الأمر ليس بتلك السهولة. اذ يمكن للدول الفقيرة ان تجدها مفيدة شرط ان تكون معدة لكي تلائم الأذواق المحلية. تقترح اللجنة بأن يجري تقرير الوجبة الملائمة من حقوق الملكية الفكرية لكل بلد نامي على أساس ما هو الأفضل لنموه وانه يترتب على المجتمع الدولي وعلى الحكومات في جميع الدول ان تتخذ قراراتها مع وضع ذلك الأمر نصب عينيها. أرجو رجاء قويا ان يحثها هذا التقرير على القيام بذلك.

 

السير هيو لادي

قاضي بريطاني في المحاكم العليا متخصص في موضوع براءات الاختراع


قائمة بالمحتويات

أعضاء اللجنة                                                                             3

 

تمهيد                                                                                         4

 

كلمة اولى                                                                                   6

 

نظرة عامة                                                                                  13

المقدمة                                                                                       13

الخلفية                                                                                        15

مهمتنا                                                                                        19

 

الفصل الأول: الملكية الفكرية والتنمية                                                       27

المقدمة                                                                                       27

الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية                                                        29

          المقدمة                                                                            

          براءات الاختراع                                                                         

          حقوق النشر والتأليف                                                                    

التاريخ                                                                                       36

الأدلة عن الملكية الفكرية                                                                          39

          سياق الكلام                                                                       

          تأثير اعادة التوزيع                                                              

          النمو والابتداع                                                                   

          التجارة والاستثمار                                                              

نقل التكنولوجيا                                                                                      45

 

الفصل الثاني: الصحة                                                                             52

المقدمة                                                                                      

          الموضوع                                                                                  

          الخلفية                                                                             

الابحاث والتطوير                                                                                   56

          حوافز الأبحاث                                                                            

القدرة على حصول الفقراء على الأدوية                                                       60

          انتشار براءات الاختراع                                                                

          براءات الاختراع والأسعار                                                   

          العوامل الأخرى التي تؤثر على القدرة على الحصول على الأدوية            

المتضمّنات السياسية                                                                      68

          خيارات السياسة الوطنية                                                                

          الترخيص الاجباري للدول التي ليست لديها قدرة كافية على الانتاج الصناعي        

          تشريعات الدول النامية                                                                  

التمديد الذي تقدم به اعلان الدوحة للدول الأقل نموا                     

 

الفصل الثالث: الزراعة والموارد الجينية                                                    91

المقدمة                                                                                       91

          الخلفية                                                                             

حقوق الملكية الفكرية في الزراعة                                                    

النباتات وحماية الملكية الفكرية                                                                   93

          المقدمة                                                                            

          الأبحاث والتطوير                                                                        

          تأثير حماية تنوّع النباتات                                                               

          تأثير براءات الاختراع                                                                  

          الخلاصة                                                                                   

القدرة على الحصول على المصادر الجينية للنباتات وحقوق المزارعين                          105

          المقدمة                                                                            

          حقوق المزارعين                                                                         

          النظام المتعدد الأطراف                                                                 

 

الفصل الرابع: المعرفة التقليدية والمؤشرات الجغرافية                                 112

المقدمة                                                                                       112

المعرفة التقليدية                                                                                     113

          الخلفية                                                                             

          طبيعة المعرفة التقليدية والغرض من حمايتها                                      

          ادارة الحوار حول المعرفة التقليدية                                         

          استغلال نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية                  

          الحماية الضريبية Sui Generis للمعرفة التقليدية                                     

          استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها                                    

القدرة على الحصول على المعرفة التقليدية وتقاسم فوائدها                                125

          الخلفية                                                                             

          ميثاق التنوّع الاحيائي                                                          

الافصاح بالمنشأ الجغرافي للموارد الجينية في طلبات تسجيل براءات الاختراع     

 المؤشرات الجغرافية                                                                               131

          الخلفية                                                                             

          المؤشرات الجغرافية واتفاقية "تريبس"                                              

          سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية                                         

          التأثير الاقتصادي للمؤشرات الجغرافية                                    

 

الفصل الخامس: حقوق النشر والتأليف والتأليف برامج الحاسب الآلي وشبكة الانترنت 139

المقدمة                                                                                       138

حقوق النشر والتأليف والتأليف كحافز للابداع                                                          140

          جمعيات الاقتناء                                                                 

هل ستسمح حقوق النشر والتأليف والتأليف للدول النامية على اغلاق الفجوة في المعرفة؟    143

الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف والتأليف ونسخ الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف         145

حقوق النشر والتأليف والتأليف والقدرة على  الحصول على المعلومات                                    147

          المواد التعليمية                                                         

          المكتبات العامة                                                                  

حقوق النشر والتأليف والتأليف وبرامج الحاسب الآلي                                                150

توفير امكانيات شبكة الانترنت في مجال التنمية                                              152

          القيود التكنولوجية                                                     

 

الفصل السادس: اصلاح نظام براءات الاختراع                                            161

المقدمة                                                                                       159

تصميم أنظمة براءات الاختراع في الدول النامية                                  

          المقدمة                                                                   

          نطاق صلاحية براءات الاختراع                                            

          مقاييس صلاحية براءات الاختراع                                          

          الاستثناءات لحقوق براءات الاختراع                             

          توفير وسائل الحماية في سياسة تسجيل براءات الاختراع             

          تشجيع الابتداع على الصعيد الوطني                              

          استنتاجات                                                               

استخدام نظام براءات الاختراع في أبحاث القطاع العام                                     176

          المقدمة                                                                   

          الأدلة من الولايات المتحدة                                           

          الأدلة من الدول النامية                                               

كيف يمكن لنظام براءات الاختراع ان يعيق الأبحاث والابتداع                            180

          القضايا في الدول المتقدمة                                                              

          صلتها بالدول النامية                                                  

التوافق الدولي في مجال براءات الاختراع                                                     187

          الخلفية                                                                              187

          معاهدة لقانون اساسي لبراءات الاختراع في اطار

المنظمة العالمية للملكية الفكرية                                                         189

 

الفصل السابع: القدرات المؤسسية                                                  197

المقدمة                                                                                       195

وضع سياسة وتشريعات الملكية الفكرية                                                       

          وضع السياسة المتكاملة                                                                  196

ادارة ومؤسسات حقوق الملكية الفكرية                                                         199

          المقدمة                                                                   

          الموارد البشرية                                                                  

          تكنولوجيا المعلومات                                                  

الفحص مقابل انظمة التسجيل                                                           202

          التعاون الاقليمي او الدولي                                                              

التكاليف والايرادات                                                                       205

كلفة نظام للملكية الفكرية                                             

          تسديد التكاليف                                                         

التطبيق القانوني                                                                                     208

التطبيق في الدول النامية                                                                

التطبيق في الدول المتقدمة                                                              

تنظيم حقوق الملكية الفكرية                                                             210

المساعدات الفنية وبناء القدرات                                                                  212

          البرامج الحالية                                                                   

تقييم تأثير المساعدات الفنية                                                   

تمويل المساعدات الفنية الاضافية                                           

تأمين التقديم الفعال للمساعدات الفنية                              

 

الفصل الثامن: البنيان الدولي                                                                   221

المقدمة                                                                                       219

وضع المقاييس الدولية: المنظمة العالمية للملكية الفكرية ومنظمة التجارة العالمية              220

اتفاقية "تريبس"                                                                                     225

          مساعدة الدول النامية على تنفيذ اتفاقية "تريبس"                                  

          الجدول الزمني لتنفيذ اتفاقية "تريبس"                                      

الملكية الفكرية في الاتفاقيات الثنائية والاقليمية                                               229

مشاركة الدول النامية                                                                     231

          التمثيل الدائم في جنيف                                                         

          الوفود الخبيرة                                                          

دور المجتمع المدني                                                                                 234

تعميق الفهم بالملكية الفكرية والتنمية                                                   235

 

تلخيص الأسماء                                                                                    241

شرح الكلمات                                                                              243

كلمة تقدير                                                                                  249

نظرة عامة

 

المقدمة

 

تعترف "أهداف التنمية للألفية الثالثة" بأهمية تقليل الفقر والمجاعة وبتحسين الصحة والتعليم وبتأمين البيئة المستدامة. وبناء على ذلك فقد أخذ المجتمع الدولي التـزاما على نفسه بتخفيض نسبة الافراد الذين يعيشون تحت وطأة الفقر بالنصف مع حلول عام 2015، مع ما يرافق ذلك من أهداف معلومة لتحسين الصحة والتعليم والبيئة المستدامة.

 

ففي عام 1999 كان نحو 2ر1 بليون نسمة في العالم يعيشون على أقل من دولار واحد باليوم وما يقرب من  2.8 بليون نسمة يعيشون على أقل من دولارين باليوم.[5] وحوالي 65% من هؤلاء الناس كانوا يعيشون في جنوب و شرقي آسيا و 25% في دول افريقيا جنوب الصحراء. وفي عام 2001 توفي ثلاثة ملايين شخص من فيروس نقص المناعة البشرية / نقص المناعة المكتسبة من بينهم 2.3 مليون شخص في دول افريقيا جنوب الصحراء.[6] وكذلك يقضي داء السل على نحو1.7 مليون شخص في كافة أنحاء العالم.[7] وبموجب الاتجاهات الحالية فمن المتوقع ان تحدث 10.2 ملايين اصابة بتلك الأمراض في عام 2005.[8] ويتوفى سنويا أكثر من مليون شخص من داء الملاريا.[9] وفي عام 1999 كان 120 مليون طفل ما يزالون من دون التعليم الابتدائي. ولدول افريقيا جنوب الصحراء أدنى نسبة حالية من التعليم وهي 60% .[10]

 

مهمتنا هي دراسة هل وكيف يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تلعب دورا في مساعدة العالم على تحقيق تلك الأهداف ولا سيما أهداف تقليل الفقر ومكافحة الأمراض وتحسين صحة الأمهات والأطفال وتعزيز القدرة على الحصول على التعليم والمساهمة في النمو المستدام. ومهمتنا أيضا هي دراسة هل وكيف يمكن لتلك الحقوق ان تشكّل عائقا لتحقيق تلك الأهداف واذا كان هذا هو الحال كيف يمكن ازالة تلك العوائق.

 

والبعض يجادل بقوة قائلا بأن حقوق الملكية الفكرية هي ضرورية للحث على النمو الاقتصادي الذي بدوره يساهم في تقليل مستوى الفقر. اذ بالحث على الاختراع وعلى التكنولوجيات الحديثة فهذه ترفع الانتاج الزراعي او الصناعي وتحسّن توفر الأدوية اللازمة لمكافحة الأمراض. فهم يرون انه ليس هناك أي سبب يحول دون عمل نظام جيد في الدول النامية اذا كان ذلك النظام جيدا في الدول المتقدمة. والآخرون يجادلون بقوة متساوية على عكس ذلك. فهم يقولون بأن حقوق الملكية الفكرية لا تساهم بشكل يذكر في الحث على الاختراع في الدول النامية بسبب انعدام القدرات البشرية والفنية اللازمة في تلك الدول. فهي غير فعالة في الحث على الأبحاث التي تفيد الفقراء لأن هؤلاء لن يتمكنوا من تحمّل كلفتها حتى وان جرى تطويرها. فهي تحد من خيار التعلّم التكنولوجي عن طريق الممارسة. فهم يقولون بأن حقوق الملكية الفكرية تسمح للشركات الأجنبية بأن تطرد المنافسة المحلية وذلك بالحصول على حماية براءات الاختراع وتلبية حاجات السوق عن طريق الاستيراد بدلا من الانتاج المحلي. وعلاوة على ذلك فهي ترفع كلفة الأدوية الضرورية والانتاج الزراعي الأمر الذي يؤثر تأثيرا سلبيا على الفقراء وعلى المزارعين بصورة خاصة.

 

وفي تقييمنا لتلك الحجج المتضاربة يجب ان نتذكّر التباين التكنولوجي بين الدول النامية والدول المتقدمة كمجموعة من الدول. فالدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط يعود اليها نحو 21% من النتاج المحلي الاجمالي العالمي،8 ولكن أقل من 10% من الانفاق على الأبحاث والتطوير على الصعيد العالمي.[11]  وتنفق الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر على الأبحاث والتطوير من مجمل دخل الهند الوطني. وبدون استثناء تقريبا تعتبر الدول النامية دولا مستوردة للتكنولوجيا.

 

ومن الاهمية ان نأخذ بعين الاعتبار التفاوت في الدول النامية من حيث ظروفها الاجتماعية والاقتصادية وقدراتها التكنولوجية. وعموما أكثر من 60% من فقراء العالم يعيشون في بلدان لديها قدرات علمية وتكنولوجية كبيرة والغالبية العظمى من هؤلاء الناس يعيشون في الصين والهند. وللصين وللهند بالاضافة الى دول نامية صغيرة عديدة أخرى قدرات على درجة عالمية في عدد من المجالات العلمية والتكنولوجية بما فيها مثلا، مجال الفضاء والطاقة النووية والحاسب الآلي والتكنولوجيا الاحيائية والادوية وتطوير برامج الحاسب الآلي والطيران.[12] وبالمقابل يعيش 25% من الفقراء في دول أفريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب أفريقيا) وبصورة رئيسية في بلدان تعتبر قدرتها العلمية الفنية ضعيفة نسبيا.[13] وفي عام 1994 يقدّر بأنه عاد الى الصين والهند وبلدان أمريكا اللاتينية 9% تقريبا من النفقات على الأبحاث في كافة أنحاء العالم ولكن لم يعد الى دول افريقيا جنوب الصحراء الا 0.5  % فقط والى الدول النامية، ما عدا الصين والهند، حوالي 4% فقط.[14]

 

وهكذا فان الدول النامية ليست دولا متجانسة وهذه حقيقة بديهية كثيرا ما تكون بعيدة عن الذهن. القدرات العلمية والفنية لتلك الدول تختلف فيما بينها وكذلك تركيبتها الاجتماعية والاقتصادية وعدم المساواة في الدخل والثروة. وهكذا فان مسببات الفقر وبالتالي السياسات المناسبة لمواجهته تختلف بناء على ذلك بين دولة وأخرى. والمسببات ذاتها تنطبق على السياسات المترتبة على حقوق الملكية الفكرية. فالسياسات المطلوبة في تلك الدول التي تنعم بقدرات تكنولوجية متقدمة نسبيا وحيث يعيش معظم الفقراء، مثل الهند والصين، قد تختلف عن تلك المسببات في الدول ذات القدرات الضعيفة مثلما هو الحال بالنسبة لعدد كبير من دول افريقيا جنوب الصحراء. وكذلك فان تأثير سياسات الملكية الفكرية على الفقراء تختلف أيضا وفقا لظروفهم الاجتماعية والاقتصادية. فالسياسات التي تعمل على خير ما يرام في الهند لن تعمل بالضرورة على ما خير يرام في البرازيل او بوتسوانا.

 

الخلفية

 

شاهدنا خلال العشرين سنة الماضية زيادة لم يسبق لها مثيل في مستوى ونطاق والمدى الاقليمي دور حماية حقوق الملكية الفكرية.[15] وتشتمل مظاهرها على ما يلي:

 

·                   التسجيل ببراءات للأشياء والمواد الحية الموجودة في الطبيعة على عكس المنتجات والعمليات الصناعية من صنع الانسان والتي يمكن للانسان العادي ان يتعرف عليها بسهولة على انها اختراعات.

·                   تعديل أنظمة الحماية لايواء التكنولوجيات الجديدة (ولا سيما التكنولوجيا الاحيائية وتكنولوجيا الاعلام) مثل توجيه الاتحاد الاوروبي الخاص بالتكنولوجيا الاحيائية (EU Biotechnology Directive) [16]  او قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الثانية الرقمية (Digital Millenium Copyright Act) في الولايات المتحدة.

·                   تمديد الحماية لتشمل مجالات جديدة مثل برامج الحاسب الآلي وأساليب الأعمال والتبني في بعض الدول لأنظمة فريدة جديدة (sui generis) لشبه الموصّلات وقواعد المعلومات الرقمية.

·                   وتشديد جديد على حماية المعرفة الجديدة والتكنولوجيات التي ينتجها القطاع العام.

·                   والتركيز على العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والمعرفة التقليدية[17] والفولكلور والموارد الجينية.

·                   والتمديد الجغرافي للمعايير الدنيا لحماية الملكية الفكرية عن طريق اتفاقية "تريبس" (المرجو مراجعة المربّع صفر:1) وللمعايير الآعلى عن طريق التجارة الثنائية والاقليمية واتفاقيات الاستثمار.

·                   وتوسيع الحقوق المقصورة وتمديد مدة الحماية وتقوية آليات التطبيق.

 

المربّع صفر:1  منظمة التجارة العالمية واتفاقية "تريبس"

انبثقت الاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية "تريبس" (TRIPS) (16) من دورة يوروغواي من المفاوضات التجارية التي انتهت في عام 1994. أحدث الفصل الأخير من تلك المفاوضات "منظمة التجارة العالمية" (WTO) ووضع قواعد – اتفاقيات منظمة التجارة العالمية بما فيها اتفاقية "تريبس" – التي يجب على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ان يلتزموا بها. ووضعوا أيضا نظاما لتسوية النـزاعات من أجل حلّ النـزاعات التجارية بين الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. وفي شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام كانت تنتمي الى منظمة التجارة العالمية 144 دولة يعود اليها أكثر من 90% من التجارة العالمية. وأكثر من 30 دولة أخرى تتفاوض حاليا للانضمام الى المنظمة.

 

وتملي اتفاقية "تريبس" على جميع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية ان يوفروا الحد الأدنى من مقاييس الحماية لمجموعة واسعة من حقوق الملكية الفكرية بما فيها حقوق النشر والتأليف وبراءات الاختراع والعلامات التجارية والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية وتوبوغرافيات شبه الموصّلات والمعلومات غير المفشي عنها. وبقيامها بذلك، تشمل اتفاقية "تريبس" شروطا مأخوذة من عدد كبير من الاتفاقيات الدولية للملكية الفكرية القائمة حاليا مثل ميثاقي باريس وبيرن اللذين تديرهما المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO). ولكن، تدخل اتفاقية "تريبس" عددا من الالتـزامات الجديدة، ولا سيما في ما يتعلق بالمؤشرات الجغرافية وبراءات الاختراع والأسرار التجارية والتدابير المترتبة على كيفية تطبيق حقوق الملكية الفكرية.

 

وقد تأسست هيئة خاصة تعرف بـ "مجلس تريبس" يجلس فيه ممثل عن كل عضو في منظمة التجارة العالمية وهذا المجلس تأسس لادارة عملية اتفاقية "تريبس". و "مجلس تريبس" مسؤول عن مراجعة مختلف نواحي اتفاقية تريبس الواردة في الاتفاقية نفسها وكذلك تلك التي يتطلبها مؤتمر منظمة التجارة العالمية المنعقد على مستوى وزاري كل سنتين.

 

ومن بين المواضيع التي تطرقت اليها اتفاقية "تريبس" والتي أثارت المحادثات أكثر من غيرها ما يلي:

 

* ان كان يمكن تحقيق الهدف الوارد في المادة 7 من الاتفاقية بأنه يجب لحقوق الملكية الفكرية ان تساهم في نقل التكنولوجيا، ولا سيما بالنسبة للدول النامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.

* التوترات الملاحظة بين المادة 8 التي تسمح للبلدان لتبني تدابير لازمة لحماية الصحة العامة ومنع انتهاكات حقوق الملكية الفكرية، شرط ان تكون منسجمة مع اتفاقية "تريبس"، والمتطلبات الأخرى الواردة في الاتفاقية. تشتمل هذه على المتطلبات لتوفير حماية لبراءة الاختراع للادوية، ووضع حدود على الشروط المترتبة على اصدار التراخيص الاجبارية (المادة 31) وعلى نطاق الشروط التي تتيح الاستثناءات لحقوق براءة الاختراع (المادة 30).

* المتطلب لحماية معطيات التجارب ضد "الاستعمال التجاري غير المنصف" في المادة 39.

* والتبرير لتوفير حماية اضافية للمؤشرات الجغرافية للنبيذ والكحول (المادة 23) وهل يجب تمديد تلك الحماية الاضافية لتغطية المؤشرات الجغرافية الأخرى او كلها.

* المدى الذي يجب فيه السماح ببراءات الاختراع المتعلقة بالأشكال الحية، مثل الصغيرة جداً (المادة 27-3(ب)) والمتطلّب لتوفير حماية الملكية الفكرية للنباتات. وفي هذا الصدد برزت مسألة انسجام اتفاقية "تريبس" مع اتفاقيات أخرى مثل "ميثاق التنوّع الاحيائي" (CBD).

* وكلفة تلبية متطلبات "تريبس" بالنسبة لعدد كبير من الدول النامية والأقل نموا الأعضاء في منظمة التجارة العالمية فيما يتعلق بادارة حقوق الملكية الفكرية وتطبيقها بفعالية.

 

وضعت اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ في 1 يناير/كانون الثاني عام 1995. أعطيت الدول التي اعتبرت دولا متقدمة مهلة عام واحد للالتـزام بالاتفاقية بينما أعطيت الدول النامية والدول الكائن اقتصادها في مرحلة انتقالية حتى 1 يناير/كانون الثاني عام 2000 بينما أعطيت الدول النامية اللازم عليها تمديد حماية براءات المنتجات الى مجالات جديدة مثل الادوية مهلة خمس سنوات أخرى قبل ان يتعيّن عليها ان تدخل في مثل تلك الحماية. ويتوقع من الدول الأقل نموا (LDCs) ان تضع اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ في بلدها مع حلول عام 2006 بينما أتاح لها الاعلان الوزاري المنبثق عن مؤتمر الدوحة حول اتفاقية تريبس والصحة العامة مهلة 10 سنوات أخرى فيما يتعلق بمستحضرات بالادوية.

 

وحيث تنشأ نـزاعات حول تفسير اتفاقية تريبس وتنفيذها بموجب القوانين الوطنية، يمكن للأعضاء ان يرفعوا تلك القضايا للبت فيها من قبل "هيئة تسوية النـزاعات" (DSB) التابعة لمنظمة التجارة العالمية. وحتى الآن رفعت 24 قضية تتعلق باتفاقية تريبس استحضروا فيها اجراءات النـزاعات. ومن تلك القضايا 23 منها رفعتها دول نامية وواحدة رفعتها البرازيل. و 16 قضية تناولت نـزاعات بين دول نامية، و سبع منها رفعتها دول متقدمة ضد دول نامية وقضية رفعتها البرازيل ضد الولايات المتحدة. ومن القضايا الـ 24 تمت تسوية عشرة منها بالتراضي وسبع عالجتها لجان تشكّلت بموجب اجراءات الاتفاقية وسبع منها تنتظر البت والتسوية.

 

والقلق حول تشغيل نظام الملكية الفكرية وتمديد حقوق الملكية الفكرية لا يقتصر على تطبيق تلك الحقوق على الدول النامية. هناك حاليا تحقيقان هامان جاريان في الولايات المتحدة، واحد من قبل الأكاديميات الوطنية للعلوم والآخر من قبل وزارة العدل واللجنة الفدرالية للتجارة، وهما يبحثان في هذه المسألة المهمة.[18] والقلق يتركّز على الزيادة المتسارعة في طلبات تسجيل البراءات في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة (زيادة بلغت أكثر من

50% في السنوات الخمسة الماضية) والانطباع بأنه يجري اصدار عدد كبير من براءات الاختراع ذات "الجودة المتدنية" والنطاق الواسع. وهناك تخوّف كبير بأنه يجري منح العديد من براءات الاختراع او يمكن منحها لأمور ذات أهمية قليلة. مثلا، بالنسبة لصناعة الادوية قد يعني ذلك اطالة الاحتكارات على أدوية قيّمة. وقد تمنح البراءات أيضا في بعض الدول لمواد بيولوجية على أساس انه جرى عزلها من الطبيعة، وذلك اذا تعرفوا على عمل او منفعة محتملة لها. والمدى الذي يمكن فيه لمثل تلك الممارسات ان تؤثر على المنافسة بجعله من الصعب على المخترعين المنافسين ان يبيعوا منتجات منافسة او أغلى ثمنا بالنسبة للمستهلكين، وهو أمر يثير القلق والنقاش المتنامي. وهناك نقاش واسع عن تأثير ذلك على الأبحاث ولا سيما في مجال برامج الحاسب الالي والتكنولوجيا الاحيائية، حيث يمكن للبراءات التي يجري الحصول عليها في مرحلة مبكرة من عملية الأبحاث ان تشكّل عائقا على مسار الأبحاث وفي استغلالها تجاريا بعد ذلك.

 

وفي مقال هام طلع العالم البيولوجي غاريت هاردين[19] بعبارة "مأساة الموارد الشائعة" لتفسير كيف يجري استغلال الموارد الشائعة أكثر مما ينبغي في غياب القواعد المترتبة على استخدامها. ويقال بأن تكاثر حقوق الملكية الفكرية في بعض المجالات مثل الأبحاث في الطب الحيوي قد يبرز احتمال نشوء "مأساة مختلفة، ضد الموارد الشائعة بحيث يستخدم الناس الموارد النادرة استخداما قليلا لأنه يمكن لعدد كبير من مالكي حقوقها ان يعيقوا بعضهم البعض بالتنافس عليها... وهكذا يمكن لحقوق الملكية الفكرية الزائدة ان تؤدي الى فائدة أقل مما يجب لتحسين صحة البشر".[20] يمكن للشركات الآن ان تتكبد تكاليف باهظة، بالوقت والمال، لمعرفة كيف يمكنها ان تقوم بالأبحاث من دون انتهاك حقوق البراءة للشركات الأخرى، او في الدفاع عن حقوق براءاتها ضد الشركات الأخرى. وهنا يطرح السؤال. هل التكاليف الباهظة في البحث بالبراءات وفي التحليل وفي المقاضاة القانونية هو ثمن ضروري للحوافز التي يوفرها نظام البراءات او يمكن ايجاد طرق أخرى لتقليلها؟

 

والأمور ليست مقتصرة على براءات الاختراع. ففي القرن الماضي تم تمديد في الولايات المتحدة مدة حقوق النشر والتأليف من 28 عاما (قابلة للتجديد لمدة 28 عاما آخر) بموجب قانون حقوق النشر والتأليف الصادر عام 1909 الى 70 عاما بعد وفاة المؤلف او 95 عاما من تاريخ النشر (تمشيا مع الممارسة الاوروبية). والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لتمديد الحماية ان تعتبر حقا بأنها تعزز الحوافز للابتكار في المستقبل ام انها تعزز قيمة الابتكارات الحالية فقط؟ في عام 1998 أصدر الكونغرس الأمريكي قانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقمي الذي يمنع، من بين أمور أخرى، التغلّب بالحيلة او المراوغة على الحماية التكنولوجية (أي التشفير). وفي اوروبا يتطلب "توجيه قاعدة المعطيات" ان تقوم جميع الدول الأعضاء بتوفير حماية ضريبية sui generis لأية مجموعة من المعطيات تكون مرتبة بطريقة نظامية ان كانت المعطيات بحد ذاتها أصلية ام لا. حتى الآن لم تتبع الولايات المتحدة هذا الاسلوب في التعامل بالموضوع. وهناك قلق متنامي من ان الحماية تحت تأثير الضغوط التجارية غير الممنوعة بشكل كاف باعتبارات المصلحة العامة، يجري تمديدها من أجل حماية قيمة الاستثمارات بدلا من الحث على المزيد من الاختراع او الابتكار.

 

ونحن نعتقد بأن القلق من تأثير الملكية الفكرية في الولايات المتحدة وفي الدول المتقدمة الأخرى هو ذو أهمية أيضا بالنسبة للدول النامية. ولكننا نعتبر أن تكاليف وضع نظام "خاطىء" للملكية الفكرية في دولة نامية من المحتمل ان تكون أكثر من تكاليفها في الدول المتقدمة. اذ لدى معظم الدول المتقدمة أنظمة متطوّرة من قواعد المنافسة تضمن عدم تأثير أية حقوق احتكارية تأثيرا غير ملائم على المصلحة العامة. في الولايات المتحدة وفي الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي مثلا، تلك الأنظمة هي قوية بصورة خاصة وموطدة الأركان. ولكن في معظم الدول النامية فان الأمر ليس كذلك الأمر الذي يجعل مثل تلك الدول معرضة بصورة خاصة الى أنظمة غير ملائمة للملكية الفكرية. ونحن نرى بأنه يمكن للدول النامية ان تتعلم من خبرة الدول المتقدمة في استنباط أنظمتها الخاصة للملكية الفكرية التي تكون مناسبة لنظامها القانوني الخاص ولوضعها الاقتصادي.

 

وعدا عن تأثير قواعد الملكية الفكرية المحلية داخليا على الدولة النامية هناك أيضا تأثيرات غير مباشرة لنظام الملكية الفكرية في الدولة المتقدمة على الدول النامية. وفي عصر الحاسب الآلي فان القيود على حرية الحصول على المواد والمعطيات عن طريق الانترنت تؤثر على الجميع. يمكن، مثلا، ان يمنع العلماء في الدولة النامية من الحصول على المعطيات المحمية او ان لا تكون لديهم الموارد الكافية للقيام بذلك. اذ يمكن عرقلة الأبحاث حول الأمراض الهامة او حول المحاصيل الجديدة التي تؤثر على الدول النامية، وبينما هي تجري في الدول المتقدمة، او ترويجها بواسطة نظام الملكية الفكرية. ويمكن لنظام الملكية الفكرية في الدول النامية ان يوفر حوافز قوية للقيام بأنواع معيّنة من الأبحاث التي تفيد الناس في الدول المتقدمة وبالتالي ابعاد الموارد عن القيام بأعمال لحل مشاكل ذات أهمية عالمية. ويمكن للممارسة في الدول المتقدمة ان تسمح بالتسجيل ببراءة المعرفة او الموارد الجينية الناشئة أصلا في الدول النامية بدون ترتيبات مسبّقة لتقاسم أية فوائد من استغلال تلك المعرفة او الموارد تجاريا. وفي بعض الحالات يمكن تقييد صادرات الدول النامية الى الدول المتقدمة نتيجة لمثل تلك الحماية.

 

ومن الأهمية بالتساوي بالنسبة للدول النامية أيضا الاتجاه المستمر نحو التوافق العالمي على حماية الملكية الفكرية. والحركة نحو التوافق ليست حركة جديدة اذ هي جارية منذ أكثر من مائة عام. ولكن اتفاقية "تريبس"، التي أصبحت سارية المفعول في عام 1995، مع مراعاة فترات انتقالية محددة،  (المرجو مراجعة المربّع صفر:1) قد جعلت المقاييس الدنيا لحماية الملكية الفكرية الزامية على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. ولكن اتفاقية "تريبس" ما هي الا عنصر واحد في عملية التوافق الدولي. وهناك مباحثات مستمرة في المنظمة العالمية للملكية الفكرية غايتها المزيد من التوافق في نظام البراءات التي قد تحل محل اتفاقية "تريبس". وعلاوة على ذلك، فان التجارة الثنائية او الاقليمية واتفاقيات الاستثمار بين الدول المتقدمة والدول النامية كثيرا ما تشمل التـزامات متبادلة لتنفيذ أنظمة الملكية الفكرية التي تتجاوز المعايير الدنيا التي وضعتها اتفاقية "تريبس". وهكذا هناك ضغط مستمر على الدول النامية لرفع مستويات حماية الملكية الفكرية في أنظمتها وذلك بناء على المعايير القائمة في الدول المتقدمة.

 

وقد اندهشنا من طبيعة الأمور المشكوك بأمرها للقدر الكبير من الأبحاث الاقتصادية المكرّسة لتوضيح تأثير حقوق الملكية الفكرية حتى في الدول المتقدمة. هناك الشيء الكثير غير أكيد وبالنظر الى طبيعة الموضوع يمكن ان يبقى كذلك. اذ كثيرا ما يكون تأثير حقوق الملكية الفكرية مشروطا بظروف معيّنة وبالسياق. ولهذا السبب يبقى عدد كبير من المراقبين الأكاديميين متأرجحين في الرأي باصرار حول ما اذا كانت الفوائد الاجتماعية من حقوق الملكية الفكرية تفوق تكاليفها. وفيما يلي مثال نموذجي على ذلك:

 

"من المستحيل تقريبا ان نتصوّر أية مؤسسة اجتماعية متواجدة حاليا (نظام البراءات) فيها أخطاء في هذا العدد من النواحي. فهي باقية فقط لأنه لا يبدو ان هنالك أفضل منها".[21]

 

وبالنسبة للدول النامية علّقت تقارير عديدة أصدرتها وكالات دولية في الآونة الأخيرة على التأثير المحتمل لعولمة حماية الحقوق الفكرية على الدول النامية.[22] تعكس كل تلك التقارير مدى القلق من تكبّد التكاليف الباهظة وبأن الفوائد بالنسبة لعدد كبير من الدول من الصعب تحديدها.

 

مهمتنا

 

نحن نعتبر بأن تشكيل لجنتنا هو دليل على حساسية الحكومة البريطانية لهذا القلق. وفي ضوء ذلك، فان مهمتنا الأساسية هي دراسة ما اذا كان بامكان القواعد والمؤسسات الخاصة بحماية الملكية الفكرية حسب تطورها حتى تاريخه ان تساهم في التنمية وفي تخفيض الفقر في الدول النامية.

 

ونبتدىء بالقول بأن حماية ما للملكية الفكرية هي مناسبة لمرحلة ما من نمو الدول النامية مثلما كانت تاريخيا بالنسبة للدول المتقدمة. لا شك أبدا من انه يمكنها ان تساهم مساهمة هامة في الأبحاث وفي الابتداع في الدول النامية، ولا سيما في بعض الصناعات مثل صناعة الادوية والمواد الكيماوية. يتيح النظام الحافز للأفراد وللشركات للاختراع ولتطوير تكنولوجيات جديدة يمكنها ان تفيد المجتمع. ولكن الحوافز تعمل بشكل مختلف اعتمادا على ما اذا كانت هناك القدرات للاستجابة اليها. وبمنح الحقوق المقتصرة فهي تفرض تكاليف على المستهلكين وعلى المستعملين الآخرين للتكنولوجيات المحمية ببراءة. وفي بعض الحالات، تعني الحماية بأنه يتعذّر على المستهلكين او المستعملين المحتملين دفع الأسعار التي يطلبها مالكو الملكية الفكرية وبالتالي فهم يحرمون من الحصول على الابتكارات التي وضع نظام الملكية الفكرية من أجل توفيرها. ويتفاوت ميزان التكاليف والفوائد وفقا لكيفية تطبيق الحقوق وللظروف الاقتصادية والاجتماعية. مقاييس حماية الملكية الفكرية التي قد تكون مناسبة للدول المتقدمة قد تفرض تكاليف أكبر من الفوائد عند تطبيقها في الدول النامية التي تعتمد الى حد بعيد على المعرفة او على المنتجات التي تشمل المعرفة المتولدة في مكان آخر من أجل تلبية حاجاتها الأساسية وتعزيز تنميتها.

 

طبيعة حقوق الملكية الفكرية

 

يرى البعض حقوق الملكية الفكرية بصورة رئيسية على انها حقوق اقتصادية او تجارية بينما يراها الآخرون على انها شبيهة بالحقوق السياسية او حقوق الانسان. تعاملهم اتفاقية "تريبس" بموجب المفهوم السابق وبنفس الوقت تعترف بالحاجة الى ايجاد توازن بين حق المخترعين والمبتكرين في الحماية وحقوق المستعملين للتكنولوجيا (المادة 7 من اتفاقية تريبس). للاعلان العام لحقوق الانسان تعريف أوسع اذ هو يعترف بـ "الحق في حماية المصالح الأخلاقية والمادية الناجمة عن أي انتاج علمي او أدبي او فني يكون الشخص مؤلفه" مع مراعاة في كفة الميزان الأخرى "الحق... في حصة في التطوّر العلمي وفي فوائده".[23]  المسألة المهمة هي التوفيق بين المصلحة العامة في الحصول على المعرفة الجديدة وعلى منتجات المعرفة الجديدة من جهة والمصلحة العامة في الحث على الاختراع والابتكار اللذان ينتجان المعرفة الجديدة والمنتجات التي قد يعتمد عليها التقدّم المادي والثقافي من جهة أخرى.

 

تكمن الصعوبة في ان نظام الملكية الفكرية يسعى الى هذا التوفيق بمنح حق خاص وفوائد المواد الخاصة. وهكذا فان حق (الانسان) في حماية "المصالح الأخلاقية والمادية للمؤلفين" مرتبط ارتباطا تاما بالحق في فوائد المواد الخاصة الناجمة عن تلك الحماية. ويستمد المبدع او المخترع الفائدة الخاصة على حساب المستهلك. وعندما يكون المستهلك فقيرا قد يتعارض ذلك مع حقوق الانسان الأساسية، مثلا، الحق في الحياة. ولا يسمح نظام الملكية الفكرية، كما هو مبيّن في اتفاقية تريبس،، الا في طرق ضيّقة نوعا ما، التمييز بين السلع اللازمة للحياة او للتعليم من ناحية وبين السلع الأخرى مثل الأفلام او الوجبات السريعة من ناحية أخرى.

 

وهكذا نحن نرى بأن الحق في الملكية الفكرية يجب ان يرى كأحد الأساليب التي يمكن بموجبها للأمم والمجتمعات ان تساعد في تشجيع تحقيق حقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية. وبوجه خاص، لا توجد أية ظروف يجب فيها اخضاع حقوق الانسان الجوهرية الى متطلبات حماية الملكية الفكرية. حقوق الملكية الفكرية تمنحها الدول لأزمنة محدودة (على الأقل بالنسبة لبراءات الاختراع وحقوق النشر والتأليف والتأليف) بينما حقوق الانسان هي حقوق شاملة وغير قابلة للتحويل.[24]

 

تعتبر حقوق الملكية الفكرية عموما في هذه الأيام على انها حقوق اقتصادية وتجارية مثل ما هو الحال بالنسبة لاتفاقية "تريبس"، وكثيرا ما تملكها الشركات وليس المخترعون الأفراد. ولكن وصفها على أنها "حقوق" يجب ان لا يخفي المعضلة الحقيقية جدا الناجمة عن تطبيقها في الدول النامية حيث يمكن ان تكون التكاليف الاضافية التي تفرضها على حساب مستلزمات الحياة الأساسية للفقراء.

 

وبغض النظر عن العبارة التي تستخدم لها فنحن نفضل ان نعتبر حقوق الملكية الفكرية بمثابة آليات في السياسة العامة تمنح امتيازات اقتصادية للأفراد او المعاهد فقط لأغراض المساهمة في الخير العام الأوسع. وهكذا فان هذا الامتياز هو وسيلة لتحقيق غاية وليس غاية في حد ذاته.

 

وهكذا عندما نقيّم قيمة حماية الملكية الفكرية فيمكننا مقارنتها بدفع الضرائب. قلما يوجد من يدعي انه كلما ازدادت الضرائب كلما كان ذلك أفضل لنا. ومع ذلك هناك نزعة عند البعض لمعاملة حماية الملكية الفكرية على انها أمر حسن. ويمكن ان تكون الزيادة في الضرائب أمر مستحسن فيما لو قدّمت الخدمات العامة التي يقدّرها المجتمع أكثر من كلفة دفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة. ولكن يمكن ان يكون الانخفاض في دفع الضرائب مفيدا أيضا اذا كانت الضرائب الباهظة من شأنها ان تضرّ النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك يمضي الاقتصاديون والسياسيون قسطا كبيرا من الوقت في دراسة ما اذا كانت بنية النظام الضريبي هي البنية المثلى. فهم يتساءلون: هل ضرائب الضمان الاجتماعي الثقيلة تلحق الضرر بسبل التوظيف؟ وهل الفوائد الضريبية المعيّنة تخدم غرضها المعدة له او انها تقدم مجرد العون المالي لمستلميها للقيام بما هم يقومون به حاليا؟ وهل تأثير نظام الضرائب على توزيع الدخل هو مرغوب فيه من الوجهة الاجتماعية؟

نحن نعتقد بأن هناك أسئلة مشابهة علينا ان نطرحها بخصوص الملكية الفكرية. كم منها هو مفيد؟ كيف يجب تشكيل بنيتها؟ كيف تتفاوت البنية المثلى اعتمادا على قطاعات ومستويات التنمية؟ وعلاوة على ذلك حتى وان حصلنا على مستوى وبنية الحماية الصحيحة فمن أجل موازنة الحافز للاختراع والابتكار موازاة بتكاليفه للمجتمع علينا ان نفكر مليا في كيفية توزيع المكاسب.

التقاسم العادل للفوائد والتكاليف

الأثر الفوري لحماية الملكية الفكرية هي انها تفيد ماليا الحائزين على المعرفة وقوة الاختراع وتزيد تكاليف الحصول عليها من قبل اولئك الذين لا يملكون المعرفة وقوة الاختراع. فمن الواضح ان ذلك له صلة وثيقة بتوزيع المكاسب بين الدول المتقدمة والدول النامية. اذ حتى وان كانت هناك مكاسب اقتصادية للعالم أجمع من تمديد الحماية، وهو أمر موضع جدل، فان نتائج توزيعه بالنسبة للدخل قد لا تتفق مع حسّنا بالعدل والانصاف. ففي غالبية الدول النامية التي تتميّز بنياتها التحتية العلمية والفنية بالضعف، فان الفوائد المنطوية على الحافز على الابتكار الوطني ستكون خفيفة ومع ذلك عليها ان تواجه التكاليف الناجمة عن حماية التكنولوجيات (الأجنبية بصورة رئيسية). وهكذا فلن يجري التوزيع بعدل وانصاف تكاليف وفوائد النظام ككل.

 

وان لم يكن للدول النامية قاعدة تكنولوجية قوية يمكنها ان تستفيد من حماية الملكية الفكرية فلديها موارد جينية ومعرفة تقليدية ثمينة لها وللعالم أجمع على حد سواء. فهذه ليست بالضرورة موارد من موارد الملكية الفكرية بالمعنى الذي تفهمه الدول المتقدمة ومع ذلك فهي بكل تأكيد موارد يمكن على أساسها احداث الحماية للملكية الفكرية وفي الواقع حدث ذلك. هذا الأمر يبرز عددا من المسائل الصعبة حول ما اذا وكيف يجب ان تتفاعل تلك الموارد مع نظام الملكية الفكرية "الحديث"، وتقييمها بموجبه، ومدى حاجة تلك الموارد وتلك المعرفة لحمايتها ذاتيا (وليس فقط في معنى الملكية الفكرية)، وكيف يمكن تقاسم بعدل وانصاف الفوائد التجارية الناجمة عن تلك الموارد.

 

وتتيح الانترنت أيضا فرصا عظيمة للحصول على المعلومات التي تتطلبها الدول النامية، ولا سيما العلماء والباحثون، الذين يمكن ان تكون حرية حصولهم على المواد المكتوبة محدودة بسبب الافتقار الى الموارد المادية. ولكن هناك قلق من ان بعض اشكال التشفير (او "ادارة الحقوق الرقمية")، المعدة لمكافحة النسخ الواسع الانتشار، ان تجعل تلك المواد صعبة المنال مما هو الحال الآن بالمواد المطبوعة. ان مثل تلك الاتجاهات تعرّض للخطر مفهوم "الاستخدام المنصف"[25] (والمبادىء المشابهة) مثلما هي تنطبق حاليا على المواد المطبوعة، وفي الحد الأقصى يمكنها ان تصبح ما يساوي الحماية الأبدية لحقوق النشر والتأليف بوسائل تكنولوجية بدلا من الوسائل القانونية.

 

كيف يجب وضع سياسة الملكية الفكرية

 

بالنظر الى وجود هذا القدر الكبير من الشكوك والجدل حول التأثير العالمي لحقوق الملكية الفكرية، فاننا نعتقد بأنه من واجب واضعي السياسة ان يأخذوا بعين الاعتبار الأدلة المتوفرة، على الرغم من عدم كمالها، قبل توسيع نطاق او المدى الجغرافي لحقوق الملكية الفكرية.

 

كثيرا ما نجد بأن مصالح "المنتج" هي المهيمنة عند تطوير سياسة الملكية الفكرية وبأن مصالح المستهلك في نهاية الأمر لا تسمع ولا يؤخذ لها حساب. وهكذا يجري وضع السياسة بناء على مصالح المستعملين التجاريين للنظام بدلا من وضعها على أساس المصلحة العامة الكبرى. وفي المحادثات بخصوص حقوق الملكية الفكرية بين الدول المتقدمة والدول النامية هناك عدم توازن مشابه لذلك. وزارات التجارة في الدول المتقدمة تتأثر بصورة رئيسية بمصالح المنتج وهي ترى فوائد له من حماية قوية للملكية الفكرية في أسواق التصدير بينما لا يمكن للأمم المستهلكة، وهي في غالبيتها الدول النامية، ان تحدد وتمثّل مصالحها ازاء مصالح الأمم المتقدمة.

 

وهكذا فاننا نعترف بأن قواعد وممارسات الملكية الفكرية وكيفية تطورها هي حصيلة الاقتصاد السياسي. وهكذا تتفاوض الدول النامية، ولا سيما المستهلكين الفقراء للمنتجات التي تكون محمية بحقوق الملكية الفكرية، من موقع ضعيف نسبيا. هناك عدم تناسق جوهري في العلاقات بين الدول المتقدمة والدول النامية مبنية في آخر المطاف على قوتها الاقتصادية النسبية.

 

المفاوضات حول اتفاقية "تريبس" في دورة يوروغواي ما هي الا مثال واحد على ذلك. الدول النامية قبلت باتفاقية "تريبس" ليس لأنه في ذلك الوقت كان تبني حماية الملكية الفكرية عاليا في قائمة أولوياتها بل لأنها اعتقدت بأن الرزمة الكاملة المعروضة عليها، بما فيها تخفيض الحماية التجارية في الدول المتقدمة، ستكون مفيدة لها. اما الآن يشعر الكثير منها بأن الالتـزامات التي أخذتها الدول المتقدمة على عاتقها لتحرير الزراعة والأنسجة وتخفيض التعرفة، لم تحترمها او تنفّذها، بينما على الدول النامية ان تعيش تحت أعباء اتفاقية "تريبس". وتعترف الاتفاقية حول "تطوّر" جديد تم الوصول اليه في دورة الدوحة من مؤتمر منظمة التجارة العالمية في العام الماضي بأنه هناك حاجة الى تفسير تلك الصفقة بين الدول المتقدمة والدول النامية وجعلها ذات معنى.

 

الصعوبة بالنسبة للدول النامية في هذا الصدد هي انها دول "تأتي في المرتبة الثانية" في عالم شكلته الدول التي أتت قبلها ولهذا السبب فان العالم يختلف اختلافا كبيرا مما كان عليه عندما تطوّرت الدول التي سبقتها. اننا نعيش في عصر العولمة أصبح فيه الاقتصاد العالمي اكثر اندماجا مما كان عليه في السابق. ومن المعروف في المجتمع الدولي ان الاندماج في الاقتصاد العالمي بناء على شروط مناسبة هو شرط ضروري للتنمية. والسؤال بالنسبة لنا هو: ما هي الشروط المناسبة لذلك الاندماج في مجال حقوق الملكية الفكرية؟ اذ مثلما قامت الدول المتقدمة الآن بتشكيل أنظمتها للملكية الفكرية لتناسب ظروفها الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية الخاصة، يجب ان تتوفر الآن من حيث المبدأ الامكانية للدول النامية لتقوم بالمثل.

 

وهكذا فنحن نستخلص بالقول بأنه هناك حاجة تدعو الى ايلاء انتباه أكبر الى حاجات الدول النامية عند وضع السياسة الدولية المترتبة على الملكية الفكرية. وانسجاما مع القرارات الأخيرة التي اتخذها المجتمع الدولي في اجتماعاته في الدوحة ومونتري، يجب دمج أهداف التنمية عند وضع قواعد وممارسة الملكية الفكرية. وفي مونتري في شهر مارس/آذار 2002 رحّبت الحكومات بـ "القرارات التي اتخذتها منظمة التجارة العالمية لوضع حاجات ومصالح الدول النامية في صميم برنامج عملها". وهي اعترفت بقلق الدول النامية بما في ذلك قلقها مما يلي:

 

 "عدم الاعتراف بحقوق الملكية الفكرية لحماية المعرفة التقليدية والفولكلور؛ نقل المعرفة والتكنولوجيا؛ وتطبيق وتفسير الاتفاقية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية باسلوب يدعم الصحة العامة..."[26]

 

نحن نعتقد بأن ذلك هو جدول أعمال جيد ولكنه منحاز. هناك الشيء الكثير الذي يجب التفكير به وعمله عند دراسة تأثير النظام القائم على الدول النامية. نحن نعتقد بأنه يمكن لأنظمة الملكية الفكرية، ان لم نكن حذرين، ان تدخل تشوّهات يمكنها ان تضر بمصالح الدول النامية. يمكن للمستويات "العالية" جدا من الحماية ان تكون في المصلحة العامة في الدول المتقدمة التي تتمتع ببنيات تحتية علمية وتكنولوجية متطوّرة للغاية (مع انه من الجدير بالملاجظة بأن ذلك مثير للجدل من نواح عديدة)، ولكن ذلك لا يعني بأن المستويات ذاتها هي مناسبة في جميع الدول النامية. في الواقع اننا نعتبر بأنه على الدول النامية ان تولي اهتماما أكبر الى التوفيق بين مصلحتها الذاتية التجارية كما تراها، مع مصلحتها في تخفيض الفقر في الدول النامية.

2 Paragraphs on P10 of the English text are missing here

لقد حددنا عددا من القضايا الرئيسية بالنسبة للدول النامية والتي نعالجها في الفصول التالية وهي:

 

·                   ماذا يمكننا ان نتعلمه من الأدلة الاقتصادية والتجريبية حول أثر الملكية الفكرية في الدول النامية؟ وهل تحمل الخبرة التاريخية لدى الدول المتقدمة أية دروس يمكن للدول النامية ان تتعلم منها في الوقت الحاضر؟ وكيف يمكن تسهيل نقل التكنولوجيا الى الدول النامية؟ (الفصل الأول)

·                   كيف يساهم نظام الملكية الفكرية في تطوير الأدوية التي يحتاج اليها الفقراء؟ وكيف يؤثر على حصول الفقراء على الأدوية ويؤثر على توفرها؟ وماذا يعني ذلك لقواعد وممارسات الملكية الفكرية؟ (الفصل الثاني)

·                   هل يمكن لحماية الملكية الفكرية الخاصة بالنباتات والموارد الجينية ان تفيد الدول النامية والفقراء؟ ما هو نوع الأنظمة التي يجب ان تأخذها الدول النامية بعين الاعتبار لحماية أنواع النباتات وبنفس الوقت حماية حقوق المزارعين؟ (الفصل الثالث)

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساهم في مبادىء حرية المنال والفوائد المكرّسة في ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD)؟ هل يمكنه ان يساعد في حماية او تشجيع المعرفة التقليدية والتنوّع الاحيائي والتعابير الثقافية؟ وهل يمكن لتمديد المؤشرات الجغرافية (27) (GIs) ان تفيد الدول النامية؟ (الفصل الرابع)

·                   كيف تؤثر حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف على حرية الدول النامية للحصول على المعرفة والتكنولوجيات والمعلومات التي هم بحاجة اليها؟ وهل يمكن لحماية الملكية الفكرية او الحماية التكنولوجية ان تؤثر على القدرة على الوصول الى الانترنت؟ وكيف يمكن استعمال حقوق النشر والتأليف والتأليف لدعم الصناعات المبتكرة في الدول النامية؟ (الفصل الخامس)

·                   وكيف يترتب على الدول النامية ان تعد تشريعاتها وممارساتها المتعلقة ببراءات الاختراع؟ هل يمكن للدول النامية ان تعد تشريعاتها بطرق يمكن بموجبها ان تتجنّب بعض المشاكل التي قد حدثت في الدول المتقدمة؟ ما هو أفضل موقف يمكن للدول النامية ان تتخذه في ما يتعلق بانسجام براءات الاختراع؟ (الفصل السادس)

·                   ما هي المؤسسات التي تحتاج اليها الدول النامية لادارة وتطبيق وتنظيم الملكية الفكرية بكفاءة وكيف يمكن تأسيس تلك المؤسسات؟ ما هي السياسات والمؤسسات المكملة اللازمة، ولا سيما فيما يتعلق بالمنافسة؟ (الفصل السابع)

·                   هل المؤسسات الدولية والوطنية المشمولة في حقوق الملكية الفكرية فعالة كما يجب في مصلحة مصالح الدول النامية؟ (الفصل الثامن)

_______________________________________________________

(1) البنك العالمي (2001) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل لصالح فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن، الصفحة 30 المصدر:

http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/full.htm

(2) حملة الايدز ومنظمة الصحة العالمية (2001) "أحدث المعلومات عن وباء الايدز" UNAIDS/WHO، جنيف، المصدر:

http://www.unaids.org/worldaidsday/2001/Epiupdate2001/Epiupdate2001 en.pdf

 (3) منظمة الصحة العالمية (2001) "تقرير عن الصحة العالمية 2001"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، ملحق احصائيات، الجدول الثاني. "الوفيات حسب السبب والجنس وعدد الوفيات في سنين معيّنة في المناطق التي تغطيها منظمة الصحة العالمية، التقديرات لعام 2000". المصدر:

http://www.who.int/whr/2001/main/en/pdf/annex2.en.pdf

(4) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/HivAids.htm

(5) منظمة الصحة العالمية (2001).

(6) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/education.htm

(7) معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.worldbank.org/data/databytopic/GDP.pdf.. نحدد في هذا التقرير على ان الدول النامية هي تلك الدول التي صنفها البنك العالمي على انها دول ذات دخل منخفض او ذات دخل متوسط الانخفاض ودول ذات دخل متوسط الارتفاع. المصدر:

http:www.worldbank.org/data/countryclass/classgroups.htm

(8) المرجو مراجعة الملاحظة 12 أدناه.

(9) بلغت مصاريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 1999 553 بليون دولار أمريكي. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2001) "لوحة الاحصاءات للعلوم والتكنولوجيا والصناعة 2001 – نحو اقتصاد مبني على المعرفة"، اعداد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، باريس. المصدر:

http://www1.oecd.org/publications/e-book/92-2001-04-1-2987/A.2.htm . كان دخل الهند الوطني 440 بليون دولار. معلومات من البنك العالمي. المصدر: http://www.developmentgoals.org/Data.htm

(10) أحد مقاييس القدرات التكنولوجية هو عدد براءات الاختراع الأمريكية التي تصدر سنويا. ومن بين الدول النامية التي تم منحها أكثر من 50 براءة اختراع أمريكية في عام 2001 ما يلي: الصين 266؛ الهند 179؛ جنوب أفريقيا 137؛ البرازيل 125؛ المكسيك 87؛ الأرجنتين 58؛ ماليزيا 56. تلقت الصين (تايوان) 6545 وكوريا 3763 ولكن الدولتان لا تعتبران دولا نامية بموجب تصنيف البنك العالمي. المصدر:

all.pdf  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst  

(11) تلقت هذه المنطقة 10 براءات اختراع أمريكية فقط في عام 2001. المصدر:

all.pdf  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst 

(12) في عام 1994 بلغ حساب الصين 9ر4% من النفقات العالمية على الأبحاث والتطوير؛ والهند ودول آسيا الوسطى 2ر2%؛ وأمريكا اللاتينية 9ر1% ودول المحيط الهادىء وجنوب شرقي آسيا 9ر0% (باستثناء الدول الصناعية الجديدة) دول افريقيا جنوب الصحراء5ر0%. منظمة الاونسكو (1998) "التقرير العالمي للعلوم 1998"، منظمة الاونسكو، جنيف، الصفحات 20-21. المصدر:

pub/wsr98en.htm eng http://www.unesco.org/science/publication   

(13) المرجو مراجعة المربع صفر : 1

(14) التوجيه 98/44/EC الصادر عن البرلمان الاوروبي وعن المجلس في 6 يوليو/تموز 1998 حول الحماية القانونية للاختراعات البيوتكنولوجية، المجلة الرسمية ل 213، 30 يوليو/تموز 1998، الصفحات 13-21 . المصدر:

http://europa.eu.int/smartapi/cgi/sga

doc?smartapi!celexapi!prod!CELEXnumdoc&lg=EN&numdoc=31998L0044&model=guichett

(15) راجع شرح الكلمات للتعريف.

(16) يمكن ايجاد النص الكامل لاتفاقية "تريبس" على موقع الانترنت وعنوانه:

e/legal  e/27-trips.pdf  http://www.wto.org/english/docs

(17)  الأقل نموا هي الدول وعددها 49 المصنّفة كذلك من قبل الأمم المتحدة. ومن هذا العدد هناك 30 دولة منتسبة حاليا الى منظمة التجارة العالمية. للحصول على التفاصيل المرجو مراجعة:

http://www.unctad.org/en/pub/ldcprofiles2001.en.htm

(18) تحقيق جار مجراه في الأكاديميات الوطنية الأمريكية. المصدر:

Projects IPR Phase II Description.html  http://www7.nationalacademies.org/step/STEP

والتحقيق الثاني تقوم به لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية ووزارة العدل حول العلاقة بين الملكية الفكرية وسياسة المنافسة. خطاب رئيس لجنة التجارة الفدرالية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، "المنافسة وسياسة الملكية الفكرية: الطريق الى الأمام"، يعرض بدقة القلق الحالي بدقة متناهية. المصدر:

http://www.ftc.gov/speeches/muris/intellectual.htm

(19) n, G. (1968) "مأساة العلوم الشائعة"، المجلّد 162، الصفحات 1243-1248

(20) Heller.M. & Eisenberg, R. (1998) هل يمكن لبراءات الاختراع ان تردع الابتكار؟ مضادات العلوم الشائعة في الأبحاث البيوطبية"، مجلة العلوم، المجلّد 280، الصفحات 698-701ز المصدر:

http://www.sciencemag.org/cgi/content/full/280/5364/698

(21)  Jewkes, J., Sawers, D. & Stillerman, R. (1959) "مصادر الاختراع"، دار سانت مارتنز للنشر، نيويورك، الصفحة 255

(22) تشتمل هذه على ما يلي: تقرير مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية (انكتاد) (UNCTAD) (1996) "اتفاقية تريبس والدول النامية"، انكتاد، جنيف، البرنامج التنموي الخاص بالأمم المتحدة (UNDP) "تقرير التنمية البشرية 2001" ، البرنامج التنموي الخاص بالأمم المتحدة، جنيف. المصدر: http://www.undp.org/hdr2001/ ؛ البنك العالمي (2001)، الفصل الخامس و Bystrom, M. & Einarsson, P. مستنسخ (2001) "اتفاقية تريبس: نتائجها على الدول النامية: آثارها على التعاون التنموي السويدي"، سيدا، ستكهولم. المصدر:

http://www.grain.org/docs/sida-trips-2001-en.PDF

(23) الأمم المتحدة (1948) "الاعلان العام حول حقوق الانسان"، الأمم المتحدة، جنيف، المادة 27. المصدر:

http://www.un.org/Overview/rights.html

(24) اللجنة الفرعية التابعة للأمم المتحدة حول تشجيع وحماية حقوق الانسان (2001) "حقوق الملكية الفكرية وحقوق الانسان"، الأمم المتحدة، جنيف، الصفحة 6، الفقرة 14، رقم الوثيقة E/CN.4/Sub.2/2001/12 . المصدر:

http://www.unhchr.ch/Huridocda.nsf/(Symbol)/E.CN.4.Sub.2.2001.12.En?Opendocument

(25) المرجو مراجعة شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(26) اجماع مونتري، مارس/آذار 2002. المصدر: http://www.un.org/esa/ffd/aac257L13-E.doc

(27) المرجو مراجعة شرح الكلمات للحصول على التعريف.


الفصل الأول

 

الملكية الفكرية والتنمية

 

المقدمة

 

الملكية الفكرية هي شكل من أشكال المعرفة قررت المجتمعات ان تخصص لها حقوق ملكية معيّنة. فهي تشبه الى حد ما حقوق الملكية على العقار او الأرض. ولكن المعرفة هي أكثر الى حد بعيد من الملكية الفكرية. المعرفة مجسّدة بالناس وبالمؤسسات وبالتكنولوجيات الحديثة بطرق ترى منذ أمد بعيد بمثابة محرك رئيسي للنمو الاقتصادي. (1) هذا كان رأي ألفرد مارشال، الأب الراعي للاقتصاد الحديث، في القرن التاسع عشر.(2) ومع التقدمات العلمية الفنية في الآونة الأخيرة ولا سيما في التكنولوجيا الاحيائية والمعلومات وتكنولوجيات الاتصالات (ICTs) أصبحت المعرفة الى حد حتى أكبر من الماضي المصدر الرئيسي للأفضلية التنافسية بالنسبة للشركات والدول على حد سواء. فالتجارة بالسلع التي تتميّز بتكنولوجيا رفيعة والخدمات المبنية على المعرفة المكثّفة، والتي تكون فيها حماية الملكية الفكرية شائعة، تزداد نموا وبسرعة على صعيد التجارة الدولية. (3)

 

وفي الدول المتقدمة هناك أدلة دامغة تشير الى ان الملكية الفكرية كانت ولا تزال مهمة في تشجيع الاختراع في بعض القطاعات الصناعية، مع ان الأدلة حول أهميتها بالدقة في مختلف القطاعات غير معروفة بالتأكيد. مثلا، تشير الأدلة من الثمانينات من القرن الماضي بأن صناعات الادوية والمواد الكيماوية والبترول كانت من بين اوائل الصناعات التي اعترفت بضرورة نظام البراءات لتشجيع الاختراع.(4) وفي هذه الأيام يترتب على المرء ان يضيف اليها التكنولوجيا الاحيائية وبعض العناصر في تكنولوجيا الاعلام. واثبتت حقوق النشر والتأليف والتأليف ضرورتها في مجالات الموسيقى والأفلام والنشر.

 

وبالنسبة للدول النامية، مثلها مثل الدول المتقدمة من قبلها، فقد أثبت تطوّر القدرة التكنولوجية الأهلية بأنه العامل المقرر الرئيسي للنمو الاقتصادي وتقليل الفقر، اذ تقرّر تلك القدرة المدى الذي يمكن فيه لتلك الدول ان تستوعب التكنولوجيا الأجنبية وتطبقها. فقد توصّلت دراسات عديدة الى النتيجة القائلة ان العامل الأحادي المميّز أكثر من غيره الذي يقرّر نجاح نقل التكنولوجيا هو البروز الباكر للقدرة التكنولوجية الأهلية.(5)

 

ولكن الدول النامية تتفاوت تفاوتا كبيرا من حيث جودة وقدرة بنياتها الاساسية العلمية والفنية. وثمة دليل يستعمل عادة للقدرة التكنولوجية وهو عدد التسجيلات ببراءة في الولايات المتحدة وفي عدد الطلبات الدولية عن طريق معاهدة التعاون في براءات الاختراع (PCT).(6)  وفي عام 2001 منحت الولايات المتحدة أقل من 1% براءات اختراع للمتقدمين من الدول النامية وما يقرب من 60% منها جاء من سبع دول او أكثر من الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا. (7) وفي معاهدة التعاون ببراءات الاختراع أتى أقل من 2% من الطلبات من الدول النامية في عام 1999-2001 وأكثر من 95% من تلك الطلبات جاء من مجرد خمس دول وهي: الصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل والمكسيك. (8) وفي هذه الدول فان طلبات تسجيل البراءات، على الرغم من قلتها، تنمو أكثر من الطلبات التي تتلقاها معاهدة التعاون ببراءات الاختراع عموما. وبين عامي 1999 و 2001 ازدادت طلبات التسجيل بموجب معاهدة التعاون ببراءات الاختراع بنسبة 23% تقريبا ولكن ارتفع نصيب تلك الدول في العدد الاجمالي من 1% في عام 1999 الى 6ر2% في عام 2001. ومثل ما رأينا فان الانفاق على الأبحاث والتطوير مركز تركيزا شديدا في الدول المتقدمة وفي عدد قليل من الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا. وهناك عدد قليل من الدول النامية قد تمكنت من تطوير قدرة تكنولوجية أهلية قوية. هذا يعني انه يصعب عليها تطوير تكنولوجيتها الخاصة بها او استيعاب التكنولوجيا من الدول المتقدمة.

 

والسؤال الحرج هو ما يلي: هل يمكن لتمديد أنظمة الملكية الفكرية ان تساعد الدول النامية في الحصول على مثل تلك التكنولوجيات ام لا؟ وهل يمكن لحماية حقوق الملكية الفكرية ان تساعد الدول النامية في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتخفيض الفقر وكيف يمكنها القيام بذلك؟ في هذا الفصل سنقوم بدراسة ما يلي:

 

·                   الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية

·                   استعمال حماية الملكية الفكرية تاريخيا في الدول المتقدمة والدول النامية

·                   الأدلة المتوفرة عن تأثير الملكية الفكرية على الدول النامية

·                   الدور الذي يمكن للملكية الفكرية ان تلعبه في تسهيل نقل التكنولوجيا الى الدول النامية

 

المربّع 1:1 ما هي حقوق الملكية الفكرية؟

 

حقوق الملكية الفكرية (IP) هي الحقوق التي يمنحها المجتمع الى الأفراد او المنظمات بصورة رئيسية للأعمال الابتداعية وهي: الاختراعات والأعمال الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والتصاميم المستعملة في التجارة. فهي تعطي المبتدع الحق في منع الآخرين من استعمال ملكيته استعمالا غير مصرح به لمدة محدودة من الوقت. والملكية الفكرية مصنّفة كما يلي: الملكية الصناعية (الابتكارات التجارية العملية) و الملكية الفنية والأدبية  (الابتداعات الثقافية). التطورات التكنولوجية الحالية تغبش، الى حد ما، على هذا التمييز وبدأت تبرز بعض الأنظمة الهجينية او الضريبية sui generis.

 

الملكية الصناعية

 

براءات الاختراع: براءات الاختراع هي حق مقتصر يمنح الى المخترع لمنع الآخرين من صنع او بيع او توزيع او استيراد او استعمال اختراعه من دون ترخيص او تصريح لمدة محددة من الوقت (تنص اتفاقية "تريبس" على مدة 20 عاما كحد أدنى من تاريخ تقديم الطلب). ومقابل ذلك يتطلب المجتمع من طالب براءاة الاختراع ان يفشي عن اختراعه باسلوب يسمح للآخرين بوضع اختراعه قيد العمل. ان هذا من شأنه ان يزيد من قدر المعرفة المتوفرة للقيام بالمزيد من الأبحاث. وبالاضافة الى افصاح كاف عن الاختراع هناك ثلاثة متطلبات أخرى (مع ان التفاصيل قد تختلف بين بلد وآخر) تقرّر امكانية تسجيل الاختراع ببراءاة وهي: الجدّة أي كون الشيء جديد او غير مألوف (خصائص جديدة ليست "فنا قديما")؛(9) وغير بديهي (خطوة مبدعة غير بديهية لشخص ماهر في هذا المجال)؛ والمنفعة (كما هي مستخدمة في الولايات المتحدة) او التطبيق الصناعي (كما هي مستخدمة في المملكة المتحدة). ونماذج المنفعة شبيهة ببراءات الاختراع ولكنها تمنح حقوقا قصيرة الأمد لبعض أنواع الابتكارات الصغيرة او التدريجية.

التصاميم الصناعية: التصاميم الصناعية تحمي النواحي الجمالية للشيء (الشكل والملمس والنقش واللون) بدلا من الخصائص الفنية. تنص اتفاقية "تريبس" بأن التصميم الأصلي يستحق الحماية من الاستخدام غير المصرّح به من قبل الآخرين لمدة 10 سنوات كحد أدنى.

 

العلامات التجارية: تمنح العلامات التجارية حقوقا مقتصرة على استخدام علامات مميّزة مثل الرموز او الألوان او الحروف او الأشكال او الأسماء لتحديد هوية صاحب المنتج وحماية سمعته الملازمة لذلك. وحتى تستحق الحماية يجب ان تكون العلامة مميّزة لصاحبها بحيث تحدد سلعه او خدماته. والغرض الرئيسي من العلامة التجارية هو منع تضليل او خداع الزبائن. ومدة الحماية تتفاوت ولكن يمكن تجديد العلامة التجارية الى أجل غير مسمى. وبالاضافة الى ذلك هناك عدد كبير من الدول توفر الحماية ضد المنافسة غير العادلة وأحيانا عن طريق منع اعطاء فكرة خاطئة عن مصدر التجارة بغض النظر عن تسجيل العلامة التجارية.

 

المؤشرات الجغرافية: المؤشرات الجغرافية (GIs) تحدد هوية المصدر الجغرافي المعيّن للمنتج والصفات والسمعة او الخصائص الأخرى الملازمة لذلك. وهذه مؤلفة عادة من اسم مكان المصدر. مثلا، تتميّز الأطعمة احيانا بميزات مستمدة من مكان انتاجها ومن عوامل بيئية محلية. المؤشرات الجغرافية تمنع الجهات غير المصرحة لها من استعمال مؤشر جغرافي محمي لمنتجات ليست من ذلك المصدر او تمنع تضليل الشعب حول المصدر الحقيقي للمنتج.

 

الأسرار التجارية: تتألف الأسرار التجارية من معلومات ثمينة تجاريا حول اساليب الانتاج ومخططات الأعمال التجارية والزبائن الخ. فهي محمية طالما هي سرية وذلك بموجب قوانين تمنع حيازتها بأساليب تجارية غير منصفة او بافشائها من دون تصريح.

 

الملكية الفنية والأدبية:

 

حقوق النشر والتأليف: حقوق النشر والتأليف والتأليف تمنح حقوقا مقتصرة للمبدعين لأعمال أدبية وعلمية وفنية أصيلة. حقوق النشر والتأليف والتأليف تمنع فقط النسخ وليس الاشتقاق المستقل. وحماية حقوق النشر والتأليف والتأليف تبدأ، بدون رسميات، ابتداء من ابتداع العمل وتدوم (كقاعدة عامة) طوال حياة المبدع بالاضافة الى 50 سنة (70 سنة في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي). فهي تمنع الاستنساخ غير المصرّح به والأداء العام والتسجيل والاذاعة والترجمة او الاقتباس وتسمح بأخذ المال (الجعالة) (royalties) لقاء الاستعمال المصرّح به. برامج الحاسب الآلي محمية بحقوق النشر والتأليف والتأليف اذ جرى تعريف برامج الحاسب الآلي والشيفرة بمثابة تعبير أدبي.

 

أنظمة الحماية الضريبية  sui generis:

 

دوائر الحاسب الآلي الموحّدة: حماية ضريبية فريدة لتصميم دوائر الحاسب الآلي الموحّدة. وبما ان الخطوة الاختراعية كثيرا ما تكون في الحد الأدنى والمتطلب الوحيد هو الابتداع فان فترة الحماية الدنيا بموجب اتفاقية "تريبس" هي 10 سنوات.

 

حقوق مربّي النباتات: تمنح حقوق مربي النباتات (PBRs) الى مربي أنواع النباتات الجديدة والمميّزة والمتّسقة والمستقرة. وهي عادة تمنح الحماية لمدة خمس عشرة سنة على الأقل (تبدأ من تاريخ منحها). ولدى معظم الدول استثناءات للمزارعين من أجل توفير واعادة زراعة البذور ولاستعمال المواد المحمية للتربية الاضافية.

 

حماية قواعد المعلومات العلمية: تبنى الاتحاد الاوروبي تشريعات لمنح حماية ضريبية sui generis بخصوص قواعد المعلومات وبذلك منع الاستعمال غير المصرّح به للمواد المجمّعة في قاعدة المعلومات حتى وان لم تكن أصلية. تمنح حقوق مقتصرة لاقتباس او استعمال كل او جزء كبير من محتويات قاعدة المعلومات المحمية.

 

 

الأساس المنطقي لحماية الملكية الفكرية

 

المقدمة

توفر الملكية الفكرية وسيلة قانونية للمعرفة المناسبة. ومن خصائص المعرفة ان استعمالها من قبل شخص ما لا يحد من حق شخص آخر اليها (مثلا، قراءة هذا التقرير). وعلاوة على ذلك فان الكلفة الاضافية المترتبة على تمديد استعمالها الى شخص آخر كثيرا ما تكون منخفضة جدا او تكون صفر (مثلا، اعارة كتاب او نسخ ملف الكتروني). ومن وجهة نظر المجتمع فكلما ازداد عدد الناس الذين يستخدمون المعرفة كلما كان ذلك أفضل للمجتمع لأن كل مستخدم يكسب شيئا منها بكلفة بسيطة او بدون كلفة وبالتالي فان المجتمع هو بتعبير ما المستفيد. وهكذا يقول علماء الاقتصاد بأن للمعرفة صفة المصلحة العامة التي لا تضاهى. (10)

 

والناحية الأخرى من المعرفة او المنتجات التي تجسّد المعرفة هي الصعوبة، التي كثيرا ما تكون جوهرية، في منع الآخرين من استخدامها او نسخها. يمكن بسهولة نسخ عدد كبير من المنتجات التي تحتوي على معرفة حديثة. ربما يمكن نسخ معظم المنتجات، بمجهود كاف، بجزء من كلفة  اختراعها وتسويقها (مع انها لن تكون قليلة بالضرورة). يشير علماء الاقتصاد الى الخاصية الأخيرة هذه على انها تساهم في فشل السوق. فاذا تطلّب انتاج المنتج مجهودا كبيرا وبراعة وأبحاثا ولكن يمكن استنساخه بسهولة فمن غير المحتمل ان يتوفر الحافز المالي الكافي من وجهة نظر المجتمع لتخصيص الموارد للاختراع.

 

براءات الاختراع

 

براءات الاختراع هي احدى أساليب مواجهة هذا الفشل في السوق. اذ بمنح حقوق مقصورة مؤقتة في السوق تسمح براءات الاختراع للمنتجين الامكانية للتعويض عن تكاليف الاستثمار في الأبحاث والتطوير والامكانية لجني الربح، وذلك مقابل جعل المعرفة المبنية على أساسها متوفرة للعموم. ولكن لا يمكن لشخص آخر ان يضع تلك المعرفة ويستخدمها تجاريا الا بتصريح من حامل البراءة. ويتم التعويض عن تكاليف الاستثمار في الأبحاث والتطوير والحصول على عائد الاستثمار بفرض سعر على المستهلك مبني على القدرة على استبعاد المنافسة.

 

وهكذا فان الحماية هي مساومة يعقدها المجتمع على أساس انه في غياب الحماية لن يتوفر ما يكفي من الاختراع والابتداع. والافتراض هو انه على المدى الطويل فان المستهلكين هم في وضع أفضل على الرغم من الأسعار العالية التي تفرضها الأسعار الاحتكارية، لأن الخسائر التي يتكبدها المستهلكون على المدى القصير تعوّض وأكثر من جراء القيمة التي يستمدوها من الاختراعات الجديدة التي تنجم عن المزيد من الأبحاث والتطوير. ويقول علماء الاقتصاد بأن نظام براءات الاختراع يحسّن الكفاءة الديناميكية (بحثّ التقدم الفني) على حساب الكفاءة الاستاتية (الناجمة عن التكاليف الملازمة للاحتكار).

 

والأساس المنطقي لحماية براءات الاختراع هو أمر بسيط نوعا ما ولكنه يعتمد على عدد من الافتراضات البسيطة التي قد لا تؤيدها الممارسة. مثلا، لا يمكن تعريف الدرجة المثلى لحماية براءات الاختراع. فاذا كانت الحماية ضعيفة جدا فقد يثبّط تطوير التكنولوجيا بسبب الحوافز غير الكافية للقيام بالأبحاث والتطوير. واذا جرى منح حماية أكثر مما يجب فقد لا يستفيد المستهلك حتى على المدى الطويل ويمكن لأصحاب براءات الاختراع ان يجنوا أرباحا تتجاوز الى حد بعيد التكاليف الاجمالية التي أنفقوها على الأبحاث والتطوير. وعلاوة على ذلك يمكن خنق المزيد من الابتداع المبني على التكنولوجيا المحمية بسبب، مثلا، طول مدة الحماية التي يوفرها حق براءاة الاختراع او لأن نطاق الحماية الممنوحة واسع أكثر مما يجب.

 

وطول مدة الاحتكار الممنوحة هو أحد مقررات قوة حماية براءات الاختراع. ومقرر آخر هو نطاق براءة الاختراع. فبراءاة الاختراع الواسعة هي التي تمنح حقا يتجاوز الى حد بعيد جدا الاختراع المزعوم نفسه. مثلا، ثمة براءة اختراع تدعي الحق بجينة يمكن ان تحدد استخدام واحد لتلك الجينة. ولكن بموجب بعض طرق النظر الى موضوع نطاق الحماية، يكون لصاحب براءة الاختراع حقوق استخدامات المعرفة الجينية غير تلك المفشية في براءة الاختراع بما فيها تلك المعلومات التي يكتشفها شخص آخر في وقت لاحق. تعمل براءات الاختراع الواسعة الى عدم تشجيع الابتداع اللاحق من قبل رجال الأبحاث في المجال العام من براءة الاختراع. وبالمقابل يمكن للمطالبات الضيقة ان تشجّع الآخرين على "العمل حول" براءة الاختراع وبالتالي تتيح قدرا أقل من الحصر على الأبحاث المتصلة بالموضوع من قبل الآخرين. وقد تمنح حقوقا أقوى يصعب الطعن فيها في المحاكم. (11) وسياسة الترخيص التي يتبعها أصحاب براءات الاختراع من شأنها ان تؤثر تأثيرا هاما على نشر التكنولوجيات الجديدة والمدى الذي تتأثر به الأبحاث الاضافية من جراء الحقوق الممنوحة.

 

وكذلك فان درجة الحماية المثلى (حيث تفوق الفوائد الاجتماعية التكاليف الاجتماعية) تتفاوت أيضا تفاوتا كبيرا حسب المنتج والقطاع وترتبط بالتفاوتات في الطلب وهياكل السوق وتكاليف الأبحاث والتطوير وطبيعة العملية الابتداعية. وعمليا يمكن تكييف أنظمة حقوق الملكية الفكرية تكييفا دقيقا وبالتالي فان مستوى الحماية التي تتوفر عمليا هي بالضرورة حل وسط. وهكذا فان الوصول الى الحل الوسط الخاطىء - ان كان كثيرا جدا او قليلا جدا - قد يكلّف المجتمع تكاليف باهظة ولا سيما على المدى الطويل.

 

وثمة افتراض بأن هناك امدادا كامنا من القدرة الابتداعية في القطاع الخاص على أهبة الاستعداد للانفلات فيما لو تم منح الحماية التي يوفرها نظام الملكية الفكرية. وقد يكون ذلك صحيحا في الدول التي تتواجد فيها قدرة عظيمة للأبحاث. ولكن في معظم الدول النامية فان أنظمة الابتداع المحلية (على الأقل من النوع الموطد في الدول المتقدمة) هي ضعيفة. وحتى عندما تكون مثل تلك الأنظمة قوية هناك قدرة أكبر في القطاع العام مما هو الحال في القطاع الخاص. (12) وهكذا، في هذا الصدد، فان الفائدة الديناميكية المستمدة من حماية الملكية الفكرية غير أكيدة. يمكن لنظام براءات الاختراع ان يوفر الحافز ولكن قد تكون القدرة المحلية محدودة لكي تستفيد منها. وحتى عند تطوير التكنولوجيات نادرا ما تتمكن الشركات في الدول النامية من تحمّل تكاليف الحصول عليها وصون الحقوق وفوق كل ذلك قد لا تتمكن من تحمّل تكاليف الدعاوي في المحاكم فيما لو نشأت نزاعات بهذا الخصوص.

 

وعلماء الاقتصاد هم الآن على دراية بما يسمونه ب "تكاليف الصفقات". وتأسيس البنية الاساسية لنظام حقوق الملكية الفكرية والآليات اللازمة لتطبيق حقوق الملكية الفكرية باهظ الثمن لكل من الحكومات وللمهتمين بالأمر في القطاع الخاص. وفي الدول النامية حيث الموارد البشرية والمالية نادرة والأنظمة القانوية غير متطوّرة جيدا فان تكاليف فرص ادارة النظام بفعالية هي عالية. تشمل تلك التكاليف تكاليف فحص صحة المطالبات بحقوق براءة الاختراع (في كل من مرحلة تقديم الطلب وفي المحاكم) والنظر في موضوع انتهاكات الحقوق. وهناك تكاليف باهظة من جراء عدم التأكد من نتائج المقاضاة في المحاكم. يجب أيضا أخذ تلك التكاليف بعين الاعتبار ازاء الفوائد التي يمكن ان تنجم عن نظام الملكية الفكرية.

 

وهكذا هناك حاجة الى تقييم نظام براءات الاختراع بطريقة متوازنة معترفين بأن لها تكاليف وفوائد وبأن ميزان التكاليف والفوائد من المحتمل ان يتفاوت تفاوتا ملحوظا في ظروف متفاوتة.

 

وبين الأكاديميين ولا سيما خبراء الاقتصاد تظهر حقوق الملكية الفكرية عموما بشكل نقديّ. اذ مثل تلك الحقوق تشمل بالضرورة قيودا على المنافسة قد تكون على حساب المستهلكين وعلى حرية التجارة والسؤال المطروح هو ما اذا كانت تلك التكاليف تفوقها وزنا الحوافز للأبحاث والاختراع. المقتبسات في المربّع 2:1 أدناه تعكس التناقض الظاهر حول تأثير نظام الملكية الفكرية في الدول المتقدمة وتأثيره على الدول النامية. ويزداد هذا التناقض عندما يبدأ نظام الملكية الفكرية يشمل التكنولوجيات الجديدة.

 

المربّع 2:1 خلاصات عن قيمة نظام الملكية الفكرية

 

ايديث بنروز في "الاقتصاد في النظام الدولي المترتب على براءات الاختراع" في عام 1951:

 

"يمكن لأية دولة ان تخسر فيما لو منحت امتيازات احتكارية في السوق المحلية التي لا تحسّن ولا ترخّص البضائع المتوفرة ولا تطوّر قدرتها الانتاجية الخاصة بها ولا تحصل لمنتجيها على امتيازات مماثلة على أقل تقدير في الأسواق الأخرى. ولا يمكن لأي قدر من الكلام عن "وحدة العالم الاقتصادية" ان تخفي الواقع ومفاده ان بعض الدول التي لديها تجارة تصدير قليلة في البضائع الصناعية وقليلا، ان وجد، من الاختراعات للبيع، ليس لديها ما تكسبه من منح براءات الاختراع التي يجري عملها وتسجيلها ببراءة في الخارج الا تجنّب الانتقام الأجنبي البغيض في الاتجاهات الأخرى. وفي هذه الفئة تجد الدول الزراعية والدول التي تسعى الى التصنيع ولكنها تصدّر بصورة رئيسية المواد الخام...مهما تكن الفوائد لتلك الدول...فهي لا تشمل فوائد تتصل بكسبها الاقتصادي من منح او الحصول على براءات الاختراع." (13)

 

فريتز ماكلاب استخلص ما يلي بعد دراسة نظام تسجيل براءات الاختراع في الولايات المتحدة عام 1958:

 

"فاذا لم يكن المرء يعلم ان كان النظام... نظاما حسنا او سيئا، فان أفضل "خلاصة سياسية" هي المضي بلخبطة - اما معه، ان كان المرء قد عاش في ظله طويلا، او بدونه، ان كان المرء قد عاش بدونه. فان لم يكن لدينا نظاما لبراءات الاختراع فهو من قبيل عدم المسؤولية، وذلك على أساس معرفتنا الحالية بنتائجه الاقتصادية، ان نوصي بتأسيس نظام كذلك. ولكن بما ان لدينا نظاما لبراءات الاختراع منذ مدة طويلة فمن قبيل عدم المسؤولية على أساس معرفتنا الحالية ان نوصي بالغائه. تشير الجملة الأخيرة الى دولة مثل الولايات المتحدة وليس الى دولة صغيرة وليس الى دولة على الغالب غير صناعية، حيث يمكن لنظرة مختلفة ان تصل الى نتيجة أخرى." (14)

 

وفي عام 1997 كتب عالم اقتصادي مرموق وهو ليستر ثورو ما يلي:

 

"في اقتصاد عالمي هناك حاجة الى نظام عالمي لحقوق الملكية الفكرية. يجب على مثل ذلك النظام ان يعكس حاجات الدول النامية وعلى الدول المتقدمة على حد سواء. والمشكلة شبيهة بتلك المتعلقة بماهية أنواع المعرفة التي يجب ان تكون معلومة من العامة في العالم المتقدم. ولكن حاجة العالم الثالث الى الحصول على الأدوية الرخيصة لا تساوي حاجته الى الحصول على أقراص موسيقية مدمّجة رخيصة. وهكذا فان أي نظام يعامل مثل تلك الحاجات بالتساوي، مثل ما هو الحال بالنسبة لنظامنا الحالي، فانه ليس حسنا وليس نظاما قابلا للبقاء." (15)

 

وفي عام 1999 صرّح المحامي الأكاديمي المرموق لاري ليسيغ بقوله:

 

"لا شك بأننا في وضع أفضل بوجود نظام براءات الاختراع مما نكون بدونه. فالقدر الكبير من الأبحاث والاختراع لن يحدث بدون الحماية التي توفرها الحكومة. ولكن بما ان بعض الحماية هي حسنة فهذا لا يعني ان الأكثر منها هو بالضرورة  أحسن... هناك شك متزايد بين الأكاديميين حول ما اذا كان مثل تلك الاحتكارات المفروضة من قبل الدولة تساعد في نمو سوق متطوّرة بسرعة مثل سوق الانترنت...والسؤال الذي يطرحه علماء الاقتصاد الآن هو ما اذا يمكن لتوسيع حماية براءات الاختراع ان يكون مفيدا ومجديا. بكل تأكيد سيجعل بعض الناس أثرياء ولكنه لا يعني انه يحسّن السوق.. بدلا من الحماية غير المحدودة تعلمنا تقاليدنا التوازن وتحذرنا من المخاطر الكامنة في أنظمة الملكية الفكرية القوية أكثر مما ينبغي. ولكن يبدو بأن التوازن في الملكية الفكرية قد ولى في المرحلة هذه. هناك جشع ضارب أطنابه ليس فقط في مجال براءات الاختراع بل في الملكية الفكرية عموما..." (16)

 

وفي عام 2002 صرّح عالم الاقتصاد المرموق جيفري ساكس بقوله:

 

"... هناك فرصة لاعادة التفكير بنظام حقوق الملكية الفكرية لنظام التجارة العالمي ازاء أفقر دول العالم. ففي مفاوضات دورة يوروغواي دفعت صناعة الادوية الدولية دفعا شديدا لايجاد تغطية شاملة لحماية براءات الاختراع من دون أخذ اعتبار لتأثير ذلك على الدول الفقيرة. لا يوجد أي شك بأن الترتيبات الجديدة للملكية الفكرية قد تجعل من الصعب على المستهلكين في الدول الفقيرة  بأن يحصلوا على التكنولوجيات الجديدة مثلما رأينا بوضوح في مسألة الأدوية اللازمة. فالدول المتفاوضة في دورة الدوحة الجديدة قد أخذت التـزاما باعادة النظر في موضوع حقوق الملكية الفكرية وذلك في ضوء أولويات الصحة العامة، وهم على حق في القيام بذلك. ومن المحتمل ان يبطىء تشديد حقوق الملكية الفكرية نشر التكنولوجيا الى أفقر دول العالم والتي تأتيها عادة عن طريق النسخ والهندسة العكسية. يجري بشكل متزايد ابطاء المسارات المقدّسة لنشر التكنولوجيا ويمكنها بالتالي ان تعيق تنمية أفقر الدول في العالم. هذا مجال يستدعي النظر فيه عن كثب وكذلك الانتباه السياسي والأبحاث المتواصلة.( 17)

حقوق النشر والتأليف والتأليف

الأساس المنطقي لحماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لا يختلف عن ذلك الخاص ببراءات الاختراع على الرغم من انه تاريخيا تم وضع وزن أكبر على حقوق الفنانين المبدعين المتأصلة في تلقيهم مكافأة عادلة عن أعمالهم بدلا من تأثير الحوافز على الابتداع. حقوق النشر والتأليف والتأليف تحمي الشكل الذي يجري فيه التعبير عن الأفكار وليس الأفكار نفسها. كانت حقوق النشر والتأليف والتأليف ولا تزال الأساس لجعل نشر الأعمال الأدبية والفنية مقترحا اقتصاديا وذلك بمنع نسخ تلك الأعمال. اذ بعكس براءات الاختراع فان حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لا تحتاج الى تسجيل او الى أية رسميات أخرى (مع انه لم يكن الأمر كذلك دائما).

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع فان المقايضة بالنسبة للمجتمع هي بين الحافز الذي توفره حقوق النشر والتأليف والتأليف لمبدعي الأعمال الأدبية والفنية والقيود التي تضعها على التدفق الحر للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف والتأليف. ولكن بعكس براءات الاختراع، فان حقوق النشر والتأليف من حيث المبدأ تحمي التعبير عن الأفكار وليس الأفكار بحد ذاتها، التي يمكن استعمالها من قبل الآخرين. وهي تمنع فقط نسخ ذلك التعبير وليس الاشتقاق المستقل منه. والمسألة المركزية بالنسبة للدول النامية تتعلق بكلفة الحصول على القيمة الرقمية للأعمال المحمية والطريقة المتبعة في تطبيق حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف.

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع هناك عادة استثناءات في القانون حيث يجري تليين حقوق أصحاب حقوق النشر والتأليف والتأليف من أجل المصلحة العامة عموما والتي تعرف في بعض الدول بتدابير "الاستخدام المنصف" (مثلا في الولايات المتحدة) و "المعاملة المنصفة" في المملكة المتحدة والاستثناءات لحقوق الاستنساخ في التقليد الاوروبي. (18) والمسألة المهمة بصورة خاصة بالنسبة للدول النامية هي مسألة تكاليف الحصول على الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف وتفسير عبارة "الاستخدام المنصف" وهي مسألة ازدادت أهمية بتمديد حقوق النشر والتأليف والتأليف الى المواد الالكترونية مثل برامج الحاسب الآلي.

 

وحقوق النشر والتأليف والتأليف تحمي الأعمال الأدبية والفنية لمدة أطول من الزمن من براءات الاختراع ولكنها لا تحمي من الاشتقاق المستقل من العمل المعني بالأمر. وبموجب اتفاقية "تريبس" تسري حقوق النشر والتأليف لمدة خمسين عاما بعد وفاة المؤلف على أقل تقدير، ولكن معظم الدول المتقدمة وعدد كبير من الدول النامية قد مددوا هذه المدة الى 70 سنة او أكثر. ومع ان السبب الرئيسي وراء تمديد حقوق النشر والتأليف والتأليف هو الضغط من صناعات حقوق النشر والتأليف والتأليف (ولا سيما صناعة الأفلام السينمائية في الولايات المتحدة)، لا يوجد أساس منطقي واضح لتكون مدة الحماية التي توفرها حقوق النشر والتأليف والتأليف أطول من المدة التي توفرها براءات الاختراع. وفي الواقع فان نسبة التغيير الفني قد أدت، في العديد من الصناعات، الى مدد أقصر (مثلا، الطبعات المتتالية من برامج الحاسب الآلي) الأمر الذي يجعل حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف لمدد طويلة زائدة عن الحاجة. والزيادات المتعاقبة في مدد حماية حقوق النشر والتأليف والتأليف قد أثارت بعض القلق في بعض الأوساط. ففي هذا العام ستنظر المحكمة العليا في الولايات المتحدة في قضية تتحدى قانون تمديد مدة حقوق النشر والتأليف والتأليف الصادر عام 1998 على أساس انه يخالف الدستور الذي يحدد بأن الحماية يجب ان تكون "لمدد محدودة". وبالاضافة الى ذلك فهم يؤكدون بأن تمديد الحماية لعمل موجود حاليا لن يعمل بمثابة حافز وهو يخالف أيضا متطلب "شيء مقابل الآخر" الوارد في الدستور بأنه يمنح حقوق الاحتكار في مقابل الفوائد العامة. (19)

 

وكما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع فان المسألة الرئيسية بالنسبة للدول النامية هي ما اذا كانت المكاسب التي يمكن انتزاعها من الحوافز التي توفرها حقوق النشر والتأليف والتأليف تفوق وزنا وقيمة التكاليف الزائدة الملازمة للقيود المفروضة على الاستعمال الناجمة من حقوق النشر والتأليف. وعلى الرغم من ان هناك استثناءات، مثل صناعة الأفلام السينمائية الهندية او صناعة برامج الحاسب الآلي، فان معظم الدول النامية هي مستوردة خالصة للمواد المحمية بحقوق النشر والتأليف مثل ما هي مستوردة خالصة للتكنولوجيات. وبما ان حقوق النشر والتأليف لا تحتاج الى التسجيل او الى أية رسميات أخرى، حالما تبدأ دولة بتطبيق قوانين حقوق النشر والتأليف، فان أثر حقوق النشر والتأليف اقوى بكثير من براءات الاختراع. برامج الحاسب الآلي وكتب المدارس والجامعات والمجلات الأكاديمية هي مواد رئيسية تعتبر فيها حقوق النشر والتأليف عاملا مقررا للأسعار ولقدرة الحصول عليها وأيضا مكوّنات رئيسية في التعليم وفي مجالات مهمة أخرى من عملية التنمية. مثلا، ان اختيارا معقولا للمجلات الأكاديمية يكلّف أكثر مما يمكن ان تتحمله ميزانيات مكتبات الجامعات في معظم الدول النامية وعلى نحو متزايد أيضا في الدول المتقدمة.

 

والتفاعل بين الانترنت وحقوق النشر والتأليف هو مسألة ذات أهمية خاصة ومتنامية بالنسبة للدول النامية. بالنسبة لوسائل الاعلام المطبوعة هناك تدابير "للاستخدام المنصف" بموجب قانون حقوق النشر والتأليف، وطبيعة وسيلة الاعلام هذه تجعلها قابلة للاستعمال من قبل عدد كبير من الناس اما رسميا عن طريق المكتبات العامة او غير رسمي عن طريق الاعارة والتصفّح (مثلما يحدث في محلات بيع الكتب حيث يتصفّح الشخص الكتاب قبل ان يشتريه). بالنسبة للمواد التي يحصل عليها المرء عن طريق الانترنت تسمح التكنولوجيا التحفّظ لمنع المستعملين المحتملين من حتى تصفّح المعلومات ما لم يكونوا قد دفعوا رسما مسبقا. وبينما كانت فلسفة "الانترنت" حتى الآن تنطوي على حرية الحصول على المعلومات عبرها هناك مواقع متزايدة على الانترنت فيها مواد قيّمة تتجه نحو فرض رسم على الحصول عليها او تقييد الحصول عليها بطرق أخرى. وعلاوة على ذلك لقانون حقوق النشر والتأليف للألفية الرقمية في الولايات المتحدة والتوجيه الاوروبي الخاص بقاعدة المعطيات شروط تتجاوز تلك المطلوبة بموجب اتفاقية "تريبس" وهي مملوكة من قبل مستعملين عديدين الأمر الذي رجّح كفة ميزان الحماية الى حد كبير لمصلحة المستثمرين وجامعي المعطيات او المعلومات العلمية.

 

وهكذا كما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع هناك حاجة الى التوازن. فالحماية أكثر مما يجب عن طريق حقوق النشر والتأليف او عن طريق أي شكل آخر من أشكال حماية الملكية الفكرية او عن طريق التكنولوجيا قد يقيّد التدفّق الحر للآراء التي يعتمد عليها تقدم الأفكار والتكنولوجيا. وبالنسبة للدول النامية قد تتأثر حريتها في الحصول على الأعمال اللازمة لتنميتها وبأسعار يمكن ان تتحملها مثل المواد التعليمية والمعرفة العلمية والفنية من جراء وجود قواعد لحقوق النشر والتأليف قوية على نحو غير ملائم. 

 

التاريخ

 

هناك دروس عديدة يمكننا ان نتعلمها من التاريخ ولا سيما من خبرة الدول المتقدمة في القرن التاسع عشر ومن الاقتصادات الناشئة في شرقي آسيا في القرن الماضي.

 

أولا، تاريخيا كانت أنظمة الملكية الفكرية تستخدم من قبل الدول لتعزيز ما كانت تراه انه في مصالحها الاقتصادية. وقد غيّرت الدول أنظمتها في مراحل مختلفة من تنميتها الاقتصادية مع تغيّر تلك الرؤية والمكانة الاقتصادية لتلك الدول. مثلا بين عامي 1790 و 1836بصفتها مستوردة خالصة للتكنولوجيا قيّدت الولايات المتحدة اصدار براءات الاختراع بمواطنيها وبالمقيمين فيها فقط. حتى في عام 1836 ثبتوا رسوم براءات الاختراع للأجانب بعشرة أضعاف الرسم المفروض على المواطنين الأمريكيين (وثلثان أكثر من ذلك ان كان الشخص بريطانيا). في عام 1861 فقط بدأوا بمعاملة الأجانب على أساس غير تمييزي تقريبا تماما. ففي تقريره السنوي الصادر عام 1858 أبدى المفوّض الأمريكي لبراءات الاختراع الملاحظة التالية:

 

"انه واقع هام بالقدر ما هو مخزي بأنه من بين 10359 اختراع تم في الخارج في العام الماضي فقط 42 منها تم تسجيلها ببراءة في الولايات المتحدة. فالرسوم الباهظة المفروضة على الأجنبي وشدة التمييز المجحف ضده تعطينا تفسيرا كافيا لتلك النتيجة... ويمكن الاستخلاص من ذلك بأن حكومة هذه البلاد تعتبر اختراعا يتم فيما وراء البحار على أنه خطر حقيقي، ان لم نقل بغيض، ومن العدل اخلاقيا وحكمة سياسيا ان نرهقه بعبء الضريبة، مثل ما ترهق بالضريبة استيراد نوع ما من العقار السامّ الأجنبي. وهناك رؤية حسنة لهذه المسألة وواحدة تعتبر أكثر انسجاما مع الروح المتقدمة للعصر وهي الرؤية التي تحيي ثمرة العبقرية المخترعة، مهما كانت الأجواء التي ترعرعت فيها، على أنها ملكية مشتركة للعالم، وهي موضع ترحيب بصفتها نعمة مشتركة للجنس المكرّسة لتحسينه. (20)

 

وحتى عام 1891 كانت حماية حقوق النشر والتأليف الأمريكية مقتصرة على المواطنين الأمريكيين ولكن بقيت شتى أنواع التقييدات مفروضة على حقوق النشر والتأليف الأجنبية (مثلا كان يجب أن تطبع المواد على مطابع أمريكية) الأمر الذي أخّر دخول الولايات المتحدة في ميثاق بيرن لحقوق النشر والتأليف حتى عام 1989 بعد 100 عام من دخول المملكة المتحدة. ولهذا السبب قد يتذكّر بعض القراء شراء كتب كتبت على أغلفتها الكلمات التالية: "لأسباب حقوق النشر والتأليف هذه الطبعة لسيت للبيع في الولايات المتحدة الأمريكية".

 

وحتى تبني ميثاق باريس (حول حماية الملكية الصناعية) في عام 1883 وميثاق بيرن المرادف له في عام 1886 (حول الأعمال الأدبية والفنية) كانت قدرة الدول على تكييف طبيعة أنظمتها بموجب ظروفها غير مقيّدة. وحتى في ذلك الحين كانت قواعد تلك المواثيق مرنة للغاية. فميثاق باريس أتاح للدول المجال بأن تستثني مجالات من التكنولوجيا من الحماية وتقرير طول مدة الحماية الممنوحة بموجب براءات الاختراع. وقد سمحت تلك القواعد أيضا بالغاء براءات الاختراع والتراخيص الاجبارية (21) لعلاج مسألة الانتهاكات.

 

وثانيا أبعدت دول عديدة في بعص الأحيان أنواع مختلفة من الاختراعات في بعض قطاعات الصناعة من الحماية التي توفرها براءات الاختراع. وكثيرا ما كان القانون يقيّد براءات الاختراع على المنتجات مقتصرا الحماية على عمليات انتاجها. ونموذجيا كانت تلك القطاعات تنطوي على المواد الغذائية والادوية والمواد الكيماوية وذلك بناء على الرأي بأنه ينبغي ان لا يمنح الاحتكار الى السلع الضرورية وانه يمكن كسب الكثير من تشجيع حرية الحصول على التكنولوجيا الأجنبية بدلا من حث الاختراع في الصناعة المحلية. وقد تبنت هذا الاسلوب دول عديدة من الدول المتقدمة حاليا في القرن التاسع عشر ومن البعض حتى أواخر القرن العشرين وأيضا من دول شرق آسيا (مثل تايوان وكوريا) حتى الآونة الأخيرة نسبيا. ومع ذلك فان اتفاقية "تريبس" تمنع الآن التمييز في منح حماية براءات الاختراع فيما يتعلق بمختلف مجالات التكنولوجيا.

 

وثالثا، كثيرا ما تكون الملكية الفكرية وبراءات الاختراع بصورة خاصة مسألة مثيرة للنـزاع سياسيا. بين عامي 1850 و 1875 هاج النقاش في اوروبا، في الأوساط الأكاديمية والسياسية، حول ما اذا كان نظام براءات الاختراع يسيء الى مبادىء التجارة الحرة او على أفضل الأساليب العملية للحث على الاختراع. جون ستيوارت ميل أخذ بوجهة النظر الأخيرة قائلا:

 

"...الامتياز المقتصر، وطوال مدة مؤقتة هو أفضل (كوسيلة للحث على الاختراع)؛ لأنه لا يترك أي شيء عرضة لتقدير المرء؛ ولأن المكافأة التي يمنحها تعتمد على ايجاد الاختراع مفيدا، وكلما ازدادت الفائدة كلما ازدادت المكافأة؛ ولأن تلك المكافأة تدفع من قبل الأشخاص الذين تقدم لهم تلك الخدمة وهم المستهلكون لتلك السلعة." (22)

 

ومن الوجهة الجوهرية يبقى ذلك هو الحال بالنسبة للنظام في الوقت الحاضر - طريقة زهيدة الثمن (على الأقل بالنسبة للحكومات كونها غير مشترية للبضائع) لتوفير الحافز للاختراع مع ما يرافقه من مكافأة متناسبة مع الاستعمال الذي يوضع فيه في وقت لاحق. (23)

 

وتقدمت المعارضة للحماية عن طريق براءات الاختراع اعتراضاتها على أسس مختلفة ولكن يمكن ايجازها بعبارات مجلة "الاكونوميست" في عام 1851 عندما قال:

"الامتيازات التي تمنحها القوانين المترتبة على براءات الاختراع للمخترعين هي امتيازات ممنوعة على الآخرين وبالتالي فان تاريخ الاختراعات يعجّ بحكايات عن تحسينات طفيفة مسجلة ببراءات، وضعت حدا لمدة طويلة من الزمن على تحسينات مشابهة وتحسينات أفضل منها بكثير... الامتيازات قد خنقت الاختراعات الأخرى أكثر من التشجيع عليها.. كل براءة اختراع هي حائل ضد التحسينات في اتجاه معيّن، الا من قبل صاحب براءة الاختراع، لعدد معيّن من السنوات، ومهما كان ذلك مفيدا بالنسبة لصاحب الامتياز، لا يمكن للمجتمع ان يستفيد منها... وبالتالي فهي بالواقع تعتبر حائلا على جميع المخترعين من ممارسة قواهم العقلية وحيث أنهم أكثر عددا من صاحب الامتياز الأحادي، فان ذلك يشكل عائقا على التقدم بوجه عام..." (24)   

ولذلك فالأمر هذا يوضح من جديد موضوعا يتكرر ذكره في المحادثات الجارية وهو: اذا كان النظام يحمي مجموعة من الاختراعات فهل يمكنه ان يتجنّب ردع اولئك الذين يسعون الى ادخال تحسينات على الاختراع الأول؟

 

والمناقشات الدائرة حول اتفاقية "تريبس" سبقها جدال في القرن التاسع عشر حول التجارة الحرة حيث كانوا يرون آنذاك بأن منح الاحتكارات يشكّل انتهاكا لمبادىء التجارة الحرة. وعلاوة على ذلك كانت تلعب المصالح الذاتية لعبتها. في سويسرا في الثمانينات من القرن التاسع عشر لم يرغب رجال الصناعة باصدار قانون لبراءات الاختراع لأنهم كانوا يريدون الاستمرار في استعمال اختراعات المنافسين الأجانب. وحافظوا على تلك المعارضة على الرغم من ان السويسريين أنفسهم كانوا من المطالبين المتحمسين أنفسهم لبراءات الاختراع في الدول الأخرى. وبما انه كان لسويسرا آنذاك تعرفة منخفضة فقد خشوا ان يأخذ هؤلاء المتنافسون براءات اختراع في سويسرا ومن ثم ابعاد المنافسة السويسرية بفضل تلك الحماية.

 

تبنت سويسرا في آخر الأمر قانونا لبراءات الاختراع شملته شتى الاستثناءات والاجراءات الواقية، ليس لأن معظم السويسريين رأوا بأن هناك أية فائدة خالصة من السماح ببراءات الاختراع الأجنبية، ولكن لأن سويسرا وجدت نفسها تحت ضغط شديد ولا سيما من ألمانيا للقيام بذلك ولم تكن ترغب في معاملتها بالمثل من قبل الدول الأخرى.(25) واشتملت الاجراءات الوقائية التي تبنوها على تدابير للعمل الاجباري (26) والترخيص الاجباري مما سمح للحكومة بفرض الانتاج في سويسرا بطريقة او بأخرى، اذا رغبت في ذلك. وبالاضافة الى ذلك استثنوا المواد الكيماوية وصباغة الأنسجة من حماية براءات الاختراع. وفي أماكن أخرى من اوروبا ربح الموالون لنظام براءة الاختراع الحجة في الوقت الذي انحسر مد حركة التجارة الحرة في وجه الكساد الاقتصادي الكبير في اوروبا. فقط في هولندا نجحت الحركة ضد براءات الاختراع نجاحا تاما وبين عامي 1869 و 1912 لم يصدروا أية براءات اختراع هناك. (27)

 

ورابعا أفضل أمثلة في ماضي التنمية الحديث هي دول شرقي آسيا التي استعملت أشكالا ضعيفة من حماية الملكية الفكرية وكيّفتها لظروفها الخاصة في تلك المرحلة من تنميتها. طوال المرحلة الحرجة من النمو السريع في تايوان وكوريا بين عامي 1960 و 1980، عندما تحوّلت اقتصادياتها تحوّلا لافتا للنظر، شددت الدولتان على أهمية التقليد والهندسة العكسية (28) على انها عنصر هام في تطوير تقنياتها المحلية وقدرتها الابتداعية. وفي عام 1961 تبنت كوريا تشريعات مترتبة على براءات الاختراع ولكن نطاق براءات الاختراع استثنى المواد الغذائية والمواد الكيماوية والادوية. كانت مدة براءاة الاختراع 12 عاما فقط. بعد ذلك في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، ولا سيما نتيجة للعمل الذي قامت به الولايات المتحدة بموجب القسم 301 من قانون التجارة لعام 1974، قاموا بمراجعة قوانين براءات الاختراع، مع انها لم تكن قد بلغت بعد المستويات التي وضعتها اتفاقية "تريبس". جرت عملية مماثلة في تايوان. وفي الهند يعتبر اضعاف حماية الملكية الفكرية في الادوية في قانون براءات الاختراع لعام 1970 (29) عاملا مهما في النمو السريع اللاحق لصناعتها في الادوية وذلك كمنتجة ومصدرة للأدوية الرخيصة غير المحمية ببراءة (30) والمنتجات الوسيطة بالجملة. (31)

 

والدرس العام الذي يعلمنا اياه هو ان الدول قد تمكنت من تكييف أنظمة حقوق الملكية الفكرية لتسهيل التعلم التكنولوجي وتعزيز غاياتها الصناعية الخاصة. وبما ان السياسات في بلد ما تمسّ مسّا وثيقا مصالح الآخرين كانت هناك دوما أبعادا دولية للمناقشات حول الملكية الفكرية. اعترف ميثاقا باريس وبيرن بهذا البعد وبجاذبية المعاملة بالمثل ولكنهما أتاحا مرونة كبيرة في تصميم أنظمة الملكية الفكرية. وبقدوم اتفاقية "تريبس" أزيل قسم كبير من تلك المرونة. لم يعد بامكان الدول السير في المسار الذي سلكته سويسرا او كوريا او تايوان في تنميتها. عملية التعلم التكنولوجي والتقدم من التقليد والهندسة العكسية الى توطيد قدرة ابداعية أهلية حقيقية يجب القيام بها الآن بشكل مختلف عن الماضي.

 

الأدلة حول تأثير الملكية الفكرية

 

سياق الكلام

 

تحليل الأدلة المتوفرة حول تأثير أنظمة حقوق الملكية الفكرية على الدول المتقدمة والدول النامية هو عملية معقّدة. ومثلما نوّهنا اعلاه، لا نريد ان نركّز على حقوق الملكية الفكرية على انها غاية بحد ذاتها بل على كيف يمكنها ان تساهم في التنمية وفي تقليل الفقر. ونحن نعتقد انه من الشروط المسبقة للتنمية القابلة للاستمرار والدوام في أي بلد هو تطوير قدرة علمية وتكنولوجية أهلية. انه ضروري للسماح للدول لتطوير عمليتها الخاصة في الابتداع التكنولوجي والسماح لها بامتصاص بفعالية التكنولوجيات التي تم تطويرها في الخارج. ومن البديهي ان تطوير مثل تلك القدرة يعتمد على عدد كبير من العوامل. فهو يحتاج الى نظام تعليمي فعال، لا سيما على المستوى الصناعي والحرفي، وعلى شبكة من المؤسسات الداعمة والبنيات القانونية. وهو يتطلب أيضا توفر الموارد المالية، العامة والخاصة على حد سواء، للسعي وراء التطوير التكنولوجي. وهناك عوامل أخرى عديدة تساهم في ما يعرف كثيرا بـ "أنظمة الابداع الوطنية".

 

وعند النظر اليها من هذا الزاوية فان المسألة هي هل يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تساهم في ترويج أنظمة قومية فعالة للابتداع من حيث المبدأ، وبالنظر الى التفاوتات الحالية الواسعة في القدرة العلمية والتكنولوجية الأهلية، كيف يمكنها ان تقوم بذلك بفعالية في الممارسة، آخذين بعين الاعتبار الظروف في الدول المعيّنة. وعلاوة على ذلك، بما اننا لسنا مهتمين فقط بالأثر الديناميكي لحقوق الملكية الفكرية في تشجيع الابتداع بل أيضا في الكلفة التي تفرضها حماية الملكية الفكرية على المجتمع، ولا سيما على الفقراء، علينا ان نأخذ بعين الاعتبار تلك التكاليف عند دراسة الأدلة وقيمة أي نظام معيّن من أنظمة الملكية الفكرية.

 

والقدر الكبير من الأدلة حول حقوق الملكية الفكرية هو اما غير مباشر او مبني على أساس تدابير بالوكالة. لا يمكننا ان نقيس مباشرة قدرة بلد على الابتداع (مثلا، يمكننا ان نستخدم النفقات المبذولة عادة على الأبحاث والتطوير او النفقات المتعلقة بالابتداع بمثابة توكيل). ولا يمكننا ان نقيس مباشرة قوة حماية براءات الاختراع في بلد ما (مع انه قد جرى جمع مؤشرات باستعمال مزيج من التوكيلات). فاستعمال القياسات الاقتصادية التي تحاول عزل التأثير المستقل لحقوق الملكية الفكرية على المتغيرات الاقتصادية، كثيرا ما يطعن فيه ولا سيما ان كانت تظهر فيه الترافقية بدلا من التسببية. مثلا، بعض السلطات تحاور بأن غياب حماية الملكية الفكرية يشجّع نقل التكنولوجيا والتعلم التكنولوجي (عن طريق النسخ والتقليد). والآخرون يحاورون بالقول ان حماية الملكية الفكرية هي آلية تشجّع تحويل التكنولوجيا من الخارج وذلك عن طريق الاستثمار المباشر او الترخيص وان التأثيرات غير المباشرة هي وسيلة فعالة للتعلم التكنولوجي. والتقرير أين تقع الحقيقة هي مسألة صعبة بالنسبة لواضعي السياسة.

 

تأثير اعادة التوزيع

 

الدول النامية، اذا أخذناها ككل، هي مستوردة خالصة للتكنولوجيا التي تزود القدر الكبير منها الدول المتقدمة. تملك المنظمات في الدول المتقدمة النسبة الساحقة من حقوق براءات الاختراع في كافة أنحاء العالم. لقد جرى بناء نماذج قياسات الاقتصاد لتقدير ما سيكون الأثر العالمي من تطبيق اتفاقية "تريبس" (أي عولمة المقاييس الدنيا لحماية الملكية الفكرية). والتقدير الأخير الذي قام به البنك العالمي يوحي بأن معظم الدول المتقدمة ستكون الدول المستفيدة الكبرى من اتفاقية "تريبس" من حيث تعزيز قيمة براءات الاختراع التي تملكها وتقدّر الفائدة بالنسبة للولايات المتحدة بمبلغ سنوي قدره 19 مليار دولار أمريكي. (32) اما الدول النامية وعدد قليل من الدول المتقدمة فستكون الخاسرة. اما الدولة التي ستتكبد أكبر الخسائر في الدراسة التي قام بها البنك العالمي فهي كوريا التي ستبلغ خسائرها مبلغا قدره 15 مليار دولار. يجب ان لا نقرأ الشيء الكثير في القيمة الدقيقة لتلك الأرقام، التي تعتمد على عدد من الافتراضات القابلة للجدل، ولكن يمكننا ان نقول بثقة بأن تأثير تطبيق حقوق براءات الاختراع على الصعيد العالمي سيفيد استفادة كبيرة حاملي براءات الاختراع، الموجودين بصورة رئيسية في الدول المتقدمة، وذلك على حساب مستعملي التكنولوجيات والبضائع المحمية ببراءات الاختراع في الدول النامية. وبين عامي 1991 و 2001 ارتفع فائض الولايات المتحدة الصافي من الجعالات (المتعلقة بصورة رئيسية بمعاملات الملكية الفكرية) من 14 مليار دولار الى أكثر من 22 مليار دولار. (33) وفي عام 1999 أشارت الأرقام من البنك العالمي الى عجز بالنسبة للدول النامية المتوفرة لها أرقام بلغ قدره 5ر7 مليار دولار على الجعالات ورسوم الترخيص. (34)

 

النمو والابتداع

 

يجب ان لا نندهش من معرفة ان تمديد حقوق الملكية الفكرية من شأنه ان يفيد الدول المتقدمة وهو يفسّر لماذا قامت الصناعة في الدول المتقدمة بالضغط لتبني اتفاقية "تريبس". ولكن الحسابات الواردة اعلاه تأخذ بعين الاعتبار فقط جانب الكلفة من معادلة حقوق الملكية الفكرية بالنسبة للدول النامية. فاذا كان لحقوق الملكية الفكرية ان تفيد الدول النامية يجب ان تأتي عن طريق تشجيع الاختراع والابتداع التكنولوجي وبالتالي تعزيز النمو.

 

وعلى مستوى الدول يبدو ان هناك قدرا قليلا من الأبحاث في الدول النامية تربط مباشرة بين نظام الملكية الفكرية والابتداع المحلي والتنمية. وثمة طريقة شائعة في المانيا وفي دول شرقي آسيا (بما فيها الصين) تنطوي على استحداث نماذج منفعية سهل الحصول عليها (او براءات اختراع ثانوية) تجمع بين مستوى منخفض من الابتداع مع التسجيل بدلا من الفحص ومع فترة حماية قصيرة الأمد. (35) وعندما جرى استحداثها في ألمانيا في عام 1891 وفّرت تلك البراءات حماية مدتها ثلاث سنوات (قابلة للتجديد لمدة ثلاث سنوات أخرى) ومع حلول الثلاثينات من القرن الماضي بلغ عدد البراءات المنفعية الممنوحة ضعف تلك التي خضعت للفحص. (36) والدراسات التي جرت على نظام براءات الاختراع في اليابان بين عامي 1960 و 1993 أوحت بأن النماذج المنفعية مهمة أكثر من براءات الاختراع في الحث على نمو الانتاجية. (37) وهناك أيضا بعض الأدلة تنسب الابتداع في قطاعات معينة في البرازيل والفيليبين الى نماذج منفعية من هذا القبيل. (38) وفي اليابان توحي الأدلة بأن نظام من الحماية "الضعيفة" مبني على أساس النماذج المنفعية والتصاميم الصناعية سهّل الابتداع التدرّجي من قبل الشركات الصغيرة وسهّل امتصاص التكنولوجيا وانتشارها. ونسبوا ذلك كما هو الحال بالنسبة الى تايوان وكوريا الى غياب حماية براءات الاختراع للمواد الكيماوية والادوية. أدخلت اليابان الحماية للمنتجات السابقة الذكر في عام 1976 فقط. (39)

 

هناك أدلة أكثر حول تأثير حماية براءات الاختراع في الدول المتقدمة. يبدو ان تلك الأدلة تشير الى ان الشركات الكبرى تعتبر حماية براءات الاختراع ذات أهمية بالغة في قطاعات معيّنة (مثلا قطاع الادوية) ولكن في العديد من القطاعات لا تعتبر مسببات مهمة للابتداع. (40) وعلاوة على ذلك يبدو ان براءات الاختراع قلما يجري استعمالها من قبل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في معظم القطاعات في عدد كبير من الدول المتقدمة كوسيلة لترويج ابتداعاتها او كمورد لمعلومات فنية مفيدة. ولكن هناك استثناء هام وهو قطاع الادوية الحيوية حيث كثيرا ما تنظر الشركات الى براءات الاختراع بمثابة مصدر قوة هام في أعمالها. (41) وهناك دراسة كبيرة جرى القيام بها في الآونة الأخيرة في المملكة المتحدة استخلصت الى القول بأن "أنظمة الملكية الفكرية الرسمية قابلة للتطبيق فقط على نسبة صغيرة من نشاطات الشركات مثل شركات الانتاج الكبرى." أساليب الحماية غير الرسمية الأخرى وأساليب الحصول على المعلومات الفنية كانت عموما أكثر فعالية بالنسبة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. (42)

 

المسألة المهمة من وجهة نظرنا هي الى أي مدى يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تشجّع النمو. الأدلة التي اطلعنا عليها لا توحي بوجود تأثير مباشر قوي على النمو الاقتصادي في الدول النامية. (43) وقد وجدت دراسة أخيرة ان كل ما كان الاقتصاد منفتحا (على التجارة) كلما أثرت حقوق براءات الاختراع على النمو. وبموجب هذا التحليل ففي الاقتصاد المنفتح يمكن لحقوق براءات الاختراع القوية ان تزيد نسب النمو بنسبة 0.66% سنويا. (44) ولكن هناك بعض النقاش حول التسببية لأن كل من الانفتاح على التجارة وقوة نظام حقوق الملكية الفكرية ينـزعان الى التزايد بأي حال مع دخل الفرد.

 

وتوحي الأدلة الأخرى بأن قوة حماية براءات الاختراع تزداد مع النمو الاقتصادي ولكن ذلك لا يحدث حتى ترتفع مستويات دخل الفرد ارتفاعا كبيرا. وفي الواقع، قبل تقوية قوانين الملكية الفكرية عالميا مؤخرا، كانت هنالك علاقة ملحوظة ثابتة معقولة بين قوة حقوق الملكية الفكرية ودخل الفرد. وفي مستويات الدخل المنخفضة كانت الحماية عالية (الأمر الذي يعكس تأثير الاستعمار الغابر) ومن ثم يهبط الى نقطة منخفضة من الحماية الضعيفة لما يبلغ دخل الفرد حوال 2000 دولار أمريكي (بالأسعار السائدة عام 1985). وتبقى هذه النقطة الضعيفة على ما هي عليه حتى يبلغ دخل الفرد حوالي 8000 دولار أمريكي عندما تبدأ قوة الحماية بالازدياد من جديد. هذا الترابط ليس تسببيا بالضرورة ولكنه يشير بأنه حتى يبلغ دخل الفرد مستويات عالية نسبيا لا تعتبر حماية الملكية الفكرية ذات أولوية عالية في سياسة الدول النامية. (45)

 

لربما كانت أبسط الأدلة على تأثير نظام الملكية الفكرية هي مقدار استعمالها ولا سيما من قبل المواطنين. الميل الى تسجيل براءات الاختراع من شأنه ان يعكس بعض الحكمة بالنسبة للفوائد وان تكن هي الفوائد الخاصة بدلا من الفوائد الاجتماعية. في دول افريقيا جنوب الصحراء (باستثناء جنوب أفريقيا) جرى منح 35 براءة اختراع الى المقيمين بالمقارنة بـ 741 براءة اختراع الى غير المقيمين. في الولايات المتحدة بلغت الأرقام المقابلة 80292 و 67228. (46)

 

وتبدو الخلاصة الرئيسية بأنه بالنسبة لتلك الدول النامية التي حصلت على قدرات تكنولوجية وابتداعية ذات شأن هناك ترابط مع الأشكال "الضعيفة" بدلا من "القوية" من حماية الملكية الفكرية في الفترة البدائية من تنميتها الاقتصادية. وهكذا فاننا نخلص الى القول انه في معظم الدول المنخفضة الدخل وذات البنية التحتية العلمية والتكنولوجية الضعيفة فان الحماية على المستويات التي تتطلبها اتفاقية "تريبس" ليست مقررا هاما للنمو. بالعكس، فان النمو السريع كثيرا ما يكون مترابطا مع حماية ضعيفة للملكية الفكرية. وفي الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا هناك بعض الأدلة بأن حماية الملكية الفكرية تصبح مهمة في مرحلة من مراحل نموها ولكن تلك المرحلة لا تبلغها الدولة الا عندما تصبح في فئة الدول النامية ذات الدخل المتوسط العالي.(47)

 

التجارة والاستثمار     

 

على الرغم من أنه من الصعب معرفة التأثير المباشر على النمو فقد بذلت جهود جمة في معرفة تأثير تغيير حقوق الملكية الفكرية على التجارة والاستثمار الأجنبي. نحن لا نجد مثل ذلك العمل مفيدا لدراستنا. الشيء الكثير منه لا يخاطب تأثير حقوق الملكية الفكرية على الدول النامية بل يركّز بدلا من ذلك على مسألة كيف يمكن لصادرات واستثمارات الدول المتقدمة ان تتأثر من تقوية حقوق الملكية الفكرية في الدول النامية. الاسلوبان هذان في النظر بالموضوع ليسا متشابهين.

 

مثلا، تبيّن بعض الدراسات بأن حقوق براءات الاختراع القوية في الدول النامية من شأنها ان تزيد زيادة كبيرة الواردات من الدول المتقدمة (او في الواقع من الدول النامية الأخرى). (48) والحجة ان بعض الواردات هي شكل من أشكال تحويل التكنولوجيا (مثلا، للواردات من المعدات ذات التكنولوجيا العالية تأثير مستقل على الانتاجية). ولكن تقوية حقوق الملكية الفكرية تؤثر أيضا بصورة خاصة على زيادة الواردات من المواد الاستهلاكية ذات التكنولوجيا المنخفضة وهي مترابطة مع الهبوط في الصناعات الأهلية المبنية على أساس التقليد. (49) وهكذا من الواضح بأن هذا التأثير هو نعمة متفاوتة بالنسبة للدولة النامية. قد تتوفر الامكانية للحصول على مقدار أكبر من واردات التكنولوجيا العالية ولكن لم تستخدم في السابق بسبب الافتقار الى حماية براءات الاختراع ولكن التكاليف يمكن ان تكون باهظة من حيث فقدان الانتاج والعمل او حتى تأخير النمو. هذه معضلة حقيقية جدا ولا سيما في بعض الدول مثل الصين. وتوحي تلك الدراسات بأن الدول ذات القدرة التكنولوجية الضئيلة قد تواجه انخفاضا في الواردات لأن قوانين براءات الاختراع تنـزع الى زيادة أسعار الواردات على المتوسط وبالتالي تخفّض القدرة على الاستيراد. وفي الماضي كانت الدول تحمي نفسها من التأثيرات المناوئة المحتملة لزيادة الواردات على الصناعة المحلية وذلك عن طريق تدابير تتعلق بالعمل الاجباري لبراءات الاختراع مثل ما فعلت سويسرا في القرن التاسع عشر.

 

وبالنسبة لتحليل تأثيرها على الاستثمار الأجنبي لدينا تحفّظات مشابهة. هناك دراسات كثيرة تبحث في مدى تأثير حقوق الملكية الفكرية القوية على الاستثمار الأجنبي وعلى الترخيص ونقل التكنولوجيا. يصل القسم الكبير من تلك الدراسات الى نتائج مؤقتة فقط بسبب مواطن الضعف في المعلومات او اسلوب العمل (الميثودولوجيا). (50) وعدد كبير من الدراسات يطرح السؤال كيف يمكن لتقوية حقوق براءات الاختراع في الدول النامية ان تؤثر على الاستثمار والانتاج وسلوك الترخيص الذي تمنحه الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات في الدول النامية. مثلا، من الخلاصات التي توصلت اليها احدى الدراسات الأخيرة ولكنها خلاصة نموذجية للأخرى المتعاطية مع معطيات مشابهة، هي ما يلي:

 

"...توحي تلك النتائج بأنه فيما لو قامت دولة نامية عادية بتقوية مؤشر براءات الاختراع لديها بنسبة وحدة واحدة، فان المبيعات المحلية للمؤسسات الأمريكية الفرعية ترتفع بنسبة ... حوالي 2% من معدل المبيعات السنوية... ارتفاع وحدة واحدة في مؤشر براءات الاختراع للدولة النامية العادية من شأنه ان يرفع مخزون الموجودات للشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات الفرعية ... حوالي 16% من متوسط مخزون الموجودات." (51)

 

بالنسبة لواضعي السياسة في الدولة النامية قد يختلف هيكل الأسئلة نوعا ما. قد يريد هؤلاء ان يعلموا انه فيما لو جرت تقوية حقوق الملكية الفكرية هل من المحتمل ان يؤثر ذلك على النمو الاقتصادي وعلى العمل والاستثمار والأبحاث والتطوير في القطاع الخاص وعلى حرية الحصول على التكنولوجيا الأجنبية وعلى الابتداع المحلي وعلى الصادرات (وكذلك على الواردات). هناك قلة من الدراسات التي تخاطب مباشرة تلك المسائل المهمة جدا لواضعي السياسة في الدول النامية ناهيك عن الوصول الى خلاصات حاسمة عن تأثير حقوق الملكية الفكرية.

 

الواضح من الدراسات هو ان حقوق الملكية الفكرية القوية وحدها لا توفر الحوافز الضرورية او الكافية للشركات للاستثمار في دول معيّنة. فان كان هذا هو الحال لن تكون الدول الكبيرة التي تتمتع بنسب نمو عالية ولكن أنظمة ضعيفة لحقوق الملكية الفكرية قد تلقت استثمارات أجنبية واردة كبيرة في الماضي وحتى في الوقت الحاضر. وهذه تشمل الكثير من دول شرقي آسيا وأمريكا اللاتينية التي تلقت معظم تلك الاستثمارات. (52) فاذا تمت مواجهة المسألة من حيث ماهية العوامل المهمة أكثر من غيرها في تقرير الاستثمار الأجنبي فمن العادي ان تحذف حقوق الملكية الفكرية تماما. مثلا، التقارير الواردة من المؤسسات والهيئات الدولية حول تدفق الاستثمار لم تأت قطعيا على ذكر حقوق الملكية الفكرية على انها عامل في ذلك. تشمل تلك التقارير، مثلا، تقرير البنك العالمي على أموال التنمية العالمية 2002 (53) وتقرير زيديللو عن تمويل التنمية. (54) وكذلك، فان مسودة تقرير أخير للبنك العالمي حول تحسين جو الاستثمار في الهند لا يذكر قطعيا أي دور لحقوق الملكية الفكرية. (55)

 

مثل ما نوّهنا هناك بعض الأدلة بأنه بالنسبة لبعض الصناعات (مثل المواد الكيماوية) وبالنسبة لبعض النشاطات (مثل الأبحاث والتطوير) يمكن ان تشكّل حقوق الملكية الفكرية عاملا هاما في القرار الذي تتخذه الشركات للاستثمار. (56) ولكن قرار الاستثمار يتوقف على عوامل عديدة. بالنسبة للصناعات ذات التكنولوجيا المنخفضة من النوع الذي من المحتمل ان تستقطبه الدول النامية الأقل تقدما تكنولوجيا فمن غير المحتمل ان تشكل حقوق الملكية الفكرية عاملا هاما في قرار الاستثمار. ولكن عندما تكون التكنولوجيات متطورة ولكن من السهولة نسبيا نسخها عندئذ يمكن لحقوق الملكية الفكرية ان تشكّل عاملا هاما، ولكن ليس بالضرورة، في قرارات الاستثمار اذا كانت لدى الدولة المعنية قدرة علمية للنسخ وسوق كبيرة بما فيه الكفاية لتبرير تكاليف تسجيل براءات الاختراع وتطبيقها وكانت العوامل ذات الصلة الأخرى مؤاتية. ولكن في الحالات الأخرى فقد كان استحداث حماية الملكية الفكرية مترابطا، مثل ما ذكرنا اعلاه، مع زيادة في الواردات بدلا من الاستثمار في الانتاج المحلي. وأخيرا، في الصناعات ذات التكنولوجيا العالية وبالنسبة للدول ذات القدرات التكنولوجية المتقدمة، قد يختار أصحاب التكنولوجيا ان يرخصوا تكنولوجياتهم، المحمية بنظام الملكية الفكرية، بدلا من الاستثمار مباشرة في الانتاج. وهكذا فان الحقوق القوية قد تردع تدفق الاستثمار ولكن تسهّل تحويل التكنولوجيا بموجب ترخيص، وهو موضوع سنتطرق اليه في القسم التالي.

 

وهكذا نحن نستخلص ما يلي من الدراسات الحالية:

 

·                   هناك بعض الأدلة التي تشير بأن تدفق التجارة في الدول النامية يتأثر بقوة حماية الملكية الفكرية ولا سيما في تلك الصناعات (عادة التكنولوجيا العالية) التي تكون "حساسة من حيث حقوق الملكية الفكرية" (مثلا، المواد الكيماوية والادوية) ولكن الأدلة ليست واضحة تماما.

·                   يمكن لتلك التدفّقات ان تساهم في القدرة الانتاجية. ولكن يمكنها ان تكون على حساب الانتاج المحلي والعمل في "النسخ" المحلي والصناعات الأخرى. ويمكن للدول النامية ذات البنية الاساسية التكنولوجية المعدومة او الضعيفة ان تتأثر تأثرا ضارا من جراء الأسعار العالية التي يفرضها استيراد البضائع المحمية بالملكية الفكرية.

·                   لا توجد أدلة على ترابط الاستثمار الأجنبي ترابطا ايجابيا مع حماية الملكية الفكرية في معظم الدول النامية.

·                   وبالنسبة للدول النامية المتقدمة تكنولوجيا يمكن ان تكون حقوق الملكية الفكرية مهمة لتسهيل الوصول الى التكنولوجيات العالية المحمية وذلك عن طريق الاستثمار الأجنبي او الترخيص.

·                   وتحقيق التوازن الصحيح قد يكون صعبا بالنسبة لبعض الدول مثل الهند او الصين حتى لدى بعض الصناعات التي فيها الامكانية من الاستفادة بحماية الملكية الفكرية، ولكن التكاليف الملازمة لذلك بالنسبة لبعض الصناعات التي تأسست تحت أنظمة ضعيفة من أنظمة الملكية الفكرية وبالنسبة للمستهلكين قد تكون عالية.ومعظم الأدلة المتعلقة بدور الملكية الفكرية في التجارة والاستثمار تتعلق بتلك الدول النامية المتقدمة تكنولوجيا أكثر من غيرها. اما بالنسبة للدول النامية الأخرى فاننا نستخلص الى القول بأن أية فوائد تجارية واستثمارات من غير المحتمل ان تفوق قيمة التكاليف على الأقل في الأمد القصير والمتوسط.

 

نقل التكنولوجيا

 

من ناحية فان المسألة الحرجة بالنسبة للملكية الفكرية ليست ما اذا كانت الملكية الفكرية تشجّع التجارة او الاستثمار الأجنبي بل كيف تساعد او تعيق الدول النامية على الوصول الى التكنولوجيات اللازمة لتنميتها. فاذا قام مورّد للتكنولوجيا الأجنبية بترخيص الانتاج الى شركة محلية بدلا من قيامها بتأسيس مصنع محلي للانتاج فتكون البلد قد استقطبت قدرا قليلا من الاستثمار الأجنبي. ولكن قد تكون النتيجة على العموم مفيدة للاقتصاد المحلي بسبب المساهمة غير المباشرة في القدرات التكنولوجية المحلية. فاذا ازدادت الواردات من التكنولوجيا العالية نتيجة لتقوية أنظمة الملكية الفكرية، يمكن تحقيق نقل في التكنولوجيا (مثلا، بشكل سلع انتاجية) ولكن لا يوجد أي ضمان من أن الاقتصاد المحلي يمكنه امتصاص تلك التكنولوجيا واعتمادها كأساس للمزيد من الابتداع. وهكذا قد لا يكون نقل التكنولوجيا قابلا للدوام والاستمرار. بدلا من ذلك، وكما رأينا، قد تستخدم بعض الدول أنظمة الملكية الفكرية الضعيفة كوسيلة للحصول على التكنولوجيات الأجنبية وتطويرها عن طريق الهندسة العكسية وبالتالي تعزيز قدرتها التكنولوجية الأهلية. تطبيق اتفاقية "تريبس" الآن تقيّد قدرة الدول النامية على اتباع هذا المسار.

 

ولكن مقرّرات النقل الفعال للتكنولوجيا هي عديدة ومتنوّعة. وقدرة الدول على امتصاص المعرفة من أماكن أخرى ومن ثم استغلالها وتكييفها لأغراضها الخاصة هي أيضا مسألة ذات أهمية كبيرة. هذه الميزة تتوقف على تنمية القدرات المحلية عن طريق التعليم والأبحاث والتطوير وتطوير المؤسسات المناسبة التي بدونها حتى نقل التكنولوجيا بموجب أفضل الشروط من غير المحتمل ان ينجح. ويحتاج نقل التكنولوجيا أيضا الى نقل المعرفة "الضمنية" التي لا يمكن تشفيرها بسهولة (مثلا كما هو الحال بالنسبة للافصاحات المحمية ببراءاة او كتيبات تعليمات التشغيل). ولهذا السبب حتى أفضل البرامج تصميما الهادفة الى تعزيز القدرة الوطنية للأبحاث والتي تمولها الدول المانحة لم تتكلل دائما بالنجاح. وحيث ان العديد من التكنولوجيات التي تهم الدول النامية تنتجها منظمات في الدول المتقدمة فان حيازة تلك التكنولوجيا تحتاج الى القدرة على التفاوض بفعالية بناء على فهم لمجال التكنولوجيا المعني. تتطلب تلك العملية اسلوبا حازما من جانب الجهة المتلقية للتكنولوجيا للحصول على القدرات البشرية اللازمة وعلى المؤسسات المناسبة. هناك دول مثل كوريا بدأت من مستوى متدني من البراعة التكنولوجية قبل أربعين عاما، بالنسبة لعدد كبير من الدول ذات الدخل المحدود في هذه الأيام، ولكنها قد أصبحت الآن دولة مبتدعة بحد ذاتها.

 

هذه الناحية من عملية نقل التكنولوجيا هي الى حد كبير بين أيدي الدول النامية نفسها. ولكن هذا لا يعني ان الدول المتقدمة او السياسات الدولية على وجه العموم لا يمكنها تسهيل تلك العملية او اعاقتها. تعترف اتفاقية "تريبس" في المادة 7 بأنه يتعيّن على حقوق الملكية الفكرية ان تساهم في "نقل ونشر التكنولوجيا" ولكنها تنص في المادة 8 بأنه قد تكون هناك حاجة الى اتخاذ تدابير لمنع انتهاك حقوق الملكية الفكرية التي "تؤثر تأثيرا ضارا على التحويل الدولي للتكنولوجيا." وتنص المادة 40 على اجراءات لمنع الممارسات غير التنافسية في التراخيص التعاقدية. والمادة 66-2 تلزم الدول المتقدمة على توفير الحوافز لشركاتها ومؤسساتها من أجل قيام تلك الدول بنقل التكنولوجيا الى الدول الأقل نموا لكي "تمكّنها من تأسيس قاعدة اقتصادية سليمة وقابلة للاستمرار." تعكس تلك التدابير الواردة في اتفاقية "تريبس" بعض التدابير الواردة في مسودة المدونة الدولية للمارسة الخاصة بنقل التكنولوجيا والتي فشلت فيها المفاوضات بين الدول النامية والدول المتقدمة في الثمانينات من القرن الماضي (57). 

 

تغيّر الاقتصاد العالمي منذ ذلك الحين. والجدير بالذكر ان السياسات الاقتصادية حول العالم قد تغيّرت من الاستعاضة عن الواردات والتصنيع الموجّه خلف حواجز التعرفة العالية باتجاه سياسات السوق المفتوحة التي تركز على الفوائد التي يمكن كسبها من التعرفة المنخفضة والمنافسة العالمية ومن دور أقل توجيها من قبل الحكومات في التنمية الاقتصادية. والصناعات المبنية على المعرفة والاتجار بالمنتجات ذات التكنولوجيا العالية قد نمت بسرعة. وقد ازدادت أهمية الأبحاث والتطوير وقصرت دورات العمر العملي للمنتجات. وهكذا في هذه البيئة المتحررة والمنافسة لا يمكن للشركات في الدول النامية ان تتنافس على أساس استيراد التكنولوجيات "الناضجة" من الدول المتقدمة وانتاجها من وراء حواجز تعرفية. والشركات حذرة أكثر مما كانت سابقا من نقل التكنولوجيا في طرق يمكنها ان تزيد التنافس التي تواجهها.

 

وهكذا فان المشكلة ليست الآن مشكلة الحصول على مقدار أكبر او أقل من التكنولوجيات الناضجة بموجب شروط عادلة ومتوازنة بل هي مشكلة حرية الحصول على التكنولوجيات المتقدمة اللازمة لتتمكن الشركات من المنافسة في الاقتصاد العالمي في هذه الأيام. لقد قوّت اتفاقية "تريبس" الحماية العالمية التي توفرها لموردي التكنولوجيا ولكن ليس هناك اطار دولي لتأمين حصول نقل التكنولوجيا ضمن اطار تنافسي يخفّض الى الحد الأدنى ممارسات ترخيص التكنولوجيا المقيّدة التي كانت المدونة تعالجها.

 

نحن غير متأكدين كيف يمكن ملء تلك الفجوة في الاطار الدولي. اعادة المحادثات بخصوص مدونة للمارسات ليست خيارا قابلا للتطبيق في هذه البيئة المتغيّرة. ولكننا نعتقد انه بتشجيع الدول النامية ومساعدتها على اصدار أنظمتها القانونية للمنافسة يخدم مصالحها على نحو أفضل. وقد جرى البحث منذ مدة طويلة في أروقة منظمة التجارة الدولية في تطوير اطار لسياسة المنافسة الدولية. ونحن نتفهم تردد الدول النامية في المضي بهذا المسار ولكن تطوير قوانين المنافسة الوطنية والتعاون الدولي الفعال من شأنهما ان يعملا بمثابة ثقل موازن لتلك النواحي من اتفاقية "تريبس" التي تقيّد المنافسة على الصعيد العالمي وتعيق نقل التكنولوجيا في بعض الظروف.

 

وبالنسبة الى اتفاقية "تريبس" فان الأدلة توحي بأن التدابير الواردة في المادة 66-2 لم تكن فعالة. لا يبدو بأن الدول المتقدمة قد اتخذت تدابير اضافية لتشجيع نقل التكنولوجيا من قبل شركاتها ومؤسساتها. وعلاوة على ذلك، بما ان المادة تنطبق فقط على الدول الأقل نموا فهي تبدو مقيّدة أكثر مما ينبغي. ومثلما ذكرنا أعلاه، فهذه الدول هي دول من المحتمل ان تكون الى حد بعيد دولا ذات قدرة امتصاصية قليلة للتكنولوجيا. وهكذا فنحن لا نعتبر المادة 66-2 الوسيلة المناسبة لمواجهة المسألة الكاملة لنقل التكنولوجيا الى الدول النامية. وبالاضافة الى ذلك، بعض التدابير الواردة في اتفاقية "تريبس" والتي كانت تستخدم تاريخيا لنقل التكنولوجيا، مثل استعمال العمل الاجباري، قد تم تخفيفها بموجب اتفاقية "تريبس". وبما ان التكنولوجيا هي معظمها في أيدي خاصة واتفاقية "تريبس" تتعاطى بصورة رئيسية بحماية حقوق الملكية الفكرية بدلا من نقل التكنولوجيا، فنحن لسنا متأكدين ما اذا كانت اتفاقية "تريبس" او منظمة التجارة العالمية بوجه عام هي المنبر الصحيح للمباحثات حول نقل التكنولوجيا.

 

ولذلك نحن نرحب بتشكيل مجموعة العمل حول التجارة ونقل التكنولوجيا والتي سترفع تقريرها الى مؤتمر منظمة التجارة الدولية على المستوى الوزاري الذي سينعقد العام المقبل. (58) ونحن نقترح بأن تتضمن مداولاته دراسة ما اذا يمكن جعل اتفاقية "تريبس" تعمل بشكل أفضل كآلية واحدة لتشجيع نقل التكنولوجيا وما هي التدابير التي يمكن ان يكون مرغوبا بها لتأمين بأن نظام حقوق الملكية الفكرية يشجّع تحويل التكنولوجيا ولا يعيقه. ولكننا نرى بأن مجموعة التدابير المكملة والتي ستكون لازمة لتشجيع نقل التكنولوجيا على قدر متساو من الأهمية.

 

ومع ان معظم التكنولوجيا التطبيقية هي مملوكة ملكية خاصة فمن الأهمية ان نتذكر مدى دعم الانفاق العام على الأبحاث الأساسية والتطبيقية لعملية التطوير التكنولوجي. كثيرا ما نجد الآن بأن الانفاق العام في الدول المتقدمة له هدف واضح وهو تعزيز المنافسة الدولية، وعلى نحو متزايد، تسجيل مثل تلك الأبحاث ببراءة كما نبحث في الفصل السادس. وهكذا فان تمويل الأبحاث لا يكون عادة مربوطا بمواطني الدولة، وهو أمر نتفهمه، ولكن يمكن أيضا ان تكون الفوائد الناجمة عن مثل تلك الأبحاث مقيّدة بمواطني الدولة. مثلا، القانون في الولايات المتحدة يقيّد الى حد ما ترخيص التكنولوجيات الممولة من الأموال العامة بمواطني الولايات المتحدة، وهي سياسة منطقها العلمي والاقتصادي غير واضح. (59)

 

القدر الكبير من أجندة نقل التكنولوجيا هو خارج نظاق صلاحيتنا ولكننا نعتقد انه من الجدير أخذ التدابير التالية بعين الاعتبار بجدية وهي:

 

·                   توفير سياسات حافزة منافسة في الدول المتقدمة لتشجيع نقل التكنولوجيا، مثلا إعفاءات    ضريبية للشركات التي تعطي تراخيص لتكنولوجيتها الى الدول النامية.

·                   وضع سياسات للمنافسة الفعالة في الدول النامية.

·                   توفير مبالغ أكبر من الأموال العامة لتشجيع القدرات التكنولوجية والعلمية الأهلية في الدول النامية وذلك عن طريق التعاون العلمي والتكنولوجي. مثلا، تأييد تحالف الأبحاث العالمي المقترح (60) بين مؤسسات الأبحاث في الدول النامية والمتقدمة.

·                   أخذ تعهدات وضمان جعل فوائد الأبحاث الممولة من الأموال العامة متوفرة للجميع.

·                   وأخذ تعهدات وضمان قدرة وصول الجميع الى قواعد المعلومات العلمية.

 

________________________________________________________________________________

(1) الدور الدقيق للمعرفة والتغيير الفني كان موضوع نقاش بين علماء الاقتصاد، ولكن هذا هو الرأي المهيمن. وللحصول على المباحثات غير الفنية للمناقشة المرجو مراجعة البنك العالمي (1991) "تقرير التنمية العالمية 1998-1999: المعرفة من أجل التنمية"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحات 18-22. المصدر: http://www.worldbank.org/wdr/wdr98/ 

(2) البنك العالمي (1999)، الصفحة 20

(3) K. Maskus   (2000أ) "حقوق الملكية الفكرية في الاقتصاد العالمي"، معهد الاقتصادات العالمية، واشنطن دي سي، الصفحات 73-79.

(4) E. Mansfield (1986) "براءات الاختراع والابتداع"، علم الادارة، المجلد 32:2 الصفحات 173-181.

(5) S. Radovesic  (1999) "نقل التكنولوجيا الدولية واللحاق بالتنمية الاقتصادية"، الغار، تشلتنهام الصفحة 242. وأيضا K. Saggi. (2000) "التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر ونقل التكنولوجيا الدولية: دراسة"، البنك العالمي، واشنطن دي سي (المصدر: http://www1.worldbank.org/wbiep/trade/papers2000.saggiTT-fin.pdf) ، N. Rosenberg (1982)

"داخل الصندوق الأسود؛ التكنولوجيا والاقتصاد"، دار جامعة كيمبريدج للنشر، كيمبريدج.

(6) راجع ملخص الأسماء للحصول على تفسير لمعاهدة التعاون في براءات الاختراع

(7) اشتملت تلك الدول النامية التي منحت أكثر من 50 براءة اختراع أمريكية في عام 2001 على ما يلي: الصين 266، الهند 179، جنوب أفريقيا 137، البرازيل 125، المكسيك 87، الأرجنتين 58، ماليزيا 56. وتلقت الصين (تايوان) 6545 وكوريا 3763 ولكن هاتان الدولتان ليستا دولا نامية حسب تصنيف البنك العالمي. ويفيد حسابنا بأن 1560 براءة اختراع أمريكية منحت الى الدول النامية الواردة في لائحة البنك العالمي من بين 184057 براءة اختراع منحت في عام 2001. المصدر: all.pdf http://  www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/cst

(8) المعلومات وفرتها لنا المنظمة العالمية للملكية الفكرية. 4816 طلب لبراءة الاختراع بين عامي 1999-2001 أتت من تلك الدول الخمسة من بين 5014 طلبا تقدمت بها الدول النامية. وبلغ مجموع الطلبات بين عامي 1999-2001 مجموع  268918 طلبا. وكانت كل من كوريا (4622 طلبا) و سنغافورة (640 طلبا) أيضا من المقدمين الكبار  لطلبات تسجيل البراءات.

(9) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(10) J. Stiglitz "المعرفة كصالح عام عالمي"، في Kaul، I. Grunberg، و M. Stern. (المحررين) (1999) "الصالح العام العلمي في القرن العشرين: التعاون الدولي في القرن العشرين/ دار جامعة اكسفورد للنشر، اكسفورد.

(11) نبحث في هذه المواضيع بتفصيل أكثر في الفصل السادس.

(12) تجربة الاقتصادات "الناشئة" مثل كوريا توحي بأنه في بادىء الأمر يتخذ القطاع العام مركز القيادة ومن ثم لما يصبح القطاع أكثر ابتداعا يتجه القطاع الخاص الى الهيمنة. وهكذا نجد في كوريا بأن معظم براءات الاختراع الأمريكية يستصدرها القطاع الخاص ولا سيما في مجال الالكترونيات. وفي الهند لا يزال القطاع العام هو القطاع المسيطر ولكن هناك مؤشرات تشير الى ازياد النشاط في طلب براءات الاختراع من قبل القطاع الخاص. مثلا في عام 2001، منحت شركتان من قادة شركات الادوية في الهند 11 براءاة اختراع في الولايات المتحدة بالمقارنة ب 58 براءة اختراع للمجلس الهندي للأبحاث العلمية والصناعية.  المصدر: stc.htm  http://www.uspto.gov/web/offices/ac/ido/oeip/taf/asgstc/inx

(13) E. Penrose (1951) "اقتصادية نظام براءات الاختراع الدولي"، دار جون هوبكينز للنشر، بولتيمور، الصفحات 116-117.

(14) F. Machlup. (1958) "مراجعة اقتصادية لنظام براءات الاختراع"، مكتب الحكومة الأمريكية للطباعة،واشنطن دي سي، الصفحة 80.

(15) L. Thurow (1997) "مطلوب: نظام جديد لحقوق الملكية الفكرية"، مراجعة هارفارد للأعمال، سبتمبر/أيلول-اكتوبر/تشرين الأول 1997، الصفحة 103. المصدر:

home.jhtm  http://harvardbusinessonlime.hbsp.harvard.edu/b01/en/hbr/hbr   

(16) L. Lessig. (1999) "المشكلة مع براءات الاختراع"، مقياس الصناعة، 23 أبريل/نيسان 1999. المصدر:

http://www.thestandard.com/article/display/0,1151,4296.html

(17) J. Sachs "الفرق العالمي في الابتداع"، في A. Jaffe،  J. Lerner. و S. Stern، محررون (آت قريبا) "سياسة الابتداع والاقتصاد: المجلد 3، دار ام آي تي للنشر، كيمبريدج، ماساتشوستس. المصدر:

http://www.nber.otg/books/innovation3/

(18) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(19) تلخّص وثيقة مقدمي العريضة قضيتهم كما يلي: "هذه التمديدات الشاملة المتكررة لمدد حقوق النشر والتأليف القائمة حاليا تتجاوز صلاحيات الكونغرس بموجب مادة حقوق النشر والتأليف، لأنها تنتهك متطلب "الأوقات المجدودة" ولأنها تنتهك متطلب "الأصالة" التي تتطلبها هذه المحكمة. وهي تنتهك متطلب "الأوقات المحدودة"، اولا، لأن المدد  المعرضة الى التمديدات الشاملة المتكررة ليست "محدودة"؛ وثانيا، لأن المدة الممنوحة الى عمل قائم حاليا لا "تشجّع تقدم العلوم"؛ وثالثا، لأن منح مدة أطول لأعمال قائمة حاليا تنتهك متطلب المعاملة بالمثل في مادة حقوق النشر والتأليف والذي يقضي بمنح حقوق الاحتكار في مقابل الفائدة العامة." المصدر:

http://eon.law.harvard.edu/openlaw/eldredvashcroft/supct/opening-brief.pdf

(20) المصدر: http://www.myoutbox.net/poar1858.htm

(21) راجع تلخيص الكلمات للتعريف.

(22) F..Machlup و E. Penrose. (1950) "الجدل حول براءات الاختراع في القرن التاسع عشر". مجلة التاريخ الاقتصادي، المجلد 1:10، الصفحة 20.

(23) مع ان فاحصي براءات الاختراع قد يتساءلوا ما اذا كان منح براءة الاختراع "يترك أي شيء لحكمة المرء".

(24) Machlup و Penrose (1950)، الصفحة 24.

(25) Penrose (1951) الصفحات 120-124.

(26) العمل الاجباري فرض الزاما مختلف الأنواع بموجب قانون براءات الاختراع يضمن بأن البضائع المحمية ببراءات الاختراع مصنوعة محليا وليست مستوردة من البلد حيث جرى فيه منح براءاة الاختراع.

(27) E. Schiff (1971) "التصنيع بدون براءات اختراع قومية": هولندا 1869-1919، سويسرا، 1850-1907"، دار جامعة برنستون للنشر، برنستون.

(28) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(29) من بين أمور أخرى، ينص القانون على حماية العملية فقط (لمدة سبع سنوات )في مجال الأطعمة والعقاقير والمواد الكيماوية. وهذا يتيح المجال لعكس هندسة العقاقير المحمية ببراءة شرط ان تتبع في ذلك عملية صناعية مختلفة.

(30) راجع تلخيص الأسماء للتعريف.

(31) N. Kumar. (2002) "حقوق الملكية الفكرية، التنمية التكنولوجية والاقتصادية: خبرات الدول الآسيوية"، وثيقة خلفية للجنة 1ب، الصفحات 27-35. المصدر: http://www.iprcommission.org

(32) البنك العالمي (2001أ) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل لصالح فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحة 133. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/

(33) وزارة التجارة الأمريكية، مكتب التحليل الاقتصادي، نشرات مختلفة

(34) البنك العالمي (2001ب) "مؤشرات التنمية العالمية 2001"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الجدول 5-11. المصدر: http://www.worldbank.org/data/wdi2001/

(35) راجع تلخيص الأسماء للحصول على تعريف للعبارات المستعملة في هذه الجملة.

(36) Z. Khan. (2002) "الملكية الفكرية والتنمية الاقتصادية: دروس من التاريخ الأمريكي والاوروبي"، وثيقة خلفية للجنة 1أ، لندن. الصفحة 16. المصدر: http://www.iprcommission.org

(37) K. Maskus و C. McDaniel (1999) "تأثير نظام براءات الاختراع الياباني على نمو الانتاجية". اليابان والاقتصاد العالمي، المجلد 11، الصفحات 557-574.

(38) S. Dahab . (1986) "التغيير التكنولوجي في صناعات الأدوات الزراعية البرازيلية"، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة ييل، نيو هيفن و K.  Mikkelsen (1984) "نشاط الاختراع في الصناعة الفيليبينية"، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة ييل، نيو هيفن.

(39) هذه مستمدة من Maskus و McDaniel (1999) و Kumar (2002).

(40) Mansfield (1986)

(41) S. Thomas "الملكية الفكرية في المشاريع التكنولوجية الحيوية الصغيرة والمتوسطة الحجم"، في بلاكبيرن، آر. (المحرر) (قيد الطباعة) "الملكية الفكرية وادارة الابتداع في الشركات الصغيرة"، راتليدج، لندن.

(42) خلاصات برنامج الأبحاث في الملكية الفكرية، المصدر: http://info.sm.umist.ac.uk/esrcip/background.htm

(43) راجع الأبحاث في Kumar (2002)، الصفحة 6 و في ماسكوس (2000أ)، الصفحة 169.

(44) D. Gould و W. Gruben. (1996) "دور حقوق الملكية الفكرية في النمو الاقتصادي"، مجلة اقتصادات التنمية، المجلد 48، الصفحات 323-350.

(45) راجع المباحثات في Maskus (2000أ)، الصفحات 102-109.

(46) احصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية. المصدر: http://www.wipo.int

(47) دخل الفرد بين 2976 دولار أمريكي و 9205 دولار أمريكي في عام 2001، مجموعة الدول النامية في فئة الدخل المتوسط الأعلى حسب تصنيف البنك العالمي. المصدر: http:www.worldbank.org/data/countryclass/countryclass.html

(48) K. Maskus و M. Penubarti (1997) "ما هو مدى علاقة حقوق الملكية الفكرية بالتجارة؟" مجلة الاقتصادات الدولية، المجلد 39، الصفحات 227-248، P. Smith (1999) "هل تشكّل حقوق براءات الاختراع الضعيفة حائلا للصادرات الأمريكية؟"، مجلة الاقتصادات الدولية، المجلد 48، الصفحات 151-177.

(49) Maskus (2000أ)، الصفحة 113.

(50) المباحثات في تلك المعلومات موجودة في Maskus (2000أ)، الصفحات 119-142، و Kumar (2002)، الصفحات 11-18.

(51) Maskus (2000أ)، الصفحة 131.

(52) K. Maskus. (2000ب) "حقوق الملكية الفكرية والاستثمار الأجنبي المباشر"، وثيقة مباحثات السياسة الرقم 0022، جامعة أديليد، أديليد الصفحات 2-3. المصدر: http://www.adelaide.edu.au/CIES/0022.pdf

(53) اشارة عابرة عند وصف اتفاقية الدوحة في البنك العالمي (2002) "تمويل التنمية العالمية 2002"، البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gdf2002/

(54) وثيقة الجمعية العامة للأمم المتحدة أ/55/1000، 26 يونيو/حزيران 2001. حقوق الملكية الفكرية مذكورة ولكن ليس في المباحثات المتعلقة بتدفق الرأسمال الخاص او الاستثمار الأجنبي المباشر. المصدر:

http://www.un.org/esa/ffd/a55-1000.pdf

(55) البنك العالمي/اتحاد الصناعات الهندية (2002) "تحسين جو الاستثمار في الهند"، مسودة، مجموعة البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر:        course/core  pdfs/roger  india.pdf http://www.worldbank.org/wbi/corpgov/core   

(56) E. Mansfield (1994) "حماية الملكية الفكرية، الاستثمار الأجنبي المباشر، ونقل التكنولوجيا"، وثيقة المباحثات لمؤسسة التمويل الدولية 19، آي اف سي، واشنطن دي سي. المصدر: http://www.ksg.harvard.edu/dvc/ifcintellprop.pdf

(57) جرت مراجعة التأثيرات التاريخية والحالية في S. Patel،  P. Roffe و A. Yusuf (2001) "نقل التكنولوجيا الدولية: اصول ونتائج مفاوضات الأمم المتحدة حول مسودة مدونة السلوك"، مجلة كلوير للقانون الدولي، لاهاي.

(58) راجع:  e/dda  e/dohaexplained  e.htm#technologytransfere http://www.wto.org/englis/tratop

(59) معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة اقترحت مؤخرا سياسة لتخويل حقوق الملكية الفكرية على الصعيد العالمي المستمدة من المتعاونين الأجانب في الأبحاث في الحكومة الأمريكية، باستثناء في بلد المتعاون في الأبحاث. المصدر: http://grants.nih.gov/grants/guide/notice-files/NOT-OD-02-039.html

(60) المصدر: http://www.research-alliance.net


الفصل الثاني

 

الصحة

 

المقدمة

 

الموضوع

 

ان تأثير قواعد وممارسات قواعد الملكية الفكرية على صحة الفقراء في الدول النامية قد أثار جدلا كبيرا في السنوات الأخيرة. وعلى الرغم من ان هذا الجدل قد سبق اتفاقية "تريبس" (1) وبرز في المفاوضات حول اتفاقية "تريبس"، فقد ازدادت قوته الدافعة بدخول اتفاقية "تريبس" موضع التنفيذ وبالارتفاع الدراماتيكي في حوادث فيروس نقص المناعة البشرية/الايدز، ولا سيما في الدول النامية. وبالنسبة للدول المتقدمة كانت صناعة الادوية احدى قوات الضغط (اللوبي) الرئيسية في التمديد العالمي لحقوق الملكية الفكرية. (2) وبالنسبة للدول النامية، ثمة قلق رئيسي ساورها وهو كيف يمكن لتبني أنظمة الملكية الفكرية ان يؤثر على جهودها في تحسين الصحة العامة والتنمية الاقتصادية والتكنولوجية على وجه العموم، ولا سيما اذا كان تأثير ادخال حماية براءات الاختراع هو زيادة سعر الأدوية وتخفيض مجال اختيار مصادرها.

 

ونحن ندرك أهمية حماية براءات الاختراع حماية فعالة بالنسبة للصناعة المشمولة أكثر من غيرها في اكتشاف وتطوير الادوية الجديدة. وفي الواقع من دون حافز براءات الاختراع فمن الشك ان يقوم القطاع الخاص باستثمار ذلك القدر من الأموال في اكتشاف او تطوير الأدوية، العدد الكثير منها قيد الاستعمال حاليا في الدول النامية والدول المتقدمة. صناعة الادوية في الدول المتقدمة تعتمد اعتمادا كبيرا على نظام براءات الاختراع أكثر من أية قطاعات صناعية أخرى للتعويض عن تكاليفها السابقة على الأبحاث والتطوير ولجني الأرباح ولتمويل الأبحاث والتطوير في المنتجات العتيدة. وقد بيّنت الدراسات المتعاقبة بأن شركات الادوية تعتقد، أكثر من الشركات في أي قطاع آخر، بأن حماية براءات الاختراع هي مهمة جدا في المحافظة على نفقاتها على الأبحاث والتطوير وعلى الابتداع التكنولوجي. (3) وتنظر الصناعة عن كثب، بكل اهتمام، الى كيفية تطبيق حقوق الملكية الفكرية على الصعيد العالمي، وهي تقاوم عموما الرأي القائل بأنها تشكّل حائلا رئيسيا امام الحصول على الادوية او تشكّل رادعا للتنمية في الدول النامية. مثلا، صرّح السير ريتشارد سايكس، الرئيس السابق لشركة غلاكسو سميث كلاين في شهر مارس/آذار الماضي بقوله:

 

"قلما يوجد من يجادل بأن هناك حاجة لحماية الملكية الفكرية في العالم المتقدم، ولكن يتساءل البعض ما اذا كان من المناسب تمديد تغطيتها بحيث تشمل العالم النامي، الأمر الذي تقوم به تدريجيا اتفاقية "تريبس" ومثل ما قلت، حماية الملكية الفكرية ليست سببا في الافتقار الحالي الى الحصول على الأدوية في الدول النامية. في مؤتمر الدوحة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قرر الأعضاء المنتسبون الى منظمة التجارة العالمية الى تأجيل تنفيذ اتفاقية "تريبس" بالنسبة الى الدول الأقل نموا الى عام 2016. أنا لا أعتقد بأن اتفاقية "تريبس" ستمنع الدول النامية الأخرى، مثل البرازيل والهند، من الحصول على الأدوية التي هي بحاجة اليها. ومن ناحية أخرى، فاني أعتقد بحزم بأن تلك الدول تملك القدرة على احتضان ورعاية صناعات لالادوية تعتمد على الأبحاث، بالاضافة الى رعاية صناعات ابتداعية أخرى، ولكن ذلك يحصل فقط عندما توفر الحماية للملكية الفكرية المتجسّدة في اتفاقية تريبس. هناك حاجة تدعو الى الاعتراف باتفاقية "تريبس" على انها أداة هامة للتنمية الصناعية في الدول النامية.(4)

 

ومع ذلك، فنحن أيضا على يقين تام بالقلق الذي تعبّر عنه الدول النامية والتي تعبّر عنه جهات أخرى بالنيابة عنها حول تأثير مثل تلك الحقوق على تلك الدول ولا سيما على أسعار الادوية. فاذا تم رفع أسعارها فهذا سيؤثر تأثيرا حادا بصورة خاصة على الفقراء، خصوصا في غياب توفر التدابير الواسعة الانتشار للحفاظ على الصحة العامة مثل تلك المتوفرة في معظم الدول المتقدمة. وهكذا فقد جادل الكثيرون من العديد من الدول النامية ومن المنظمات غير الحكومية عكس ذلك:

 

"لماذا تعارض الدول النامية بهذه الشدة اتفاقية "تريبس"؟ خطأ الاتفاقية الرئيسي هو انها تلزم جميع الدول، الفقيرة منها والغنية، ان تمنح حماية لبراءة الاختراع مدتها 20 عاما على الأقل وذلك للأدوية الجديدة، وبالتالي تؤخّر انتاج الأدوية البديلة الزهيدة الثمن غير المحمية ببراءة التي تعتمد عليها الخدمات الصحية والفقراء في الدول النامية. ولا يوجد أي جانب مفيد في ذلك: ان الأرباح المتزايدة التي تجنيها شركات العقاقير الدولية من أسواق الدول النامية لن تضعها في القيام بأبحاث اضافية في أمراض الفقراء – وهو حقيقة تعترف بها بعض الشركات في السر." (5)

 

وهكذا فان نقطة الابتداء في هذا التحليل هي ان اعتبارات العناية بالصحة يجب ان تكون الغاية الرئيسية في تقرير ما هو نطام الملكية الفكرية الذي يجب ان يطبق على منتجات العناية بالصحة. لا تمنح حقوق الملكية الفكرية لتوفير الأرباح للصناعة الا لتتمكن تلك الشركات من استخدامها لتوفير عناية أفضل بالصحة على المدى الطويل. وهكذا يجب مراقبة تلك الحقوق عن كثب  للتأكد من انها في الواقع تعزز غايات العناية بالصحة، وفوق كل شيء، بأنها ليست مسؤولة عن منع الفقراء في الدول النامية من الحصول على العناية الصحية.

 

الخلفية

 

والحافز للقدر الكبير من النقاش في الآونة الأخيرة كان وباء فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز المتفشي. من الأهمية بصورة خاصة ان لا ندع المناقشة في هذا المجال ان تتأثر بافراط بتجربة نقص المناعة البشرية/الأيدز، على الرغم من دراماتيكيتها. اذ عدا فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، الذي يشكّل أكبر سبب للوفاة في الدول النامية، فان داء السل والملاريا يؤديان تقريبا الى العدد نفسه من الوفيات. أدت الأمراض الثلاثة معا الى وفاة ستة ملايين شخص تقريبا في العام الماضي وأدت الى مرض الملايين الآخرين مرضا مبدئيا. (6) وبالاضافة الى ذلك هناك عدد من الأمراض الأقل شيوعا ولكنها مهمة كمجموعة. تشتمل هذه الأمراض، مثلا، على الجدري وداء الليشمانية ومرض النّوام (وهو مرض منتشر في أصقاع كثيرة من أفريقيا الاستوائية يتميّز بالحمى والنعاس والارتعاد والهزال) وداء شاغاس (الدّراق الطفيلي). (7)

 

وتعرض كل مجموعة من الأمراض مشاكل مختلفة فيما يتعلق بتطوير المداواة والعلاجات واقتصادات عملية الأبحاث والتطوير. بالنسبة للأمراض السائدة في العالم المتقدم وأيضا في الدول النامية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، السرطان او السكر، يمكن للأبحاث في القطاع الخاص او العام في العالم المتقدم تنتج علاجات 

تكون مناسبة أيضا للعالم النامي. بالنسبة لتلك الأمراض، يجدر بنا ان نتوقع بأن الوعد في توفير حماية قوية للملكية الفكرية في العالم المتقدم من شأنه ان يعمل بمثابة حافز رئيسي للاستثمار في الأبحاث والتطوير. ولكن من الجدير بالملاحظة ان بعض أنواع فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز المتفشية في أفريقيا تختلف، مثلا، عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة وهكذا يتطلب الأمر استنباط علاجات مختلفة لها.

 

وحيث تكون العلاجات المناسبة موجودة فان الحصول عليها يعتمد على القدرة على تحمّل نفقاتها وعلى وجود بنية اساسية للخدمة الصحية لدعم توفيرها. ونحن نعتبر كلفة الادوية عاملا مقلقا هاما في الدول النامية لأن معظم الفقراء في الدول النامية يدفعون ثمن العقاقير التي يحتاجون اليها وتوفيرها من قبل الدولة هو عادة اختياريا ومقيّدا بالمصدر. ليس هذا هو بالأمر عموما بالنسبة للعالم المتطوّر حيث تسدّد التكاليف عموما اما الدولة او شركات التأمين. ومع ذلك فان كلفة العقاقير هي مسألة سياسية مثيرة للجدل في الدول المتقدمة بالنسبة للحكومات وللمرضى غير المشمولين في مشاريع الدولة او التأمين الفعالة. (8) وفي الدول النامية يشكّل عدم كفاية البنية التحتية مشكلة هامة وهذه قد تعني ان حتى الأدوية الرخيصة لا تستعمل او انه يساء استعمالها الأمر الذي يساهم في نشوء جراثيم او فيروسات مقاومة للعقاقير.

 

ومن جديد نرى بأن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز يوفر رسما بيانيا مساعدا لتلك المسائل. معالجة فيروس نقص المناعة البشرية بمضادات لارتجاع الفيروس او بعقاقير لعلاج العدوى الانتهازية الملازمة للمرض يبرز موضوع امكانية تحمّل كلفة العلاج بوضوح تام. التكاليف السنوية الدنيا للعلاج بمضادات ارتجاع الفيروس، حتى بأسعار مخفّضة جدا او بأسعار الأدوية المساوية غير المحمية ببراءة لا تغطي تكاليف الأبحاث والتطوير، تتجاوز الى حد بعيد نفقات الصحة السنوية للفرد في معظم الدول النامية. يبلغ الانفاق الحالي للفرد على الصحة في الدول النامية ذات الدخل المنخفض معدل 23 دولارا بالسنة ولكن أرخص العلاجات الثلاثية لمضادات ارتجاع الفيروس هي حاليا فوق 200 دولار بالعام او نحو ذلك. (9) وهكذا، بدون تمويل اضافي للأدوية ولخدمات توفير الخدمات الصحية تبقى كلفة علاج جميع الذين يحتاجون اليه كلفة لا يمكن تحملها حتى في أرخص أسعار الأدوية المحلية غير المحمية ببراءة. تقدر منظمة الصحة العالمية بأن أقل من 5% من الذين يحتاجون الى العلاج من فيروس نقص المناعة البشرية/ الأيدز يتلقون العلاج بمضادات ارتجاع الفيروس. فقط حوالي 230 ألف شخص من الستة ملايين شخص الذين يقال بأنهم بحاجة الى مثل ذلك العلاج في العالم النامي يتلقون بالفعل هذا العلاج ونحو نصف هؤلاء يعيشون في البرازيل. (10)

 

وتنشأ أسئلة مماثلة حول القدرة على تحمّل تكاليف العلاج بالنسبة لأمراض أخرى. مثلا، داء السل والملاريا سائدان الى حد كبير في الدول النامية مع ان هناك انبعاثا لداء السل في العالم المتقدم. ويجب ان لا يغيب عن ذاكرتنا بأن داء السل هو السبب الأول للوفاة بين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية وحوالي الثلث من هؤلاء مصابين معا بداء السل. (11) وبالنسبة لتلك الأمراض وللأمراض المقتصرة على العالم النامي فان المسألة هي مسألة كيفية تعبئة الموارد من اجل الأبحاث والتطوير من القطاعين الخاص والعام لايجاد أدوية جديدة وبعد تطويرها تأمين وصولها الى الذين هم بحاجة اليها.

 

والنقطة الأخيرة هي من المسائل الحرجة للغاية المتعلقة بالعناية بالصحة في الدول النامية. كيف يمكن ايجاد الموارد اللازمة لتطوير العقاقير الجديدة واللقاحات للأمراض التي تصيب بصورة سائدة الدول النامية وليس الدول المتقدمة عندما تكون القدرة على دفع ثمنها هي محدودة الى هذا الحد؟ وحتى بوجود سوق لها في دولة متقدمة يمكن فيها استرجاع تلك الموارد من الأسعار العالية لتلك العقاقير، كيف يمكن تأمين القدرة على تحمّل تكاليف تلك العقاقير في الدول النامية؟ كيف يمكن حل التضارب بين هاتين الغايتين، أي تغطية تكاليف الأبحاث والتطوير وتخفيض الكلفة بالنسبة للمستهلك؟  ومثل ما هو الحال بالنسبة للتطوّر التكنولوجي عموما، هل لنظام الملكية الفكرية دور يمكنه ان يلعبه في حفز قدرات الدول النامية نفسها على تطوير وانتاج العقاقير التي هي او دول نامية أخرى بحاجة اليها؟

 

هذا هو السياق الذي نحتاج فيه الى دراسة الدور الذي يمكن فيه لحقوق الملكية الفكرية ان تلعبه في المساعدة على مواجهة تلك المعضلات. ليس من صلاحيتنا دراسة في العمق النطاق الواسع من العوامل التي تؤثر على صحة الفقراء او على جودة الخدمات الصحية في الدول النامية. لقد تم البحث في تلك العوامل بعمق في التقرير الأخير الذي أصدرته لجنة منظمة الصحة العالمية حول الاقتصادات الكبرى والصحة. (12) استخلصت لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة بأن هناك حاجة الى ادخال مقدار كبير من الأموال العامة الاضافية في خدمات الصحة وفي البنية الاساسية والأبحاث من أجل مواجهة الحاجات الصحية للدول النامية. وفي رأيها لم تعرض حماية براءات الاختراع الا حافز صغير للأبحاث في الأمراض المتفشية في الدول النامية، في غياب سوق هامة. (13) وبالنسبة الى القدرة على الحصول على الأدوية فهي تحبّذ العمل التنسيقي لتأسيس نظام من التسعير التفاضلي (14) لمصلحة الدول النامية. واذا اقتضت الضرورة باستخدام واسع للترخيص الاجباري. (15)

 

تلك الاستنتاجات ذات صلة بمهمتنا الحالية. ينطوي دورنا على الاشارة بتفصيل أكبر الى كيف يمكن لقواعد الملكية الفكرية وممارساتها ان تساهم في ضمان صحة أفضل للفقراء مع ادراكنا التام بأنه يجب تكملة تلك التغييرات بسلسلة من الأفعال التي اقترحتها لجنة اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة.

 

ونحن نقوم بذلك بالنظر في ثلاثة أسئلة رئيسية وهي:

 

·                   كيف يساهم نظام الملكية الفكرية في تطوير الأدوية واللقاحات التي يحتاج اليها الفقراء؟

 

·                   كيف يؤثر نظام الملكية الفكرية على قدرة حصول الفقراء على العقاقير وعلى توفرها؟

 

·                   ماذا يعني ذلك ضمنيا بالنسبة لقواعد وممارسات الملكية الفكرية؟

 

الأبحاث والتطوير

 

حوافز الأبحاث

 

يقدّر بأن أقل من 5% من المال المنفق في كافة أنحاء العالم على الأبحاث والتطوير في الادوية هو من أجل أمراض تؤثر بصورة رئيسية على الدول النامية.(16) والأبحاث في الادوية التي يقوم بها القطاع الخاص تدفعها اعتبارات تجارية واذا كان الطلب في الواقع هو صغير من حيث حجم السوق، حتى للأمراض الشائعة مثل السل والملاريا، فكثيرا ما يكون غير مجدي تجاريا تكريس موارد كبيرة لمواجهة تلك الحاجات. في عام 2002 تم تقدير سوق العقاقير العالمية بـ 406 مليار دولار أمريكي تعود نسبة 20% منها الى العالم النامي ونسبة أقل بكثير من ذلك الى الدول النامية ذات الدخل المنخفض.(17) وفي عدد كبير من الشركات المنتجة للادوية فهم يضعوا غاياتهم للأبحاث على أساس العائد. وقد علمنا بأن الشركات الكبرى المنتجة للادوية غير مستعدة للقيام بنوع معيّن من الأبحاث ما لم تكن النتيجة منتج تبلغ مبيعاته السنوية مليار دولار أمريكي. وبما ان الشركات الخاصة مسؤولة بصورة أولية تجاه حاملي أسهمها فهذا يؤدي بالضرورة الى أجندة أبحاث يقودها طلب السوق وذلك في أسواق العالم المتقدم، بدلا من حاجات الفقراء في العالم النامي وهي بالتالي تركز اهتمامها على الأمراض غير المعدية.

 

وبغض النظر عن نظام الملكية الفكرية السائد في الدول النامية، ففي الواقع لا يوجد حافز تجاري للقطاع الخاص للقيام بأبحاث ذات صلة محددة بغالبية الفقراء المقيمين في الدول ذات الدخل المنخفض. وبناء على ذلك قلما يجري مثل ذلك العمل في القطاع الخاص. ومجمل الأبحاث والتطوير في مجال الادوية التي  يقوم بها القطاع الخاص قد تضاعف في السنوات العشرة الماضية وتم تقديره في عام 2000 بـ 44 مليار دولار أمريكي.(18) من الصعب التقرير بدقة ما هي النسبة من ذلك الرقم يجري توجيهه نحو الأبحاث في الأمراض المتفشية بصورة خاصة في الدول النامية. ولكن جرى التقدير بأنه من بين 1393 عقارا تم التصديق عليها بين عامي 1975 و 1999 فقط 13 عقارا منها كانت موجهة مباشرة الى الأمراض المتفشية في المناطق الاستوائية.(19) ولكن عندما تكون الأمراض مشتركة في كل من الدول المتقدمة والدول النامية فان الصورة تبدو مختلفة. وهكذا هناك أبحاث وتطوير كبيرة من قبل القطاع الخاص في فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. وبالمقارنة هناك عمل محدود على داء السل والملاريا وتقريبا لا يوجد البتة على داء النّوام.(20) وبالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز هناك الآن 64 عقارا مصدقا عليه في الولايات المتحدة لعلاج المرض والعدوى الانتهازية المرافقة له و 103 عقاقير قيد التطوير.(21)

 

وفي حال القطاع العام مثل المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة او في مجالس الأبحاث الطبية في الدول المتقدمة الأخرى، لا يختلف الوضع كثيرا لأن أولوياتها في الأبحاث تقررها بصورة رئيسية الاعتبارات المحلية. يقدّر بأن انفاق القطاع العام على الأبحاث الصحية كان 36 مليار دولار أمريكي في عام 1998 تم الانفاق منه 5ر2 مليار دولار أمريكي على الدول النامية المنخفضة والمتوسطة الدخل. (22) وفي عام 2001 أنفقت المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة وحدها أكثر من 20 مليار دولار أمريكي. وبالاضافة الى ذلك يقدّر بأن المؤسسات الخيرية أنفقت 6 مليارات دولار أمريكي على الأبحاث.(23) والبرنامج الخاص للأبحاث والتدريب في الأمراض الاستوائية الذي ترعاه منظمة الصحة العالمية لا يتلقى أكثر من 30 مليون دولار أمريكي بالسنة. ولم يجر التقدير رسميا النسبة الدقيقة لانفاق القطاع العام على الأمراض ذات الصلة بالدول النامية، ولكن من غير المحتمل ان يكون أكثر من

10%. تجري الآن مواجهة الوضع عن طريق منظمة الصحة العالمية والمنبر العالمي للأبحاث الصحية وعن طريق مبادرة الأطباء بلا حدود للبحث في عقاقير للأمراض المهملة وكذلك لتوفير التمويل الاضافي من قبل المؤسسات الوقفية وتطوير عدد كبير من الشراكات العامة-الخاصة لمواجهة أمراض معيّنة.(25) ولكن لا يزال مستوى التمويل الاجمالي لتلك الجهود معتدلا جدا بالنسبة لنطاق المشكلة والانفاق العالمي على الأبحاث والتطوير الذي يقدّر بـ 75 مليار دولار أمريكي، ولا تزال النتيجة غير أكيدة.

 

وهكذا ما هو الدور الذي تلعبه حماية الملكية الفكرية في الحفز على الأبحاث والتطوير في الأمراض السائدة في الدول النامية؟ كل الأدلة التي فحصناها توحي بأنه قلما ما يلعب أي دور البتة الا بالنسبة لتلك الأمراض التي يوجد لها سوق في العالم المتطوّر (مثلا مرض السكر او أمراض القلب). هناك بعض الأدلة الضعيفة تشير الى زيادة في مؤشرات الأبحاث في داء الملاريا منذ ان تم الاتفاق على اتفاقية "تريبس"، ولكن لم تتضح العلاقة بين السبب والنتيجة.(26) ان لب المشكلة هو الافتقار الى طلب سوقي كاف لحث القطاع الخاص على تخصيص الموارد للأبحاث والتطوير. وهكذا فنحن نعتقد بأن وجود او غياب حماية الملكية الفكرية في الدول النامية هو في أفضل الأحوال ذو أهمية ثانوية في توليد الحوافز للأبحاث الموجهة نحو الأمراض السائدة في الدول النامية.

وهكذا فان تلك الأبحاث قد لا تكون كافية من حيث المقدار بسبب الطلب الفعال غير الكافي من الدول النامية حيث المرض متركّز بشدة. وعلاوة على ذلك فان الأبحاث، ولا سيما على اللقاحات، قد يتطلب معالجة خصائص الأمراض الخاصة بالدول النامية، حيث الحل في العالم المتقدم قد لا يعالج المشكلة في العالم النامي. مثلا معظم اللقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية يجري تطويرها من أجل بروفيلات جينية من النوع الفرعي ب، السائد في الدول المتقدمة بينما معظم المرضى بالأيدز في الدول النامية هم مصابون بالنوعين أ و ج. والأبحاث في اللقاحات ضد فيروس نقص المناعة البشرية تشكّل تحديا علميا بصورة خاصة بسبب الطريقة التي يتجنب فيها الفيروس استجابات المناعة الطبيعية في جسم الانسان والطريقة التي يتحوّل فيها.(27) والأبحاث في اللقاح ضد الملاريا يشكل تحديا أيضا بسبب حجم والتنوع لطفيّل الملاريا وتعقّد تحوّله.(28) وهكذا، بالنسبة للقطاع الخاص فان الأبحاث باللقاح يعتبر استثمارا عالي الخطر ومنخفض المردود ولا سيما فيما يتعلق بأنواع الأمراض السائدة في الدول النامية. ينـزع السوق الى التقليل من قيمة المردود الاجتماعي من اللقاحات أكثر مما هو الحال بالنسبة للعلاجات.(29) وبالنسبة للملاريا فان طلب السوق تهيمن عليه عقاقير مانعة للمرض تقدم للمسافرين من الدول المتقدمة بدلا من ايجاد لقاحات من شأنها ان تساعد المعانين من المرض في العالم النامي.

 

وفيما يتعلق بداء السل حيث يوجد نحو ثمانية ملايين شخص يعانون من المرض في الدول النامية فلم يجر تطوير فئة جديدة من العقار المضاد للسل منذ أكثر من 30 عاما. والعلاجات الحالية تتطلب مجموعة جرعات من العقاقير لمدة 6 أشهر او أكثر. وثمة عقار يمكنه ان يؤدي الى النتيجة ذاتها في ظرف شهرين يمكنه ان يؤثر تأثيرا دراماتيكيا في المساعدة على التحكم بالمرض على الصعيد الدولي. والتحدي العلمي في انتاج مثل هذا الدواء هو تحدي هام بالنظر الى خصائص المرض.(30) فقد قدّر تقرير أخير للاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد مرض السل بأنه اعتمادا على طلب السوق (الخاص والعام وكذلك من الدول المتقدمة) قد يكون هناك بالفعل مردود مالي محترم على الكلفة المقدّرة لتطوير عقار جديد ومحسّن. ومع ذلك، لا يعتبر بأن حماية الملكية الفكرية والاقتصادات المؤاتية ستحث الاستثمار من دون اشتراك كبير من القطاع العام.(31) والنموذج الحالي المتبع من قبل شركات الادوية المبنية على أساس الأبحاث هو ان الانفاق على الأبحاث وجني الربح يعتمدان على مبيع عدد قليل من العقاقير "الرنانة"، التي تبلغ مبيعاتها عادة أكثر من مليار دولار بالسنة، الأمر الذي يساعد على تمويل النسبة العالية من الفشل في عملية الأبحاث والتطوير.(32) ولكن لدى تلك الشركات الحرية في متابعة مسارات واعدة أينما تقود بها، مثلا في علاج مرض او حالة لم يتصورونها من قبل. ويجب ان تكون اقتصادات الأبحاث من أجل علاج معيّن لمرض معيّن مؤاتيا لكي يحثّ الأبحاث الهامة فيه.    

 

والبعض مثل السير ريتشارد سايكس أعلاه قد حاجج بقوله ان توفير حماية للملكية الفكرية في الدول النامية ذات المهارات العلمية والفنية الهامة من شأنها ان تساعد في زيادة مقدار الأبحاث المكرّسة لأمراض الدول النامية. هناك افتقار الى الأدلة حول هذا الأمر لأن معظم الدول المعنية قد بدأت باصدار قوانين تلتزم باتفاقية "تريبس" او لم تقم بذلك حتى الآن ولكننا لا نرى أي سبب يحول دون استجابة الشركات ذات القدرة على الأبحاث في الدول النامية الى حماية الملكية على الصعيد العالمي والى حوافز السوق بشكل يختلف اختلافا كبيرا عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة. هناك بعض الأدلة على هذا السلوك من بعض الشركات في دول مثل الهند.(33) اما الواقع فهو ان الشركات الخاصة ستخصص مواردها الى المجالات التي تعود اليها بالحد الأكبر من الدخل. وعلاوة على ذلك، فان التحركات المدعومة دعما واسعا لتأسيس أسعار تفاضلية من شأنها ان تخفّض الهوامش لمكافأة الأبحاث والتطوير في الدول النامية، الأمر الذي يقوّض أية حوافز للقيام بأبحاث اضافية في الأمراض السائدة في الدول النامية.

 

وباختصار فنحن لا نعتقد بأن عولمة حماية الملكية الفكرية من شأنها ان تساهم مساهمة هامة في زيادة الانفاق على الأبحاث والتطوير من قبل القطاع الخاص في أمور ذات صلة بعلاج أمراض تصيب الدول النامية بصورة خاصة. الطريقة المجدية الوحيدة للقيام بذلك هي بزيادة مقدار المساعدات الدولية المخصصة للأبحاث والتطوير في تلك الأمور. وقد أوصت اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة بتخصيص مبلغ سنوي اضافي قيمته 3 مليارات دولار أمريكي لانفاقه على الأبحاث والتطوير وذلك عن طريق صندوق عالمي جديد للأبحاث في الصحة وعن طريق الآليات الموجودة حاليا وبواسطة الشراكات الخاصة والعامة.(34)

 

وتتطلب كيفية توجيه الأموال العامة المتزايدة للأبحاث من الموارد العامة دراسة مستفيدة وحذرة. يجب ان لا تعمل تلك الأمور بمثابة منبر لاعانة صناعة الادوية القائمة حاليا على الرغم من ان للصناعة بكل تأكيد دور تؤديه. يجب انتهاز الفرصة لبناء قدرات الدول النامية نفسها للقيام بالأبحاث والتطوير على علاجات لتلك الأمراض التي تؤثر عليها. وفي الدول النامية الأكثر تطورا تكنولوجيا يمكن ان تكون تلك الأبحاث فعالة جدا من حيث الأموال المنفقة عليها. مثلا، أسست شركة جنرال الكتريك ثاني أكبر مركز للأبحاث والتطوير في العالم في الهند وهي توظف هناك نحو ألف شخص من حاملي شهادات الدكتوراه كما قامت 27 شركة عالمية بتأسيس مراكز لها للأبحاث والتطوير في الهند بين عامي 1997 و 1999.(35) وهكذا يجب القيام بالأبحاث بالمساهمة النشيطة لمؤسسات الأبحاث المختارة والشركات في الدول النامية، مستغلين بذلك الموارد البشرية المتوفرة في تلك الدول والتكاليف المنخفضة للأبحاث والتطوير. وهناك حاجة أيضا الى التفكير تفكيرا مليا بالبنية المؤسسية لمثل ذلك التمويل. ان شبكة المجموعة الاستشارية حول الأبحاث الزراعية الدولية (36) من معاهد الأبحاث الزراعية (والتي نتكلم عنها في الفصل الثالث) هي نموذج من ذلك. وفي هذا الصدد لعل من الأفكار الواعدة فكرة تأسيس شبكة من الشراكات العامة والخاصة في الدول النامية مستغلين بذلك تركيز موارد الأبحاث في مؤسسات القطاع العام ومنتهزين أيضا الفرصة لبناء قدرة للأبحاث في القطاع الخاص. ويجب بصورة خاصة الضمان على قدر الامكان ان تكون الترتيبات للملكية الفكرية الناجمة عن مثل تلك الأبحاث بشكل يتيح المجال للفقراء للحصول على منتجات الأبحاث.

 

ينبغي زيادة الأموال العامة المنفقة على المشاكل الصحية في الدول النامية. ويجب ان يجري استخدام تلك الأموال الاضافية لاستغلال وتطوير القدرات المتوفرة حاليا في الدول النامية لمثل تلك الأبحاث وكذلك لتشجيع القدرات الجديدة في القطاعين العام والخاص على حد سواء. 

 

وعلى الرغم من ان الملكية الفكرية لن تساهم مساهمة كبيرة في توليد الأبحاث الاضافية ذات الصلة بالفقراء ، من الواضح لنا ان هناك مسائل هامة حول تأثير نظام براءات الاختراع على عملية الأبحاث. اذ بينما توفر حماية براءات الاختراع حافزا للأبحاث والتطوير، فان التسجيل ببراءة للتكنولوجيات المتوسطة (ولا سيما تلك المبنية على أساس الجينات) واللازمة لعملية الأبحاث من شأنها ان تخلق في الواقع امورا غير حافزة للباحثين من حيث حرية الوصول الى براءات الاختراع التي هم بحاجة اليها او من حيث انتهاك من دون قصد براءات الاختراع هذه.(37) وهذا مجال يمكن فيه لممارسات براءات الاختراع في العالم المتقدم ان تؤثر مباشرة على نوع الأبحاث التي ستجري من أجل الناس في الدول النامية، وهناك آثار ضمنية أيضا على نوع أنظمة براءات الاختراع التي ستتبناها الدول النامية. وترتيبات الملكية الفكرية في الشراكات الخاصة والعامة تبرز أيضا مشاكل هامة حول كيفية ادارة الملكية الفكرية بحيث تفيد الفقراء. ونحن نعالج تلك المسائل في الفصل السادس.

 

القدرة على حصول الفقراء على الأدوية

 

ان الغرض من براءات الاختراع، مثلما نوّهنا اليه هو توفير احتكار مؤقت لصاحبي الحقوق ليكون بمثابة حافز للاختراعات والاتجار بها. ولكن من الجدير الاشارة الى ان حق الاحتكار الذي توفره براءة الاختراع تستثني عادة فقط الآخرين من صنع المنتج المخترع المحمي ببراءة الاختراع او من استخدامه او من بيعه. وهو لا يمنع المنافسة من العقاقير الأخرى، ان كانت محمية ببراءة ام لا، التي تعالج الحالات الطبية ذاتها. ومع ذلك، وان تساوت الأمور الأخرى، هناك افتراض من أن الصانع لمنتج محمي ببراءة، عن طريق قدرته على استثناء استنساخ منتجه، سيحاول ان يكسب أرباحا احتكارية ويفرض أسعارا لن تتوفر له لو لم تتوفر له براءة الاختراع. هذا هو في الواقع أساس النظام. والمساومة مع المجتمع هي ان الفوائد للمجتمع التي يحدثها الابتداع تفوق فائدة الكلفة الاضافية للمنتج (مثلا، اختراع عقار ينقذ الحياة يمكن ان لا يتوفر لولا نظام براءات الاختراع).

 

هذا وبما انه من المسلّم به ان معظم الناس في الدول النامية هم فقراء وبأن حماية براءات الاختراع من شأنها ان ترفع الأسعار، فمن الضرورة بمكان الفحص بدقة الحجج التي يتقدم بها البعض والتي تقول بأنه من غير المحتمل لبراءات الاختراع في الدول النامية ان تؤثر تأثيرا هاما على حرية الحصول على الادوية الخاضعة لحماية براءات الاختراع. هناك أساسان يجري عليهما بناء تلك الحجج. أولا، بما ان براءات الاختراع لا تسعى اليها بعض الدول النامية ولا سيما الصغيرة منها فلا يمكن بالتالي ان تشكّل مشكلة هامة في الحصول على الأدوية. وثانيا، حتى عندما يسعون اليها فهي لا تشكّل العامل المقرر لسعر الدواء او تكون هناك عوامل طاغية تحول دون حصول الفقراء على تلك العقاقير.

 

انتشار براءات الاختراع

 

مع ان حماية براءات الاختراع للادوية متوفرة في معظم الدول النامية، لم تقم الشركات المتعددة الجنسيات بتسجيل ببراءة منتجاتها في جميع تلك الدول. يسري هذا الحال عادة على الدول ذات الأسواق الصغيرة والقدرة التكنولوجية المحدودة. ترى الشركات بأن الحصول والمحافظة على حماية براءاة الاختراع لا يستحق الكلفة المترتبة على ذلك عندما تكون السوق المحتملة صغيرة وخطر انتهاك الحماية منخفض. مثلا، وجدت دراسة جرت في الآونة الأخيرة في 53 دولة أفريقية بأنه بلغت نسبة التسجيل ببراءة لـ 15 عقار هام مضاد لاسترجاع الفيروس

6ر21% من المجموع المحتمل.(38) وفي 13 دولة لم توجد حماية لبراءاة الاختراع لتلك الأدوية البتة. وهكذا استنتجت الدراسة انه بما ان نسبة التسجيل ببراءة كانت صغيرة فان براءات الاختراع "لا تبدو عموما بأنها تشكل حائلا كبيرا للعلاج في أفريقيا في الوقت الحاضر"، مع انه كان هناك اعتراف بأنها قد تشكّل مشكلة عندما تصبح اتفاقية "تريبس" نافذة المفعول في جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية.(39)

 

ومع انهم وجدوا في الدراسة بأن انتشار براءات الاختراع عموما هو منخفض نسبيا في مجموعه، فمن العجب ان لا يكون حتى أقل انخفاضا من ذلك بالنظر الى نسب العلاج المنخفضة جدا والى الأسواق الصغيرة والى عدم قدرة الا عدد قليل من الدول من انتاج نسخ غير محمية ببراءة من تلك العقاقير. انشتار براءات الاختراع هو أكثر بكثير في الدول ذات الأسواق الكبيرة وذات القدرة التكنولوجية. وهكذا نجد انه في جنوب أفريقيا (التي يعود اليها وحدها أكثر من 17% من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشرية في أفريقيا) 13 من 15 عقارا هو محمي ببراءة. هناك ما بين 6-8 براءات اختراع لتلك العقاقير في بوتسوانا وغامبيا وغانا وكينيا ومالاوي والسودان وسوازيلاند ويوغندا وزامبيا وزمبابوي التي يعود اليها معا 31% أخرى من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشرية في دول افريقيا جنوب الصحراء.(40)

 

وتشير الصناعة بأن انتشار براءات الاختراع هو أقل كثيرا او معدوم بالنسبة لمجموعة واسعة من العقاقير لعلاج الأمراض الأخرى. وحتى آخر مراجعة هذا العام فان أقل من 5% من العقاقير الواردة على لائحة العقاقير اللازمة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية كانت مسجلة ببراءة.(41) وقد دلت دراسة قامت بها صناعة الادوية بأن 94% من الدول التي جرت دراستها لم تكن لديها أية براءات لعقاقير خاصة بعلاج السل والملاريا ولا توجد لأية دولة براءات عن كافة العقاقير ذات الصلة بتلك الأمراض. لا توجد أية براءات اختراع البتة على العقاقير الخاصة بعلاج داء الاسهال.(42) والحجة التي تقدمها الصناعة هي انه حتى في عدم وجود حماية براءة الاختراع فالعقاقير غير متوفرة.(43) مثلا، حتى عند وجود اللقاحات ضد شتى الأمراض الشائعة ووجود برنامج تطعيم موسع ترعاه منظمة الصحة العالمية، مثلا أقل من دولار واحد للقاح متعدد القوى، فهو يفشل في الوصول الى عدد كبير من الأطفال الذين يمكنهم ان يستفيدوا منه على الرغم من نجاح هذا البرنامج.

 

هذا طبعا صحيح ولكن لا يتبع منه بأنه ليس لنظام براءات الاختراع آثار مناوئة ضارة. اذ حتى في عدم وجود براءات الاختراع لمنتجات معينة وفي دول معينة، يمكن لنظام براءات الاختراع ان يؤثر على حرية الحصول على الأدوية. تعتمد معظم الدول النامية على الواردات. وجود براءات الاختراع في الدول الموردة قد يسمح لصاحب براءة الاختراع بأن يمنع تصدير منتجه الى دولة أخرى ولا سيما عن طريق رقابات على قنوات التوزيع. هذا سبب آخر لماذا تقوم الشركات بتسجيل منتجاتها ببراءة في دول مثل جنوب أفريقيا لأنه يمكن ان تكون جنوب أفريقيا موردة محتملة لجيرانها الفقراء في أفريقيا الجنوبية او في الواقع لأماكن أخرى. في الوقت الحاضر لدى الدول المستوردة التي لا توجد فيها حماية لبراءة الاختراع حرية الاختيار في استيراد المنتجات من الشركات غير المحمية منتجاتها ببراءة، بصورة رئيسية من الهند، لأنه لا يلزم على الهند ان تفرض حماية على الادوية حتى عام 2005. ولكن بعد ذلك وبموجب اتفاقية "تريبس" سيجري التسجيل ببراءة العقاقير الجديدة وتلك التي جرى تقديم طلب بالتسجيل ببراءة لها بعد عام 1994، وهكذا تنخفض الامكانية لاستيراد تلك العقاقير بناء على ذلك مع مرور الزمن. ولكن من الجدير بالملاحظة انه سيستمر توفر جميع العقاقير الحالية المنتجة كعقاقير مماثلة غير محمية ببراءة في الهند او أماكن أخرى للتصدير شرط، طبعا، ان لا تكون محمية ببراءة في الدولة المستوردة. سنعود الى مناقشة هذا الموضوع أدناه في مناقشتنا حول الخيارات السياسية المتوفرة.

 

براءات الاختراع والأسعار

 

لا شك ان أهمية أسعار الأدوية على المستهلكين الفقراء في الدول النامية هي من بديهيات الأمور. ولكن من الجدير التشديد بأن المريض الذي يترتب عليه ان يدفع مبلغا أكبر على دواء محمي ببراءة يبقى له مبلغ أقل للانفاق على متطلبات الحياة الأخرى مثل الطعام او الملجأ. والاستغناء عن الدواء بسبب عدم توفره او سعره الغالي قد يؤدي الى سوء الصحة المزمن او الى الوفاة. لذلك من الأهمية الأخذ بعين الاعتبار تأثير ادخال نظام للملكية الفكرية على أسعار الأدوية مع الاعتراف في الوقت ذاته بالعوامل العديدة التي تؤثر على الأسعار. تشتمل تلك العوامل على القدرة الشرائية وعلى المنافسة والهيكل السوقي واستجابة الطلب للسعر والرقابات والأنظمة التي تضعها الحكومات على الأسعار.

 

ومن الصعوبة بوجه خاص المراقبة مباشرة وعزل أثر ادخال براءات الاختراع في أسواق الدول النامية. علينا ان نعتمد الى حد ما على نماذج الاقتصاد القياسي لمعرفة تأثير ادخال حماية براءاة الاختراع والى حد آخر على خبرة الدول المتقدمة حيث تتنافس الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة مع الشركات المنتجة المبني انتاجها على الأبحاث.

 

الدول المتقدمة 

 

لا توجد أدلة واسعة من الدول المتقدمة تشير الى ان أسعار العقاقير تهبط هبوطا حادا حالما تخرج تلك العقاقير من الحماية التي توفرها براءات الاختراع، وذلك على افتراض وجود عقاقير منافسة غير محمية ببراءة. يبدو ان الأسعار تهبط هبوطا أكبر كلما دخلت العقاقير المنافسة غير المحمية ببراءة السوق. يمكن للحكومات ان تشجّع تخفيض الأسعار وذلك بتسهيل الدخول المبكّر لمنتجي العقاقير غير المحمية ببراءة الى السوق. مثلا، قانون المنافسة في اسعار العقاقير وعودة مدة براءات الاختراع في الولايات المتحدة (المعروفة بقانون هاتش-واكسمان) حقق ذلك تماما مما أدى الى ارتفاع نسبة مبيعات الأدوية غير المحمية ببراءة من 19% في عام 1984 الى 47% في عام 2000.(44) وفي الدول المتقدمة مثل المملكة المتحدة فان نصيب الأدوية غير المحمية ببراءة في السوق هو أعلى من ذلك بكثير. كما رفعت شركات الادوية قضايا باهظة الثمن في المحاكم او كانت الطرف المدعى عليه في تلك القضايا وذلك من أجل تأخير او منع الدخول الى السوق الأدوية غير المحمية ببراءة او لحماية او تمديد احتكارها على عقار رائج في السوق.(45) وعلينا ان نتذكر بالتساوي ان الشركات المنتجة للأدوية غير المحمية ببراءة تحكمها حوافز السوق كما هو الحال بالنسبة للشركات المبنية منتجاتها على أساس الأبحاث، وبأنه من الضروري تشجيع المنافسة في صناعة الأدوية غير المحمية ببراءة اذا كان من جراء ذلك يمكن تخفيض أسعار العقاقير. ووجدت دراسة أخيرة جرت في الولايات المتحدة بأن أسعار العقاقير تهبط عندما تدخل الى السوق العقاقير غير المحمية ببراءة ولكن هناك حاجة الى خمسة عقاقير غير محمية ببراءة على الأقل لتنـزيل الأسعار الى الحد الأدنى.(46) وعدد العقاقير المنافسة التي تدخل الى السوق والسرعة التي تدخل فيها يعتمد على الأرباح المتوقعة. وقد وجدوا بأن الفوائد الكاملة من المنافسة يمكن الشعور بها فقط في الأسواق الكبيرة. اما في الأسواق الصغيرة فعدد صغير من الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة ستعتبر بأنه من المجدي لها الدخول الى تلك الأسواق وهكذا ستبقى الأسعار التي يدفعها المستهلكون أسعارا عالية. هذا أمر ذو صلة بوضع الدول النامية مثلما نناقش أدناه.

 

الدول النامية

 

يمكن أيضا للدول النامية ان تحد من تكاليف نظام براءة الاختراع بالنسبة لشعوبها بتسهيل دخول العقاقير غير المحمية ببراءة وتسهيل المنافسة في تلك العقاقير. ولكن في معظم الحالات نجد بأن خياراتها محدودة جدا بالنظر الى صغر أسواقها والافتقار الى قدرة تكنولوجية وانتاجية وتنظيمية أهلية. ان هذا الافتقار الى القدرة على خلق بيئة تنافسية لكل من المنتجات المسجّلة ببراءة وللمنتجات غير المحمية ببراءة مما يجعل وجود براءات الاختراع أمر مثير للجدل مما هو الحال في الأسواق المتقدمة التي تتمتع بقدرة أكبر على تطبيق بيئة تنظيمية قوية موالية للمنافسة.

 

وتدل المقارنات الدولية بأن نسخ العقاقير المسجّلة ببراءة في مكان آخر هي أرخص الى حد بعيد في الأسواق التي لا توفر حماية لبراءات الاختراع. السوق الهندية التي لا توجد فيها حماية للمنتجات هي أرخص الأسواق في العالم. وقد دلت احدى الدراسات التي قمنا بها انه بالنسبة لـ 12 دواء لعلاج مجموعة من الحالات الصحية كانت الأسعار الأمريكية بين أربعة و 56 أضعاف أسعار الأدوية المساوية لها المباعة في الهند ومع ذلك تعذّر على عدد كبير من الناس في الهند الحصول عليها.(47)

 

ولكن تشير الدراسات الخاصة بسياسات التسعير التي تضعها الشركات المتعددة الجنسيات (ولا سيما بخصوص مضادات ارتجاع الفيروس) بأنه حتى مؤخرا لم يكن هناك ارتباط بين سعر الدواء نفسه وبين دخل الفرد في البلاد. ويتوقعوا مثل هذا الارتباط على أسس نظرية لأنه يجب ان يكون بوسع الشركات ان تجني أرباحا أكثر عندما تطلب أسعارا منخفضة في الأسواق ذات الدخل المنخفض وأسعارا عالية في الأسواق ذات الدخل العالي (يعرف ذلك بالتسعير التفاضلي) مما هو الحال فيما لو طلبت سعرا عالميا متحدا. ولكن بدت الأسعار متفاوتة عشوائيا بين بلد وآخر. بعض الدول النامية دفعت أسعارا أعلى من الولايات المتحدة وبعضها دفعت أقل. وفي أفضل الأحوال كانت هناك علاقة ضعيفة جدا بين أسعار العقاقير بالجملة وبين دخل الفرد. (48) والسعر الحقيقي الذي يدفعه المريض يتعقّد بسبب رسوم الاستيراد والتعرفة المحلية والضرائب والأرباح التي يجنيها البائع بالجملة.(49)

 

ربما تكون تلك الحالة قد تغيّرت نوعا ما خلال السنتين الماضيتين اذ خفّضت بعض الشركات أسعارها تخفيضا كبيرا استجابة للضغوط الدولية، ولا سيما من المنظمات غير الحكومية، ومن جراء المنافسة المحتملة من شركات صنع الأدوية غير المحمية ببراءة، ولا سيما من الهند. مثلا، بين شهر يوليو/تموز عام 2000 وشهر أبريل/نيسان عام 2002 انخفض السعر السنوي للعلاج الثلاثي المسجّل ببراءة لمضاد استرجاع الفيروس من عشرة آلاف دولار الى مجرد 700 دولار لمجموعات مختارة من المستهلكين. وفي ذلك الوقت كان قد انخفض أدنى سعر للعلاج الثلاثي غير المحمي ببراءة الى 209 دولار أمريكي.(50)

 

ولكن لتقدير أثر ادخال أنظمة براءات الاختراع من جديد الى الدول النامية من الضرورة استخام نماذج الاقتصاد القياسي. هناك عدد صغير ولكن متزايد من النشرات الاعلامية تتعلق بالدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط والتي لديها صناعات هامة للادوية. تشير تلك المعلومات بأن ادخال أنظمة براءات الاختراع الى مثل تلك الدول النامية سيرفع أسعار الأدوية او من المنتظر ان يرفعها. وتتراوح التقديرات تراوحا واسعا اعتمادا على العقاقير وعلى الدول التي تجري دراستها، من 12% الى أكثر من 200%، ولكن حتى أدنى التقديرات تعني تكاليف باهظة جدا للمستهلكين.(51) ويدل نطاق التقديرات بأن النتيجة ستقررها الى حد بعيد بنية السوق والطلب ولا سيما درجة المنافسة.

 

وهناك أيضا أدلة كبيرة تشير الى أن استهلاك الأدوية له علاقة مباشرة بسعرها. وقد قدّرت دراسة جرت في اوغندا بأن تخفيض سعر العلاج الثلاثي بمضاد لاسترجاع الفيروس من 6000 دولار أمريكي الى 600 دولار أمريكي في السنة من شأنه ان يرفع الطلب للعلاج من ألف الى خمسين ألف مريض وذلك عندما كان ملازما لاستثمارات معتدلة نسبيا في بنية علاجية تتراوح بين 4 و 6 ملايين دولار أمريكي. (52) وقد دلّت دراسة أخرى أيضا في اوغندا بأن تخفيض الأسعار الناجم عن تنـزيلات في أسعار الأدوية المسجلة ببراءة والمخفّض اضافيا من جراء استيراد أدوية مماثلة غير محمية ببراءة، زاد عدد المرضى الجاري علاجهم ثلاثة أضعاف بين عامي 2000 و 2001.(53) وقدّرت دراسة للاقتصاد القياسي العالمي بأن ازالة براءات الاختراع في قطاع متعارض من الدول النامية من شأنها ان تزيد حرية الحصول على مضادات استرجاع الفيروس بنسبة 30%، مع ان ذلك يحصل من مستوى حالي منخفض جدا.(54)

 

ومن المحتمل ان يؤثر ادخال أنظمة براءات الاختراع تأثيرا قويا على مجموعة الدول التي طوّرت صناعات قوية لانتاج الأدوية غير المحمية ببراءة مع ما يرافق ذلك من درجة من المنافسة قد أبقت الأسعار منخفضة. وهناك أدلة من بعض الدول من أن ادخال براءات الاختراع (مثلا في ايطاليا في عام 1978) او تقوية نظامها، كما حصل في كندا في التسعينات من القرن الماضي، وذلك بتقوية قوة السوق للشركات المتعددة الجنسيات الأجنبية، سيؤدي الى تعزيز واعادة هيكلة الصناعة المحلية. قد يسفر عن ذلك زيادة كبيرة في الأسعار بالنسبة للمستهلك من جراء تخفيض درجة المنافسة في السوق ومن جراء زيادة الواردات. هناك جدل حول ما اذا يمكن التعويض عن تلك التكاليف بفوائد أخرى مثل تعزيز الأبحاث المحلية. وفي ايطاليا وكندا، وهما دولتان متقدمتان، فان الأدلة متفاوتة.(55) في ايطاليا استولت الشركات المتعددة الجنسيات على عدد كبير من الشركات المحلية وانخفضت الصادرات من العقاقير غير المحمية ببراءة وارتفعت الواردات من العقاقير المسجّلة ببراءة. ولم تتوفر أدلة جديرة بالذكر حول ازدياد الأبحاث والتطوير. وفي كندا ظهرت أدلة تشير الى زيادة هامة في الأبحاث والتطوير نتيجة لصفقة توصلوا اليها مع الشركات الصانعة المتعددة الجنسيات والاعتمادات الضريبية التي وفرتها كندا بموجب قانون ضريبة الدخل لعام 1987، ولكن الأبحاث والتطوير تركّزت على التجارب قبل السريرية والسريرية وعلى تحسين عمليات الانتاج بدلا من التركيز على تطوير أمور جزئية جديدة.(56) وفي البلدين استخدمت الرقابة على الأسعار للحد من ارتفاع سعر المنتجات المسجّلة ببراءة.

 

وبالنسبة للدول النامية ذات الصناعات القوية في انتاج العقاقير غير المحمية ببراءة فان المستقبل غير أكيد أيضا. فمن ناحية من المنتظر ان تتأثر الشركات المنتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة بصورة رئيسية نأثيرا ضارا نتيجة لادخال حماية براءات الاختراع كما سيتأثر تأثيرا ضارا المستهلكون والحكومات الذين يتوجب عليهم ان يدفعوا أسعارا أعلى للعقاقير المحمية ببراءة الاختراع. ومن ناحية أخرى قد ترى الشركات القائمة على تطوير قدرات للأبحاث او التي يمكنها ان تحصل على تراخيص من الشركات المتعددة الجنسيات فوائد من حماية براءة الاختراع. تفسّر تلك التأثيرات المتضاربة لماذا ادخال حماية براءات الاختراع في الهند هو مسألة مثيرة للجدل. بعض أقسام صناعة الادوية الهندية تؤيد ادخال حماية براءات الاختراع وهم يحضرون أبحاثهم تمهيدا لادخالها ولكن هناك أقسام أخرى تعارضه بشدة. وطبعا فان ادخال تلك الحماية هو مثير للجدل بالنسبة لجماعات المستهلكين وللمنظمات الأهلية أي غير الحكومية.

 

وعموما، لدى تطبيق اتفاقية "تريبس" سنجد بأنه سيمنع استنساخ العقاقير الجديدة واستصدار مثيلة لها غير محمية ببراءة. في الوقت الحاضر فان الخطر من المنافسة الدولية من المزوّدين لنسخ غير محمية ببراءة لعقاقير مسجّلة ببراءة يشكّل عاملا مقيّدا على الأسعار التي يمكن فرضها على الدول التي لا تطبق أنظمة لبراءة الاختراع، والى حد أقل في الدول التي لديها أنظمة لحماية براءات الاختراع ولكن فيها خطر مصداقي من الترخيص الاجباري. وعندما تصدر جميع الدول المنتجة للعقاقير قوانين تترتب على براءة الاختراع ستصبح العقاقير غير المحمية ببراءة محدودة بشكل متزايد على العقاقير القديمة التي تكون قد نفذت مدة صلاحية براءة اختراعها. وهذا الأمر لن يختلف مما هو عليه الحال الآن في الدول المتقدمة ولكن ستجد الدول النامية من الصعوبة تحمّل كلفة الأدوية الجديدة المحمية ببراءة. وهكذا هناك حاجة الى ايجاد ضمن نظام براءات الاختراع وخارجه وسائل لاحداث بيئة تنافسية من شأنها المساعدة في التعويض على أثر الأسعار الضارة على المستهلكين في الدول النامية. نقدم أدناه بعض التدابير التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار لضمان قيام نظام براءة الاختراع بدعم حق الدولة في حماية الصحة البشرية وتشجيع الحصول على الأدوية وذلك تمشيا مع اعلان الدوحة عن اتفاقية "تريبس" والصحة العامة (المعروفة فيما بعد باعلان الدوحة – المرجو مراجعة المربّع1:2).

 

العوامل الأخرى التي تؤثر على القدرة على الحصول على الادوية

 

يقال، مثلا من قبل صناعة الادوية، بأن أهم القيود على الحصول على الأدوية في الدول النامية ليست حماية براءات الاختراع بل الافتقار الى الانفاق على العناية بالصحة في الدول النامية والى غياب البنية الاساسية الصحية المناسبة لوصف الأدوية بسلامة وبكفاءة. وصف الأدوية غير الصحيح قد يساهم في تطوير مقاومة للدواء عدا عن كونه غير فعال. وبالنسبة لفيروس نقص المناعة البشرية حيث يتغيّر الفيروس بسهولة، فان توزيع مضادات استرجاع الفيروس الواسع من دون تطوير بنية اساسية مناسبة لذلك قد يساهم في نشوء مقاومة للدواء.(57) ويقال أيضا بأن الأشكال غير المحمية ببراءة من العقاقير المسجّلة ببراءة قد تكون ذات مستوى متدني او حتى محفوفة بالخطر.(58)

ويفيد تقرير من جمعية صناعة الادوية الأمريكية ما يلي:

 

"بالنظر الى محدودية الموارد المالية فان قدرة تلك الدول على احتواء مرض الأيدز (ظاهرة نقص المناعة المكتسبة) ومواجهة مجموعة من الأمراض القاتلة الأخرى تتقوّض بسبب عدم كفاية بنيتها التحتية والحواجز الثقافية الحائلة دون العناية وسوء ادارة أنظمة العناية الصحية. وبعض الدول النامية تعيقها أيضا القيادة السياسية التي تفتقر الى الارادة لمواجهة او حتى الاعتراف بحاجات البلاد الصحية."(59)

 

وعدا براءات الاختراع هناك عدد من العوامل التي تؤثر على أسعار العقاقير مثل التعرفة وأشكال أخرى من الضرائب غير المباشرة.(60) وقد يبدو من الخطأ التذمّر من تأثير براءات الاختراع على الأسعار وبنفس الوقت اهمال السياسات الأخرى تحت المراقبة الوطنية التي لها تأثير مشابه. وهكذا من الأهمية ان تدار أنظمة الضرائب الوطنية بطريقة تدعم سياسات الصحة العامة مثل ما يترتب على نظام براءات الاختراع ان يفعله.

 

ومن أجل التخفيف من القلق حول آليات توزيع العقاقير المضادة للأيدز، أنتجت منظمة الصحة العالمية هذا العام اول الارشادات للعلاج بمضادات استرجاع الفيروس في الأماكن الفقيرة وأصدرت لائحة بالشركات المنتجة وبالمنتجات (بما فيها 11 عقارا من مضادات استرجاع الفيروس) التي تفي بمقاييس الجودة التي وضعتها منظمة الصحة العالمية على أنها موردة لوكالات الأمم المتحدة. وتحتوي اللائحة حاليا على شركات منتجة للمنتجات المسجّلة ببراءة وعلى عدد من الأشكال من تلك المنتجات غير المحمية ببراءة بما فيها حتى الآن شركتان موردتان هنديتان. وبالاضافة الى ذلك شملت لائحة منظمة الصحة العالمية للمرة الاولى 12 عقارا من مضادات استرجاع الفيروس لعلاج مرض الأيدز على لائحة العقاقير اللازمة (اثنان منها كانا في اللائحة ولكن لعلاج انتقال المرض من الأم الى الطفل).(61)

 

هناك مقدار كبير من الجدل حول الصلة المقارنة لبراءات الاختراع والعوامل الأخرى في تعيين القدرة على الحصول على الأدوية. نحن نعتبره من الأهمية ان تعالج جميع تلك العوامل. ولكن لا نعتبر ان هناك مساومة حقيقية بين تحسين ترتيبات الملكية الفكرية لمتابعة أهداف الصحة العامة ومواجهة مسائل السياسة والبنية الاساسية والموارد لتحقيق الأهداف ذاتها. هناك حاجة لمتابعة الاثنين ومتابعة واحد منهما ليس له أية علاقة على القدرة على متابعة الآخر. قال أحد المشاركين في مؤتمرنا ما يلي:

 

"... أود ان أثني اللجنة من الوصول الى الاستنتاج في هذا الحوار بأن الكل يتعلق بالبنية الاساسية وبالموارد. فاذا كان هذا هو الاستنتاج، أعتقد بأنكم ستحصلون على ما يفيده العنوان الا وهو: "الناس فقراء". وهكذا لا تتقدموا بتوصيات تقولون فيها بأن الناس فقراء لأننا نعلم ذلك. نحن نحاول ان نحل مشاكلهم وان لا نقول لهم بأنهم فقراء."(62)

 

هناك حاجة تدعو الدول الى تبني سلسلة من السياسات لتحسين الحصول على الأدوية. الموارد الاضافية لتحسين الخدمات توفير أدوات توزيع الأدوية والبنية الاساسية اللازمة لذلك هي أمور مهمة وحرجة. وهناك حاجة أيضا تدعو الى انسجام سياسات الاقتصاد الكبير مع أهداف السياسة الصحية. وذلك أيضا ينطبق على نظام الملكية الفكرية. على الدول ان تضمن بأن أنظمتها لحماية الملكية الفكرية لا تسير في مسار معاكس لسياسات الصحة العامة التي تتبعها وبأن تلك الأنظمة ثابتة على مبدأ تلك السياسات وتؤيدها.

 

المتضمّنات السياسية

 

خيارات السياسة الوطنية

 

السياق

 

السياق لمباحثاتنا حول المتضمّنات السياسية هو اعلان الدوحة الذي تم الاتفاق عليه في الاجتماع على مستوى الوزراء لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد في الدوحة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001 (المرجو مراجعة المربّع 1:2). أوضح الوزراء بأنه يجب ان لا تحول اتفاقية "تريبس" دون قيام الدول باتخاذ اجراءات لحماية الصحة العامة في بلادها. وهم أكّدوا بأنه في اطار شروط الاتفاق يمكن منح التراخيص الاجبارية على أسس تقررها الدول الأعضاء. وعلاوة على ذلك يمكن تلبية الطلب المحلي بواردات متوازية (يحكمها بعبارات قانونية مبدأ "استنفاد الحقوق").(63) وهم اعترفوا بأنه توجد مشكلة خاصة بالنسبة للدول التي تكون قدرتها الصناعية غير كافية للاستفادة من الترخيص الاجباري، وأملوا على مجلس "تريبس" بأن يجد حلا مع نهاية العام. وقد اتفق الأعضاء على استثناء الدول الأقل نموا من تنفيذ او تطبيق او فرض حماية للعقار والمعلومات الخاصة بالتجارب (64) حتى عام 2016. أكّد مجلس "تريبس" هذا القرار في 27 يونيو/حزيران عام 2002. وفي الوقت ذاته وافق المجلس على تنازل من شأنه ان يستثني الدول الأقل نموا من الحاجة الى توفير حقوق تسويقية مقتصرة لأية عقاقير جديدة وذلك في الفترة التي لا تتوفر فيها حماية لبراءات الاختراع. يجب مراجعة هذا التنازل الذي وافق عليه المجلس العام لمنظمة التجارة العالمية كل سنة من قبل المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية (أو المجلس العام بين الاجتماعات الوزارية) حتى ينتهي أمده.

 

والافتراض المنطقي لتوصياتنا هو انه بالنسبة للدول النامية فان أية فوائد لها من حيث تطوير علاجات جديدة للأمراض تعاني منها ستكون في أفضل الأحوال طويلة الأمد بينما ستكون تكاليف تنفيذ نظام براءات الاختراع حقيقيا وفوريا. وهكذا نحن نركّز على تدابير في نظام الملكية الفكرية من شأنها ان تخفّض الى الحد الأدنى أسعار العقاقير وبنفس الوقت تحافظ على توفرها. ومثلما نوّهنا أعلاه لم نجد أدلة تشير الى ان مثل تلك التدابير من شأنها ان تقلل الحوافز للأبحاث في أمراض تعني الدول النامية بوجه خاص، لأن العامل المقرّر هنا هو الافتقار الى الطلب وليس نظام الملكية الفكرية. ولكن بما اننا نعترف بأننا ندخل بحارا مجهولة هناك ضرورة الى مواصلة الأبحاث لتحديد مدى تأثير تنفيذ اتفاقية "تريبس" عمليا على كل من الحوافز للأبحاث وللحصول على نتائجها، ولا سيما على الأمد الطويل.

 

المربّع 1:2 الاعلان الوزاري الناجم عن اجتماع منظمة التجارة العالمية في الدوحة حول اتفاقية "تريبس" والصحة العامة

 

تم تبنيه في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2001

 

1          نحن نعترف بخطورة المشاكل التي يعاني منها العديد من الدول النامية والدول الأقل نموا، ولا سيما تلك الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا ومن غيرها من الأوبئة.

 

2          ونحن نشدّد على ان تشكّل اتفاقية منظمة التجارة العالمية حول النواحي التجارية من حقوق الملكية الفكرية (اتفاقية "تريبس") جزءا من العمل الوطني والدولي الواسع لمواجهة تلك المشاكل.

 

3          ونحن نعترف بأن حماية الملكية الفكرية هي مهمة لتطوير الأدوية الجديدة. ونحن نعترف أيضا بالقلق الذي يساور الناس حول تأثيرها على الأسعار.

 

4          ونحن نوافق بأن اتفاقية "تريبس" لا ويجب ان لا تمنع الأعضاء من اتخاذ تدابير لحماية الصحة العامة في بلادها. وبناء على ذلك، ومع تكرار التـزامنا باتفاقية "تريبس" نؤكد بأنه يمكن ويجب تفسير وتنفيذ الاتفاقية بطريقة تؤيد حق الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بحماية الصحة العامة ولا سيما تشجيع الحصول على الأدوية للجميع.

 

وفي هذا الصدد نحن نعود فنؤكد حق الأعضاء في منظمة التجارة العالمية باستخدام استخداما تاما الاجراءات في اتفاقية "تريبس" التي توفر المرونة لهذا الغرض.

 

5          وبناء على ذلك، وفي ضوء ما جاء في الفقرة 4 أعلاه،، ومع الاحتفاظ بالتزاماتنا باتفاقية "تريبس"، فنحن نعترف بأن تلك المرونات تشتمل على ما يلي:

 

أ)          لدى تطبيق القواعد العادية في تفسير القانون الدولي العام، ستجري قراءة كل شرط من شروط اتفاقية "تريبس" في ضوء الغاية والغرض من الاتفاقية كما هي معبّرة بوجه خاص في غاياتها ومبادئها.

ب)        يحق لكل عضو ان يمنح تراخيص اجبارية والحرية لتعيين الأسس التي تمنح بموجبها تلك التراخيص.

ج)         يحق لكل عضو ان يعيّن ما هي الأمور التي تشكّل حالة طارئة وطنية  او أية ظروف ملحة للغاية، شرط الادراك بأن ازمات الصحة العامة، بما فيها تلك المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا والأوبئة الأخرى، يمكنها ان تمثّل حالة طارئة وطنية او أية ظروف ملحة للغاية.

د)          وأثر شروط  اتفاقية "تريبس" ذات الصلة باستنفاد حقوق الملكية الفكرية هو ترك كل عضو حرّ لتأسيس نظامه الخاص لاستنفاد مثل تلك الحقوق من دون الطعن فيها، شرط الامتثال الى MFN والى شروط العلاج الوطنية الواردة في المادتين 3 و 4.

 

6          ونحن نعترف بأن أعضاء منظمة التجارة العالمية التي تفتقر الى قدرات الانتاج او التي تكون قدرتها على الانتاج غير كافية في قطاع الادوية قد تواجه صعوبات في الاستفادة استفادة فعالة من الترخيص الاجباري بموجب اتفاقية "تريبس". ونحن نأمر مجلس "تريبس" بأن يجد حلا سريعا لهذه المشكلة وان يرفع تقريرا بهذا الخصوص الى المجلس العام قبل نهاية عام 2002.

7          ونحن نعيد فنؤكد التـزام الدول المتقدمة الأعضاء بتوفير الحوافز لمشاريعهم ومؤسساتهم لترويج وتشجيع نقل التكنولوجيا الى الدول الأعضاء الأقل نموا عملا بالمادة 66-2.  ونحن نتفق أيضا بأن الدول الأعضاء الأقل نموا لن تكون ملزمة، فيما يتعلق بالادوية، بتنفيذ او تطبيق القسمين 5 و 7 من الجزء الثاني من اتفاقية "تريبس" او بتطبيق الحقوق المنصوص عنها في القسمين حتى 1 يناير/كانون الثاني عام 2016، وذلك بدون الاخلال بحق الدول الأعضاء الأقل نموا في السعي الى تمديد الفترات الانتقالية المنصوص عنها في المادة 66-1 من اتفاقية "تريبس".  ونحن نصدر تعليماتنا الى مجلس "تريبس" لكي يتخذ الاجراء الضروري لوضع ذلك موضع التنفيذ عملا بالمادة 66-1 من اتفاقية "تريبس.

 

التسعير التفاضلي

 

ومثلما نوّهنا به فان التسعير التفاضلي من حيث المبدأ يجب ان يكون طريقة منطقية من الوجهة الاقتصادية للشركات العالمية لكي ترفع أرباحها الى الحد الأقصى على المنتجات المباعة في كل من الأسواق ذات الدخل المنخفض والعالي.(65) كما يجب ان يكون طريقة لضمان حصول الفقراء على المنتجات الزهيدة الثمن.

 

هناك مبادرات عديدة لتسهيل نظام عالمي من التسعير التفاضلي. ومثلما نوّهنا أعلاه هناك عوامل كثيرة غير متعلقة بحقوق الملكية الفكرية تؤثر على الأسعار وعلى توفر الأدوية. هناك عاملان هامان في تأسيس نظام للتسعير التفاضلي من شأنه ان يحعل الأسعار المنخفضة في الدول النامية تتعايش مع الأسعار العالية في الدول المتقدمة وهما:

 

·                   يجب تقطيع الأسواق التي لديها مستويات مختلفة من الأسعار بحيث لا يمكن للأدوية الزهيدة الثمن ان تدخل الأسواق ذات الأسعار العالية. يعني ذلك مراقبة صادرات وواردات منتجات ذات الصلة.

·                   يجب ان لا يجري اتخاذ قرارات التسعير في الأسواق ذات الأسعار العالية، حيث تقرر تلك الأسعار او تتأثر بسياسة الحكومة، بالرجوع الى الأسعار في الأسواق ذات الأسعار المنخفضة.

 

العامل الثاني لا يشمل اعتبارات الملكية الفكرية ولكنه يمثّل مشكلة سياسية في عدد كبير من الدول المتقدمة بسبب وجود تفاوت في أسعار الادوية، حتى بين الدول النامية نفسها، وبسبب الضغط على ميزانيات المرضى وعلى مشاريع التأمين وعلى الدولة لتسديد فواتير العقاقير المسجّلة ببراءة المرتفعة باستمرار.

 

ولكن من المحتمل ان تلعب أدوات نظام الملكية الفكرية، بما فيها الواردات المتوازية والترخيص الاجباري، دورا أساسيا في تعضيد التسعير التفاضلي وتقطيع السوق. ولضمان فعالية نظام التسعير التفاضلي يتعيّن على القوانين الوطنية في الدول النامية ان تحافظ على حق الحكومة في ادخال الورادات المتوازية وفي اصدار التراخيص الاجبارية.

 

ونحن على يقين أيضا بتخفيضات الأسعار الأخيرة وبعدد المشاريع الخاصة التي تديرها بعض الشركات، أحيانا بالتعاون مع الوكالات الدولية، لتوفير تنـزيلات كبيرة او عقاقير مجانية، وذلك بالاشتراك مع الحكومات المحلية والمنظمات الأهلية والبنية الاساسية الداعمة لضمان توزيعها على المريض. تنطبق تلك العروض عموما فقط على المشترين الذين هم عادة الحكومات او المنظمات غير الحكومية او منظمات تقديم المساعدات او شركات القطاع الخاص ولكن ليس على الشركات التجارية الموردة للأدوية. هذه كلها مساهمات نرحب بها لتحسين القدرة على الحصول على الأدوية في الدول النامية.(66) ولكن هناك أيضا حاجة الى ايجاد حلول عريضة الأساس، تكون قابلة للدوام والاستمرار، لمشاكل الصحة العامة العويصة التي يجري البت فيها حاليا. ولذلك هناك حاجة الى الاستمرار في بذل الجهود لجعل التسعير التفاضلي كفوءا وفعالا.

 

الواردات المتوازية  

 

من حيث المبدأ، من غير المستحسن وضع تقييدات على الحركة الحرة للمنتجات حالما تضعها الشركة المنتجة في السوق. ولكن عمليا وفقط من أجل ضمان تزويد منتجات بأسعار زهيدة للذين هم بحاجة الى أسعار زهيدة، ولهم فقط، قد تدعو الضرورة الى الانحراف عن هذا المبدأ العام. وهكذا هناك عنصر هام في توطيد نظام للتسعير التفاضلي وهو ان الأسواق بحاجة الى التقطيع الى قطاعات لمنع قيام المنتجات الرخيصة بتقويض الأسواق ذات الأسعار العالية. ولهذا السبب من الضروري ان تضع الدول المتقدمة آليات فعالة يمكنها منع الاستيراد المتوازي للأدوية. يبدو الحال كذلك بوجه عام بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي ولكنه لا يبدو هو الحال بالنسبة لليابان.(67)

 

يترتب على الدول المتقدمة ان تحافظ على أنظمتها التشريعية وان تقويها منعا من دخول الادوية الزهيدة الثمن والآتية أصلا من الدول النامية.

 

ولكن، لتأمين تقطيع الأسواق الى قطاعات، من المستحسن أيضا للدول النامية ان تعمل على منع تصدير الى الدول المتقدمة عقاقير تشكّل جزءا من تبرعات او مشروع للتسعير التفاضلي. من المهم بصورة خاصة منع تحويل المنتج من المرضى الموجهة اليهم الأدوية. ولكن، مع الاعتراف بحدود قدراتها على التطبيق، يقع العبء الأساسي في تقطيع السوق الى قطاعات بين الدول المتقدمة والنامية على عاتق الدول المتقدمة.

 

يجب ان لا تزيل الدول النامية الموارد المحتملة للواردات الزهيدة الثمن من دول نامية اخرى او متقدمة. وحتى يكون تدبير فعال موالي للمنافسة في اطار الامتثال التام لاتفاقية "تريبس" يجب السماح بالواردات المتوازية عندما تستنفد حقوق صاحب براءة الاختراع في الدولة الأجنبية. وحيث تسمح اتفاقية "تريبس" للدول بأن تصمم أنظمتها الخاصة لاستنفاد الحقوق (وهي نقطة أعيد ذكرها في اجتماع الدوحة)، يجب على الدول النامية ان تسهّل الورادات المتوازية في تشريعاتها. 

 

الترخيص الاجباري

 

ومثلما نوّهنا أعلاه ستكون نتيجة تطبيق اتفاقية "تريبس" هي تقليص امداد نسخ غير محمية ببراءة من المنتجات المسجّلة ببراءات اختراع. هذا من شأنه ان يزيل عاملا هاما في تقييد وتخفيض اسعار المنتجات المسجّلة ببراءة في الدول النامية. توفير تشريعات فعالة واجراءات للترخيص الاجباري قد يلعب دورا هاما في المحافظة على سياسة موالية للمنافسة لحقوق الملكية الفكرية في البيئة الجديدة. نحن لا نعتبر الترخيص الاجباري دواء عاما بل بوليصة تأمين لازمة لمنع انتهاك نظام الملكية الفكرية.

 

ومع ان اتفاقية "تريبس" تسمح بالترخيص الاجباري (كما هو موضح في اعلان الدوحة)، شرط تلبية اجراءات وشروط معيّنة، لم تستعمله الدول النامية حتى الآن. ومن السخرية ان الدول المتقدمة هي التي تستعمل الترخيص الاجباري بنشاط لعدد من الأغراض، وليس فقط في مجال الادوية فقط، بما في ذلك في قضايا ضد التجميع الضخم للرساميل في الولايات المتحدة. استخدمت كندا الترخيص الاجباري بشكل واسع في مجال الادوية من عام 1969 حتى أواخر الثمانينات من القرن الماضي. هذا أدى الى انخفاض اسعار العقاقير المرخّصة بنسبة 47% مما هي عليه في الولايات المتحدة في عام 1982.(68) استعملت المملكة المتحدة أيضا الترخيص الاجباري حتى السبعينات من القرن الماضي بما في ذلك للعقاقير الهامة مثل الليبريوم والفاليوم. ومؤخرا في عام 2001 تصوّر وزير الصحة والخدمات البشرية الأمريكي علنا امكانية الحصول على عقاقير مشابهة غير محمية ببراءة قبل مفاوضاته مع شركة باير (صاحبة براءة الاختراع) لشراء العقار "سيبرو" للتعامل مع عواقب الهجمات بالجمرة الخبيثة، مع انه في النهاية تم الاتفاق مع شركة باير.(69)

 

الدول النامية لم تستعمل النظام لعدد من الأسباب. أولا يتطلب النظام بنية اساسية ادارية وقانونية غير موجودة في عدد كبير من الدول النامية. ثانيا، خشيت الدول النامية من العقوبات الاقتصادية التي قد تهددها، الثنائية او المتعددة الأطراف. ثالثا، يجب ان يكون الترخيص الاجباري "بصورة سائدة للسوق المحلية". ورابعا، تشير كلمة "اجباري" الى الحد الشرعي لحقوق صاحب براءة الاختراع الذي تضعه الحكومة. المنتج الحقيقي للعقار المرخّص ينتجه تطوّعيا ولجني الربح (على الأقل بالنسبة لحامل الرخصة من القطاع الخاص). وبالتالي يجب ان يكون لصاحب الرخصة المعرفة لهندسة العقار عكسيا وانتاجه بدون تعاون صاحب البراءة، كما عليه ان يتوقع سوقا كبيرة لتبرير تكاليف الاستثمار والانتاج وتوفير مكافأة كافية لصاحب البراءة. فان لم تستوف تلك الظروف لن يكون خطر الترخيص الاجباري مصداقيا.

 

وقد جرى استعمال بنجاح تهديد الترخيص الاجباري من قبل البرازيل في مسعاها لتنفيذ برنامجها الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز (المرجو مراجعة المربّع 2:2). ونتيجة لقدرتها في الأبحاث ولتطوير قدرة انتاجية للقطاع العام، تمكنت البرازيل من استعمال التهديد بالترخيص الاجباري في مفاوضاتها مع شركات الادوية. يشمل ذلك القدرة على استخدام تقديرات لتكاليف انتاجها تحت الترخيص الاجباري عند التفاوض بشأن الأسعار مع أصحاب البراءات. ولكن هناك القليل نسبيا من الدول النامية التي هي في وضع البرازيل، وهكذا فان التهديد يفقد مصداقيته في معظم الدول النامية ما لم يكن بوسعها الاعتماد على الواردات من الدول التي لديها القدرة المطلوبة.

 

المربّع 2:2 برنامج البرازيل الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز

 

المهمة الأساسية لبرنامج البرازيل الوطني الخاص بالأمراض المنقولة جنسيا/الأيدز هي جعل الأدوية لعلاج فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز متوفرة مجانا لجميع مواطنيها الذين هم بحاجة اليها وذلك عن طريق النظام الوطني للعناية بالصحة العامة. ابتدأوا بهذا البرنامج في أوائل التسعينات من القرن الماضي وفي عام 1996 أصبح علاج المرضى بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز واجبا قانونيا. وبمساعدة المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز، جرت اعادة تنظيم رئيسية لخدمات الصحة العامة الوطنية لتوزيع العقاقير وفحص المرضى لمعرفة ان هم مصابون بالأيدز والعناية بهم. هناك الآن بعض المئات من وحدات توزيع العقاقير في كافة أرجاء البلاد.

 

ويقدم البرنامج الآن العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس الى نحو 105 ألف من أصل 600 ألف مريض بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. وهو خفّض الآن عدد حوادث الاصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والوفيات بين ضحايا الأيدز الى النصف مما كان متوقعا في أوائل التسعينات من القرن الماضي. كما انخفض الدخول الى المستشفى للعلاج بنسبة 80% منذ عام 1996. وهكذا، على الرغم من ان البرنامج غالي الثمن (تبلغ كلفته السنوية 500 مليون دولار أمريكي من أصل ميزانية اجمالية للصحة تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار أمريكي)، فقد بدأت التوفيرات في التكاليف بسبب هبوط المرض والدخول الى المستشفى للعلاج وغيرها من آثار المرض بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز تتوازن مع الميزانية. قدّرت وزارة الصحة البرازيلية انه في عام 2001 كانت الكلفة النهائية للبرنامج صفر وذلك عندما نأخذ بالاعتبار نفقات انتشار المرض، الأمر الذي يعطينا توفيرا صافيا تبلغ قيمته 50 مليون دولار أمريكي.(70)

 

ومن اجمالي تكاليف البرنامج ينفقوا 300 مليون دولار أمريكي على عقاقير لعلاج الأيدز. وقد انخفضت مؤخرا كلفة الحصول على العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس وذلك مع قيام الوزارة والبرنامج بتطوير انتاج محلي في القطاع العام، تأسيس مختبرات وطنية وايجاد أدوات للتفاوض مع الشركات المتعددة الجنسيات، بما في ذلك التهديد بالترخيص الاجباري. معهد "فار-مانغوينهوس" (وهو جزء من وقف ازوالدو كرز) هو المنتج الرئيسي للحكومة للعقار، اذ طوّر التكنولوجيا التي توفر للبلاد العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس بثمن زهيد. يقوم المعهد بانتاج سبعة أدوية من 15 دواء تستعمل في الكوكتيل المضاد لاسترجاع الفيروس في البرازيل. لا عقار من تلك العقاقير مسجّل ببراءة في البرازيل. هبطت أسعار تلك العقاقير عند تطويرها للانتاج المحلي بمعدّل 5ر72% بين عامي 1996 و 2000. وفي عام 1999، تم انتاج 47% من العقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس في البرازيل ولكن عاد اليها فقط 19% من اجمالي النفقات. وهكذا 81% تم انفاقه على عقاقير مضادة لاسترجاع الفيروس اشتروها من الشركات المتعددة الجنسيات.

 

وبما ان لمعهد "فار-مانغوينهوس" القدرة الفنية لهندسة العقاقير المسجلة ببراءة عكسيا ويمكنه ان يقدّر تكاليف انتاج واقعية فان وزارة الصحة هي في وضع مساوم قوي للتفاوض مع المنتجين الأجانب لتخفيض الأسعار، يدعمها تهديد مصداقي في الترخيص الاجباري. وفي عام 2001 استخدم وزير الصحة هذا الاسلوب مع شركة روش وميرك بشـأن عقاقيرها "نيلفينافير" و ايفافيرينز"، وفي الآخر تمكن من الحصول على تخفيضات في السعر تراوحت بين 40 و 70%.

 

وبينما أشادوا اشادة كبيرة بالبرنامج البرازيلي على أنه نموذج محتمل تحتذي به الدول الأخرى، من الجدير بالملاحظة بأن كلفة البرنامج تبلغ حوالي 5 آلاف دولار أمريكي في العام للشخص الواحد الخاضع للعلاج، او 800 دولار أمريكي لكل شخص معدي بفيروس نقص المناعة البشرية او 3 دولارات أمريكية لكل شخص في البرازيل. وهكذا أعطت البرازيل أولوية لعلاج المرضى بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز. يمكن للبرازيل ان تتحمّل تلك التكاليف لأنها دولة نامية غنية نسبيا ولأن تناسبيا لديها نسبة منخفضة من العدوى بفيروس نقص المناعة البشرية. علاوة على ذلك، فان المعرفة الفنية لديها تتيح المجال لوزارة الصحة للتفاوض في تنزيل الأسعار بفعالية وكفاءة. ومثلما نوّهنا أعلاه انه استثمار يمكن ان يعوّض عن نفسه بشكل انخفاض الوفيات وانتشار المرض. ولكن الاستثمار المبدئي لهذا النوع من البرنامج قد لا تتحمّله الدول الفقيرة  التي لديها نسب عالية من الاصابات بفيروس نقص المناعة البشري، بدون مساعدة خارجية. وبالنسبة لتلك الدول تشكل قدرتها التكنولوجية الضعيفة تقييدا أيضا في غياب وسائل فعالة للترخيص الاجباري كما اقترحه اجتماع الدوحة.

 

 

الترتيبات الوطنية للترخيص الاجباري

 

ثمة حائل هام للترخيص الاجباري في الدول النامية وهو غياب التشريعات البسيطة والاجراءات الادارية لوضعه موضع التنفيذ. وبما ان الأنظمة القانونية في الدول النامية مرهقة بالأعباء  فمن المناسب التشريع لتأسيس نظام شبه قانوني واداري مستقل لتنفيذ الترخيص الاجباري. تشمل العناصر الأساسية ما يلي:

 

·                   اجراءات بسيطة وشفافة وسريعة

·                   واجراءات للاستئناف لا تعلّق تنفيذ الترخيص

·                   وتشريعات تستغل استغلالا تاما المرونات التي توفرها اتفاقية "تريبس" لتعيين أسس الترخيص الاجباري بالاضافة الى الاستعمال غير التجاري من الحكومة بما في ذلك الانتاج للتصدير (راجع أدناه)

·                   وارشادات واضحة وسهلة التطبيق وشفافة لوضع نسب الجعالة (التي قد تتفاوت).

 

هناك الشيء الكثير الذي يمكن تعلّمه من خبرة الدول المتقدمة ولا سيما كندا التي يبدو بأن لديها أكثر البرامج شمولا. وضعت كندا نسبة شاملة للجعالة نوعا ما بلغت 4%، جرى فيها وضع أسبقية سابقة في قضية اختبارية هامة. وقد تفاوتت الممارسة الأمريكية تفاوتا كبيرا من نسب منخفضة جدا الى نسب عالية، اعتمادا على حكم المحكمة. تحتاج الدول النامية الى تطوير قواعد واجراءات تتكيّف مع ظروفها لوضع نسب الجعالة ولكن الافتراض من خبرة الدول الأخرى هو انه لا داعي الى وضع نسب عالية حدا.

 

وتحتاج الدول النامية أيضا الى الأخذ بعين الاعتبار التبني في هذا السياق شروطا قوية حول الاستعمال الحكومي وغير الحكومي. يختلف ذلك عن الترخيص الاجباري ولكن له تأثير مماثل في قطاع الصحة العامة. وأيضا لدى العديد من الدول المتقدمة والدول النامية مثل تلك الشروط في قوانينها. وفي دول الكومنولث هذه مستمدة من القانون البريطاني 1883 الذي جرى الاحتفاظ به في القوانين الحالية.(71) هذه السلطات هي سلطات شاملة ولا تحدد بدقة ظروفا معيّنة يمكن فيها استعمال تلك السلطات. مثلا في نيوزيلندا:

 

"... يمكن لأية وزارة حكومية... ان تصنع وتستعمل وتمارس وتبيع أي اختراع مسجّل ببراءة لخدمة التاج وأي شيء يجري القيام به بموجب القسم الفرعي هذا لن يشكّل خرقا لبراءة الاختراع المعنية."(72)

 

يجب على الدول النامية ان تسن قوانين قابلة للتنفيذ واجراءات تتيح الترخيص الاجباري وتوفير الشروط المناسبة لاستخدامها من قبل الحكومة.

 

الترخيص الاجباري للدول التي ليست لديها قدرة كافية على الانتاج الصناعي

 

الفقرة السادسة من اعلان الدوحة توجّه مجلس "تريبس" الى تطوير حل سريع للمشكلة التي تواجهها بعض الدول التي تفتقر الى قدرة كافية في قطاع الادوية. وهي تعرّف المشكلة على انها عدم قدرة تلك الدول على استعمال الترخيص الاجباري للحصول على الادوية التي هي بحاجة اليها من شركة منتجة تقع في أراضيها. عادة يمكن استعمال الترخيص الاجباري لهذا الغرض، اذ تقوم الدولة بالتصريح عن طريق الترخيص الاجباري لشركة محلية لانتاج المنتج داخل أراضيها او التصريح لمستورد لشرائه من مكان آخر. ولكن الدول التي تم التعرّف عليها على انها تعاني من تلك المشكلة لا يمكنها الالتجاء الى شركة منتجة محلية للحصول على تلك المنتجات بهذه الطريقة وبالتالي تحتاج الى الاعتماد على شركة منتجة من بلد آخر.

 

ونحن نوافق بأنه من المهم ان نفسّر اتفاقية "تريبس" او تعديلها تفسيرا صحيحا، مع الأخذ بعين الاعتبار السيناريو الطويل الأمد عندما ستنطبق حماية براءات الاختراع على الدول التي تقوم حاليا بانتاج وتصدير نسخ غير محمية ببراءة من العقاقير المسجّلة ببراءة. الحاجة في آخر المطاف هي ايجاد حل موال للمنافسة لسوق العقاقير المسجلة ببراءة في الدول النامية وذلك بعدما تصبح اتفاقية "تريبس" نافذة المفعول تماما أي ايجاد حل يسمح بشراء العقاقير بسرعة باسلوب قابل للدوام وبأدنى الأسعار الممكنة. وهذا الأمر ينطبق ان كنا نفكر في شراء العقاقير المسجّلة ببراءة مباشرة حيث توجد مجموعة من البدائل الدوائية او كنا نفكر في شرائها بموجب الترخيص الاجباري.

 

ويجب النظر الى الترخيص الاجباري على انه وسيلة لتحقيق غاية. والغاية في تلك الحالة هي المساعدة على تحقيق أدنى سعر ممكن للأدوية في الدول النامية من أجل تسهيل حرية الحصول عليها. والنقطة الوحيدة للترخيص الاجباري في هذا الصدد هي ان الترخيص الاجباري يساعد في تحقيق ذلك. ومثلما نوّهنا أعلاه، بغض النظر عن النواحي القانونية والادارية يكون الترخيص الاجباري فعالا فقط اذا رأى صاحب الترخيص الاجباري امكانية للحصول على عائد معقول من الاستثمار وبنفس الوقت يزوّد العقاقير بأسعار أدنى بكثير من الأسعار التي يطلبها صاحب براءة الاختراع او الذي منحه رخصة.

 

وبينما توجد الآن دول عديدة، ولا سيما تلك التي لديها أسواق محلية هامة، تتمتع بقدرة على انتاج نسخ من العقاقير بالرخص فقد يصبح الأمر أكثر صعوبة بعد عام 2005. اذ لن يوجد الحافز عندئذ مثل ما هو الحال الآن للشركات المنتجة في تلك الدول لهندسة عكسيا العقاقير المسجلة جديدا ببراءة ولاتخاذ الخطوات الأخرى اللازمة  لصنعها وبيعها (بما فيه الحصول على الموافقة القانونية) لأن السوق المحلية ستكون مغلقة أمامها. وهكذا سيتلاشى تدريجيا الامداد الحاضر من البدائل غير المحمية ببراءة للعقاقير المسجّلة ببراءة. وهكذا يتعيّن عندئذ على المرخصين الاجباريين ان يطلبوا أسعارا لعقاقيرهم أقرب ما تكون الى السعر الاقتصادي التام (بما في ذلك تكاليف بدء العمل والانتاج) بالمقارنة بامكانية توفير بدائل غير محمية جاهزة بأسعار تكون الى حد ما قد استهلكت تكاليف بدء العمل في السوق المحلية. ولكن اذا توفر الاستثمار الضروري فقط عند توفر الترخيص الاجباري ستحدث لا محال تأخيرات طويلة الأمد قبل ان يصل العقار الى المرضى.(73) وبالاضافة الى ذلك هناك بعض الأدلة التي تشير الى ان الهندسة العكسية لبعض الأدوية الجديدة هي في حد ذاتها أكثر صعوبة في الادوية الحيوية مما هي عليه في كيمياء العمليات التقليدية.

 

وهذا يوحي بأنه من دون ترتيبات خاصة ستكون امكانية كون الترخيص الاجباري وسيلة لتنـزيل الأسعار محدودة أكثر مما هي عليه الآن، حتى في الدول النامية القليلة المتقدمة تكنولوجيا. وبالنسبة لمعظم الدول فان المورد المجدي الوحيد قد يكون صاحب براءة الاختراع او الذي يرخّص له.

 

وهكذا نحن نرى المشكلة حسبما جرى تحديدها في اجتماع الدوحة على انها مشكلة اقتصادية بالقدر الذي هي مشكلة قانونية. وحل شبه قانوني مثل ما يمكن ان يحدده مجلس "تريبس" هو ضروري ولكن لن يكون كافيا لحل المشكلة التي أوجزناها. والحل شبه القانوني يكون أقل فعالية كلما أحيط الترخيص الاجباري بالقيود. مثل تلك القيود تخفض امكانية ان يكون مثل ذلك الترخيص أداة مساومة فعالة للدول النامية التي تتفاوض على الأسعار مع أصحاب براءات الاختراع. يمكن للترخيص الاجباري ان يكون فعالا اذا شكّل اقتراحا اقتصاديا قابلا للحياة.

 

النواحي القانونية   

 

ننظر في هذا القسم ونعلّق على شتى المقترحات التي تقدّمت بها مختلف الدول ومجموعات الدول لمواجهة حل مشكلة منظمة التجارة العالمية التي جرى تحديدها في الفقرة 6 من اعلان الدوحة. تدور هذه حول جوهر المادة 28 (الحقوق الممنوحة) والمادة 30 (استثناءات للحقوق الممنوحة) والمادة 31(و) من اتفاقية "تريبس" حيث المادة 31 تتعاطى بـ "الاستعمال الآخر من دون تصريح من صاحب الحق". تنص المادة 31(و) بأن الترخيص الاجباري يجب ان يكون "غالبا لتزويد السوق المحلية للعضو الذي يصرّح مثل ذلك الاستعمال."

 

وهكذا لا يمكن للدول التي ليست لديها قدرة انتاجية او لديها قدر قليل من تلك القدرة ان تصدر ترخيصا اجباريا الى منتج محلي او الى منتج أجنبي لأن براءات الاختراع هي اقليمية. يمكن لتلك الدول حاليا اصدار ترخيص اجباري الى المورّد الذي يمكن ان يستورد الامداد من شركة منتجة للمواد غير المحمية ببراءة في بلد لا يكون فيها المنتج مسجّل ببراءة. بعد عام 2005 لن يكون هذا الخيار ممكنا للعقاقير التي تكون مسجّلة ببراءة في الدولة المزوّدة للمنتج.

 

والأثر العملي لهذا التدبير هو انه يجعل تدابير الترخيص الاجباري عديمة الجودة عمليا بالنسبة للدول ذاتها التي هي من المحتمل ان تكون بأمس الحاجة اليها أي أفقر الدول في العالم. وبالنظر الى محدودية قدرتها الانتاجية المحلية لا يوجد أحد في تلك الدول ليضع تلك التدابير موضع التنفيذ. هذا الأمر هو بصريح العبارة غير مرض واعترف اعلان الدوحة بحق بأنه يجب ايجاد حل لتلك المشكلة على جناح السرعة.

 

هناك عدد من المشاكل التفسيرية التي أثارها اعلان الدوحة نستعرض هنا البعض منها. يشير الاعلان الى ان الدول حرة في تقرير الأسس التي تمنح فيها التراخيص الاجبارية (الفقرة 5ب) والحق في تقرير ما هي الأمور التي تشكّل "الحالة الطارئة الوطنية او الظروف الملحّة للغاية" (الفقرة 5ج). يعكس التدبير الأخير الطريق المختصرة في الاجراءات المسموحة في تلك الظروف في المادة 31(ب) من اتفاقية "تريبس". وهكذا تشير الفقرة السادسة الى الاجراءات المترتبة على الترخيص الاجباري في قطاع الادوية اللازمة للتعاطي "بمشاكل الصحة العامة...ولا سيما تلك الناجمة عن فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز والسل والملاريا وغيرها من الأوبئة" (الفقرة 1).(74) فهي لا تشير مثل ما يفترض احيانا فقط الى الترخيص الاجباري في الظروف الطارئة او الملحة. وهي ليست محدودة بنوع معيّن من المرض.

 

وهناك حاجة الى التوضيح ما هي الدول التي ليست لديها قدرة انتاجية او قدرة انتاجية غير كافية. ومجددا نحن نعتقد بأن ذلك يتطلب تفسيرا اقتصاديا. فاذا كان انتاج دواء بحاجة اليه ممكنا فنيا ولكن سيكون باهظ الثمن فلا فائدة ترجى من اصدار ترخيص اجباري محلي. ولكن اذا كانت الغاية هي الحصول على أدوية يمكن تحمل كلفتها ومن نوع مناسب وبكمية مناسبة ينطوي الحل عندئذ على السماح في الانتاج باسلوب اقتصادي قابل للحياة، اما محليا او في الخارج. تحبّذ الدول النامية عموما تفسير لـ "القدرة الانتاجية" يأخذ بعين الاعتبار المعايير الاقتصادية (مثلا، اذا كانت القدرة بشكل يكون فيه الانتاج الاقتصادي ممكنا في الظروف المتوقعة)، ويضع التشديد على قدرة الدولة على تقرير المعايير على أساس كل منتج على حدة. تقترح الدول المتقدمة، باستثناء واحد، بأنه يجب رسم المعايير من دون تحديد ما قد تكون عليه.(75)

 

وبما ان اعلان الدوحة يسمح للدول الأقل نموا بأن لا تبدأ بتطبيق براءات الاختراع على الادوية حتى عام 2016، فان الدول التي تستغل هذا التدبير لن يمكنها ان تصدر تراخيص اجبارية وكذلك الأمر بالنسبة لأي دولة لم يجر فيها استخراج براءة للاختراع. في الوقت الحاضر، يمكن لمثل تلك الدول ان تستورد امدادات رخيصة من دول أخرى بدون براءات اختراع على المنتجات المعنية ولكن هذا الوضع سيتغيّر بعد عام 2005. وهكذا مع ان الفقرة السادسة تشير بصورة خاصة الى الترخيص الاجباري فهي معدة بوضوح الى مخاطبة هذا السياق الأوسع وبالتالي معالجة مسألة امكانية تحمّل كلفة الأدوية والقدرة على الحصول عليها، ولا سيما في الدول النامية والدول الأقل نموا.

 

لا يحدد الاعلان من هي الدول التي يمكنها ان تعمل بمثابة دول موردة للدول المعنية بالأمر. فمن أجل رفع مستوى المنافسة الى الحد الأقصى وتحقيق أدنى الأسعار الممكنة فان عدم وضع قيود على الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية التي يمكنها ان تعمل بمثابة مورّد يبدو انه الحل المنطقي الذي يأخذ السوق أساسا له. وللأسباب ذاتها فان الدول التي تسعى الى الترخيص يجب ان تبحث منطقيا عن المرخصين الاجباريين المنافسين أينما تجدهم. تحبّذ الدول النامية الاستيراد من مورّدين من أي بلد كان. هناك دولة متقدمة تفضّل الاستيراد من الدول المتقدمة ولكن ليس للاتحاد الاوروبي أي رأي في الأمر بينما تحبّذ الولايات المتحدة الاستيراد من الدول النامية مثل ما هو الحال بالنسبة لصناعة الادوية المبني انتاجها على الأبحاث.

 

لقد جرى اقتراح خمسة حلول رئيسية للمشكلة المشار اليها في الفقرة 6 من اعلان الدوحة ونحن نبحث في كل حل بدوره.

 

تعديل المادة 31 من اتفاقية "تريبس". يجب حذف المادة 31(و). غير انه يمكن اعتبار ذلك على أنه يغيّر معنى الاتفاقية بالنسبة للترخيص الاجباري غير ذلك المتعلق بمشاكل الصحة العامة. البديل هو الحاجة الى تعديل الاستثناء المميز بوضوح للقيد الذي تفرضه المادة 31(و) التي تغطي الترخيص الاجباري من أجل مواجهة مشاكل الصحة العامة التي يراها الاعلان. ان مثل ذلك التعديل لاتفاقية "تريبس" سيكون مضيعا للوقت ويتطلب التصديق عليه من الحكومات الوطنية. يمكن توفير حل مؤقت او انتقالي/ مثل القيام باعلان للنيّة، وتنازل مؤقت او موراتوريوم على حل النـزاع وذلك لتغطية الفترة حتى يتم التصديق على أي تعديل. ولكن قد يتردد عدد كبير من الدول المتقدمة والنامية في اعادة فتح اتفاقية "تريبس"، بسبب الخطر من فتح نواحي أخرى من الاتفاقية لاعادة التفاوض في الوقت ذاته. ولنفترض انهم وجدوا الحل يصبح من الضروري على الدولة المصدّرة المحتملة ان تحذف بند "غالبا" من تشريعاتها وتتأكد من ان أسس الترخيص الاجباري تتوافق مع تلك المتصوّرة في الاعلان. وفي المرحلة الأخيرة يجب تنفيذ التراخيص الاجبارية ودفع ثمنها في كل من الدولة المستوردة والدولة المصدّرة اذا كانت هناك براءة مسجلة في كلتيهما. ويجب ان تكون الدولة المصدرة مستعدة، في أي حال، لاصدار ترخيص اجباري لفائدة الدولة المستوردة.

 

وقد اقترحت الدول النامية عددا من الخيارات لحل المشكلة بما في ذلك مراجعة المادة 31 او حذف المادة 31(و) للتأكد من ان المادة 31(و) لن تنطبق على أية قوانين او تدابير او أنظمة ادارية بما في ذلك التراخيص الاجبارية، التي تم تبنيها لحماية الصحة العامة وبصورة خاصة لضمان الحصول على الادوية التي يمكن تحمّل تكاليفها. وثمة دولة نامية اخرى نبّهت بأنه بموجب المادة 31(و) هناك حاجة الى اصدار التراخيص الاجبارية في كل من الدولة المستوردة والمصدّرة مما يجعل الأمر مرهقا اداريا. يحبّذ الاتحاد الاوروبي التعديل المحدد للمادة 31(و) الذي أتى وصفه أعلاه. اما الولايات المتحدة فهي لا تحبّذ تعديل للمادة 31(و) بل موراتوريوم على اجراءات حل النـزاع لتحقيق التأثير ذاته.

 

تفسير المادة 30. تنص المادة 30 على استثناءات محدودة لحقوق براءات الاختراع التي لا تتعارض مع الاستغلال العادي لبراءة الاختراع. وبموجب هذا الحل المقترح لا حاجة الى تعديل اتفاقية "تريبس" ولا الى ترخيص اجباري في الدولة المصدرة. ثمة فائدة مزعومة بأنه يسمح بالتصدير الى الدول التي لا توجد فيها براءات اختراع على الدواء المعني. كل ما هو مطلوب هو "تفسير رسمي" بموجب المادة (1X) من اتفاقية منظمة التجارة العالمية يتبناه ثلاثة أرباع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. هذا يوضّح بأن استثناء بموجب حقوق براءات الاختراع للسماح بالتصدير في الظروف التي تصوّرها الاعلان هو شرعي. عندئذ يتطلب الأمر تعديل التشريعات الوطنية في الدولة المصدّرة لضمان ادخال الاستثناء المتصوّر فيها. النقطة الفاصلة في هذا الحل المقترح هو عما سيكون "استثناء الدوحة" منسجما مع الشروط التي تنص عليها المادة 30. أوحى تفسير لهذه المادة تقدمت به هيئة المستشارين لحل النـزاعات (76) بأنه يجب تفسير "الاستثناءات المحدودة" تفسيرا ضيّقا. كان ذلك في سياق تبرير تدبير كندا لاستثناء العمل الباكر من قبل المنافسين المحتملين لأغراض الحصول على الموافقة التنظيمية. ويمكن التسليم بذلك بالقول ان الاستثناء، كما هو مقترح هنا، هو "محدود" بظروف معيّنة مثل ما قام الاعلان بتعريفه. ويمكن القول بأنه لا "يتعارض بشكل غير معقول" مع الاستغلال العادي لبراءة الاختراع، للتصدير بأسعار متهاودة، شرط حماية "المصالح المشروعة" لصاحب البراءة (مثلا، منع تحويل المنتج الى الأسواق الأخرى). وعلاوة على ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة للأطراف الثالثة (الذين يعانون من الأمراض في الدول النامية) ازاء مصالح صاحب البراءة. ان الظروف المختلفة جدا هنا، على النقيض من تلك التي سادت في الحالة الكندية، تعني ان قانون الحالات لمنظمة التجارة العالمية هو ذو صلة محدودة.

 

بعض الدول النامية تحبّذ بصورة خاصة الحل الوارد في المادة 30، ملاحظة بأنه يحل مشكلة المكافأة المزدوجة التي تنص عليها المادة 31 ويزيل الحاجة الى الترخيص الاجباري في الدولة المصدّرة. ومن حيث الاجراءات الادارية فهي تشعر بأنه الحل الأخف عبئا. والجدير بالملاحظة أيضا بأن المنظمات غير الحكومية النشيطة تعتبر الحل المنصوص عنه في المادة 30 هو الأفضل من بين الخيارات الأخرى.

 

الموراتوريوم او التنازل. والبديل هو اقتراح الموراتوريوم او التنازل للصادرات في "ظروف اعلان الدوحة". والمنادون بذلك الحل يحاججون بأن التنازل هو أسرع الحلول ويقولون بأنه يوفر الأمن القانوني وبنفس الوقت يتجنّب الحاجة اما الى التعديل او التفسير الرسمي لاتفاقية "تريبس". ويمكن وضع شروط التنازل مقدما لتعريف الظروف التي يمكن فيها ان تنطبق. طبعا ستنشأ حاجة الى صياغة ذلك بوضوح وبشكل غير مبهم بحيث يرضى بها جميع الأعضاء في منظمة التجارة العالمية. لم تجر المحاولة للقيام بذلك وقد يتعرّض الوضوح الى التسوية في المفاوضات حول المعايير.

 

ويتعيّن على المجلس الوزاري لمنظمة التجارة العالمية ان يوافق على المعايير التي يمكن بموجبها استثناء الأعضاء من الامتثال لشروط اتفاقية "تريبس". ولكن في حالتي الموراتوريوم والتنازل يمكن للأطراف المعنية ان تنفّذ فقط الحماية بموجب الاتفاقية اذا جرى تغيير التشريعات الوطنية لتنفيذ الاستثناء بموجب متطلّب المادة 31(و)(77). فاذا لم يجر تغيير التشريعات الوطنية يمكن لصاحب البراءة ان يرفع قضية في المحاكم الوطنية على الرغم من ان الموراتوريوم او التنازل وفقا لمنظمة التجارة العالمية ينطبق على ذلك. وعلينا ان نتذكّر بأن التنازل يتطلب مراجعة دورية من قبل المؤتمر الوزاري/المجلس العام اذا منح التنازل لمدة أكثر من عام.

 

وقد اقترح الاتحاد الاوروبي بأن التنازل (او الموراتوريوم) قد يكون ضروريا حتى يتفقوا على تعديلهم المقترح للمادة 31(و). وقد اقترحت بعض الدول النامية بأن التنازل (او الموراتوريوم) لن يشكّل حلا قابلا للدوام ومتوقعا قانونيا. وعلى النقيض من ذلك اقترحت الولايات المتحدة بأن التنازل او الموراتوريوم من شأنه ان يحقق حلا سريعا وقابلا للعمل وشفافا وقابلا للدوام وأكيدا قانونيا. ونحن نعلم بأن صناعة الادوية تدعم اقتراح على هذا المنوال.

 

غير صالح لأن تنظر فيه المحكمة. والاقتراح لتبني خيار غير صالح لأن تنظر فيه المحكمة من شأنه ان يحقق الكثير مما تنص عليه المادة 30 بأساليب مختلفة. وهو يعمل باسلوب مماثل لموقف اتفاقية "تريبس" حول استنفاد الحقوق (الفقرة السادسة من اتفاقية "تريبس"). بتفسير رسمي او تعديل للاتفاقية يقرروا بأن حل النـزاعات بموجب اتفاقية "تريبس" لن يتبع فيما يتعلق بالصادرات التي يتصورها اعلان الدوحة. ولكن، من غير الواضح تماما كيف يمكن تنفيذ هذا المقترح.

 

التصدير من قبل دولة لديها ترخيص اجباري. هناك خيار أخير ليس في متناول منظمة التجارة العالمية وهو انه يمكن للدول ذات القدرة على الهندسة العكسية والانتاج وذات الأسواق الكبيرة للأدوية المطلوبة ان تصدر تراخيص اجبارية وفقا لتشريعاتها. في هذه الحالة، يمكن عرض نسبة من المواد المصنوعة للتصدير الى الدول التي هي بحاجة اليها (على أساس ترخيص اجباري للاستيراد اذا دعت الضرورة) وذلك بأسلوب لا يخرق المادة 31(و). ويمكن أيضا منح ترخيص اجباري لتصحيح الممارسات المناهضة للمنافسة (المادة 31(ل)، وفي هذه الحالة لن تنطبق القيود على الصادرات. ولكن هذا الخيار يعتمد على كون الدولة المزوّدة لديها الأسس المشروعة لاصدار الترخيص الاجباري في المقام الأول وعلى ان لديها سوق كبيرة بما فيه الكفاية بحيث تشكّل الصادرات أقل من نصف الانتاج الاجمالي، وكذلك على استعدادها للتصدير.

 

والاختيار بين تلك الخيارات سيجري التعامل معه سياسيا ولكننا نشدد بقوة بأنه مهما يكن الحل القانوني الذي ستتبناه منظمة التجارة العالمية عليها ان تبدأ بناء على المبادىء التالية. اولا، يجب ان يكون الخيار سريعا وسهل التنفيذ وبحيث يشكّل حلا طويل الأمد. ثانيا، يجب ان يضمن الحل بأن الأولوية هي تلبية حاجات الفقراء في الدول النامية الذين لا تتوفر لهم القدرة الانتاجية. ثالثا، يجب ان يضمن وضع شروط لتوفير للموردين المحتملين الحافز الضروري لتصدير الأدوية.

 

النواحي الاقتصادية 

 

مهما كانت الأساليب المستعملة لتحقيق الأهداف التي يضمنها اعلان الدوحة، ستحتاج الدول المتقدمة الى اجراءات وقائية لمنع تسرّب المنتج من الدولة المقصود اليها الى الأسواق الأخرى، والضمان بأن يكون الانتاج للتصدير فقط الى الدولة المعنية وليس للبيع محليا. وقد تحتاج أيضا الى اجراءات عن طريق منظمة التجارة العالمية لضمان ابلاغ جميع الاعضاء بطبيعة الصفقة باسلوب شفافي. ومهما كانت الاجراءات الوقائية التي يجري الاتفاق عليها المسألة الحرجة هي ان اقتصادات الامداد الى دولة معينة واحدة ذات سوق محدودة قد لا تكون كافية لاستقطاب موردين محتملين للمنتجات غير المحمية ببراءة. وعلاوة على ذلك اذا كانت الأسعار المعروضة بموجب الترخيص الاجباري متدنية على قدر الامكان، يجب عندئذ ان تكون هناك منافسة بين أكثر من مورد واحد عند تقديم الطلبيات، وكذلك عند الامداد الحقيقي. وللأخذ بعين الاعتبار اقتصادات اتساع السوق ودرجة المنافسة من الأهمية تجميع الأسواق الصغيرة معا على قدر الامكان.

 

والحل البديهي هو ان تقوم مجموعات من الدول ذات الحاجات المماثلة للعقاقير اللازمة ان تتعاضد معا. ويمكن للمؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية او الصندوق العالمي لمكافحة الأيدز والسل والملاريا ان تلعب دورا ضروريا في تسهيل وتمويل مشتريات الأدوية بالجملة من الشركات الصانعة للأنواع المسجلة ببراءة وللأنواع غير المحمية ببراءة.

 

هناك حاجة الى ايجاد طريقة للتوفيق بين طبيعة الحل الذي يجري تبنيه مع الهدف الا وهو توفير أدوية من النوعية المناسبة وبأقل الأسعار الممكنة. فاذا تعذّر ذلك لن يكون للحل القانوني حقيقة عملية. ولن يكون خيار الترخيص الاجباري فعالا كأداة للتفاوض.

 

تشريعات الدول النامية 

 

الطريقة الوحيدة التي يمكن فيها للدول النامية ان تستخدم حقوق الملكية الفكرية لمواجهة قضايا الصحة العامة هي تضمين نصوص تشريعاتها على المقاييس والممارسات المناسبة. وقد يتفاوت ما هو مناسب وفقا لظروف الدولة ولمستوى تنميتها. مثلا، قد ترغب الدول التي تملك قدرة جيدة على الأبحاث والتطوير، او ذات القوى المعينة، مثلا في التكنولوجيا الحية، في حيازة حماية "أقوى" من الدول التي هي مستخدمة تماما تقريبا لتكنولوجيا الدول الأخرى.

 

يجب ان لا تشعر الدول النامية بأنها مجبورة، او في الواقع يجب ان لا تجبر، على تبني مقاييس الدول المتقدمة بالنسبة لأنظمة حقوق الملكية الفكرية. فقد تغرق تحت وطأتها. فقد هبط عدد الكيانات الكيماوية الجديدة التي وافقت على استعمالها ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية الى 27 كيانا في عام 2000 بالمقارنة بحوالي 60 كيانا في عام 1985.(78) ولكن بلغ عدد براءات الاختراع التي منحت في فئة براءات الاختراع الرئيسية لتركيبات العقاقير الجديدة (424) ما يساوي 6730 في عام 2000.(79) والغالبية العظمى من براءات الاختراع لا تمنح الى المركبات الدوائية الجديدة بل تتعلق بتغايرات في عمليات الانتاج وللصيغ الجديدة او الأشكال المتبلورة او مركّبات جديدة لمنتجات معروفة ولاستعمالات جديدة لعقاقير معروفة. وفي الفترة ما بين عامي 1989-2000 كان 153 عقارا من بين 1035 موافقات جديدة على العقاقير من قبل ادارة الأغذية والعقاقير الأمريكية من أجل عقاقير تحتوي على مقومات نشيطة جديدة وتقدم تحسينا سريريا هاما. وتم تصنيف 472 عقارا آخر على انها مبتدعة باعتدال.(80)

 

يجب ان يكون الهدف من المبدأ هو ايجاد مقاييس صارمة للتسجيل ببراءة وتضييق نطاق طلبات التسجيل المسموح بها، على ان يكون الغرض من ذلك ما يلي:

 

·                   الحد من نطاق المواضيع التي يمكن تسجيلها ببراءة

 

·                   وضع مقاييس بحيث تمنح براءات الاختراع فقط لتلك البراءات التي تفي بالمتطلبات الصارمة للتسجيل ببراءة وان يكون وسع كل براءة اختراع متناسب مع اسهامه الاختراعي والافصاح بصدده

 

·                   تسهيل المنافسة وذلك بتقييد قدرة أصحاب البراءات على منع الآخرين من البناء على الاختراعات المسجلة ببراءة او التصميم حولها

 

·                   توفير اجراءات وقائية واسعة لضمان عدم استغلال حقوق براءات الاختراع بشكل غير ملائم.

 

كل ذلك من شأنه ان يساعد في الضمان بأن قواعد التسجيل ببراءة تحد على قدر الامكان نطاق التسجيل ببراءة الذي يحمي الأسواق ويستبعد المنافسة بدلا من تشجيع الأبحاث والتطوير المحلية. وعلاوة على ذلك فان مقاييس التسجيل ببراءة وممارستها المفسحة المجال لتأويلات مختلفة، مثلما نوّهنا اعلاه، من شأنها في الواقع ان تعيق الابتداع باعاقة الأبحاث من قبل الآخرين. وبما انه من غير الممكن بموجب اتفاقية "تريبس" التمييز بين مختلف حقول التكنولوجيا سنتعاطى بموضوع تطبيق تلك المبادىء بالتفصيل في الفصل السادس.

 

ولكن، في مجال الادوية بوجه الخصوص، الأحرى بالدول النامية ان تنتهز الامكانية التي تتيحها لها اتفاقية "تريبس"(81) واستثناء أساليب التشخيص والمداواة والأساليب الجراحية لعلاج البشر او الحيوانات من براءات الاختراع بالاضافة الى الاستعمالات الجديدة للمنتجات المعروفة (التي هي في جوهرها تساوي اساليب المداواة). وبما ان معظم الدول النامية ليست في وضع يمكنها من تطوير مثل تلك الأساليب لا يوجد لديها ما تكسبه من عدم استغلال تلك المرونة. طبعا، الدول النامية القليلة التي لها قدرات للأبحاث في تلك المجالات قد ترغب في الحصول على مثل تلك الحماية، ولكن من الجدير بالملاحظة ان معظم الدول النامية تستثني أيضا تلك المجالات من التسجيل ببراءة. ونحن نقترح أيضا ان تفكّر الدول النامية مليّا بخصوص تخفيف هذا الاستثناء بارخاء مفهوم البدعة وقبول طلبات التسجيل ببراءة للاستعمالات الطبية الاولى او اللاحقة للمركبات الكيماوية المعروفة مثلما حصل في عدد من الدول المتقدمة والنامية.(82) ومرة أخرى، قد تجد الدول المتقدمة بأن الحافز على الأبحاث يبرر قبول مثل تلك الطلبات للتسجيل ببراءة ولكن بالنسبة لمعظم الدول النامية ذات قدرات الأبحاث المحدودة فنحن نرى بأن التكاليف ستفوق وزنا الفوائد المستمدة منها.

 

معظم الدول النامية ولا سيما تلك التي تفتقر الى قدرات الأبحاث يجب ان تستثني تماما أساليب التشخيص والمداواة والأساليب الجراحية من تسجيلها ببراءة بما في ذلك الاستعمالات الجديدة للمنتجات المعروفة.

 

ونعالج هنا أيضا مسألتين تؤثران بصورة خاصة على قطاع الادوية وعلى انتاج العقاقير غير المحمية ببراءة.

 

استثناء بولار

 

في الولايات المتحدة أسقط قانون المنافسة على أسعار العقاقير واستعادة مدة براءة الاختراع الصادر عام 1984 قرار صدر عن المحكمة يمثّل نقطة تحوّل (روش ضد بولار، 1984) وذلك بادخال، بين أشياء أخرى، ما يعرف الآن بـ "استثناء بولار" (او "استثناء العمل الباكر"). هذا يجعل قانونيا قيام المنتج للمواد غير المحمية ببراءة استيراد وصنع وتجربة منتج مسجّل ببراءة قبل انتهاء مدة البراءة للتأكد من أنه يفي بالمتطلبات التنظيمية التي تفرضها دول معيّنة على انها ضرورية لتسويق المنتج كمنتج غير محمي ببراءة. تأكدت مشروعية منظمة التجارة العالمية لهذا الاستثناء في عام 2000 عندما جرت تسوية قضية النـزاع التي رفعها الاتحاد الاوروبي ضد كندا.(83) بالنسبة للدول النامية هذا أمر مهم ولا سيما اذا كانت حاليا ام من المحتمل ان تكون منتجة للعقاقير غير المحمية ببراءة، من أجل تأمين وصول العقاقير غير المحمية ببراءة الرخيصة الثمن الى السوق حالما تنفذ صلاحية براءة الاختراع. وحتى ان لم تكن من المحتمل ان تكون منتجة محتملة لتلك العقاقير في المستقبل المنظور فمن الحكمة ان تشمل هذا الاستثناء في تشريعاتها. مثلا، قد تحتاج الشركة الأجنبية الى القيام بتجارب من أجل الحصول على الموافقة التنظيمية. ومن بين 63 دولة نامية فحصنا تشريعاتها فقط ثمانية منها شملت بشكل محدد "استثناء بولار" مع ان البعض الآخر قد يسمحوا "للعمل الباكر" بموجب الاستثناءات العامة للحقوق المقتصرة (المشمولة بكلمات مماثلة للمادة 30 في اتفاقية "تريبس").(84)

 

يترتب على الدول النامية ان تشمل استثناء مناسبا "للعمل الباكر" لحقوق براءات الاختراع في تشريعاتها، الأمر الذي من شأنه ان يسرع في ادخال العقاقير البديلة غير المحمية ببراءة لدى انتهاء مدة صلاحية البراءة.

 

الموافقة على التسويق

 

ثمة خطوة هامة أخرى في تسويق العقار غير المحمي ببراءة وهي الحاجة الى الايفاء بالمتطلبات التنظيمية لهذه الغاية. تنص اتفاقية "تريبس" في المادة 39-3 بأنه واجب على الدول ان توفر الحماية ضد الاستعمال التجاري غير العادل للمعلومات السرية (مثلا، معلومات عن التجارب) بخصوص الكيانات الكيماوية الجديدة التي تقدمها الشركات للحصول على الموافقة لتسويق العقاقير الجديدة من الوكالة التنظيمية (مثل وكالة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة).

 

الأساس المنطقي لذلك هو "المجهود الكبير" الذي تستثمره الشركات في تجميع تلك المعلومات. وتجادل شركات الادوية بحق بأنه من غير العدل وضع منتج كلفها ربما ملايين الدولارات في التجارب السريرية وفي الاستقصاءات الأخرى في متناول الشركات المنافسة التي تتجنب الحاجة الى تكبّد مصاريف مشابهة للحصول على الموافقة على التسويق. وبالمقابل هناك من يجادل بأنه، من وجهة نظر الصحة العامة، يجب ان تكون تلك المعلومات في الميدان العام لأنها تحتوي على معلومات طبية هامة ليست متوفرة في مكان آخر وبأن للسرية المفرطة آثار غير مستحبة (مثلا، يمكن اعادة تحليل المعلومات لتفهم المفعول الجانبي للعقار الذي لا يمكن اكتشافه الا بعد تسويق العقار). وعلاوة على ذلك، من وجهة النظر الاجتماعية، فمن غير المعقول لمنافس محتمل للعقار غير المحمي ببراءة ان يكرر التجارب الباهظة الثمن اذا كان يمكن برهان فعالية  العقار المساوي الحيوي من نسخته من العقار بوثوق. يمكن ان تشكّل مقصورية المعلومات حائلا لدخول العقاقير المشابهة غير المحمية ببراءة بغض النظر ان كان العقار مسجلا ببراءة او كانت صلاحية براءاة الاختراع قد انتهت.

 

لا تقضي اتفاقية "تريبس" بفرض المقصورية على معلومات التجارب هذه، بمعنى الكلمة، بل الحماية من الاستعمال التجاري غير العادل. ولكن للاتحاد الاوروبي قواعد تمنح المقصورية لمثل تلك المعلومات لمدة تتراوح بين ست وعشر سنوات وهو يفكّر في الاتجاه نحو عشر سنوات. وهذا يعني، من بين أمور أخرى، بأنه لا يمكن للهيئات الصحية ان تعتمد على مثل تلك المعلومات للموافقة على تطبيقات أخرى من دون موافقة أصحاب المعلومات. في الولايات المتحدة، تطبق الحماية المشابهة لمدة خمس سنوات.

 

وفي ضوء ما تقدم، نرى بأنه يجب على الدول النامية ان تحمي معلومات التجارب ضد الاستعمال التجاري غير العادل من أجل حماية المصالح المشروعة لأصحاب المعلومات و "جهودهم العظيمة". ولكن اتفاقية "تريبس" تتيح حرية كبيرة في كيفية القيام بذلك.

 

يمكن للدول السماح للهيئات الصحية بأن توافق على البدائل الشبيهة غير المحمية ببراءة وذلك "بالاعتماد" على المعلومات الأصلية. ويتعيّن على الدول النامية ان تنفّذ التشريعات الخاصة بحماية المعلومات التي تسهّل دخول العقاقير المشابهة المنافسة غير المحمية ببراءة، وبنفس الوقت ان توفر الحماية المناسبة للمعلومات السرية، التي يمكن القيام بها بطرق مختلفة تنسجم مع متطلبات اتفاقية "تريبس". ويجب ان لا تسن الدول النامية تشريعات يكون أثرها احداث حقوق مقتصرة حيث لا توجد حماية لبراءات الاختراع او تمدد فترة الاحتكار الفعالة بموجب براءة الاحتكار خارج المدة الصحيحة.

 

التمديد الذي تقدم به اعلان الدوحة للدول الأقل نموا

 

أملى اعلان الدوحة (الفقرة السابعة) على "مجلس تريبس" بأن يسمح للدول الأقل نموا تأخير، إدخال الحماية لبراءات الاختراع لمنتجات الصيدلة وكذلك حماية معلومات التجارب السرية حتى عام 2016 على الأقل. ونحن نشيد بالنية الحسنة وراء هذه الفقرة ولكنها تحدث وتسلط الأضواء على عدد من المفارقات.

 

على الأقل 70% من الناس في الدول الأقل نموا هم في دول توفر حماية لبراءات اختراع الادوية، و27 من 30 دولة من الدول الأقل نموا في أفريقيا توفر تلك الحماية. هذه الدول بحاجة الى تعديل تشريعاتها لازالة الحماية التي تفرضها على الادوية من أجل الاستفادة من هذا التمديد. وقد يكون من مصلحتها القيام بذلك بالنظر الى طول مدة التمديد الممنوحة. ولكننا نفترض بأن التعديلات للتشريعات لن تكون استعادية وبأن براءات الاختراع الحالية تبقى نافذة المفعول.

 

وعلاوة على ذلك، قد تكون بعض الدول مقيّدة الايادي في تعديل قوانينها من جراء الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. مثلا تحتاج 12 دولة من الدول الأقل نموا الأعضاء في المنظمة الأفريقية للملكية الفكرية (ثلاثة منها ليست من الدول الأقل نموا) الى الاتفاق على مراجعة "معاهدة بانغوي" التي تحكم المنظمة الافريقية للملكية الفكرية. وكذلك يمكن للآخرين ان يكونوا مقيّدين باتفاقيات ثنائية لا تسمح لهم باتخاذ هذا العمل.

 

وبالنسبة للدول التي لم تنفّذ حماية الملكية الفكرية، نحن نتساءل ان كان معقولا تنفيذ نظام حماية الملكية الفكرية بكامله في عام 2006، الا لحماية الادوية. وبما ان الادوية يعود اليها نسبة هامة من جميع طلبات التسجيل ببراءة (مثلا، 50% من براءات الاختراع التي أصدرتها منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الاقليمية في عام 1994-1999 كانت تتعلق بالادوية)، (85) من الصعب تبرير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتنفيذ نظام للملكية الفكرية في تلك الدول الا للقطاعات التي لا تتعاطى بالادوية. المادة 66-1 من اتفاقية تريبس تنص بأنه يمكن لمجلس "تريبس" ان يمنح تمديدات للفترة الانتقالية للدول الأقل نموا آخذا بعين الاعتبار "حاجاتها ومتطلباتها الخاصة... وقيودها الاقتصادية والمالية والادارية وحاجتها الى المرونة في احداث قاعدة تكنولوجية قابلة للحياة. لذلك ليس منطقيا منح تمديد لقطاع ما على أساس الصحة العامة حتى تاريخ محدد في المستقبل، عندما تكون المعايير بموجب اتفاقية "تريبس" لمنح التمديدات هي واسعة أكثر من ذلك.

 

يتعيّن على تلك الدول الأقل نموا التي توفر حاليا الحماية للادوية ان تفكّر مليا في تعديل تشريعاتها للاستفادة من اعلان الدوحة. وتمشيا مع تحليلنا في أماكن أخرى، يتعيّن على مجلس "تريبس" ان يراجع الترتيبات الانتقالية للدول الأقل نموا في جميع ميادين التكنولوجيا بما فيها الترتيبات لتلك الدول المتقدمة للانضمام الى منظمة التجارة العالمية.

_________________________________________________________

(1) شنّت USTR تحقيقات (بموجب القسم 301 من قانون التجارة) في فشل الدول في توفير الحماية الكافية للملكية الفكرية الى الادوية في البرازيل (1987) والأرجنتين (1988) وتايلاند (1991). المصدر: 52 http://www.ustr.gov/html/act301.htm#301

(2) M. Ryan (1998) "ديبلوماسية المعرفة: المنافسة العالمية وسياسات الملكية الفكرية"، معهد بروكينغز، واشنطن دي سي. الصفحات 67-72. المصدر:

http://brookings.nap.edu/books/0815776535/html

(3) مراجعة الأدلة في F.M. Scherer  (2001) "نظام براءات الاختراع والابتداع في الادوية"، المجلة الدولية للحقوق الاقتصادية (نسخة خاصة، "براءات الاختراع الادوية، الابتداعات والصحة العامة") الصفحات 109-112

(4) العرض الذي قدمه السير ريتشارد سايكس امام المعهد الدولي للشؤون الدولية، لندن، 14 مارس 2002.

(5) اكسفام (2001) : "بسعر يجعل المرء عاجزا عن شرائه"، وثيقة اعلامية لاكسفام الرقم 4، اكسفام انترناشونال، اكسفورد. المصدر:

http://www.oxfam.org.uk/policy/papers/priced/priced/html

(6) منظمة الصحة العالمية (2002) "تقرير عن الأمراض المعدية 2002"، منظمة الصحة العالمية، جنيف. المصدر:

http://www.who.int/infectious-disease-report/2002/framesinto.html

(7) أطباء بلا حدود (2001) "عدم التوازن المميت: أزمة الأبحاث والتطوير في العقاقير للأمراض المهملة"، أطباء بلا حدود، بروكسل. المصدر:

http:www.msf.org/source/access/2001/fatal/fatal.pdf

(8) راجع مثلا "ملاطفة البلاء"، مجلة ذي اكونوميست، 8 يونيو/حزيران 2002. المصدر: http://www.economist.com/

(9) اللجنة المختصة بالاقتصادات الكبرى والصحة (2001) "الاقتصادات الكبرى والصحة: الاستثمار في الصحة لتحقيق التنمية الاقتصادية"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الصفحة 56. المصدر: http://www.3.who.int/whosis/menu.cfm?path=whosis.cmh&language=english;

أطباء بلا حدود (2002) "فك عقدة تنـزيلات الأسعار" دليل للأسعار لشراء مضادات استرجاع الفيروس للدول النامية"، أطباء بلا حدود، جنيف. المصدر:

http://www.who.int/medicines/organization/par/edl/access-hivdrugs.shtml

(10) بيان صحفي صادر عن منظمة الصحة العالمية (منظمة الصحة العالمية/58)، 9 يوليو/تموز 2002. المصدر:

 www.who.int/inf/en/pr-2002-58.html

(11) راجع الأمم المتحة والأيدز (2002) "تقرير عن الوباء العالمي بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز 2002"، الأمم المتحدة والأيدز، جنيف. الصفحة 151. المصدر: http://www.unaids.org/barcelona/presskit/report.html

(12) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)

(13) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 77

(14) راجع شرح الكلمات للتعريف.

(15) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحات 86-91

(16) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 79، والحاشية 203 للحصول على بحث لمختلف التقديرات.

(17) أطباء بلا حدود (2001)، الصفحة 16.

(18) موسوعة سكريبس للأبحاث والتطوير في الادوية 2000. المصدر: www.inpharm.com/intelligence/largesize/cmr020801al.gif

ولكن لاحظ بأن التقديرات متفاوتة. التقدير من هذا المصدر في عام 1998 هو 38 مليار دولار أمريكي بينما قدّره المنبر العالمي للأبحاث الصحية بمبلغ 5ر30 مليار دولار أمريكي في عام 1998. المنبر العالمي للأبحاث الصحية (2002) "التقرير 10/90 حول الأبحاث بالصحة 2001-2002"، المنبر العالمي للأبحاث الصحية، جنيف، الصفحة 107، المصدر: http://www.globalforumhealth.org/pages/index.asp

(19) P. Trouiller والآخرون (2002) "تطوير العقاقير للأمراض المهملة: سوق ضعيفة واخفاق في سياسة الصحة العامة"، مجلة ذي لانست، المجلد 359، الصفحات 2188-2194. المصدر: http://www.thelancet.com

(20) أطباء بلا حدود (2001) الصفحة 12.

(21) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2001)، "بروفيل لصناعة الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا"، الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا، واشنطن دي سي، الصفحة 16.

(22) المنبر العالمي للأبحاث الصحية، الصفحة 107.

(23) المنبر العالمي للأبحاث الصحية، الصفحة 107.

(24) أطباء بلا حدود (2001)، الصفحة 21. من غير المحتمل ان يكون قد تم انفاق أكثر من 2ر1 مليار دولار أمركي فوق مبلغ 5ر2 مليار دولار أمريكي الذي تم تسجيله للدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

(25) هذه تشمل أدوية لمشروع المالاريا، ةالاتحاد العالمي لتطوير عقار لمرض السل، والمبادرة الدولية لتطير لقاح ضد الأيدز والمبادرة المقترحة لتطوير أدوية ضد داء الليشمانية وداء المثقبيات، من بينها.

(26) J. Lanjouw و I. Cockburn (2001) "أقراص دواء جديدة للفقراء؟ أدلة تجريبية بعد غات"، مجلة التنمية العالمية، المجلد 29:2 ، الصفحات 265-289.

(27) راجع الأمم المتحدة والأيدز (2002) الصفحة 105.

(28) مبادرة لقاح ضد المالاريا هو شراكة بين القطاع العام والخاص. تجد تفسيرا لتعقّدات الأبحاث في موقع الانترنت وعنوانه:

http://www.malariavaccine.org/mal-vac2-challenge.htm. راجع أيضا A. Clark(2002)"وراثيات الشعوب: طبعة محقّقة للمالاريا"، مجلة الطبيعة 418، الصفحات 283-285. المصدر:

fs.html http://www.nature.com/cgi-taf/Dynapage.taf?file=nature/journal/v418/n6895/full/418283a

(29) M. Kremer و C. Snyder (2002)"نتائج الدخل من اللقاحات مقابل العلاج بالعقاقير"، مسودة ورقة عمل، الصفحة 3، المصدر: 

vaccines snyder.pdf  http://www.iaen.org/files.cgi/6913  

(30) يمكن للبكتير المسبب للمرض ان يبقى ساكنا وغير مكتشف في الجسم لأشهر عديدة  او سنوات.

(31) الاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد السل (2001) "اقتصاديات تطوير عقار ضد السل"، الاتحاد العالمي لتطوير عقار ضد السل، نيويورك. المصدر:  

 per.pdf  http://www.tballiance.org/pdf/rpt 

(32) تشير الصناعة ان الأمر يحتاج الى بين 10 سنوات و 15 سنة لاكتشاف وتطوير دواء جديد ناجح وثلاثة أدوية من أصل عشرة أدوية جديدة تعود بمردود جيد. ويمكن ان يكلّف كل عقار بين 500-800 مليون دولار أمريكي لتطويره. ولكن تلك الأرقام هي موضع جدل. وللاطلاع على وجهة نظر الصناعة راجع مثلا: http://www.phrma.org/publications/publications/primer01

(33) H. Kettler (2002) "استخدام الابتداع لتلبية حاجات الصحة العالمية عن طريق أنظمة الملكية الفكرية القائمة حاليا"، وثيقة بمعلومات خلفية تنشرها اللجنة 1أ، لندن، الصفحات 24-26. المصدر: http://www.iprcommission.org

(34) لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، الصفحة 85.

(35) يقال ان شركات الادوية الأجنبية مترددة في زيادة الأبحاث والتطوير بسب غياب الحماية للادوية. من ناحية أخرى هناك أدلة تشير الى زيادة الاستثمار في السنوات الأخيرة لاستغلال الباحثين المهرة الهنود. مثلا، قامت شركة أسترازينيكا مؤخرا بتأسيس مركز للأبحاث في بتغالور لاجراء أبحاث في داء السل، من ضمن أمراض أخرى. راجع مثلا،، N. Kumar "حقوق الملكية الفكرية، التكنولوجيا والتنمية الاقتصادية: خبرة الدول الآسيوية"، وثيقة بمعلومات خلفية تنشرها اللجنة 1ب، لندن، الصفحة 35، المصدر: http://www.iprcommission.org . راجع أيضا مجلة Express Pharma Pulse، 2 مايو/أيار 2002. المصدر: http://www.expresspharmapulse.com/20020502/story3.shtml

(36) المجموعة الاستشارية حول الأبحاث الزراعية الدولية، قامت بالتنسيق الأمانة العامة للبنك العالمي، المصدر: http://www.cgiar.org/

(37) راجع مثلا، اللجنة الاستشارية للأبحاث الصحية (2002) "اقتصاد المرثات والصحة العالمية"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الصفحة 138. المصدر:  report.cfm http://www3.who.int/whosis/genomics/genomics

(38) A. Attaran و L. Gillespie-White   (2001 ) "هل تحتوي براءات الاختراع الخاصة بالعقاقير المضادة لاسترجاع الفيروس تقيّد حصول العلاج ضد مرض الأيدز في أفريقيا"، JAMA ، المجلد 286:15. المصدر: http://jama.ama-assn.org/issues/v286n15/ffull/jsc10222.html

(39) A. Attaran و L. Gillespie-White   (2001 )، الصفحة 1891.

(40) راجع الأمم المتحدة والأيدز (2002)، الصفحات 189-201.

(41) بيان صحفي لـ IFPMA، جنيف، 20 ديسمبر/كانون الأول 2001. المصدر:

 www.ifpma.org/pdfifpma/CMH%20report-news%20release.pdf . مع ان وضع براءة الاختراع لا تشكّل اعتبارا في اختيار الأدوية للقائمة، الا ان الكلفة الاجمالية للعلاج والفعالية بالنسبة للكلفة المنفقة عليه هي معيار لشمل الدواء في القائمة وهكذا يمكن حذف بعض الأدوية المسجلة ببراءة الهامة من حيث المداواة على تلك الأسس. يمكن ايجاد المعايير في: http://www.who.int/medicines/organization/par/edl/procedures.shtml#4

(42) والى حد بعيد فان غياب براءات الاختراع يشير أيضا الى غياب الأبحاث الأخيرة على تلك الأمراض. راجع Trouiller P. مع الآخرين (2002)

(43) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2002) "العناية بالصحة في العالم النامي"، الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا، واشنطن دي سي. المصدر: http://world.phrma.org/ip.access.aids.drugs.html

(44) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2001)، الصفحة 61.

(45) مثلا شركة GSK متورطة حاليا في المحاكم في الولايات المتحدة لتوطيد صلاحية براءات الاختراع على عقارها Augmentin الذي تنتهي صلاحيته في عامي 2017 و 2018. تسعى الشركات المنتجة لعقار مماثل ولكن غير محمي ببراءة الى الدخول في السوق بعد انتهاء صلاحية الدفعة الاولى من براءات الاختراع على العقار في عام 2002. وأسقطوا مؤخرا في المحكمة العليا في لندن جزئيا براءة الاختراع على أكثر عقاقير الشركة مبيعا. راجع "GSK تتلقى ضربة من الحكم الصادر بخصوص براءة الاختراع على Paxil"، جريدة الفايننشال تايمز، 13 يوليو/تموز عام 2002. المصدر: http://www.ft.com . وللحصول على موجز للقضايا الخاصة ببراءات الاختراع في صناعة الادوية المرجو مراجعة "قطاع الادوية يخسر حده الدفاعي"، مجلة انفستورز كرونيكل، 19 يونيو/حزيران عام 2002. المصدر: http://investorschronicle.ft.com/IC/home

(46) D. Reiffen و M. Ward (2002) "ديناميات صناعات العقاقير غير المحمية ببراءة"، ورقة عمل للجنة الأمريكية للتجارة الفدرالية 248. المصدر: http://www.ftc.gov/be/workpapers/industrydynamicsreiffenwp.pdf

(47) N. Kumar (2002)، الصفحة 28.

(48) F.M. Scherer و J. Watal (2001): "الخيارات ما بعد اتفاقية تريبس للحصول على الأدوية المسجّلة ببراءة في الدول النامية"، وثيقة معلومات خلفية تنشرها لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة، الصفحة 45. المصدر: http://www.icrier.res.in/pdf/schrerwatal62.PDF

(49) F.M. Scherer و J. Watal (2001)، الصفحة 45.

(50) أطباء بلا حدود (2002)، الصفحة 6.

(51) C. Fink (2000) "كيف يمكن لحماية براءات الاختراع الوطنية في الهند ان تؤثر على سلوك صناعات الادوية المتجاوزة الجنسيات"، ورقة أبحاث للسياسة صادرة عن البنك العالمي رقم 2352و البنك العالمي، واشنطن دي سي. المصدر:

http;//wbln0018.worldbank.org/research/workpapers.nsf/0/5d9b67dfa0777405852568e80065f3c4/$FILE/wps2352.pdf؛ و J. Watal (2000) "براءات الاختراع لالادوية، الأسعار وخسائر الانعاش: دراسة محاكاة لخيارات السياسة في الهند بموجب اتفاقية تريبس لمنظمة التجارة العالمية"، الاقتصاد العالمي، المجلد، 23:5، الصفحات 733-752.

(52) "القارة في أزمة"، تقرير لشركة ماكينزي وشركاؤه حول زيادة حرية الحصول على مضادات استرجاع الفيروس في اوغندا، 2000. المصدر: http://www.mckinsey.com/firm/people/feature/uganda/main/index.asp

(53) اوكسفام، اكسفورد، المصدر: http://www.oxfam.org.uk/policy/papers/26generic/26generic.html

(54) J-R. Borrell و J. Watal (2002) "تأثير براءات الاختراع على الحصول على عقاقير ضد فيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز في الدول النامية"، ورقة عمل صادرة عن مركز التنمية الدولية الرقم 92، مركز التنمية الدولية، جامعة هارفارد، كيمبريدج، ماساتشوسيتس، الصفحة 5. المصدر: http:www2.cid.Harvard.edu/cidwp/092.pdf

(55) راجع F.M. Scherer (2001)، الصفحات 116-118 للحصول على نظرة الى خبرة كندا وايطاليا.

(56) في كندا تم توجيه 1ر16% من مجموع الأبحاث والتطوير في عام 2001 نحو الأبحاث الأساسية و1ر44% للتجارب السريرية و 9ر7% لتحسين العمليات الصناعية و 9ر7% للدراسات السابقة للتجارب السريرية و 24% للتقديمات الخاصة بالأنظمة المترتبة على العقاقير وعلى دراسات الجهوزية الحيوية وعلى المرحلة الرابعة من التجارب السريرية. مجلس مراجعة أسعار الأدوية المسجلة ببراءة (2002) "التقرير السنوي 2001"، PMPRB ، اوتاوا، الصفحة 28. المصدر: http://www.pmprb-cepmb.gc.ca/english/06 e/06ann01 e.htm

(57) J. Trachtenberg و M. Sande (2002) "نشوء المقاومة لمضادات Nonnucleoside Teverse Transcriptase : تحذير وتحدي"، JAMA 288:2، الصفحات 239-241. المصدر: http://jama.ama-assn.org/issues/v288n2/ffull/jed20035.html

(58) راجع مثلا، "بلاء الهند": قد تساعد العقاقير الرخيصة الثمن الملايين من المصابين بمرض الأيدز – ما هو العدد الذين ستضرهم؟" مجلة ذي نيويوركر، 17 ديسمبر/كانون الأول 2001. المصدر: http://www.newyorker.com/

(59) الأبحاث في الادوية والشركات المنتجة في أمريكا (2002).

(60) راجع مثلا، تقرير مؤتمر حرية حصول دول شرق أفريقيا على الأدوية اللازمة "تحسين حرية الحصول على الأدوية اللازمة في دول شرق أفريقيا: براءات الاختراع والأسعار في الاقتصاد العالمي"، قام بتنظيمه أطباء بلا حدود والمنظمة الدولية للعمل بخصوص الصحة، نايروبي، 15-16 يونيو/حزيران 2000. المصدر: http:www.haiweb.org/mtgs/nairobi200006.html

(61) راجع البيان الصحفي الصادر عن منظمة الصحة العالمية الرقم 19، 20 مارس/آذار 2002 والرقم 28 الصادر في 22 أبريل/نيسان 2002. المصدر: http@//www.who.int/inf/en/index-pr-20002.html

(62) عرض قدمه Sisule Musungu في الدورة الخاصة بالأدوية، مؤتمر اللجنة، لندن، 21-22 فبراير/شباط عام 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(63) راجع شرح الكلمات للاطلاع على تعريف العبارات في هذه الجملة.

(64) راجع البحث في حماية معلومات التجارب أدناه للحصول على تفسير لذلك.

(65) الناحية النظرية من ذلك هي أكثر تعقيدا مما أشرنا اليه لأنها تعتمد على مرونة الطلب النسبي. هناك بحث جيد في Scherer و Watal (2001)، الصفحات 45-49.

(66) تم توثيقها بعناية للعقاقير الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية/الأيدز لدى أطباء بلا حدود (2002)، الصفحات 11-15.

(67) K. Maskus (2002) "حقوق الملكية الفكرية في الاقتصاد العالمي"، معهد الاقتصادات الدولية، واشنطن دي سي، الصفحة 210.

(68) Scherer و Watal (2001)، الصفحة 28.

(69) أبلغتنا HHS: "يمكن للولايات المتحدة ان تحصل على مواد من دون الحصول اولا على ترخيص، طالما هي تدفع "تعويض معقول وكامل". لم تكن هناك حاجة تدعو الوزير لممارسة هذه الصلاحية. تمكن الأمين العام من التفاوض على اتفاقية تاريخية مع شركة باير ضمنت انتاجا غير مسبوق للعقار "سيبرو". وأثناء المفاوضات مع شركة باير قال الوزير بوضوح انه اذا كان بحاجة الى تصريح للحصول على عقاقير مماثلة غير محمية ببراءة فهو سيطلبه من الكونغرس. والاستعداد للعمل مع الكونغرس على مسألة بتلك الأهمية ليس هو ذاته "تهديد الشركة". تصرّف الوزير تصرفا حسنا وبتأني في موضوع براءة الاختراع للعقار "سيبرو" التي تحمله شركة باير.." افادة شخصية من الدكتور ستيوارت نايتنجيل من HHS ، 10 فبراير/شباط 2002.

(70) الأمم المتحة والأيدز (2002)، الصفحة 145.

(71) عرض تقدم به كريستوفر غاريسون، المستشار القانون لأطباء بلا حدود، مؤتمر سي بي تك و اكسفام و اتش ، "تنفيذ اعلان الدوحة على اتفاقية تريبس والصحة العامة: المساعدات الفنية – كيفية تقديمها صحيحا"، جنيف، 28 مارس/آذار 2002.

(72) القسم 55(1) من القانون المترتب على براءات الاختراع. المصدر: http://www.piperpat.co.nz/patlaw/crown.html#s55

(73) يعتمد ذلك بقوة على A. Engelberg  (2002) "تنفيذ اعلان الدوحة – استراتيجية محتملة للتعامل مع الحواجز القانونية والاقتصادية امام الأدوية التي يمكن تحمّل كلفتها". المصدر: http://www.cptech.org/ip/health/pc/engelberg.html

(74) يشتمل ذلك على الاستعمال الحكومي غير التجاري المنصوص عليه في المادة 31 من اتفاقية تريبس مع الترخيصات الاجبارية الأخرى.

(75) وجهات نظر الدول/المجموعات الواردة هنا في باقي القسم هذا هي مستمدة من ملاحظة الأمانة العامة لمنظمة التجارة العالمية، 11 يوليو/تموز 2002، تلخص البيانات والأوراق التي تقدم بها الأعضاء (وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/363 ). المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/C/W363.doc

(76) "كندا – حماية براءات اختراع الادوية"، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم WT/DS114/R  . المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/WT/DS/114R.DOC

(77) بالنسبة للموراتوريوم، لا يمكن لعضو آخر ان يرفع قضية ضد العضو الذي يستفيد منها، ولكن يمكن لصاحب براءة الاختراع ان يطلب من محكمة وطنية ان تطبق الالتزام المنصوص عنه في الاتفاقية والذي يترتب على العضو ان يلتزم به (بعكس الوضع بالنسبة للتنازل حيث يجري تعليق الالتزام نفسه).

(78) "الملحمة مستمرة: رسم مسار نحو فارما 2010"، عرض قدمه سايمون هيوز، شركة بي دبليو سي للاستشارات، في اجتماع اليورو DIA، برشلونة، مارس/آذار 2001. المصدر: http://www.pwcconsulting.com/us/pwccons.nsf/viewwebpages/PharmalandTIndustry#Odyssey

(79) موقع الانترنت الخاص ب USPTO. المصدر: www.uspto.gov

(80) NIHCM (2002) "تغيير أنماط الابتداع في الادوية"، NIHCM ، واشنطن دي سي. المصدر:

http://www.nihcm.org/innovations.pdf

(81) مقالة تريبس 273 (أ). المصدر: http://www.wto.org/english/tratop e/trips e/t agm0 e.htm

(82) مثل هذه المطالبات للنوع الأول او الاضافي مقبولة في الاتحاد الاوروبي وفي عدد من الدول النامية بما فيها منظمة الملكية الصناعية الأفريقية الاقليمية والمنظمة الافريقية للملكية الفكرية. راجع مثلا براءة الاختراع لمنظمة الملكية الصناعية الافريقية الاقليمية رقم AP868  وبراءة الاختراع للمنظمة الافريقية للملكية الفكرية رقم OA09495 .

(83) "كندا – حماية براءات اختراع الادوية"، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم WT/DS114/R  . المصدر:

http://docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/WT/DS/114R.DOC

(84) P. Thorpe (2002) "تنفيذ اتفاقية تريبس من قبل الدول النامية"، وثيقة بمعلومات خلفية صادرة عن اللجنة 7، لندن، الصفحة 20. المصدر:

http://www.iprcommission.org

(85) P. Thorpe (2002) الصفحة 8.


 

الفصل الثالث

 

الزراعة والموارد الجينية

 

المقدمة

 

الخلفية

 

لا يمكن المبالغة او المغالاة بأهمية القطاع الزراعي في الدول النامية كمصدر للطعام وللدخل وللعمل وايضا كمصدر للعملة الأجنبية. ومثله مثل الصحة العامة فان القطاع الزراعي المنتج والقابل للدوام والاستمرار هو قطاع هام وحرج لتحقيق النمو الاقتصادي وتخفيض الفقر. حوالي ثلاثة أرباع الفقراء في العالم يعيشون في المناطق الريفية ويعملون فيها.(1) وعدا دوره المباشر في تأمين الدخل والعمل فان دور الزراعة، ولا سيما التغيير التكنولوجي في الزراعة، في حث النمو الاقتصادي العام قد تمت مناقشته والبحث فيه من قبل علماء الاقتصاد وصانعي السياسة. وهكذا فان زيادة الانتاجية في قطاع الزراعة من شأنه ان يزيد مباشرة الدخل ومستويات العمل لغالبية الفقراء الذين يعتمدون لمعيشتهم على الزراعة. كما يمكن لهذا القطاع ان يخفف أسعار الطعام (نسبيا او بصورة تامة) للفقراء في كل من القطاع الريفي والمديني على حد سواء.

 

وتاريخيا، كانت الزراعة تبدو، احيانا بشكل يثير الجدل، على أنها مصدر للطعام واليد العاملة والتمويل لقطاع مديني وصناعي متنامي يعتمد عليه هذا القطاع لنمو الدخل القابل للديمومة. وتحقيق تلك النقلة يعتمد عادة على تحقيق زيادات في الانتاجية ان كان لنا ان نتجنّب الزيادة في الأسعار ونتفادى خنق كل من النمو الصناعي وتخفيض الفقر. وفي الدول المتقدمة تعتبر التغييرات في التكنولوجيا والمؤسسات في القطاع الزراعي على انها كانت ذات أثر مفيد في الثورة الصناعية.

 

وفي الدول النامية حدث التقدم الفني عبر عملية من الاختبارات على أرض الواقع في المزارع وعن طريق اختيار وتكييف السلالات الأرضية (2) التقليدية من المحاصيل. وفيما بعد تمت الاضافة الى تلك المحاصيل تربية مقصودة لأنواع جديدة من المحاصيل، بصورة رئيسية عن طريق تهجين أنواع ذات خصائص مرغوب فيها. جرت عملية الأبحاث هذه الى حد بعيد في القطاع العام من قبل معاهد الأبحاث الوطنية تدعمها شبكة من معاهد الأبحاث الدولية، في الثلاثين سنة الماضية وذلك تحت مظلة المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية (CGIAR) . يعود الفضل الى تلك الشبكة في قيادة "الثورة الخضراء" في الستينات من القرن الماضي، بناء مبدئيا على أنواع شبه قزمية عالية الانتاج من الأرز والقمح. وعلى الرغم من الانتقادات لتأثيرها البيئي والتوزيعي، هناك الكثير ممن ينسبون الفضل الى هذه التكنولوجيا لتأثيرها الحسن على التغذية والعمل والدخل، على الرغم من ان ذلك يحدث بصورة رئيسية في مناطق من الدول النامية لديها مياه كافية للري او مياه مضمونة نوعا ما للري. وهكذا جرى فيما بعد بذل جهود اضافية في مجال تربية محاصيل جديدة، ولكن بنجاح أقل، لتمديد تلك التكنولوجيا الى محاصيل جديدة والى مناطق ممطرة وجافة.

 

ومؤخرا، حدثت تغييرات هامة في كل من التكنولوجيا وفي بنية الأبحاث الزراعية. أولا، ان قدوم التكنولوجيا الاحيائية، ولا سيما الهندسة الجينية، في السنوات العشرين الماضية قد وسّع امكانية ما يمكن تحقيقه في الأبحاث الزراعية (مثلا، استحداث خصائص جينية جديدة للنباتات). ثانيا، مع ان الاستثمار العام في الأبحاث، عن طريق المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية (CGIAR)، قد نزع الى الركود في السنوات الأخيرة، فقد ارتفع الاستثمار من قبل القطاع الخاص باطراد.(3) قوى السوق هي التي توجّه على نحو متزايد اتجاه وغرض الانفاق الاضافي على الأبحاث.

 

حقوق الملكية الفكرية في الزراعة 

 

تاريخيا، كان يجري تطبيق أنظمة الملكية الفكرية بصورة رئيسية على الاختراعات الميكانيكية من نوع او من آخر او على الابتكارات الفنية. اعطاء حقوق الملكية الفكرية لأشياء حية هو أمر حديث العهد نسبيا في الدول المتقدمة. أصبحت النباتات المتوالدة بمساعدات على النموّ قابلة للتسجيل ببراءة في الولايات المتحدة في الثلاثينات من القرن الماضي فقط. وحماية أنواع النباتات (او حقوق مربيّ النباتات) وهو شكل جديد من أشكال الملكية الفكرية أصبحت فقط واسعة الانتشار في النصف الثاني من القرن العشرين. وهكذا فان أنظمة حماية النباتات مستمدة من البنية الاقتصادية والظروف الزراعية التي كانت سائدة في الدول المتقدمة في ذلك الزمن.  ونشوء مثل تلك الأنظمة عكس الاهتمام المتنامي للمربين الخصوصيين في حماية الملكية الفكرية. وتقليديا قام المزارعون باعادة زراعة البذور من محصول العام السابق او تبادلوه مع الآخرين او باعوه مما يعني انه يصعب على المربين التعويض عن الاستثمارات التي يضعوها في أنواع محسّنة من البذور عن طريق مبيعات متكررة. وبراءات الاختراع او حقوق مربّي النباتات تفرض عادة قيودا على قدرة المزارعين على بيع البذور (وفي بعض الأحيان على اعادة استعمالها) وبذلك تعزيز السوق لبذور المربين. وحتى في الدول المتقدمة تبقى اعادة استعمال البذور أمرا شائعا مع انه بالنسبة للعديد من المحاصيل أصبح ذلك الآن هو القاعدة. وفي معظم الدول النامية تستعمل غالبية المزارعين البذور من جديد او يتبادلوها او يبيعوها بشكل غير رسمي الى جيرانهم وشراء البذور الجديدة سنويا هو أمر نادر نسبيا في معظم البلدان.

 

وبتبني اتفاقية "تريبس" اضطرت الدول النامية الى تبني الحماية لأنواع النباتات وذلك عن طريق براءات الاختراع او بأساليب أخرى من دون أخذ أي اعتبار جدّي عما اذا كانت مثل تلك الحماية مفيدة لكل من المنتجين والمستهلكين او الالتفات الى أثرها المحتمل على سلامة الطعام. وكما هو الحال بالنسبة للأدوية، تنطوي المسألة الحرجة على ما اذا وكيف يمكن لحماية الملكية الفكرية ان تشجّع الأبحاث والابتداع ذات الصلة بحاجات الدول النامية والفقراء. وعلينا ان نسأل أيضا كيف تؤثر حماية الملكية الفكرية على كلفة البذور وحرية حصول المزارعين عليها وعلى أشياء أخرى هم بحاجة اليها.

 

واذا كان الهدف من حماية انواع النباتات هو توفير الحوافز للمربين فمن الأسئلة التي تخطر على البال هو كيف يمكن الاعتراف بمساهمة المزارعين في صون وتطوير المصادر الجينية للنباتات والمحافظة عليها. والى حين ادخال برامج تربية النباتات رسميا، كانت التحسينات النوعية والثقافية تعتمد على عملية اختيار وتجربة من قبل المزارعين. استخدمت برامج التربية الرسمية تلك المنوعات وتلك المعرفة لتطوير منوعات محسّنة من النباتات التي تتميّز بانتاج عالي او بميزات مستحبة أخرى. والسؤال الذي يطرح علينا هو كيف يمكن اما حماية او مكافأة مساهمة المزارعين هذه في الصون والابتداع. وفي البناء على مبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD) التي نبحث فيها في الفصل التالي، تسعى المعاهدة الدولية الجديدة حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة (ITPGRFA) الى تأسيس مبادىء لتسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات وتأسيس آليات عادلة ومنصفة لتقاسم الفوائد.

 

وفي هذا الفصل نعالج الأسئلة التالية:

 

·                   هل يمكن لحماية الملكية الفكرية بشأن النباتات والموارد الجينية ان تساعد في توليد التكنولوجيات التي يحتاج اليها المزارعون في الدول النامية؟

·                   وهل يمكن لحماية الملكية الفكرية ان تؤثر على حصول المزارعين على التكنولوجيات التي هم بحاجة اليها؟

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساهم في مبادىء الحصول على الموارد وفوائد التقاسم الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي والمعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؟

 

النباتات وحماية الملكية الفكرية

المقدمة

بموجب اتفاقية "تريبس"، يمكن للدول ان تستثني من التسجيل ببراءة النباتات والحيوانات وفي الواقع العمليات البيولوجية لانتاجها، ما عدا الصغيرة جداً. ويتعيّن عليهم ان يطبقوا نوعا من الحماية اما عن طريق التسجيل ببراءة او نظام ضريبي sui generis لأنواع النباتات.

هناك صعوبات قانونية عديدة حول التعريفات الناجمة عن تعابير اتفاقية "تريبس"، مثل المعنى الدقيق لنوع من أنواع النباتات، أي ان كان "كائنا صغيراً جداً" او في الواقع عملية بيولوجية. ولكن من المهم الاشارة هنا الى ان اتفاقية "تريبس" لا تذكر هل يجب تسجيل الجينات ببراءة ام لا، ان كانت مستمدة من النباتات او البشر او الحيوانات. والمسألة التي تطرحها اتفاقية "تريبس" هي ما هو الذي يشكّل اختراعا بالنسبة للمادة الجينية. مثلا، هل يمكن التسجيل ببراءة مادة جينية موجودة في الطبيعة على أساس ان عزلها وتطهيرها يميّزها عن اكتشاف غير قابل للتسجيل ببراءة؟ هذا أمر يعود الى التشريعات الوطنية. المتطلّب المحدد الوحيد، ما عدا الكائنات الصغيراً جداً ، هو حماية منوّعات النباتات.

 

بعض الناس يعترضون تماما على التسجيل ببراءة الأشكال الحية على أسس أخلاقية، اذ هم يعتبرون الملكية الخاصة لمواد موجودة في الطبيعة هو أمر خاطىء وضار بالقيم الثقافية في أماكن مختلفة من العالم. وتسلسل الجينوم البشري يبعث أيضا اهتمامات محددة. نحن نعترف بتلك الاهتمامات التي نناقشها في الفصل السادس في سياق تصميم أنظمة براءات الاختراع. ويجري البحث في المسائل الأخلاقية والقانونية في ما يتعلق بتسجيل براءة الـ "د ن أ" في التقرير الأخير الصادر عن مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية.(4) مهمتنا هنا هي دراسة النتائج العملية والاقتصادية للتسجيل ببراءة في قطاع الزراعة وكيف يؤثر ذلك على سبل معيشة الفقراء وتأثيراته على السياسة.

 

يمكن منح الحماية للملكية الفكرية فيما يتعلق بمواد النباتات بطرق عديدة:

 

·                   النموذج الأمريكي لبراءات النباتات والمتميّزة عن براءات الاختراع العادية (المنفعية)

·                   عن طريق السماح ببراءات اختراع للنباتات او لأجزاء منها، مثل الخلايا

·                   عن طريق التسجيل ببراءة انواع النباتات مثلما هي الممارسة في الولايات المتحدة وفي عدد قليل من البلدان الأخرى (مثلا، في غير الاتحاد الاوروبي)

·                   عن طريق تطبيق شكل ضريبي sui generis من حماية أنواع النباتات، مثل حقوق مربّي النباتات (مثل ما هو الحال في الاتحاد الاوروبي او الولايات المتحدة) او شكليات أخرى

·                   عن طريق السماح ببراءات اختراع على تسلسلات الـ "د ن أ" وبنيات الجينات بما في ذلك الجينة والنباتات المتحوّلة بتلك البنيات وبذور ونتاج تلك النباتات.

وبالاضافة الى ذلك تستعمل براءات الاختراع بشكل واسع لحماية التكنولوجيات المستخدمة في الأبحاث على جينومات النباتات.(5)

 

وما عدا استخدام براءات الاختراع وحماية تنوّع النباتات يمكن حيازة الملكية الفكرية في النباتات بأساليب تكنولوجية. مثلا، المحاصيل مثل الشعير الهجيني (6) التجاري لا يمكن اعادة استعمالها حتى نحتفظ بالنتاج الهجيني وبقوته. ان تلك الميزة في بعض الهجينيات تمنح شكلا طبيعيا من الحماية عن طريق تكرار بيع البذور, ومقابل ذلك، يمكن اعادة زراعة أنواع أخرى من منوّعات البذور كل سنة من دون انهيار في النتاج، ليتمكن المزارعون من اعادة زراعة بذورهم من دون الحاجة الى اعادة شراء البذور. منوّعات "الثورة الخضراء" كانت من تلك الطبيعة ولهذا السبب حققت ذلك القدر من النجاح. مؤخرا فقط جرى تطوير منوعات هجينية من الأرز ومن ثم القمح. "تكنولوجيات تقييد الاستعمال الجيني" هي عبارة تستعمل لوصف أشكال مختلفة من التحكم بعمل الجينات في النباتات. وما يسمى بتكنولوجيا "الانتهاء" التي تجعل البذور عقيمة بحيث لا يمكن في الواقع زراعة محصول ثان (7)، هي تكنولوجيا معروفة جيدا ولكن هناك ميزات أخرى يمكن التحكم فيها اما لأساب الهندسة الزراعية او لأسباب تجارية. وتأثير الحماية التكنولوجية شبيه بحماية الملكية الفكرية ولكنه ربما أرخص ثمنا وبكل تأكيد أكثر فعالية من حيث أنه ذاتي التطبيق.

 

الأبحاث والتطوير

 

وعند مقارنتها بالأبحاث الطبيه هناك قدر أكبر من الأبحاث والتطوير في القطاع الزراعي تقوم به الدول النامية وله صلة مباشرة بها. مثلا، يقدّر بأنه في عام 1995 بلغ الانفاق الاجمالي من قبل القطاع العام على الأبحاث الزراعية في الدول النامية، مع انه غير متساوي التوزيع، مبلغا قدره 5ر11 مليار دولار أمريكي (بأسعار الدولار الدولية التي كانت سائدة في عام 1993) بالمقارنة بمبلغ قيمته 2ر10 مليار دولار أمريكي تم انفاقه في الدول المتقدمة. (8) جرت غالبية الأبحاث في الدول النامية الأكثر تقدما تكنولوجيا في آسيا وأمريكا اللاتينية. وعلاوة على ذلك، ارتفع الانفاق على الأبحاث من قبل تلك الدول بمعدل 5-7% في العام بين عامي 1976 و 1996، بينما شاهد ركودا في أفريقيا.(9) وبالمقارنة مع الانفاق على الأبحاث الخاصة في كافة أنحاء العالم بلغت قيمته 5ر11 مليار دولار أمريكي، فقط 7ر0 مليار دولار أمريكي يعود الى الدول النامية.

 

وهذا يعني انه على الصعيد العالمي حوالي ثلث الأبحاث والتطوير الزراعية تنفق في الدول النامية على النقيض الصارخ للنسبة القصوى البالغة 5% التي تنفق على الأبحاث الصحية في الدول النامية. والجدير هنا ملاحظة ثلاث نقاط وهي: أولا، الأبحاث والتطوير العالمية على الزراعة هي مجرد نصف او اكثر بقليل من تلك التي تقدر ان تصرف على الأبحاث والتطوير الصحية.(10) ثانيا، يقوم تقريبا القطاع العام بضعف الأبحاث والتطوير الزراعية التي يقوم بها القطاع الخاص. اما في المجال الطبي، فان انفاق القطاع الخاص عليه هو نسبيا أكبر من انفاق القطاع العام، مثلما رأينا. ثالثا، ونتيجة لذلك، فان الدول النامية تستفيد أكثر نسبيا من الأبحاث التي تجري في القطاع الزراعي.

 

ومع ذلك فان الاتجاهات الراهنة تثير بعض القلق. على الرغم من ان المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية تنفق فقط حوالي 340 مليون دولار أمريكي في السنة، دورها مهم استراتيجيا. مثلا، لعبت مراكز المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية دورا حاسما في "الثورة الخضراء" وتعمل الآن بمثابة الوصيّ على أكبر مجموعة في العالم من الموارد الجينية ذات الصلة بالدول النامية وهي تعتبر مصدرا هاما لتحسين المحاصيل في المستقبل. ولكن تمويل المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية، الذي تقدمه مجموعة من المانحين، قد هبط بتقدير حقيقي منذ عام 1990.(11) وهذا يهدد كل من الأبحاث والقدرة على الحفاظ ببنوك الجينات او مساعدة الدول النامية في المحافظة على مجموعتها الخاصة من الجينات. وفي الواقع شنت منظمة الأغذية والزراعة والمنظمة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية حملة لجمع المنح خصيصا لضمان الاحتفاظ كما يجب بتلك المواد الجينية في كافة أنحاء العالم.(12) هذا، وبينما التمويل من جماعة المانحين هو في ركود فان القطاع الخاص هو العنصر الديناميكي في الأبحاث والتطوير الزراعي ولكن القدر القليل من جهودها ينصب في مصلحة المزارعين الفقراء في الدول النامية.

 

تأثير حماية تنوّع النباتات 

 

نفحص في هذا القسم الأدلة التي تشير الى تأثير حماية تنوّع النباتات في الدول المتقدمة والدول النامية وما يمكن لحماية تنوّع النباتات ان تقدمه الى الدول النامية.

 

معظم الأدلة المتعلقة بتأثير براءات الاختراع او حماية تنوّع النباتات على الأبحاث يأتي من الدول المتقدمة، وحتى تلك الأدلة هي ضئيلة. قبل استحداث حماية الملكية الفكرية، كانت مبادرات القطاع الخاص في مجال تربية النباتات مركّزة على المنوّعات الهجينية، ولا سيما الذرة في الولايات المتحدة لأنه يوجد في صلب تلك المنوّعات عنصر "الحماية التكنولوجية". وأوحت دراسة جرت في الثمانينات من القرن الماضي في الولايات المتحدة بأنه لا توجد أية أدلة تشير الى أن النشاط التام في الأبحاث والتطوير قد ارتفع نتيجة لاستحداث حماية تنوّع النباتات، مع انه بدا انه كان له بعض التأثير على فول الصويا، وربما على القمح.(13) وقد نسب الى المحاصيل الأخيرة الذكر غالبية شهادات حماية تنوّع النباتات التي جرى اصدارها. وهناك أيضا أدلة تشير الى استعمال حماية تنوّع النباتات بمثابة استراتيجية لتسويق المفاضلة بين المنتجات وبأنها ساهمت في العدد الكبير من الاندماجات التي حصلت في صناعة بذور النباتات. ولكن الأدلة ليست حاسمة ولا سيما بالنظر الى الصعوبة في عزل تأثير الحماية عن التغييرات الجارية الأخرى. وحتى الآن فان الانفاق على الأبحاث في المحاصيل الهجينية كحصة من المبيعات يستمر في تجاوز الانفاق على المحاصيل غير الهجينية التي تعتبر الهدف الرئيسي لحماية تنوّع النباتات.(14) وجدت دراسة جرت مؤخرا بأن حماية تنوّع النباتات في الولايات المتحدة لم تساهم في زيادة الاستثمار في تربية القمح من قبل القطاع الخاص ولكن يمكنها ان تكون قد فعلت بالنسبة للقطاع العام. ولم تساهم أيضا في زيادة المحصول. ولكن مساحة الأرض المزروعة بالقمح من المنوّعات الخاصة ازداد ازديادا ملحوظا مما يقوي الرأي بأن تأثير حماية تنوّع النباتات هو كأداة تسويقية.(15)

 

وثمة دراسة كبيرة جرت في الدول النامية ذات الدخل المتوسط (16) وجدت القليل من الأدلة التي تشير بأن زيادة مدى المواد النباتية المتوفرة للمزارعين او زيادة الابتداع هو نتيجة لحماية تنوّع النباتات. لقد تحسّنت القدرة على الحصول على المواد الجينية الأجنبية ولكن كان استعمالها أحيانا مقيّدا، مثلا على الصادرات. وعموما كانوا يرون المزارعين التجاريين وصناعة بذور النباتات المستفيدين الرئيسيين. لم يستفد المزارعون الفقراء مباشرة من الحماية ولكن يمكن ان يتضرروا من القيود المفروضة على ادخار البذور وتبادلها في المستقبل.

 

وبموجب اتفاقية "تريبس" يمكن للدول النامية ان تختار نظاما "فعالا ضريبياً فريدا" sui generis من حماية تنوّع النباتات. والقرار الهام الذي عليها ان تتخذه هو التعرف على نظام مناسب لظروفها الزراعية والاجتماعية-الاقتصادية الخاصة بها. ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (UPOV) (راجع المربّع 1:3) هو نظام يمكن تبنيه اعتمادا على التشريعات التي تم سنها في اوروبا والولايات المتحدة. من فوائده انه يوفر انها توفر اطارا تشريعيا جاهزا ولكن من سيئاته انه جرى تصميمه على أساس أنظمة الزراعة التجارية في الدول المتقدمة. لذلك هناك قلق جرى التعبير عنه من تطبيق نموذج الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات في الدول النامية، البعض منها يطبق أي شكل من أشكال حماية تنوّع النباتات.

 

وتشمل المعايير المترتبة على منح شهادة حماية تنوّع النباتات على عتبات أوطى من المقاييس التي تتطلبها براءات الاختراع. هناك متطلبات من حيث البدعة والتميّزية، ولكن لا يوجد معيار يتساوى مع عدم البديهية (خطوة ابتداعية) او المنفعة (القابلية للتطبيق الصناعي). وهكذا فان قانون حماية تنوّع النباتات يسمح للمربين بحماية منوّعات النباتات ذات الخصائص الشبيهة، مما يعني ان النظام تدفعه الاعتبارات التجارية لمفاضلة المنتجات والآلية المخططة للزوال، بدلا من التحسينات الحقيقية في الخصائص الأغرونوميكية.(16) قد تفكّر الدول النامية برفع العتبة ولا سيما من حيث منح الحماية فقط للابتداعات الهامة او ذات الشأن التي تتميّز بخصائص معيّنة تعتبر مفيدة اجتماعيا (مثلا، من حيث زيادة المحصول او خصائص ذات قيمة غذائية). وهكذا يمكن تقوية معايير التميّزية وكذلك المعايير المصاغة لتحديد المنفعة من حيث أهداف السياسة الزراعية. وبدلا من ذلك، يمكن للدول ان تقرر الاحتفاظ بالمستويات المنخفضة لبعض الفئات من النباتات لتسهيل حصول الصناعات المحلية الناشئة لتربية النباتات على حماية تنوّع النباتات التي يمكن ان تنتج عنها فوائد تجارية وتصديرية.

 

وعلى نحو مماثل فان متطلب الاتّساق (والاستقرار) في أنظمة الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات تستثني المنوّعات المحلية التي قام بتطويرها المزارعون المتغايرة الخواص جينيا والأقل استقرارا. ولكن تلك الخصائص هي التي تجعلها أكثر تكيّفا ومناسبة للبيئات الزراعية الايكولوجية والتي يعيش فيها معظم المزارعين الفقراء. والأمر متروك للدول النامية لاستنباط أنظمة توفر الحماية لمنوّعات النباتات التي تفي بمعايير مناسبة للظروف والمحاصيل التي يعتمد عليها المزارعون الفقراء. ولكن قد يصعب استنباط مثل تلك المعايير وقد يكون تشغيل النظام غالي الثمن. وقد ترى الحكومات بأن تمديد مثل ذلك النظام لن يؤدي دورا ايجابيا في تطوير أنظمتها الزراعية.

 

والقلق الآخر يتعلق بمعيار الاتساق. اذ بينما يجادل المحبذون بأن حماية تنوّع النباتات، بحثّها على انتاج منوّعات جديدة، تزيد في الواقع التنوّع الاحيائي، يدعي الآخرون بأن متطلب الاتساق وتوثيق منوّعات شبيهة في الواقع من المحاصيل ستزيد من اتساق المحاصيل وفقدان التنوّع الاحيائي. طبعا، ان القلق يتجاوز حماية تنوّع النباتات الى حد بعيد. فالتشريعات المترتبة على بذور النباتات في عدد كبير من الدول تفرض متطلبات اتساق صارمة، وبعضها أكثر صرامة من التشريعات المترتبة على حماية التنوّع الاحيائي. وعلاوة على ذلك برز قلق مشابه بالنسبة للاتساق الأكبر الناجم عن نجاح منوّعات "الثورة الخضراء"، الأمر الذي أدى الى تعرّض أكبر للمرض والى فقدان التنوّع الاحيائي في الحقل. ولكن كلما أصبحت تربية النباتات نشاطا يمارسه على نحو متزايد القطاع الخاص وكلما بدأت المنوّعات الجديدة بالحل محل المنوّعات التقليدية على نطاق واسع، كلما برزت مسألة حرجة وهي كيف يمكن صون الموارد الجينية والمحافظة عليها للاستعمال المحتمل في المستقبل، ان كان في الحقول او في "بنوك الجينات".(18)

 

وقد تدعو الحاجة الى تمييز مقاييس الحماية بين مختلف أنواع المحاصيل. مثلا، يمكن للدول التي لديها قطاعات تجارية وتصديرية ذات شأن ان تتبنى مقاييس من نوع مقاييس الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات للمحاصيل المعنية في تلك القطاعات بغية تشجيع الابتداع والتجارة. ولكن يمكنها ان تتبنى مقاييس أخرى لمحاصيل الطعام التي يزرعها المزارعون لحماية ممارساتهم في ادخار البذور والاتجار بها وتبادلها وحماية أنظمتهم غير الرسمية في الابتداع. مثلا، في كينيا يبدو ان حقوق حماية تنوّع النباتات قد طلبتها بصورة غالبة الشركات الأجنبية التجارية المصدرة للأزهار والخضراوات لتعضيد تسويقها تجاريا وتصديرها. قد يكون ذلك مفيدا بالنسبة لصناعات التصدير والزراعة التجارية في كينيا وبصورة غير مباشرة للفقراء. حماية تنوّع النباتات قد تسهّل توفر منوّعات جديدة في كينيا (يمكن ان تحتفظ بها الشركات لأنفسها في غياب الحماية) ولكنها تبدو بأنها تلعب دورا بسيطا في الحث على الأبحاث المحلية. لا يبدو النظام بأنه ذو صلة بالقلق المباشر للمزارعين الفقراء في كينيا والمحاصيل التي يزرعونها. 

 

المربّع 1:3 الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (UPOV)

 

الاتفاقية المعترف بها دوليا بخصوص حماية تنوّع النباتات هي الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات. يعود ميثاق الاتحاد الى عام 1961 وقد جرت مراجعته ثلاث مرات منذ ذلك الحين. وما عدا جنوب أفريقيا كانت الدول النامية الاولى التي تنضم الى الاتحاد هي اليوروغواي والأرجنتين في عام 1994عندما بلغ عدد الأعضاء 26 عضوا. منذ عام 1994 انضمت الى الاتحاد 24 دولة نامية أخرى. مع ان اتفاقية "تريبس" تحدد فقط بأنه يتوجب ان يتوفر نظام ضريبي فريد sui generis ، كان الاتحاد اختيارا بديهيا اذ يوفر حلا جاهزا لتطوير مثل تلك التشريعات. وبالاضافة الى ذلك وضعوا ضغوطا على شتى الدول للانضمام الى الاتحاد بشكل اتفاقيات تجارية ثنائية (مثلا الاتفاقية التي انعقدت مؤخرا بين فييتنام والولايات المتحدة تجبر الطرفين ان يكونوا أعضاء في الاتحاد، المنتسبة اليه حاليا الولايات المتحدة).

 

الغرض من ميثاق الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات هو ضمان اعتراف الدول الأعضاء بالاتحاد بانجازات مربي المنوّعات الجديدة من النباتات وذلك بمنحهم حقوق ملكية مقتصرة، على أساس مجموعة من المبادىء المتّسقة والمحددة بوضوح.

 

وبما انه قد جرت مراجعة الاتحاد بشكل متعاقب (1978 و 1991)، فقد جرى أيضا تمديد نظاق وطول الحماية. ازدادت مدة الحماية الدنيا الى 20 عاما (25 عاما للكروم والأشجار) في نسخة عام 1991 (من 15 عاما و 20 عاما في السابق). وبعكس براءات الاختراع فان معيار الحماية لا يشمل خطوة اختراعية بكل ما في الكلمة من معنى. اذ، لتستحق الحماية يجب فقط ان تكون المنوّعات مميزة ومتّسقة ومستقرة وبدعة (من حيث الاتجار بها سابقا).

 

يسمح قانون عام 1978 للمربين باستعمال المنوّعات المحمية كمصدر للمنوّعات الجديدة، التي يمكنها فيما بعد حماية وتسويق أنفسها. قانون عام 1991 حافظ على استثناء المربين، ولكن حق المربي يمتد الى منوّعات "مستمدة أساسا" من النوع المحمي، الذي لا يمكن تسويقه من دون اذن صاحب النوع الأصلي.

 

قانون عام 1978 منح المربي صاحب الحماية فيما يتعلق بانتاج البذور للبيع، وعرضها للبيع والمتاجرة بها (المادة 5(1)) وبالتالي سمح ضمنيا  للمزارعين باعادة زرع وتبادل البذور (مع انهم لم يوضحوا هذا الحق بصريح العبارة). قانون عام 1991 يقيّد حقوق المزارعين أكثر. يمتد حق المربي الآن الى الانتاج او اعادة الانتاج بالاضافة الى تسويق المواد المتكاثرة بالتناسل او المحصودة (المادة 14 (1)). يلطّف ذلك باستثناء اختياري للمزارعين يسمح "للمزارعين  لأغراض التكاثر التناسلي، وفي أراضيهم المستأجرة، باستخدام نتاج الحصاد الذي حصلوا عليه بزراعة على أرضهم المستأجرة  النوع المحمي او (نوع مستمدّ أساسا)." (المادة 15 (2). (19)

 

 

وهكذا يجب على الدول النامية ان تفكّر في بناء تشريعاتها المترتبة على حماية تنوّع النباتات على التقدير واقعيا كيف يمكنها ان تفيد تطوّرها الزراعي وسلامة طعامها، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضا دور الزراعة في توليد الصادرات وادخال العملة الأجنبية والعمل. وبوجه خاص عليها ان تفكّر في اجراء تعديلات محتملة لنموذج الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات لكي تكيّفها لظروفها.(20) وقد سن عدد من الدول او يفكّر في سن تشريعات تشمل العناصر التي تم شرحها اعلاه. (21)

 

وثمة ناحية مهمة من أنظمة sui generis وهو نطاق الاستثناء الذي توفره للمزارعين. اذ بعكس براءة الاختراع، فان التشريعات المترتبة على حماية تنوّع النباتات تسمح عموما باستثناء، مثل ما هو الحال بالنسبة للاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات لعام 1978، التي تسمح للمزارعين باعادة استعمال البذور التي حصدوها من أراضيهم المستأجرة بدون اذن صاحب الحق في الأرض. وفي الولايات المتحدة مددوا هذا الاستثناء للسماح ببيع محدود للمحاصيل المحصودة من أجل بذورها الى المزارعين الآخرين. وفي العالم النامي وبغياب القواعد القانونية يقوم المزارعون بتبادل وبيع بذورهم بشكل غير رسمي. ومثلما سبق وقلنا هذه ممارسة لا تزال واسعة الانتشار بين المزارعين الفقراء في الدول النامية ولا تزال شائعة حتى في الدول المتقدمة. تعتبر أنظمة التبادل والبيع هذه آلية هامة يقوم بموجبها المزارعون تقليديا باختيار وتحسين منوعاتهم الخاصة من البذور وتقييد هذا الحق من شأنه ان يعيق عملية التحسين هذه. ومع ان الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات (1991) يجيز للدول السماح لمزارعيها باعادة استعمال محصولهم من أجل بذوره على أراضيهم المستأجرة، فهو لا يسمح ببيع البذور او تبادلها بشكل غير رسمي. وعلى العكس من ذلك، تسمح اتفاقية "تريبس" فقط بأن يكون هناك شكل من أشكال حماية الملكية الفكرية لمنوّعات النباتات، ولا تعرّف بأية طريقة الاستثناءات التي يمكن توفيرها لحقوق أصحاب المنوّعات المحمية.

 

وهكذا قامت الدول والمنظمات بتجربة عدد من البدائل في هذا المجال. مثلا، أنتجت منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي الآن) تشريعات نموذجية توصي الدول الأفريقية بتبنيها في تشريعاتها. تنص تلك التشريعات على الحق في ادخار واستعمال ومضاعفة ومعالجة البذور المدخرة من المزارع ولكن عدم بيعها على نطاق تجاري.(22) قامت الحكومة الهندية، التي قررت مؤخرا السعي الى الانتساب الى الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات، بدمج في تشريعاتها الخاصة حماية تنوّع النباتات (2002) المادة 39(1)(iv) التي تفيد ما يلي:

 

"يعتبر المزارع بأن من حقه ادخار واستعمال وزراعة واعادة زراعة وتبادل وتقاسم او بيع محصول مزرعته بما فيه بذور نوع محمي بموجب هذا القانون وذلك بالطريقة ذاتها التي كان يحق له فيها قبل ان يصبح هذا القانون نافذ المفعول.

 

شرط ان لا يحق للمزارع ان يبيع بذور مسجلة بماركة تجارية من نوع محمي بموجب هذا القانون."(23)

 

واستثناء المربّين بموجب حماية تنوّع النباتات يختلف أيضا عن قانون براءات الاختراع من حيث انه يمكن للمربين من دون تصريح، استخدام نوع محمي من النباتات كأساس لتربية نوع آخر (الذي هو بنفسه يمكن ان يكسب الحماية). وهكذا توفر حماية تنوّع النباتات حماية أقل من براءات الاختراع، ومثلما جادلنا بأنها لا توفر الا القليل من الحفز للأبحاث، ولكنها بالمقابل هي أقل تقييدا من حيث الابتداع اللاحق التدرجي مما هو الحال بالنسبة لبراءات الاختراع. وكذلك فان الدول النامية حرة في اختيار ما هي الاستثناءات التي تريد ان توفرها. فمن ناحية يمكن منح حماية تنوّع النباتات بمثابة شهادة عالية او ختم على البذور تعطي صاحبها الحقوق المقتصرة لبيع البذور بواسطة هذا الختم. ولكن لن تتوفر الحقوق لحماية الاستعمال او البيع اللاحق للبذور طالما انه لا يجري بيعه بموجب الشهادة. هذا الحق يكون أعلى من العلامة التجارية او شهادة البذور ولكنه لن يقيّد اعادة الاستعمال اللاحق للمواد المحصودة بأية طريقة من الطرق. يمكن لمثل هذا النظام ان يكون طريقة لتفصيل نظام حماية تنوّع النباتات على قياس حاجات المزارعين الفقراء ولكنه لا يوفر حافزا كبيرا لمربي النباتات.(24)

 

تأثير براءات الاختراع

 

براءات الاختراع على منوّعات النباتات مسموحة فقط في الولايات المتحدة واليابان واستراليا، وأكثرها في الولايات المتحدة. القانون الأمريكي الصادر عام 1930 أدخل نوعا خاصا من براءات الاختراع على النباتات وذلك للمواد المتكاثرة بمساعدات على نموّ النبات، ولكن يمكن في الولايات المتحدة أيضا منح براءات منفعية قياسية لمنوّعات النباتات. تعتبر براءة الاختراع أقوى شكل من أشكال الحماية للملكية الفكرية أي انها تسمح عادة لصاحب الحق بفرض أقوى تحكم على استعمال المادة المسجّلة ببراءة، عن طريق الحد من حقوق المزارعين في بيع او اعادة استعمال البذور التي زرعوها او الحد من حقوق المربين الآخرين للنباتات في استعمال البذور (او التكنولوجيات المتوسطة المسجلة ببراءة) للمزيد من الأبحاث وأغراض التربية. ومع ذلك، يمكن لحق براءات الاختراع ان ينص على استثناءات شبيهة بتلك الموجودة في أنظمة حماية تنوّع النباتات. مثلا، ينص التوجيه الخاص بالتكنولوجيا الاحيائية على استثناء المزارع حيث يمكن لبراءة الاختراع المسجلة على مادة جينية ان تمنع اعادة استعمالها في المزرعة، مع انه لا يسمح بالتسجيل ببراءة منوّعات النباتات. كما يحتوي على تدبير للترخيص الاجباري، شرط ان تتوفر ظروف معيّنة، حيث يمكن لاستعمال مادة من قبل المربي ان تنتهك حق البراءة.(25)

 

وفي الولايات المتحدة، فان تسجيل منوّعات النباتات ببراءة هو أمر هام لأنه، بمطالبات مناسبة في البراءة، يمكن لصاحب المنوّع النباتي المحمي ببراءة ان يمنع الآخرين من استعماله لأغراض التربية. هذا اختلاف مهم يميّز البراءة عن حماية تنوّع النباتات. والاثبات بأن منوّع جديد من النباتات يلبي المعايير المترتبة على التسجيل ببراءة هو أصعب وأغلى من الحصول على حماية لتنوّع النباتات حيث معايير الحماية منخفضة. وكثيرا ما يجري الحصول على حماية براءة الاختراع عن طريق براءة واسعة تدعي بأن الجينة او الناقلة هي وراء تحويل النبتة الخ، مما قد يغطي عدد من منوّعات المحاصيل المحتملة التي تحتوي على تلك الجينة. ولأغراض عملية يمكن ان يكون لذلك الأثر ذاته كالتسجيل ببراءة النبتة بكاملها لأن البراءة تمتد عادة الى "جميع المواد....المشمول فيها المنتج".(26)

 

هذا، ومهما كانت الحوافز التي يوفرها التسجيل ببراءة، تنـزع قوى السوق الى قيام القطاع الخاص بتوجيه أبحاثه حيث يكون هناك احتمال من مردود عالي. ولكن، بعكس الأدوية، هناك احتمال اجتذاب الشركات الى المحاصيل التي تزرع على نطاق واسع في الدول النامية. تكاليف الاستثمار هي أقل من تكاليف الأبحاث على الأدوية والأسواق المحتملة هي أكبر بالمقابل أيضا. مثلا، انتاج الأرز، حيث قيمة انتاجه في الهند وحدها تتجاوز سوق الذرة في الولايات المتحدة، كان حتى الآن محصولا بقيت تربيته حكرا على القطاع الوطني او الدولي (بصورة رئيسية المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية). اما الآن فقد أصبح القطاع الخاص يهتم على نحو متزايد بالأبحاث في الأرز. فقد عملت شركة مونسانتو وشركة سينجنتا على تسلسل جينوم الأرز في نوعين رئيسيين من الأرز. وعدد براءات الاختراع المتعلقة بالأرز والصادرة سنويا في الولايات المتحدة قد ارتفعت من أقل 100 براءة في عام 1995 الى أكثر من 600 في عام 2000.(27)

 

وحتى الآن حوالي 80% من التجارب على المحاصيل العابرة الجينات قد حدثت في الدول المتقدمة حيث تجري زراعة ثلاثة أرباع المحاصيل المعدّلة جينيا. بالطبع جرى توجيه استراتيجيات تربية النباتات التي تقوم بها الشركات المتعددة الجنسيات لتلبية حاجات أسواق العالم المتقدم والقطاعات التجارية للدول النامية ذات الدخل المتوسط (مثلا، البرازيل والأرجنتين و الصين). وتطوير الخصائص الجينية مثل القدرة على احتمال مبيدات الأعشاب قد جرى تقريره بصورة رئيسية بالبحث عن فوائد تجارية بدلا من البحث عن خصائص مفيدة للمزارعين الفقراء في الدول النامية. تقوم الشركات بتقديم منوّعات من المحاصيل المعدّلة جينيا، التي على الرغم من كونها موضع جدل في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، الا انها تعتبر ذات فائدة محتملة من قبل الدول النامية (مثلا، الجينة Bt التي تعطي مقاومة للحشرات).(28) تجري الآن زراعة القطن Bt او الذرة Bt في خمس دول نامية على الأقل ويمكن ان تهتم بذلك غيرها من الدول، اذا توصلوا الى حل الاهتمامات البيئية. مثلا، وافقت الهند مؤخرا على زراعة القطن Bt. وقد تبرعت بعض الشركات بتكنولوجيات تعني الدول النامية (مثلا، عن طريق رخص خالصة من "الجعالة" royalties)، بما فيها تلك المتعلقة بالأرز (الأرز الذهبي) والكازافا المخصبة بفبتامين أ. نشرت بعض الشركات مقالات علمية مبنية على أبحاثها الجينومية ولكنها أثارت الجدل بعدم ايداعها المعطيات الخام في بنوك المعلومات. وقد تعقّدت المفاوضات بخصوص ايداع المعطيات في بنوك المعلومات العامة من جراء رغبة الشركات في الحد من الوصول الى مكوّنات المعطيات ذات القيمة التجارية المحتملة الكبيرة.(29)

 

وهكذا هناك احتمال من ان تؤدي التكنولوجيات الزراعية التي يقوم بتطويرها القطاع الخاص الى افادة القطاعات التجارية في الدول النامية. ولكن اذا فشلت "الثورة الخضراء"، التي جرى تطويرها وتطبيقها بأموال عامة، في الوصول الى المزارعين الفقراء المقيمين في بيئات زراعية اكولوجية متغايرة تغذيها مياه المطر، يبدو انه من غير المحتمل ان تصلهم الأبحاث التكنولوجية الاحيائية. ولهذا السبب هناك حاجة الى أبحاث من قبل القطاع العام موجهة بصورة خاصة الى هؤلاء المزارعين. في عام 1998 أنفق نظام المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية 25 مليون دولار أمريكي على الأبحاث بالمقارنة مع مبلغ 1.26 مليار دولار أمريكي أنفقته شركة مونسانتو.(30)

 

وعدا مشكلة الحوافز للأبحاث ذات الصلة بالمزارعين الفقراء هناك أدلة تشير الى ان براءات الاختراع، والى حد ما حماية تنوّع النباتات، قد لعبت دورا في اندماج صناعات الادخال الزراعي والبذور العالمية. يبدو بأن هذا الاندماج مدفوع بالتغيير التكنولوجي بهدف الاندماج الرأسي والأفقي بحيث يجري رفع الاستثمار المناسب في الأبحاث الى الحد الأقصى عن طريق التحكم الأفضل بقنوات التوزيع، بما في ذلك الخاصة بالادخالات الزراعية المكملة (مثل مبيدات الأعشاب).

 

تحصل الشركات على حقوق براءات الاختراع لحماية استثمارها في الأبحاث ولمنع تعدي الآخرين عليها. ولكن للسبب نفسه، يمكن لحقوق براءات الشركات الأخرى ان تعيق أبحاث الشخص نفسه. مثلا، هناك مئات عديدة من حقوق البراءات المتداخلة لتكنولوجيا Bt وقد حصلت أربع شركات على الأقل على براءات اختراع تغطي الذرة المحوّلة بالجينة Bt.(31) ومؤخرا، رفعت شركة سينجنتا قضيتين في المحاكم الأمريكية ضد عدد من الشركات المنافسة لها تدعي انتهاك تلك الشركات لبراءات الاختراع التي تحملها لتلك التكنولوجيا، مع ان الشركات المعنية تستعمل تلك التكنولوجيات وتبيع البذور التي تحتوي على تلك التكنولوجيات منذ سنوات عديدة.(32) يمكن أيضا استعمال الترخيص المتعارض (33) او التحالفات الاستراتيجية كآليات للتغلب على مشاكل براءات الاختراع المتضاربة،(34) ولكن يمكن ان يكون الاندماج او الحيازة الاسلوب الأكثر فعالية للحصول على حرية استعمال التكنولوجيات في مجال معيّن من الأبحاث. كل تلك الطرق، وليس الأخيرة الذكر منها، من شأنها ان تخفّض المنافسة. وكذلك تشكّل الشركات الزراعية الكيماوية المتعددة الجنسيات الكبرى حائلا عملاقا امام دخول الشركات المبتدئة المبتدعة.(35) في الثمانينات من القرن الماضي عاد الى الجامعات والقطاع العام 50% من مجموع براءات الاختراع ذات العلاقة بجينة Bt الممنوحة في الولايات المتحدة. مع حلول عام 1994 كانت شركات التكنولوجيا الاحيائية المستقلة تحمل 77% من البراءات، ولكن مع حلول عام 1999 كانت الشركات الستة الكبرى (التي أصبحت خمسة باندماج الفرع الزراعي من أسترا زينيكا مع نوفارتيس ليشكلا شركة سينجنتا) تحمل 67% من تلك البراءات. وعلاوة على ذلك، يبرهن التحكم المتنامي لتلك الشركات في ان 75% من براءاتها للاختراع للجينة Bt في عام 1999 حصلت عليها بحيازتها على شركات التكنولوجيا الاحيائية وشركات البذور الصغيرة.(36)

 

وفي الدول النامية هناك اتجاهات مشابهة تتبدى في عملية سريعة للغاية من الاندماج والحيازة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات. مثلا، في البرازيل، وفي أعقاب استحداث حماية تنوّع النباتات في عام 1997(ولكن بسبب الاذن المتوقع لزراعة المحاصيل المعدّلة جينيا)، رفعت شركة مونسانتو حصتها في سوق بذور الذرة من صفر بالمائة الى 60% بين عامي 1997 و 1999. فهي اكتسبت ثلاث شركات محلية (بما فيها شركة كارغيل نتيجة لصفقة دولية)، بينما زادت شركتي داو وأغريفو (الآن شركة أفنتيس) أيضا حصتهما في السوق بالاكتساب. لم تبق الا شركة واحدة برازيلية الملكية لها حصة في السوق تبلغ نسبتها 5%.(37) يبدو ان هذا الاتجاه واسع الانتشار في الدول النامية.(38)

 

وهكذا، فان سرعة تركيز الشركات في القطاع تبعث أسئلة جدية تتعلق بالمنافسة. هناك مخاطر جمة على أمن الطعام اذا كانت أسعار التكنولوجيات أعلى مما يجب بحيث يتعذر الوصول اليها من قبل المزارعين الصغار او اذا لم يكن هناك مورد بديل من التكنولوجيات الجديدة، ولا سيما من القطاع العام. وأيضا، فان الزيادة في تركيز الشركات في هذا الحقل والمطالبات المتضاربة على براءات الاختراع قد تعيق الأبحاث، عندما تكون القطاعات العامة والخاصة قد سجّلت ببراءة تكنولوجيات النباتات. في القطاع الخاص، كانت ردة الفعل عبارة عن تحالفات او اكتسابات، ولكن المشكلة بالنسبة للقطاع العام هي كيف يمكنها الحصول على التكنولوجيات التي هي بحاجة اليها للقيام بالأبحاث من دون انتهاك حقوق الملكية الفكرية، واذا قامت بتطوير تكنولوجيات جديدة ما هي الشروط التي يمكن بموجبها ان تجعلها متوفرة. استنتجت مراجعة أخيرة نشرتها وزارة الزراعة الأمريكية بقولها انه "من غير الواضح ان كان النظام الحالي للملكية الفكرية يحث على الأبحاث او يعيقها."(39) نعود الى هذا الموضوع في الفصل السادس.

 

 

الخلاصة

 

وهكذا لدى الدول النامية ثلاثة خيارات محتملة للايفاء بواجبها في حماية منوّعات النباتات بموجب اتفاقية "تريبس". ويمكنها تبني خيار او مجموعة مما يلي:

 

·                   تشريعات على نمط الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات على أساس ميثاق 1978 او 1991 (مع انه يمكنهم الآن الانضمام فقط الى ميثاق 1991)

·                   شكل آخر من نظام sui generis ، بما في ذلك السلالات الأرضية (landraces) او بدونها

·                   براءات الاختراع او حماية تنوّع النباتات

 

تحفظاتنا بخصوص التأثير المحتمل لبراءات الاختراع تنطبق ليس فقط على براءات الاختراع لمنوّعات النباتات بل أيضا على النباتات والحيوانات عموما. لا تبدو في الوقت الحاضر أدلة تشير الى ان توفير الحماية لبراءات الاختراعات ذات العلاقة بالتكنولوجيا الاحيائية هي في الواقع لمصلحة غالبية الدول النامية التي ليس لديها الا القليل او عدمه من القدرة في تلك التكنولوجيا. وهكذا فنحن نوصي باستغلال الى الحد الأقصى الامكانيات التي توفرها اتفاقية "تريبس" واستثناء مثل تلك الاختراعات من حماية براءات الاختراع. وحتى عندما تقضي اتفاقية "تريبس" بحماية براءات الاختراع، مثلا فيما يتعلق بالكائنات الصغيرة جداً، هناك مجال للدول النامية للحد من الحماية. وفي غياب أي تعريف معترف به عالميا لما يشكّل "الكائن الصغير جداً "، تبقى الدول النامية حرة في تبني تعريف مصداقي يحد من نطاق المادة المشمولة.(40)

 

وعموما يجب ان لا توفر الدول النامية حماية براءات الاختراع للنباتات والحيوانات، مثلما هو مسموح به في المادة 27-3(ب) من اتفاقية "تريبس" بسبب القيود التي قد تضعها براءات الاختراع على استعمال البذور من قبل المزارعين والباحثين. بدلا من ذلك يتعيّن عليها النظر في أشكال مختلفة من أنظمة sui generis لمنوّعات النباتات.

 

ويتعيّن على الدول النامية ذات القدرة التكنولوجية المحدودة ان تحد من تطبيق تسجيل البراءات في التكنولوجيا الاحيائية الزراعية تمشيا مع اتفاقية "تريبس" ويجب ان تتبنى تعريفا محددا لعبارة "الكائن الصغير جداً".

 

وقد ترغب الدول، التي لديها او ترغب في تطوير صناعات ذات علاقة بالتكنولوجيا الاحيائية، في توفير أنواع معيّنة من الحماية لبراءات الاختراع في هذا المجال. واذا قامت بذلك يجب توطيد استثناءات محددة للحقوق المقتصرة بالنسبة لتربية النباتات والأبحاث. ويجب أيضا دراسة المدى الذي تمتد اليه حقوق براءات الاختراع الى نتاج الاختراع او تعدد منتجه ووضع استثناء واضح ليتمكن المزارعون من اعادة استعمال البذور.

 

ويجب للمراجعة المستمرة للمادة 27-3(ب) من اتفاقية "تريبس" ان تحافظ أيضا على حق الدول في عدم منح براءات الاختراع حول النباتات والحيوانات، بما في ذلك الجينات والنباتات والحيوانات المعدّلة جينيا، بالاضافة الى تطوير أنظمة sui generis لحماية منوّعات النباتات التي تناسب أنظمتها الزراعية. يجب لتلك الأنظمة ان تسمح بالحصول على المنوّعات المحمية للمزيد من الأبحاث والتربية وان توفر على الأقل الحق للمزارعين للادخار واعادة زراعة البذور، بما في ذلك امكانية بيعها وتبادلها بشكل غير رسمي.

 

وبالنظر الى التركيز المتنامي للشركات في صناعة البذور يجب تقوية الأبحاث في الزراعة التي يقوم بها القطاع العام وعنصره الدولي وتمويل تلك الأبحاث تمويلا أفضل مما هو عليه الآن. يجب ان يكون الغرض من ذلك ضمان توجيه الأبحاث لتلبية حاجات المزارعين الفقراء؛ وتوفر منوّعات القطاع العام لتوفير المنافسة لمنوعات القطاع الخاص؛ والمحافظة على التراث العالمي لموارد جينات النباتات. وبالاضافة الى ذلك هذا مجال يجب فيه للدول ان تفكّر في استخدام قانون المنافسة للرد على المستوى العالي من تركيز الشركات في القطاع الخاص.

 

القدرة على الحصول على المصادر الجينية للنباتات وحقوق المزارعين     

 

المقدمة

 

مثلما جرى التنويه اليه أعلاه، هناك مسألة على جانب كبير من الأهمية لمستقبل الأبحاث الزراعية، الا وهي صون الموارد الجينية المحتفظ بها في الحقول وفي المقتنيات الوطنية والدولية، بالاضافة الى ضمان قدرة وصول الباحثين اليها بموجب شروط تعترف بمساهمة المزارعين في العالم النامي في صون وتحسين وتوفير تلك الموارد.

 

المؤسسة التي أخذت على عاتقها العمل الدولي لتأمين صون واستعمال وتوفير المصادر الجينية للنباتات كانت هي "تعهّد منظمة الأغذية والزراعة حول المصادر الجينية للنباتات" (FAO Undertaking on Plant Genetic Resources) الذي جرى الاتفاق عليها في عام 1983. وفيما بعد برز مفهوم "حقوق المزارعين"(41) في المناقشات في أروقة منظمة الأغذية والزراعة حيث اعترفوا بأن هناك عدم توازن بين حقوق الملكية الفكرية المعطاة لمربي منوّعات النباتات الحديثة وحقوق المزارعين الذين كانوا مسؤولين عن امداد المصادر الجينية للنباتات التي تم استمداد تلك المنوّعات منها. والقلق الثاني كان ثبات الموقف بين جعل المصادر الجينية للنباتات متوفرة على انها تراث مشترك للانسانية وأخذ حقوق ملكية فكرية خاصة على منوّعات مستمدة منها.

 

وفي عام 1989 وافقت منظمة الأغذية والزراعة على الاعتراف بتلك الاهتمامات بشمل "حقوق المزارعين الناجمة عن مساهماتهم الماضية والحاضرة والعتيدة في صون وتحسين وتوفير المصادر الجينية للنباتات، ولا سيما تلك التي هي في صميم الأصل/التنوّع" في التعهد. (42) وقرروا تحقيق حقوق المزارعين عن طريق "صندوق دولي للمصادر الجينية للنباتات"، الذي سيقوم بتمويل النشاطات المعنية، ولا سيما في الدول النامية. وفيما بعد وافقت منظمة الأغذية والزراعة بأن "حقوق مربي النباتات، كما ينص عليها الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات...لا تتعارض مع التعهد الدولي" وهو اختيار للكلمات عكس التناقض المستمر الذي تشعر به بعض الدول النامية حول الاتساق الضمني بين "التعهد" و "الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات".(43)

 

وفي أعقاب اتفاقية ميثاق التنوّع الاحيائي في عام 1992 تمت على أساسه عملية تحوّل "التعهد" الى "الاتفاقية" (المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات)، والاتفاق عليه أخيرا في عام 2001.(44) الهدف المحدد من المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات هو تسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات التي تحتفظ بها الأطراف المتعاقدة وتلك الموجودة في المقتنيات الدولية للصالح العام، معترفة بذلك بأن تلك الموارد هي مادة خام لا يستغنى عنها لتحسين النباتات جينيا وبأن العديد من الدول تعتمد على الموارد الجينية القادمة من أماكن أخرى. يشكّل ذلك تنفيذا لمبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي ويأخذ بالاعتبار الخصائص المحددة للمصادر الجينية للنباتات. معظم المنوّعات الموجودة حاليا، ولا سيما تلك المستمدة من البرامج العامة لتربية النباتات تحتوي على مواد جينية من مصادر عديدة، كثيرا ما تكون مستمدة من مواد جينية موجودة في بنوك الجينات، وهذه نفسها قد تكون قد أتت من اصول متغايرة.

 

وتعترف المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات بمساهمة المزارعين في صون وتحسين وتوفير تلك الموارد وبأن تلك المساهمة تشكل الأساس لحقوق المزارعين. فهي لا تحد بأي شكل من الأشكال الحقوق التي قد يتمتع بها المزارعون بموجب القوانين الوطنية لادخار واستعمال وتبادل وبيع البذور التي أدخروها من مزارعهم. وهي تنص على الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات وفي استمداد فوائد عادلة ومنصفة من استعمال تلك الموارد. (راجع المربّع 2:3).

 

حقوق المزارعين

 

المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات تترك أمر تنفيذ "حقوق المزارعين" تماما للحكومات الوطنية. وهكذا فان تنفيذ "حقوق المزارعين" ليس واجبا دوليا مثل ذلك الذي تفرضه نصوص اتفاقية "تريبس".

 

والأساس المنطقي لحقوق المزارعين يجمع التوافق بين الانصاف والاقتصاد. يستفيد مربّو النباتات والعالم عموما من صون وتطوير المصادر الجينية للنباتات التي يقوم بها المزارعون ولكن لا يكافأ المزارعون لقاء القيمة الاقتصادية التي يساهمون بها. يمكن لحقوق المزارعين ان تشكّل وسيلة لتقديم الحوافز للمزارعين حتى يستمروا في تقديم خدمات صون التنوّع الاحيائي والمحافظة عليه. ومثلما جئنا على ذكره، تحتوي حماية منوّعات النباتات على نزعة ضمنية لتشجيع الاتساق وتخفيض التنوّع الاحيائي التي تشكّل فيهما ممارسات المزارعين التقليدية ثقلا موازنا أساسيا. يجب تأييد المزارعين اعترافا بالقيمة الاقتصادية التي يحافظون عليها، والتي لا يعترف بها في نظام السوق، والتي تتعرض للتهديد نوعا ما من جراء التغيير الفني وتمديد الحماية لمربي النباتات. وعلاوة على ذلك، ان تمديد حماية الملكية الفكرية لا يحمل في طياته خطر تقييد حقوق المزارعين في اعادة استعمال وتبادل وبيع البذور، أي الحد من الممارسات نفسها التي تشكّل الأساس لدورهم التقليدي في صون النباتات وتطويرها.

 

المربّع 2:3 حقوق المزارعين في المعاهدة الدولية المترتبّة على المصادر الجينية للنباتات (المادة 9)

 

9-1       تعترف الأطراف المتعاقدة  بالمساهمة الهائلة التي تقوم بها المجتمعات المحلية والأهلية والمزارعون في كافة مناطق العالم، ولا سيما اولئك الذين هم في مراكز مصدر النباتات وتنوّع النباتات، والتي ستستمر في القيام بها لصون وتطوير المصادر الجينية للنباتات التي تشكّل الأساس للطعام والانتاج الزراعي في كافة أنحاء العالم.

 

9-2       وتعترف الأطراف المتعاقدة بأن مسؤولية تحقيق حقوق المزارعين، من حيث علاقتها بالمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة، تقع على عاتق الحكومات الوطنية، وفقا لحاجاتها وأولوياتها، وأن على كل طرف متعاقد ان يتخذ التدابير، حسبما يكون مناسبا، ووفقا لتشريعاته الوطنية، لحماية وتشجيع حقوق المزارعين، بما في ذلك:

 

(أ) حماية المعرفة التقليدية ذات الصلة بالمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛

 

(ب)  الحق في المشاركة بانصاف في اقتسام الفوائد الناجمة عن استخدام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛

 

(ج) والحق في المشاركة باتخاذ القرارات، على المستوى الوطني، في أمور تتعلق بصون والاستخدام القابل للاستمرار للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة.

 

9-3       يجب ان لا يفسّر أي شيء في هذه المادة على انه يحد من أي حق من حقوق المزارعين في ادخار واستعمال وتبادل وبيع البذور المدخرة من مزارعهم/مواد التكاثر التناسلي، رهن بالقانون الوطني وحسبما يكون مناسبا.

 

 

هذا وحقوق المزارعين ليست حق ملكية فكرية ولكن يجب النظر اليها على انها ثقل متوازن هام للحقوق الممنوحة الى المربين في القطاع الرسمي بموجب حماية تنوّع النباتات او براءات الاختراع. ولكن تعريف كيفية تطبيق تلك الحقوق على المستوى الوطني هي مسألة معقدة، مثل ما سنبحث فيها في الفصل التالي في سياق ميثاق التنوّع الاحيائي. تنص المعاهدة على تأسيس آلية للتمويل تموّل من تبرعات ومن حصة عائدات البيع، مما يساعد في تنفيذ المخططات والبرامج المتفق عليها لصالح المزارعين "الذين يقومون بصون واستخدام بشكل قابل للدوام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة." (45)

 

النظام المتعدد الأطراف

 

بموجب المعاهدة اتفقت الدول على تسهيل الحصول على المصادر الجينية للنباتات من قائمة متفق عليها من المحاصيل تم ادراجها في الملحق، التي تعتبر مهمة لأمن الطعام. وبتوقيعها على المعاهدة، وافقت الحكومات على وضع تلك الموارد تحت مراقبتها المباشرة في "نظام متعدد الأطراف". وهي ستشجّع المؤسسات التي ليست تحت نفوذها للقيام بالمثل. ومن الأهمية بصورة خاصة ذلك المقتنى من المواد الجينية التي تهم الدول النامية الواقعة تحت رعاية المجموعة الاستشارية للأبحاث الزراعية الدولية. ولكن هناك طبعا العديد من المقتنيات الوطنية ذات أهمية عالمية في كل من الدول المتقدمة والنامية، بالاضافة الى مخزون التنوّع الاحيائي في حقول المزارعين.

 

وبالنسبة لحقوق الملكية الفكرية فان الجزء المحتمل ان يثير الجدل في المعاهدة هو ذلك الذي يشير الى حماية الموارد التي يتم الحصول عليها من "النظام المتعدد الأطراف". وتفيد المعاهدة التي تم الاتفاق عليها نهائيا ما يلي:

 

يجب ان لا يطالب المتلقون بالحصول على أية ملكية فكرية او أية حقوق تحد من سهولة الحصول على المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة، او أجزائها او مكوناتها الجينية، وذلك بالشكل الذي يتلقونه من "النظام المتعدد الأطراف."(46)

 

من دون شك ان تشكيل الكلمات هو حل وسط ديبلوماسي يعكس الرغبة من جانب العديد من الدول النامية في تجنّب الحد من القدرة على الحصول على تلك الموارد التي تفرضها حقوق الملكية الفكرية، ورغبة بعض الدول المتقدمة في السماح بتسجيل ببراءة مواد جينية بموجب المعايير القائمة حاليا والمطبقة قوميا. والكلمات الهامة "بالشكل الذي يتلقونه" تعني انه لا يمكن التسجيل ببراءة المواد المتلقاة في حد ذاتها، ولكنها تسمح بالتسجيل ببراءة التعديلات (كيفما يجري تعريفها) لتلك المواد.

 

وكلمات الحل الوسط تستبعد بوضوح التسجيل ببراءة البذور التي يتم الحصول عليها من بنك البذور. ولكن المدى الذي يمكن فيه التسجيل ببراءة الجينة المعزولة عن تلك المادة هي موضع جدل. وخلال المفاوضات على المعاهدة رأت بعض الدول بأنه يجب قراءة هذه المادة على انها تمنع مثل ذلك التسجيل ببراءة. ورأى الآخرون بأن الشكل المعزول من الجينة (الذي يكون قد تقررت مهمته) يختلف عن "الشكل الذي يتلقونه فيه"، وبالتالي يجب ان يكون قابلا للتسجيل ببراءة. وهكذا فان الكلمات تبرز مسألة عامة هامة حول ما هي القواعد المناسبة للتسجيل ببراءة المواد الجينية بالنسبة لكل من الدول المتقدمة والدول النامية. هذا الأمر يدور حول طبيعة الخطوة الاختراعية اللازمة للتسجيل ببراءة وطبيعة الطلبات للاستعمال الاختراعي لتلك المادة والمدى الذي يمكن فيه لتلك الطلبات ان تحد من استعمال المادة الجينية الأساس. نبحث في ذلك بالتفصيل في الفصل السادس.

 

وقد ثبّتت المعاهدة مبدأ هاما من حيث انه يجب على أي مستعمل للمادة ان يوقع اتفاقية عادية لتحويل المادة، (47) تصوغها هيئة حاكمة للمعاهدة، تشمل ظروف الحصول عليها المتفق عليها في المعاهدة (الفقرة 12-3) وتنص على تقاسم الفوائد عن طريق صندوق يؤسس بموجب المعاهدة. تلك النصوص تتجاوز الى حد بعيد نصوص ميثاق التنوّع الاحيائي اذ تقترح آلية راسخة لتقاسم الفوائد مبنية على ترتيبات متعددة بدلا من ثنائية الأطراف.

 

يتعيّن على الدول المتقدمة والدول النامية ان تسرع في عملية التصديق على المعاهدة الدولية للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة ويترتب عليها ان تنفّذ بصورة خاصة نصوص المعاهدة المتعلقة بما يلي:

 

·                   عدم منح حماية حقوق الملكية الفكرية لأية مادة يجري تحويلها في اطار النظام المتعدد الأطراف، من الشكل الذي قد جرى تلقيه فيه.

 

·                   تطبيق حقوق المزارعين على المستوى الوطني بما في ذلك (أ) حماية المعرفة التقليدية ذات الصلة بموارد النباتات التقليدية للطعام والزراعة؛ (ب) الحق في المشاركة بانصاف في تقاسم الفوائد الناجمة عن استخدام المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة؛ (ج) الحق في المشاركة في اتخاذ القرارات، على المستوى الوطني، في امور تتعلق بصون والاستعمال القابل للدوام للمصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة.

 

________________________________________________________

(1)  الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (2001) "تقرير عن الفقر في الريف 0012 - التحدي لوضع حد للفقر في الريف"، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، الصفحات 14-15. المصدر: http://www.ifad.org/poverty

(2)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(3)  راجع القسم التالي.

(4)  راجع مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (2002) "أخلاقيات التسجيل ببراءة د ن أ: ورقة للمناقشة"، مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية، لندن، الصفحات 21-23، المصدر: http://www.nuffieldbioethics.or/filelibrary/pdf/theethicsofpatentingdna.pdf

(5)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(6)  راجع شرح الكلمات للحصول على التعريف.

(7)  لم يجر تنفيذ تلك التكنولوجيا تجاريا حتى الآن.

(8)  P. Pardey و M. Beintema (2001) "سحر بطيء : الأبحاث والتطوير الزراعية بعد قرن من منديل"، المعهد الدولي للأبحاث في سياسة الطعام، واشنطن دي سي، الصفحة 10. المصدر: http://www.ifpri.cgiar.org/pubs/fps/fps36.pdf . الجدير بالملاحظة بأن هذه الأرقام مبنية على أساس التعادل في القوة الشرائية بين عملات البلدان الأخرى الذي اعتبره المؤلفان على انه انعكاس دقيق للكميات النسبية. وبالنسبة للدولار فان حصة الدولة المتقدمة هي أكبر بكثير (69% بدلا من 44%)، راجع الصفحة 5)

(9)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 4.

(10)  للحصول على معطيات ذات علاقة بالأبحاث والتطويرات الصحية ، المرجو مراجعة "لجنة الاقتصادات الكبرى والصحة (2001)، "الاقتصادات الكبرى والصحة: الاستثمار في الصحة من أجل التطوّر الاقتصادي"، منظمة الصحة العالمية، جنيف، الهامش 103، الصفحة 124. المصدر:

 report/e/report.cfm?path=cmh.cmh report&language=englishhttp://www3.who.int/whosis/cmh/cmh

(11)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 8.

(12)  خطاب ألقاه جيفري هوتين في القمة العالمية للطعام، 13 يونيو/حزيران 2002. المصدر:

id=12899 http://www.fao.org/worldfoodsummit/top/detail.asp?event

(13)L. Butler  و B. Marion (1985) تأثير حماية براءات الاختراع على صناعة البذور وتربية النباتات العامة في الولايات المتحدة"، مونوغراف مجموعة الأبحاث في أنظمة الطعام 16، جامعة وسكونسين، ماديسون.

(14)  R. Shoemaker وغيره (2001) "القضايا الاقتصادية في التكنولوجيا الاحيائية"، نشرة المعلومات الزراعية ERS الرقم 762، وزارة الزراعة الأمريكية، واشنطن دي سي، الصفحة 36

(15)  J. Alston و R. Venner (2002) "تأثير القانون الأمريكي لحماية منوّعات النباتات على تحسين جينية القمح"، ورقة للمناقشة EPTD الرقم 62، المعهد الدولي للأبحاث في سياسة الطعام. واشنطن دي سي. المصدر: http:www.grain.org/docs/eptdp62.pdf

(16)  J. Van Wijk و W. Jaffe (1995) "تأثير حقوق مربي النباتات في الدول النامية"، المعهد الأمريكي للتعاون بشؤون الزراعة، سان هوزي، وجامعة أمستردام.

(17)  D. Rangnekar (2002) "الحصول على الموارد الجينية، الاختراعات الجينية الأساس والزراعة"، وثيقة بالمعلومات الخلفية للجنة، 3أ، لندن، الصفحة 39. المصدر: http://www.iprcommission.org

(18)  N. Louwaars و G. Marrewijk (1996) "أنظمة تزويد البذور في الدول النامية"، المجلس الفني للتعاون الزراعي والريفي، جامعة واغاننغن الزراعية، واغاننغن، الصفحة 99.

(19)  الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات 1978. المصدر: http://www.upov.int/eng/convtns/1978/pdf/act1978.pdf الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات 1991. المصدر: http://www.upov.int/eng/convtns/1991/pdf/act1991.PDF

(20)  أصدر المعهد الدولي لموارد جينات النباتات وثيقة مفيدة تبحث في المسائل التي يجب ان تفكّر فيها الدول النامية عند تبني أنظمة sui generis . المعهد الدولي لموارد جينات النباتات (1999) "أسئلة رئيسية لمتخذي القرارات: حماية منوّعات النباتات بموجب اتفاقية "تريبس" لمنظمة التجارة العالمية"،

المعهد الدولي لموارد جينات النباتات، روما. المصدر: publication =41 http://www.ipgri.cgiar.org/publications/pubfile.asp?id

وهناك مقال مفصّل استمدينا معلومات منه من تأليف D. Leskien و M. Flitner (1997) وعنوانه "حقوق الملكية الفكرية والمصادر الجينية للنباتات: الخيارات لنظام sui generis "، قضايا في الموارد الجينية الرقم 6، المعهد الدولي لموارد جينات النباتات، روما.

PUB =497 http://www.ipgr.cgiar.org/publications/pubsurvey.asp?ID

(21)  راجع مثلا، موقع الانترنت لـ GRAIN . المصدر: http://www.grain.org/publications/nonupov-en.cfm

(22)  تشريعات نموذجية أفريقية بخصوص حماية حقوق المجتمعات المحلية والمزارعين ومربي النباتات والأنظمة المترتبة على الحصول على الموارد البيولوجية". منظمة الوحدة الأفريقية، 2000، المادة 26. المصدر: http://www.grain.org/publications/oau-model-law-en.cfm

(23)  "حماية منوّعات النباتات وقانون حقوق المزارعين"، حكومة الهند، 2000. المصدر: http://www.grain.org/brl/pvp-brl-en.cfm

(24)  تأتي هذه الفكرة  من Leskien و Flitner (1997).

(25) التوجيه 98/44/ئي سي للبرلمان الاوروبي وللمجلس صادر في 6 يوليو/تموز عام 1988 حول الحماية القانونية للاختراعات التكنولوجية الاحيائية، المجلة الرسمية ل 213، 30 يوليو/تموز 1998، الصفحات 13-21، (المقالات 11 و 12)، المصدر:

http://europa.eu.int/smartapi/cgi/sga doc?smartapi!celexapi!prod!CELEXnumdoc&lg=EN&numdoc=31998L0044&model=guichett

جرى تنفيذ تلك التدابير في المملكة المتحدة في عام 2002. راجع: http://www.patent.gov.uk/about/ippd/notices/buitech.htm

(26)  راجع التوجيه 98/44/ئي سي، المادة 9 (والمادة 8 أيضا).

(27)  J. Barton و P. Berger (2001) ّتسجيل الزراعة ببراءةّ، قضايا في العلوم والتكنولوجيا، صيف عام 2001، الصفحة 4. المصدر:

www.nap.edu/issues/17.4/p barton.htm

(28)  حرى البحث في الفوائد والأخطار المحتملة من المحاصيل المعدّلة جينيا للدول النامية في مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية (1999) "المحاصيل المعدّلة جينيا: القضايا الأخلاقية والاجتماعية"، مجلس نافيلد للأخلاقيات الاحيائية، لندن، الفصل 4. المصدر: http://www.nuffieldbioethics.org/filelibrary/pdf/gmcrop.pdf

(29)  راجع مثلا D. Normile (2002) "توافق سنحنتا على التخلي الأوسع"، مجلة العلوم، المجلد 296، الصفحات 1785-1787. المصدر:

http://www.sciencemag.org/cgi/content/full/296/5574/1785b?ijkey=pUrgaGgEb0z7.&keytype=ref&siteid=sci

(30)  P. Pardey و M. Beintema (2001)، الصفحة 19.

(31)  J. Barton و P. Berger (2001) الصفحة 4

(32)  المصدر: id=234  http://www.syngenta.com/en/media/printer.asp?article

(33)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(34)  راجع مثلا اتفاقيتين تم الاعلان عنهما مؤخرا في 2/3 أبريل/نيسان عام 2002 بين مونسانتو و دو بون، وبين مونسانتو وسيريس. المصدر:

http://www.monsanto.com/monsanto/media/02/default.htm

(35)  كانت الشركات الستة الكبرى ما يلي؛ أسترازينيكا، أفينتيس، داو، دو بون، مونسانتو ونوفارتيس التي أصبحت في عام 2000 خمسة عند اندماج الفروع الزراعية لشركة نوفارتيس و أسترا زينيكا.

(36)  De Janvry, G. Graff, E. Sadoulet, D. Zilberman (2000) "التغيير التكنولوجي في الزراعة وفي تخفيض الفقر"، جامعة كاليفورنيا، باركلي، ورقة مفاهيم لـ WDR بخصوص الفقر والتنمية 2000/20001. الصفحات 6-7. المصدر:

http://www.worldbank.org/poverty/wdrpoverty/background/dejanvry.pdf

(37)  J. Wilkinson و P. Castelli (2000) "تدويل صناعة البذور البرازيلية: التكنولوجيا الاحيائية وبراءات الاختراع والتنوّع الاحيائي"، أكشون ايد البرازيل، ريو دي جانيرو، الصفحة 49. المصدر: http://www.actionaid.org.br/e/pdf/seed.pdf

(38)  D. Byerlee و K. Fischer (2001) "الحصول على العلوم الحديثة: السياسات والخيارات للتكنولوجيا الاحيائية الزراعية في الدول النامية"، استراتيجية الملكية الفكرية في هذه الأيام، الرقم 1، الصفحة 2. المصدر: http://www.biodevelopments.org/ip/ipst1hr.pdf

(39)  R. Shoemaker وغيره (2001)، الصفحة 37.

(40)  الجينات ليست كائنات صغيرة جداً ، وفي تعريقها الضيّق، ليست أيضا خطوط الخلايا، مع انه، مثلا، القانون البريطاني المترتب على براءات الاختراع يعتبر خطوط الخلايا كائنات صغيرة جداً. راجع كتيّب مكتب براءات الاختراع البريطانية بخصوص الممارسات المترتبة على براءات الاختراع القسم 1-40. راجع أيضا M. Adcock و M. Llewelyn (2000) "الكائنات صغيرة جداً : تعريفها والخيارات المتوفرة في اتفاقية "تريبس"، ورقة تصدر بين الحين والآخر 2، QUNO، جنيف.

(41)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(42)  قرار "التعهّد الدولي حول موارد جينات النباتات" 5/89. المصدر: http://www.mtnforum.org/resources/library/iupgr91a.htm

(43)  قرار "التعهّد الدولي حول موارد جينات النباتات" 4/89.

(44)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات. المصدر: http://www.fao.org/ag/cgrfa/IU.htm

(45)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة المادة 18-5

(46)  نص المعاهدة الدولية حول المصادر الجينية للنباتات للطعام والزراعة المادة 12-3د)

(47)  اتفاقية تعاقدية بين المورد والمتلقي للمادة تضع الشروط المترتبة على التحويل.

 

 

 

 

 

 

 

 


الفصل الرابع

 

المعرفة التقليدية والمؤشرات الجغرافية

 

المقدمة

 

الجماعات البشرية كانت ولا تزال منذ قديم الزمان تولد وتنقّح وتنقل المعرفة من جيل الى جيل. كثيرا ما تعتبر تلك "المعرفة التقليدية"(1) جزءا هاما من هويتها الثقافية. لعبت المعرفة التقليدية ولا تزال تلعب دورا حيويا في الحياة اليومية للغالبية العظمى من الناس. المعرفة التقليدية هي لازمة لأمن توفر الطعام ولصحة الملايين من الناس في العالم النامي. وفي عدد كبير من الدول توفر الأدوية التقليدية، العلاج الوحيد المتوفر للفقراء التي يمكنهم ان يتحمّلوا كلفتها. وفي الدول النامية، تعتمد حتى 80% من شعوبها على الأدوية التقليدية لمساعدتها على تلبية حاجاتها الصحية. (2)

وبالاضافة الى ذلك كانت المعرفة بالخصائص العلاجية للنباتات مصدرا للعديد من الأدوية الحديثة. ومثل ما نوّهنا اليه في الفصل الثالث، فان استعمال منوّعات النباتات من قبل المزارعين المحليين وتطويرها المتواصل وأيضا تقاسم ونشر تلك المنوّعات والمعرفة المرافقة لها كلها تلعب دورا أساسيا في الأنظمة الزراعية في الدول النامية.

 

ولكن، فقط مؤخرا، سعى المجتمع الدولي الى الاعتراف بالمعرفة التقليدية وحمايتها. في عام 1981 تبنت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) ومنظمة الاونسكو قانونا نموذجيا حول الفولكلور. وفي عام 1989 أدخلت منظمة الأغذية والزراعة مفهوم "حقوق المزارعين" في تعهدها الدولي حول المصادر الجينية للنباتات وفي عام 1992 ركّز ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD) الأضواء على الحاجة الى تشجيع المعرفة التقليدية والمحافظة عليها.(3) وبالرغم من تلك الجهود التي امتدت على مدى عقدين من الزمن لم تبرز حتى الآن حلول نهائية ومقبولة عموما لحماية المعرفة التقليدية وتشجيعها.

 

وضع ميثاق التنوّع الاحيائي مبادىء تترتب على حرية الحصول على الموارد الجينية وعلى المعرفة المرافقة لها، وعلى تقاسم الفوائد الناجمة عن تلك الحرية. لذلك نحن ندرس العلاقة بين نظام الملكية الفكرية ومبادىء الحصول على الموارد الجينية وتقاسم الفوائد الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي في سياق كل من المعرفة، التقليدية وغيرها، والموارد الجينية.

 

وندرس أيضا هنا ما اذا كانت المؤشرات الجغرافية، مع انها مسألة مستقلة، لها دور تلعبه في تشجيع التنمية، والقضايا ذات الصلة بالدول النامية وذلك في المباحثات الجارية حاليا في هذا الموضوع في مجلس "تريبس".

 

وهكذا نبحث في هذا الفصل الأسئلة التالية:

 

·                   ما هي طبيعة المعرفة التقليدية والفولكلور وماذا نعني بكلمة الحماية؟

·                   كيف يمكن استخدام نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية؟

·                   ما هي التنقيحات اللازمة لنظام الملكية الفكرية لتحسين الحماية التي يوفرها؟

·                   كيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يدعم مبادىء الحصول على الموارد الجينية وتقاسم الفوائد المجسّدة في ميثاق التنوّع الاحيائي؟

·                   وهل حماية المؤشرات الجغرافية مهمة للدول النامية؟

 

المعرفة التقليدية

 

الخلفية

 

هناك عدد من القضايا ذات العلاقة بالمعرفة التقليدية حازت على الاهتمام الدولي. ونتيجة لذلك، انتقلت قضية المعرفة التقليدية الى مقدمة النقاش العام المحيط بالملكية الفكرية. وتنطوي تلك القضايا على ما يشار اليه بـ "القرصنة الاحيائية" (راجع المربّعين 1:4 و 2:4). أمثلة "الكركم" و "الأزادرخت الهندي (النيم)" و "شراب الأياهواسكا" تعطي فكرة عن القضايا التي يمكنها ان تنشأ عندما تمنح الحماية لبراءات الاختراع وذلك لاختراعات ذات علاقة بالمعرفة التقليدية الموجودة في السوق العامة. ففي تلك الحالات، أصدورا براءات اختراع غير صالحة للتطبيق لأن فاحصي البراءات لم يكونوا على علم بالمعرفة التقليدية ذات الصلة. وفي مثال آخر، منحوا براءة اختراع لنوع من النبات يدعى "هوديا". المسألة هنا لم تكن ما اذا كانوا على حق في منح البراءة او لا، بل ما اذا كان المجتمع المحلي المعروف باسم "سان"، الذي ربّى تلك المعرفة التقليدية واعتنى بها، يستحق تلقي حصته العادلة من أية فوائد تسفر عن تسويقها تجاريا.

 

المربّع 1:4 القرصنة الاحيائية

 

لا يوجد تعريف مقبول لعبارة "القرصنة الاحيائية". تعرّفها "مجموعة العمل حول تعرية التربة والتكنولوجيا والتركيز" على انها "الاستيلاء على معرفة المزارعين والمجتمعات الأصلية وعلى مواردها الجينية من قبل أفراد او مؤسسات تسعى الى التحكم الاحتكاري المقتصر على تلك الموارد والمعرفة  (عادة بشكل براءات اختراع او حماية مربّي النباتات)."

 

تم وصف ما يلي بـ "القرصنة الاحيائية":

(أ)         منح براءات الاختراع "الخاطئة".  تكون هذه براءات تمنح لاختراعات اما بدعة او غير مبدعة اذ تعتمد على المعرفة التقليدية المتواجدة في الميدان العام. قد تمنح تلك البراءات بسبب خطأ غير مقصود اثناء فحص البراءة او ببساطة لأنه لم تتوفر لفاحص البراءة القدرة على الحصول على المعرفة. قد يعود السبب الى ان تلك المعرفة مكتوبة ولكن يصعب الحصول عليها بالأدوات المتوفرة لفاحص البراءة، او لأنها معرفة غير مكتوبة. ثمة مبادرة تقدمت بها المنظمة العالمية للملكية الفكرية تسعى الى توثيق وتصنيف المعرفة التقليدية من أجل مواجهة بعض تلك المشاكل.

 

 (ب)      منح براءات الاختراع "الصحيحة". يمكن ان تمنح براءات الاختراع الصحيحة وفقا للقانون الوطني على اختراعات مستمدة من معرفة المجتمع التقليدية او من موارده الجينية. يمكن القول بأن ذلك يشكّل "قرصنة احيائية" للأسباب التالية:

*          مقاييس البراءات متدنية جدا. تقبل البراءات، مثلا، لاختراعات لا تتجاوز كونها اكتشافات. ومن ناحية أخرى، قد لا يدرك نظام البراءات الوطني (مثلا، كما هو الحال في الولايات المتحدة) بعض أشكال الافصاح العام للمعرفة التقليدية على انها فن قديم.(4)

*          حتى وان مثّلت البراءة اختراعا حقيقيا، قد لا تكون قد جرت ترتيبات للحصول على الموافقة المدروسة السابقة (5) للمجتمعات التي توفر المعرفة او المورد، ولتقاسم فوائد تسويقها تجاريا من أجل مكافأة المجتمعات مكافأة مناسبة وفقا لمبادىء ميثاق التنوّع الاحيائي.

 

 المربّع 2:4 قضايا مثيرة للجدل تتعلق ببراءات الاختراع وتشمل المعرفة التقليدية والموارد الجينية

 

الكركم

 

الكركم هو نبتة من فصيلة الزنجبيل ينتج مواد زعفرانية اللون تستعمل بمثابة بهار لتزكية الطعام الهندي. ويتميّز أيضا بخصائص تجعله مقوما فعالا في الأدوية ومستحضرات التجميل ولتلوين الصباغ وهو يستعمل تقليديا لمداواة الجروح والطفحات الجلدية.

 

*  في عام 1995 تم منح مواطنين هنديين في مركز ميسيسيبي الطبي براءة الاختراع ذات الرقم 5401504 لـ "استعمال الكركم في مداواة الجروح".

*  طلب المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية من المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية بأن يعيد النظر في براءة الاختراع.

*  جادل المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية بأن الكركم يستعمل منذ آلاف السنين في مداواة الجروح والطفحات الجلدية وهكذا فان استخدامه   الطبي ليس شيئا جديدا.

*  دعم المجلس مطالبته بأدلة موثقة للمعرفة التقليدية بما في ذلك نص بالسنسكرينية (وهي لغة الهند الأدبية القديمة) وكذلك مقال منشور في عام 1953 في مجلة جمعية الرابطة الطبية الهندية.

*  وعلى الرغم من اعتراضات صاحبي براءاة الاختراع ، أيّد المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية اعتراضات المجلس الهندي للعلوم والأبحاث الصناعية وألغى براءة الاختراع.

 

ملاحظات: اعتبرت قضية الكركم نقطة تحوّل اذ كانت المرة الاولى التي يجري فيها الطعن ببراءة اختراع مبنية على أساس المعرفة التقليدية في دولة نامية. بلغت قيمة الأتعاب القانونية التي تكبدتها الهند وفقا لحسابات الحكومة الهندية عشرة آلاف دولار أمريكي.

 

النيم  (الأزادرخت الهندي)

 

النيم (الأزادرخت الهندي) هي شجرة من الهند ومن أجزاء أخرى في جنوب وجنوب شرقي آسيا. تزرع حاليا في المناطق الاستوائية بالنظر الى خصائصها كدواء طبيعي وكمبيد للحشرات وكسماد. تستعمل مستخرجات شجرة النيم ضد بعض المئات من الحشرات والأمراض الفطرية التي تصيب محاصيل الطعام؛ ويستخدم الزيت المستخرج من بذورها لعلاج الرشوحات والانفلونزا؛ وعند مزجه في الصابون يقال انه يخفف بكلفة زهيدة ألم الملاريا وأمراض الجلد وحتى التهاب السحايا.

 

*  في عام 1994 منح المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع براءة الاختراع الاوروبية ذات الرقم 0436257 للشركة الأمريكية دبليو. آر. غريس ولوزارة الزراعة الأمريكية من أجل "اسلوب للتحكم بالفطر في النباتات عن طريق مستحضر مائي مستخرج من زيت شجرة النيم".

*  في عام 1995 رفعت مجموعة من المنظمات الأهملية أي غير الحكومية الدولية وممثلين عن المزارعين الهنود قضية ضد براءة الاختراع.

*  قدّموا أدلة تفيد بأن تأثير ابادة الفطر من مستخرجات بذور شجرة النيم كانت معروفة وتستعمل منذ مئات السنين في الزراعة الهندية لحماية المحاصيل وهكذا فان الاختراع الذي تدعيه البراءة ئي بي257 ليس جديدا.

*  وفي عام 1999 قرر المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع بأنه بموجب الأدلة "جميع الميزات في المطالبة الحالية قد تم الافصاح بها الى العامة قبل تقديم طلب التسجيل ببراءة...واعتبروا بأن البراءة لا تنطوي على خطوة اختراعية."

*  ألغى المكتب الاوروبي لتسجيل براءات الاختراع البراءة في عام 2000.

 

نبتة أياهواسكا

 

منذ أجيال والشمّان (الكهنة الذين يستخدمون السحر لعلاج المرضى) في القبائل الأهلية في كافة أنحاء حوض الأمازون يستخدمون لحاء نبتة Banisteriopsis caapi لانتاج شراب احتفالي يعرف باسم "أياهواسكا". يستعمل الشّمان شراب الأياهواسكا (الذي يعني "كرمة الروح") في الاحتفالات الدينية والعلاجية لتشخيض وعلاج الأمراض وللاجتماع بالأرواح وللتنبؤ بالمستقبل.

 

في شهر يونيو/حزيران عام 1986 حصل أمريكي اسمه لورين ميللر براءة اختراع نبتة في أمريكا تمنحه الحقوق على منوّع مزعوم من B. caapi  سمّاه "دا فاين" (Da Vine). أفاد وصف البراءة "بأنه قد جرى اكتشاف النبتة نامية في حديقة منـزل في غابات المطر الأمازونية في أمريكا الجنوبية." ادعى صاحب براءة "دا فاين" بانها تمثّل منوّعا جديدا ومميّزا من B. caapi ، بصورة رئيسية بسبب لون الزهرة.

 

علمت "الهيئة المنسّقة للمنظمات الأهلية في حوض نهر الأمازون" – وهي منظمة تقع تحت مظلتها أكثر من 400 جماعة أهلية – بالبراءة في عام 1994. قدّم مركز قانون البيئة الدولي بالنيابة عنها طلبا لاعادة النظر في البراءة. ادّعى مركز قانون البيئة الدولي بأن مراجعة للفن القديم كشفت بأن "دا فاين" ليس جديدا ولا مميّزا. وحاجج بالقول ان منح البراءة يتناقض مع النواحي العامة والأخلاقية لقانون براءات الاختراع بالنظر الى الطبيعة المقدّسة للنبتة Banisteriopsis caapi في كافة أرجاء الأمازون. قدّم مركز قانون البيئة الدولي أدلة واسعة جديدة عن كون النبتة فن قديم، وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1999 رفض المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية المطالبة ببراءة اختراع، موافقا بأن  "دا فاين" ليست مميّزة عن الفن القديم المقدّم من قبل مركز قانون البيئة الدولي وبالتالي كان يترتب عدم اصدار البراءة. ولكن، الحجج الاضافية التي قدمها صاحب البراءة أقنعت المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية وقام الأخير بعكس قراره وأعلن في مطلع عام 2001 بأن براءة الاختراع تبقى قائمة.

 

ملاحظة: بسبب تاريخ تقديم طلب البراءة فهي لم تشمل في القواعد الجديدة المعمول بها في الولايات المتحدة حول اعادة النظر بين الأطراف (inter partes). وهكذا لم يتمكن مركز قانون البيئة الدولي من التعليق على الحجج التي تقدم بها صاحب البراءة والتي أدت الى تأييد براءة الاختراع.

 

صبّير هوديا

 

يأكل شعب السان الذي يعيش من قديم الزمان حول صحراء كالاهاري في أفريقيا الجنوبية صبّير الهوديا لدرء الجوع والعطش خلال رحلات الصيد الطويلة. في عام 1937، لاحظ عالم هولندي بالأنثروبولوجيا يدرس شعب السان استخدامه هذا للهوديا. وجد العلماء في مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية هذا التقرير مؤخرا وبدأوا في دراسة هذه النبتة.

 

في عام 1995 قام المجلس الأفريقي للعلوم والأبحاث الصناعية بتسجيل ببراءة العنصر في نبتة الهوديا المخمد للقابلية على الطعام (P 57). وفي عام 1997 منح ترخيص استعمال P 57 الى الشركة البريطانية للتكنولوجيا الاحيائية "فايتو فارم". وفي عام 1998، حصلت شركة الادوية "فايزر" على حقوق تطوير وتسويق P 57 كعقار محتمل لتخفيف الوزن وعلاج السمنة (وهي سوق تقدّر قيمتها بستة مليارات دولار أمريكي)، من شركة "فايتو فارم" بمبلغ قدره 32 مليون دولار أمريكي بشكل جعالة ودفعات معلمية.

 

ولدى سماعه بالاستغلال المحتمل لمعرفته التقلدية، هدّد شعب السان برفع قضية ضد مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية متهما اياه "بالقرصنة الاحيائية". ادّعى السان بأنه جرت سرقة معرفته التقليدية وبأن مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية لم يمتثل بقواعد ميثاق التنوّع الاحيائي، والذي ينص على الحصول على الموافقة المدروسة المسبقة لجميع المعنيين بالأمر بمن فيهم المكتشفين الأصليين والمستعملين.

 

أجرت شركة "فايتو فارم" استعلامات واسعة ولكنها لم تتمكن من ايجاد أي من "أصحاب المعرفة". يبدو ان ما بقي من شعب السان  كان يعيش في ذلك الوقت في مخيّم يبعد نحو 1500 ميل من أراضيه القبلية. ادّعى مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث بأنه كان يعتزم ابلاغ شعب السان بالأبحاث وأن يتقاسم الفوائد معه، ولكنه كان يريد أولا ان يتأكد من نجاح العقار.

 

وفي شهر مارس/آذار عام 2002 توصّل مجلس أفريقيا الجنوبية للعلوم والأبحاث الصناعية الى تفاهم مع شعب السان يعترف بأن شعب السان هو الوصي على المعرفة التقليدية الملازمة لنبتة الهوديا وأنه سيتلقى حصة في أية جعالات (royalties) في المستقبل. على الرغم من ان شعب السان سيتلقى فقط نسبة صغيرة جدا من المبيعات في آخر الأمر، الا ان الحجم المحتمل للسوق يعني بأن المبالغ ستكون كبيرة. من غير المحتمل ان ينـزل العقار الى السوق قبل عام 2006 وقد يفشل في التجارب الميدانية.

 

ملاحظة:  تبيّن القضية بأنه عند ابداء حسن النية من جميع الأطراف يمكن الاتفاق على ترتيبات مقبولة من الكل للحصول على المادة وتقاسم فوائدها. يبدو ان جميع الأطراف اعترفت بأهمية الملكية الفكرية في تأمين الفوائد في المستقبل، بما فيها شعب السان.

 

 

ونتيجة جزئيا لتلك القضايا المشهورة، يضغط عدد كبير من الدول النامية وأصحاب المعرفة التقليدية والمنظمات المشاركة في الحملة في عدد كبير من المحافل لتوفير حماية أفضل للمعرفة التقليدية. وقد أدّى هذا الضغط، مثلا، الى تشكيل لجنة من عدد من الحكومات حول الملكية الفكرية والموارد الجينية، والمعرفة التقليدية والفولكلور في المنظمة العالمية للملكية الفكرية. ويجري ايضا البحث في حماية المعرفة التقليدية والفولكلور ضمن اطار ميثاق التنوّع الاحيائي وفي أروقة منظمات دولية أخرى مثل مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الاونيسكو.(6) وقد ركّز الاعلان الوزاري الصادر عن مؤتمر منظمة التجارة العالمية المنعقد في الدوحة الأضواء على الحاجة الى المزيد من العمل في مجلس "تريبس" حول حماية المعرفة التقليدية.(7)

 

طبيعة المعرفة التقليدية والغرض من حمايتها

 

كيف يمكن تعريف المعرفة التقليدية؟ بينما السواد الأعظم من المعرفة هو قديم من حيث ان تلك المعرفة تنتقل من جيل الى آخر، الا انها تنقّح باستمرار وتتطوّر معرفة جديدة مثلما تتواصل العمليات العلمية الحديثة بالتحسين التدرّجي المتواصل وليس بقفزات كبيرة الى الأمام. اقترح أحد المتكلمين في مؤتمرنا استبدال كلمة "فولكلور" بعبارة "تعابير ثقافية" الأكثر مناسبة اذ هي تمثّل التقاليد الحيّة العملية وليس تذكارات الماضي. وبينما يجري انتقال معظم المعرفة التقليدية والفولكلور شفهيا من جيل الى آخر، الا ان البعض منه، مثل تصاميم الأنسجة ومعرفة أيورفيدا الطبية، يجري تصنيفه وتنظيمه. والجماعات التي تحتفظ بالمعرفة التقليدية هي جماعات متغايرة جدا: فقد يكون كلهم أوصياء عليها أفرادا او مجموعات او مجموعات من المجتمعات. يمكن لتلك الجماعات ان تكون من سكان البلاد الأصليين او متحدّرة من المستوطنين الذين استقروا في البلاد. وطبيعة المعرفة هي متغايرة أيضا: فهي تغطي، مثلا، الأعمال الأدبية او الفنية او العلمية، والأغاني، والعلاجات والممارسات الطبية والتكنولوجيات والأساليب الفنية الزراعية.

 

ومع انهم قد تقدموا بعدد من التعريفات للمعرفة التقليدية والفولكلور لا يوجد أي تعريف مقبول من شريحة واسعة من الناس لأي منهما. النطاق الواسع للمعرفة التقليدية ليس الشيء الوحيد الذي أربك الحوار حتى الآن بهذا الخصوص. وهناك أيضا بعض الارتباك حول ما تعني كلمة "حماية" والغرض منها. بالطبع يجب ان لا تتساوى مباشرة مع استعمال كلمة "الحماية" في معنى الملكية الفكرية. سعت المنظمة العالمية للملكية الفكرية(8)، في تقريرها عن سلسلة من البعثات لتقصي الحقائق الى تلخيص اهتمامات أصحاب المعرفة التقليدية كما يلي:

 

·                   قلق من فقدان أنماط الحياة التقليدية وفقدان المعرفة التقليدية ونفور الشبيبة في المجتمعات من مواصلة الممارسات التقليدية.

 

·                   قلق من عدم احترام المعرفة التقليدية وعدم احترام أصحاب المعرفة التقليدية.

 

·                   قلق من استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها بما في ذلك استعمال المعرفة التقليدية بدون تقاسم الفوائد او استعمالها بشكل ينتقص من قدرها.

 

·                   عدم الاعتراف بالحاجة الى المحافظة على وتشجيع الاستعمال الأكثر للمعرفة التقليدية.

 

وثمة مصدر آخر صنّف ذلك القلق تصنيفا بليغا وأعطى أسبابا محتملة أخرى لحماية المعرفة التقليدية وهي:

 

·                   اعتبارات العدالة والانصاف – يجب ان يتلقى أولياء المعرفة التقليدية مكافأة عادلة اذا أدت معرفتهم التقليدية الى مكاسب تجارية

 

·                   اهتمامات الصيانة – تساهم حماية المعرفة التقليدية في الهدف الأوسع وهو صيانة البيئة والتنوّع الاحيائي والممارسات الزراعية القابلة للاستمرار والديمومة.

 

·                   المحافظة على الممارسات والثقافة التقليدية – يمكن استخدام حماية المعرفة التقليدية لرفع صورة المعرفة وصورة المؤتمنين عليها داخل المجتمعات وخارجها.

·                   منع استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها من قبل أطراف غير مصرّح لها او تجنب "القرصنة الاحيائية"

·                   تشجيع استعمال المعرفة التقليدية وأهميتها في التنمية.(9)

 

لا يمكننا ان نتوقع حلا واحدا لتلك المجموعة الواسعة من الاهتمامات والأهداف. ونوع التدابير اللازمة لمنع استعمال المعرفة في غير حقها قد لا يتساوى، وفي الواقع قد لا ينسجم، مع تلك التدابير اللازمة لتشجيع الاستعمال الواسع للمعرفة التقليدية. ومن المؤكد ان تكون هناك حاجة الى عدد وافر من التدابير المكملة لبعضها البعض، الكثير منها يكون خارج نطاق الملكية الفكرية. وفي الواقع، قد يكون الأساس للنقاش موضوعا أكبر بكثير من ذلك مثل وضع المجتمعات الأصلية ضمن اقتصاد ومجتمع البلاد التي يقيمون فيها، وحرية وصولهم الى الأرض التي سكنوها تقليديا او الى ملكيتهم لتلك الأرض. وهكذا، فان القلق المحيط بالمحافظة على المعرفة التقليدية واستمرار اسلوب الحياة لأصحاب مثل تلك المعرفة قد يدلّ على مشاكل أساسية تواجه تلك المجتمعات في وجه الضغوط الخارجية.

 

ولكننا نعتزم تقييد دراستنا بكيف يمكن لنظام الملكية الفكرية ان يساعد في التغلب على ذلك القلق. وقد كتبوا الكثير عن هذا الموضوع وقد بدأ العديد من المنظمات الدولية، ولا سيما المنظمة العالمية للملكية الفكرية، بالتفكير في ما اذا كان لدى النظام الحالي للملكية الفكرية دورا يمكنه ان يلعبه او ما اذا كانت هناك حاجة تدعو الى أشكال جديدة من الحماية.

 

ادارة الحوار حول المعرفة التقليدية   

 

مثل ما ذكرنا أعلاه، يبحث عدد كبير من الهيئات، بما فيها المنظمة العالمية للملكية الفكرية وميثاق التنوّع الاحيائي ومؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية ومنظمة التجارة العالمية، في مسألة حماية المعرفة التقليدية. تركّزت المناقشات فعلا على تفهّم القضية بدلا من تطوير قواعد سلوك دولية. اذ فقط بالحصول على تفهّم أعمق وخبرة عملية أطول، على المستوى الوطني او الاقليمي، سيكون من المعقول تطوير نظام دولي لحماية المعرفة التقليدية. من الأهمية بمكان ان تعمل معا جميع الوكالات التي تدرس الأمر لتجنّب الازدواجية غير الضرورية ولتأمين اشتمال المناقشة على أكبر عدد من وجهات النظر المختلفة. وفي هذا الصدد، قيل لنا بأن منظمة مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية، التي تتعاطى بصورة مقتصرة بأمور الملكية الفكرية، قد لا تكون المنتدى المناسب للنظر في المعرفة التقليدية من جميع نواحيها.(10) ومع ذلك، نحن نعتقد بأنه من غير المحتمل ان تتوفر لهيئة واحدة القدرات او الخبرات او الموارد للتعاطي بكافة نواحي المعرفة التقليدية. وفي الواقع اننا نرى بأن هناك ضرورة الى عدد وافر من التدابير، البعض منها فقط ذو علاقة بالملكية الفكرية، لحماية والمحافظة على وتشجيع المعرفة التقليدية.

 

هناك الشيء الكثير الذي يمكن كسبه في تلك المرحلة المبكرة من التفكير في الموضوع في عدد من المنتديات، وبنفس الوقت تطوير أساليب منطقية لدراسة الموضوع وتجنّب الازدواجية في الجهود.

 

استغلال نظام الملكية الفكرية الحالي لحماية وتشجيع المعرفة التقليدية

 

نشأت بعض الأمثلة التي تبيّن كيف يمكن استعمال نظام الملكية الفكرية الحالي في تسويق تجاريا المعرفة التقليدية او منع اساءة استعمالها. مثلا، حصل الفنانون من أهل البلاد الأصليين وفي جزيرة مضيق توريس في استراليا على علامة تجارية بشكل شهادة قومية.(11) مثلها مثل أية علامة تجارية أخرى، ان الغرض من تلك الشهادة او من "ملصق الموثوقية" هو تشجيع تسويق فنهم ومنتجاتهم الثقافية ومنع بيع منتجاتهم كذبا بزعم انها تعود الى فن أهل البلاد الأصليين.

 

وفي دراسات أخيرة للحماية الحالية المتوفرة للمعرفة التقليدية وللفولكلور، قدّم عدد من البلدان أمثلة اضافية عن كيف جرى استخدام آليات الملكية الفكرية لتشجيع وحماية المعرفة التقليدية والفولكلور.(12) تشمل تلك الأمثلة استعمال حماية حقوق النشر والتأليف في كندا لحماية المبتكرات التقليدية مثل الأقنعة والرموز المقدّسة والتسجيلات الصوتية التي تعود الى فناني البلاد الأصليين؛ واستخدام التصاميم الصناعية لحماية المظهر الخارجي لبعض المواد مثل رداءات الرأس والسجاد في خزكستان واستخدام المؤشرات الجغرافية لحماية المنتجات التقليدية مثل المشروبات الروحية والصلصات وأنواع الشاي في فنـزويلا وفيتنام.

 

وتوحي القدرة على تمديد عمر العلامات التجارية الى أجل غير محدد وامكانية الملكية الجماعية لمثل تلك الحقوق بأنه يمكنها ان تكون مناسبة لحماية المعرفة التقليدية. وهذا هو الحال أيضا بالنسبة للمؤشرات الجغرافية، التي يمكن استخدامها لحماية المنتجات او الحرفيات التقليدية اذا كان بالامكان عزو الخصائص المعيّنة لمثل تلك المنتجات الى أصل جغرافي معيّن. ولكن يمكن للعلامات التجارية وللمؤشرات الجغرافية ان تمنع فقط العلامات او المؤشرات المحمية؛ الا انها لا تحمي المعرفة او التكنولوجيات التي تحتضن تلك المعرفة بحد ذاتها.

 

يبدو ان حقوق الملكية الفكرية الأخرى، ولا سيما تلك التي تحتاج الى شكل من أشكال الابتداع او تلك المحمية لفترات محددة، هي أقل مناسبة لحماية المعرفة التقليدية. ومع ذلك فقد تبيّن بوضوح من تلك الدراسات، وفي الواقع من أبحاث أخرى، بأن لدى حقوق الملكية الفكرية الحالية دور يمكنها ان تلعبه في حماية المعرفة التقليدية. يبقى لنا ان نعلم ما اذا كان هذا الدور هو دور هام. لقد أظهرت الخبرة في أماكن أخرى بأن تأثيره لن يكون كبيرا، على الأقل بسبب الكلفة العالية المترتبة على الحصول على الحقوق وعلى تطبيقها. وبما ان غالبية الشركات الصغيرة في العالم المتقدم قد وجدت نظام الملكية الفكرية، ولا سيما نظام براءات الاختراع، غير جذّاب،(13) فمن غير المحتمل اذا ان تستمد المجتمعات المحلية في الدول النامية، او الأفراد في تلك المجتمعات، القدر الكبير من الفائدة منها.

 

الحماية الضريبية (sui generis) للمعرفة التقليدية

 

لقد قرّرت بعض الدول بأن نظام الملكية الفكرية الحالي ليس كافيا وحده لحماية المعرفة التقليدية. وهكذا قام البعض من تلك الدول باحداث، او في طور احداث، أنظمة ضريبية للحماية sui generis .(14)

 

سنّت الفيليبين تشريعات، وهي تفكّر في احداث المزيد من التدابير،(15) تعطي بموجبها أهل البلاد الأصليين حقوقا على معرفتهم التقليدية. تمتد تلك الحقوق الى التحكم على القدرة على الوصول الى أراضي أجدادهم والوصول الى الموارد البيولوجية والجينية والى المعرفة الأصلية المتعلقة بتلك الموارد. وستعتمد قدرة وصول الآخرين اليها على موافقة المجتمع المدروسة المسبقة والتي يتم الحصول عليها بموجب القوانين العرفية. ويتم تقاسم بانصاف أية فوائد ناجمة من الموارد الجينية او من المعرفة المرافقة لها. ولكن تسعى التشريعات الى الحفاظ على التبادل الحر للتنوّع الاحيائي بين المجتمعات المحلية. ويسعى القانون أيضا لضمان اشتراك أهالي البلاد الأصليين على كافة مستويات إتخاذ القرار.

 

هذا، وبينما الأهداف الأولية لتلك التشريعات هي الاعتراف بحقوق المجتمعات وشعوب البلاد الأصليين وحماية تلك الحقوق وتشجيعها، بما فيها الحقوق المتعلقة بالموارد البيولوجية والمعرفة التقليدية المرافقة لذلك، تعترف تلك التشريعات بامكانية استغلال تلك الموارد. يسعى القانون الغواتمالي الى المحافظة على وتشجيع استخدام معرفة البلاد التقليدية وذلك بوضع تعابير الثقافة الوطنية، بما فيها مثلا المعرفة الطبية والموسيقى، تحت حماية الدولة.(16) لا يمكن بموجب هذا القانون بيع تلك التعابير او المتاجرة بها سعيا لجني الكسب. وهكذا، نجد بأنه يجري تطوير أنواع مختلفة من النماذج على المستوى الوطني والسعي الى تكييف التشريعات والممارسة بحيث تلبي الحاجات المحلية.

 

وهناك سؤال مهم بصورة خاصة يطرح نفسه وهو المدى الذي يعترف فيه أي شكل من الحماية بالقوانين الشعبية التي تطوّرت المعرفة بموجبها. تفكّر بعض الدول مثل بنغلاديش، وبعض المنظمات مثل الاتحاد الأفريقي (17) بسن تشريعات ضريبية sui generis تنص على حقوق خاصة على الموارد الاحيائية وعلى المعرفة التقليدية المرافقة لها وهي تسعى الى اعتراف أكبر بالممارسات الثقافية والشعبية للمجتمعات. والنظام الضريبي sui generis في الفيليبين يأخذ أيضا القوانين الشعبية بعين الاعتبار.

 

نظرت المحكمة الفدرالية الاسترالية في صلة القوانين والممارسات الشعبية لأهل البلاد الأصليين وذلك في قضية انتهاك لحقوق النشر والتأليف. مع ان المحكمة وجدت بأنه لا يمكنها "الاعتراف بانتهاك حقوق الملكية المقلّدة بموجب قانون أهل البلاد الأصليين بالأصحاب التقليديين للقصص الخيالية والصور الخيالية كتلك المستعملة في الأشغال الفنية للمطالبين الحاليين بالحقوق"، الا أنها أخذت بعين الاعتبار الضرر الذي عانى منه الفنانون من أهل البلاد الأصليين في بيئتهم الثقافية عند نظرها بقيمة الأضرار.(18) مع ان مثل تلك القرارات تعطي درجة من الاعتراف بالقوانين الشعبية، فهي طبعا لا تذهب بعيدا مثل ما يريد البعض. وفي مباحثاتنا الاستشارية في هذا الموضوع دعا عدد كبير من الناس الى اعتراف أكبر بالقوانين الشعبية.(19)

 

ويطرح الاعتراف بالقوانين الشعبية، ان كانت تتعلق بصورة خاصة بالمعرفة التقليدية ام لا، قضايا تتجاوز نطاق هذا التقرير. ومع ذلك فنحن نعتقد بأنه يجب احترام القوانين الشعبية المترتبة على المعرفة التقليدية وان أمكن الاعتراف بها على نطاق واسع. ويجب تأييد المزيد من العمل لتحقيق تلك الأهداف كما فوّض مؤخرا المؤتمر السادس للأطراف المشتركة في ميثاق التنوّع الاحيائي.(20)

 

ويبقى لنا ان نرى هل ستكون لتلك الأنظمة لدى تطوّرها الخصائص المشتركة الكافية للسماح بتطوير نظام ضريبي دولي sui generis . ونحن نعترف بأن هناك ضغط متواصل لاستحداث نظام ضريبي دولي sui generis ، كما عبّرت عنه مؤخرا مجموعة الدول النامية الخمس عشرة.

 

هذا، وبوجود تلك المجموعة الواسعة من المواد للحماية ووجود تلك الأسباب المتفاوتة "لحمايتها"، يمكن ان  تشكّل معا نظاما ضريبياً sui generis شموليا كاملا من الحماية للمعرفة التقليدية، محددا أكثر مما ينبغي ولا يتمتع بالمرونة الكافية لتلبية الحاجات المحلية.

 

ومثلما بحثنا سابقا، فان القدرة على حماية المعرفة التقليدية وعلى تشجيعها واستغلالها لا تعتمد بالضرورة على وجود حقوق الملكية الفكرية. مثلا، يمكن ان يكون جمع المبتدعين المحليين مع المقاولين أكثر صلة. ومهما كانت التدابير التي ستتخذ او مهما كانت الأدوات التي ستستخدم، فان الاستغلال من شأنه ان يعرّف الناس بالمعرفة التقليدية وبالابتداع المحلي داخل المجتمعات ويشجّع اشتراكا أكبر فيها من قبل أفراد المجتمع الشباب. وهذا لا شك قد يحصل اذا جرى توليد عوائد اقتصادية ملموسة نتيجة لذلك. ولكن من الأهمية ان نتذكر بأن ليس كل أصحاب المعرفة التقليدية يرغبون في استغلال معرفتهم بهذه الطريقة. أبدى ذلك الرأى أمام اللجنة أحد المشاركين في ورشات العمل للخبراء وهو هندي كاشواني من البيرو. قال ان مفهوم الثراء، بالنسبة للعديد من المجتمعات المحلية، يختلف اختلافا تاما عن مفهوم الثراء في العالم الغربي. بالنسبة لتلك المجتمعات ان واجبها هو تأمين المحافظة على واحترام معرفتها التقليدية وعلى القوانين الشعبية المترتبة عليها وليس الحصول على المكافأة المالية. وأشار الى ان هناك توقعات غير واقعية بين أصحاب المعرفة التقليدية حول القيمة المحتملة لمعرفتهم. طبعا ترتفع تلك التوقعات نتيجة للقضايا المشهورة مثل قضية "هوديا" (المربّع 2:4).

 

استعمال المعرفة التقليدية في غير حقها   

 

بالنظر الى طبيعة المعرفة التقليدية ينتقل قدر أكبر منها شفهيا وليس خطيا. هذا الأمر يطرح مشاكل خاصة عندما تسعى الأطراف غير المصرّحة من قبل صاحب المعرفة الى الحصول على حقوق الملكية الفكرية لها. وفي غياب أية سجلات خطية يمكن الاطلاع عليها، يتعذّر على فاحص براءة الاختراع في بلد آخر ان يحصل على الوثائق التي قد تطعن ببدعة او ابتكارية طلب مبني على المعرفة التقليدية. والخيار الوحيد المتوفر للطرف المتضرر، ان كان صاحب المعرفة او يمثّل صاحب المعرفة، هو الطعن ببراءة الاختراع أثناء عملية منحها او بعد ذلك، عندما تسمح القوانين الوطنية بذلك. هذا ما فعلته الحكومة الهندية عندما تمكنت من اسقاط براءات الاختراع على الأرز البسماتي (راجع المربّع 5:4 أدناه) والكركم في الولايات المتحدة.

 

وقد ساعد وجود المعارضة الادارية او شبه القانونية او اجراءات اعادة فحص البراءة على اسقاط تلك البراءات. في غياب مثل تلك الاجراءات لا بد انهم كانوا سيضطرون الى رفع قضايا امام المحاكم المعنية مع ما يرافق ذلك من تكاليف وتضييع للوقت. وحتى بوجود تلك الاجراءات من الصعب للغاية للدول النامية، وقد يكلفها الكثير، مراقبة وتحدي حقوق الملكية الفكرية التي تصدر في كافة أنحاء العالم. ونحن نقترح في ما بعد في هذا الفصل طريقة محتملة لمساعدة الدول على مراقبة براءات الاختراع الممنوحة على اختراعات مؤلفة من مواد احيائية مكتسبة ومعلومات ملازمة لها او جرى تطويرها منها.

 

يجب عدم منح براءات اختراع تدعي معرفة تقليدية موجودة الآن وشائعة. المشكلة ان تلك المعرفة لا تكون موثقة عادة او ان كانت موثقة فمن غير المحتمل ان تكون متوفرة بسهولة للنظر فيها من قبل فاحص براءة الاختراع. ومن غير المحتمل، بصورة خاصة، ايجاد معلومات عن المعرفة التقليدية في المعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع التي تعتمد عليها مكاتب تسجيل البراءات عند تقييمها بدعة (novelty) وابتكارية المادة. ومن أجل التغلّب على تلك المشكلة، تسعى المنظمة العالمية للملكية الفكرية مع عدد من الدول النامية بقيادة الهند والصين الى تطوير مكتبات رقمية للمعرفة التقليدية (راجع المربّع 3:4). تدوّن تلك المكتبات الرقمية بالتفصيل خطيا ليس فقط المقدار الكبير من المعرفة التقليدية الموجود حاليا في الميدان العام بل ستأخذ بعين الاعتبار مقاييس التصنيف الدولية (نظام التصنيف الدولي لبراءات الاختراع للمنظمة العالمية للملكية الفكرية) لكي تصبح المعلومات في متناول يد فاحصي البراءات.

 

المربّع 3:4 المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية – وجهة نظر هندية

 

في عام 1999 وبعد الطعن الهندي الناجح ولكن الباهظ الثمن في براءات الاختراع الممنوحة للكركم والأرز البسماتي من قبل المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، اتفقوا على ان يتعاون المعهد الوطني الهندي للاتصالات العلمية ووزارة الأنظمة الهندية للطب والمعالجة المثلية في تأسيس المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية.

تستهدف المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية "أيورفيدا" (وهي نظام هندي تقليدي في الطب) وتقترح توثيق المعرفة المتوفرة والشائعة (النشرات المتوفرة حاليا عن "أيورفيدا") في شكل رقمي. سيجري ادخال في قاعدة للمعطيات حوالي 35 ألف سلوكاس (أبيات من الشعر  والنثر) ومن المتوقع ان يحتوي موقع الانترنت على حوالي 140 ألف ورقة عن  "أيورفيدا". تتتوفر المعطيات في عدد كبير من اللغات الدولية (الانجليزية والاسبانية والألمانية والفرنسية واليابانية والهندية).

 

وتصنيف موارد المعرفة التقليدية هو نظام تصنيف مبتكر ومنظّم جرى تصميمه لتسهيل الترتيب النظامي وتوزيع واستعادة المعلومات في المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية. المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية مبنية على أساس نظام التصنيف الدولي لبراءات الاختراع وترد المعلومات مصنّفة تحت أقسام وفئات وشبه فئات ومجموعات وشبه مجموعات لتسهيل استخدامها من قبل فاحصي براءات الاختراع الدوليين. ولكنها توفر تعريفا أكبر للمعرفة التقليدية بتوسيع التصنيف الدولي لبراءات الاختراع (أي التصنيف AK61K35/78 المتعلق بالنباتات المستمدة منها المواد الطبية) الى حوالي 5 آلاف مجموعة فرعية.

 

ستعطي المكتبة الرقمية للمعرفة التقليدية شرعية الى المعرفة التقليدية الموجودة حاليا وستمنع، عن طريق تأمين سهولة استعادة المعلومات المتعلقة بالمعرفة التقليدية من قبل فاحصي البراءات، منح براءات الاختراع مثل تلك المتعلقة بالكركم والنيم المذكورين اعلاه واللذين يدعيان مواد موجودة في الميدان العام.

 

وتتابع المنظمة العالمية لبراءات الاختراع العمل على مثل تلك المكتبات حيث تقوم فرق عمل متخصصة بمن فيها ممثلين من الصين والهند والمكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية بفحص كيف يمكن دمج تلك المكتبات في أدوات البحث الموجودة والتي تستخدمها مكاتب براءات الاختراع.  

 

وتقوم أيضا المنظمة العالمية لبراءات الاختراع بفحص مدى توفر المعرفة التقليدية حاليا على الانترنت. وتشير النتائج المبدئية التي توصلت اليها المنظمة الدولية لبراءات الاختراع بأن مقدار المعلومات المتعلقة بالمعرفة التقليدية الموجود على الانترنت هو مقدار كبير ومتزايد. ولكن القدر الكبير منه ليس بشكل يجعله سهلا للبحث او الاستعمال من قبل فاحصي براءات الاختراع.(22)

 

والتوثيق الكبير للمعرفة التقليدية قد لا يكون قيّما فحسب في منع منح براءات الاختراع غير المبرّرة بل أهم من ذلك قد يساهم في المحافظة على المعرفة التقليدية وعلى تشجيعها وعلى احتمال استغلالها. وفي هذا الاطار من الأهمية ان لا تضر عملية التوثيق بحقوق الملكية الفكرية في المواد الجاري توثيقها. توفر الأمانة الهندية الوطنية للابتداع مثالا على المحاولة لمواجهة تلك الأمور.(23) ومن الأمور التي أثارت قلق المنظمة العالمية لبراءات الاختراع وعدد من الدول النامية بخصوص عدد كبير من قواعد المعطيات التي كشفت النقاب عنها المنظمة العالمية لبراءات الاختراع، هو ما اذا جرى تسجيل المعلومات بالموافقة المدروسة المسبقة لأصحاب المعرفة. وخلال المحادثات في أروقة المنظمة العالمية لبراءات الاختراع حول توثيق المعرفة التقليدية (24)، برزت أيضا اختلافات في الرأي بين الدول النامية حول نوع المعطيات التي يمكن او يجب ان تكون مشمولة في أية قواعد للمعطيات. جادلت بعض الدول، مثلا، بأن قواعد معطيات كهذه هي مناسبة فقط للمعلومات المتوفرة للعامة حاليا بشكل مصنّف. وأشار الآخرون أنه يمكن شمل المعرفة التقليدية غير المصنّفة فيها.

 

 

يجب شمل، حالما يصبح عمليا، المكتبات الرقمية للمعرفة التقليدية في قوائم توثيق الأبحاث الدنيا المتوفرة لمكاتب براءات الاختراع، لضمان بأن المعلومات المتوفرة فيها سيجري أخذها بعين الاعتبار عند البت في طلبات براءات الاختراع. ويجب أن يلعب أصحاب المعرفة التقليدية دورا هاما في القرار حول ما اذا يجب شمل تلك المعلومات في قواعد المعطيات وكذلك يجب ان يستفيدوا من أي استثمار تجاري للمعلومات.

 

ويتمتع الطب التقليدي بالامكانية للتوثيق الجيد. مثلا، في جمهورية لاو الديموقراطية الشعبية، قامت الحكومة بتأسيس مركز الموارد الطبية التقليدية الذي يعمل مع المداوين المحليين في توثيق تفاصيل جميع الأدوية التقليدية بغرض تشجيع تقاسم ممارساتها داخل لاوس. ويتعاون مركز الموارد الطبية التقليدية مع المجموعة الدولية التعاونية للتنوّع الاحيائي في جهودها لاكتشاف منتجات طبية جديدة. وسيجري تقاسم أية فوائد او أرباح او جعالات ناجمة عن النباتات والمعرفة المستمدة من التعاون مع جميع المجتمعات المعنية.(25)

 

قد يكون لحقوق الملكية الفكرية دورا تؤديه في استغلال المنتجات المبنية على أساس الطب التقليدي. ولكن يجب ان يكون الهدف الأولي هو تشجيع تطبيق تلك المعرفة لتحسين صحة البشر وليس لتوليد الدخل. وفي الواقع سيكون من المؤسف لو أدى هدف تقاسم الفوائد من تسويق الأدوية الى ثراء عدد قليل من الناس على حساب تقييد الحصول على الأدوية ولا سيما من قبل الفقراء. تبرز استراتيجية الطب التقليدي التي ترعاها منظمة الصحة العالمية 2000-2005 هدف الصحة العامة بوضوح.(26) يجب تقاسم بحرية الدروس التي نتعلمها من هذا التمرين ومن غيره من المبادرات ويجب توفير المساعدة الفنية لمساعدة الدول الأخرى التي تدير مبادرات تتعلق بتوثيق المعرفة التقليدية.

 

ولكن يجب الاعتراف بأن الشيء الكبير من المعرفة التقليدية سيبقى غير موثّق. يبقى مفهوم البدعة الصحيحة حيث يكون أي افصاح بما فيه عن طريق الاستعمال، في أي مكان في العالم، كافيا لتدمير بدعة أي اختراع، اجراءاً وقائيا ضروريا. اذ بدون هذا الاجراء الوقائي، سيستمروا في منح براءات للمعرفة التقليدية الموجودة في الميدان العام، وان لم تكن مكتوبة. بعض الدول لا تشمل الاستعمال خارج بلادها على انه "فن سابق".

 

ويتعيّن على تلك الدول التي تشمل فقط الاستعمال المحلي في تعريفها للفن السابق ان تقدم المعاملة المتساوية لمستعملي المعرفة في الدول الأخرى. وبالاضافة الى ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار الطبيعة غير المكتوبة للمعرفة التقليدية هذه في أية محاولات لتطوير نظام براءات الاختراع دوليا.

 

وبالنسبة لبعض المجتمعات يمكن ان يسبّب منح حقوق الملكية الفكرية مثل براءات الاختراع اهانة كبيرة لها. ومع انه توجد تدابير في معظم البلدان تمنع منح حقوق الملكية الفكرية على أسس أخلاقية، من المشكوك فيه ان تتمكن مكاتب الملكية الفكرية من تطبيقها في مجتمعات سكان البلاد الأصليين الصغيرة. مثلا تقوم الأسس الأخلاقية لرفض طلبات العلامات التجارية منذ بعض الوقت في نيوزيلندا ولكن أصبح الآن من الضروري التعريف بوضوح أكبر مدى هذا التدبير. وهناك تعديل يفكّرون فيه يمنع تسجيل علامة تجارية عندما يكون من المحتمل ان يهين استعمالها او تسجيلها، بناء على أسس معقولة، قسما كبيرا من المجتمع، بمن فيه الماوري.(27) ان مثل تلك الاجراءات، بالاضافة الى استعمال قواعد المعطيات الخاصة بالمعرفة التقليدية الموجودة في الميدان العام والتي يمكن التفتيش فيها، من شأنه ان يحول دون منح حقوق الملكية الفكرية على مواد ليست بدعة او بديهية او من المحتمل ان تهين او تسيء الى أصحابها.

 

ولكن مثلما قلنا سابقا، هناك مجموعة ثانية من براءات الاختراع وفي الواقع حقوق ملكية فكرية أخرى تثير القلق. هذه حقوق تفي أساسا بالمعايير العادية للتسجيل ببراءة او للحماية ولكنها:

 

·                   مبنية على، او مؤلفة من، مواد تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة او بدون موافقة صاحب المادة

 

·                   لا تعترف بالمساهمة التي يقوم بها الآخرون في الاختراع اما من حيث ملكية الحقوق او في تقاسم أية فوائد ناجمة عن تسويق الاختراع المسجّل ببراءة تسويقا تجاريا.

 

لا ينطبق هذا القلق على براءات الاختراع التي تتعلق بالمعرفة التقليدية فحسب، مع انه في ضوء ميثاق التنوّع الاحيائي، من المحتمل ان تكون براءات الاختراع الأكثر اثارة للنـزاع هي تلك المتعلقة بالموارد الاحيائية و/او المعرفة التقليدية المرافقة لمثل تلك الموارد. وفي قضية "هوديا" لم يكن القلق أساسا بخصوص هل يجب منح براءات الاختراع بل هل يجب ان يتلقى شعب السان نصيبه العادل من فوائد بيع تلك النبتة. نعرض أدناه الطرق المحتملة لتوفير توازن أكثر انصافا في مثل تلك الحالات.

 

القدرة على الحصول على المعرفة التقليدية وتقاسم فوائدها

 

الخلفية

 

مثلما رأينا، من الأمور الرئيسية التي نجدها موضع نقاش حول المعرفة التقليدية هي العلاقة بين حماية الملكية الفكرية والملكية والحقوق ذات العلاقة بالمعرفة المبني على أساسها حق الملكية الفكرية. وعلينا في سياق مناقشتنا لهذا الموضوع ان نفكّر أيضا في تشجيع الأهداف المتعلقة بتقاسم الفوائد والموافقة المدروسة المسبقة في ميثاق التنوّع الاحيائي. وبما ان المجتمع الدولي قد صدّق على اتفاقية "تريبس" و "ميثاق التنوّع الاحيائي"، مع بعض الاستثناءات  الهامة، هناك واجب على افراد هذا المجتمع يقضي بتقوية بعضهم البعض بدلا من مناقضة بعضهم البعض.

ميثاق التنوّع الاحيائي (CBD)

 

يسعى الميثاق، الذي تم الاتفاق عليه في عام 1992، الى تشجيع صون التنوّع الاحيائي والتقاسم العادل للفوائد الناجمة عن استخدام الموارد الجينية.(28) وهو يؤكد حقوق سيادة الأمم على مواردها الطبيعية وعلى حقها في تقرير القدرة على الوصول الى تلك الموارد وفقا لتشريعاتها الوطنية وغايتها هي تسهيل الاستعمال القابل للاستمرار لتلك الموارد وتشجيع التوصل اليها وعلى استعمالها المشترك. وهو ينوّه الى ان التوصل اليها الموارد الجينية يجب ان يكون على أساس الموافقة المدروسة المسبّقة وبناء على شروط متبادلة متّفق عليها، توفر تقاسما عادلا ومنصفا لنتائج الأبحاث والتطوير وفوائد التسويق التجاري لها واستعمالها.(29) كما يدعو أيضا الى التقاسم العادل والمنصف للفوائد المستمدة من استعمال المعرفة التقليدية.(30)

 

وينصّ ميثاق التنوّع الاحيائي، فيما يتعلق بالملكية الفكرية، بأن الحصول على الموارد الجينية وعلى تحويلها، يجب ان ينسجم مع "الحماية الكافية والفعالة لحقوق الملكية الفكرية". يجب ان تضع الحكومات سياسات تؤمن، بصورة خاصة بالنسبة للدول النامية، بأن القدرة على التوصل الى الموارد الجينية تتم بموجب شروط متبادلة متفق عليها. وهو يشير الى انه يمكن ان يكون لبراءات الاختراع ولحقوق الملكية الفكرية الأخرى تأثيرا على تنفيذ الميثاق، وأنه يتعيّن على الحكومات ان تتعاون (رهن بالقانون الوطني والدولي) من أجل تأمين بأن تلك الحقوق تؤيد أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي ولا تتناقض معه.(31)

 

اتفقت الهيئة الحاكمة لميثاق التنوّع الاحيائي الآن على ارشادات بخصوص القدرة على الوصول الى الموارد الجينية وتقاسم الفوائد لتكون دليلا للدول عند وضع مسودّة تشريعاتها الوطنية.(32) ولكن تواجه الدول قرارات صعبة، عملية ونظرية على حد سواء، في وضع تقاسم الفوائد موضع التنفيذ العملي. أولا، كثيرا ما تكون الموارد غير "مملوكة" من أي شخص معيّن، ولكنها تراث لمجتمع او أكثر من المجتمعات غير متماسكة بالضرورة او تعيش جميعها في بلد واحد. وثانيا، بينما يمكن اقتفاء أثر بعض الموارد الجينية الى أماكن ومواطن طبيعية محددة، ففي حالات أخرى تكون تلك الموارد مؤلفة من مكونات من بلدان عديدة، وبالتالي تصبح ترتيبات تقاسم الفوائد غير عملية البتة. وثالثا، بالنظر الى تنوّع الظروف الوطنية او في الواقع تلك داخل الأمم فيما يتعلق بأحوالها الثقافية والاقتصادية او المؤسسية، فمن الصعوبة للغاية استنباط تشريعات وممارسات تغطي هذا التنوّع بطرق تسهّل تنفيذ مثل تلك التدابير. وفي الواقع، ينبغي اتخاذ الحذر بأن التشريعات والممارسات التي تسعى الى تطبيق ميثاق التنوّع الاحيائي لا تقيّد من غير لزوم او تحبط الاستعمال المشروع للموارد الجينية، ان كان من أجل تسويقها تجاريا او للأبحاث العلمية. هناك بعض الأدلة تشير الى ان تشديد التقييدات في بعض الدول قد أعاق حرية علماء البيولوجيا الذين يدرسون الموارد الجينية من التوصل اليها.(33)

 

ومع الاعتراف بتلك الصعوبات، نحن نركّز على كيف يجب تعديل قواعد الملكية الفكرية، في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، لتوفير الدعم للقدرة على الوصول الى الموارد الجينية وتقاسم الفوائد. يجادل الكثيرون بالقول انه بما ان اتفاقية "تريبس" لا تأتي على ذكر ميثاق التنوّع الاحيائي، وميثاق التنوّع الاحيائي لا يأتي على ذكر اتفاقية "تريبس"، لا يوجد أي تعارض بين الاتفاقيتين. وعلاوة على ذلك فهم يجالون بالقول ان اتفاقية "تريبس" تؤيد ميثاق التنوّع الاحيائي من حيث ان التسجيل ببراءة كثيرا ما يولّد التسويق التجاري الذي بدوره يولّد الفوائد التي هي متطلّب أساسي لأي ترتيب لتقاسم الفوائد. وقد واجه الآخرون هذه الحجة بالاشارة الى بما انه من المسموح به في اتفاقية "تريبس" التسجيل ببراءة المبني على استعمال الموارد الجينية، (رهن بتلبية معايير التسجيل ببراءة)، هذا لا يدعم أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي لأن معايير التسجيل ببراءة لا تشمل الموافقة المدروسة المسبقة او الشروط المتبادلة المتفق عليها بشأن تقاسم الفوائد. اذا بينما يؤكد ميثاق التنوّع الاحيائي السيادة الوطنية على الموارد الجينية، لا يوجد أي شيء في اتفاقية "تريبس" يؤيد أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي. يمكن للشركات الأجنبية ان تحصل على حقوق خاصة مستمدة من الموارد الوطنية، ولكن اتفاقية "تريبس" صامتة بخصوص الواجبات الواردة في ميثاق التنوّع الأحيائي. ومع ذلك، حتى الذين، بصورة رئيسية من الحقل الصناعي، يدعون بأنه لا يوجد أي تعارض بين ميثاق التنوّع الاحيائي واتفاقية "تريبس"، يؤيدون عموما المبادىء الأساسية لميثاق التنوّع الأحيائي. بما ان ميثاق التنوّع الأحيائي يؤيد المبدأ القائل بأن للدول السيادة على مواردها الطبيعية، يترتب على تلك الصناعات المهتمة في استغلال الموارد الجينية ان تتأكد من أن النشاطات الاستكشافية تجري على أساس الموافقة المدروسة المسبقة ووجود اتفاق على تقاسم الفوائد. فاذا تجاهلوا تلك المبادىء عندئذ أي حصول على تلك الموارد قد يكون غير شرعي.

 

هذا وبالنظر الى الصعوبات المفهومة التي تواجهها الدول النامية في صياغة وتطبيق القوانين المتعلقة بالحصول على الموارد وتقاسم الفوائد، نرى انه ينبغي على الدول المتقدمة والدول النامية أن تعمل أكثر للتأكد من ان أنظمتها للملكية الفكرية تساعد على تشجيع أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي، وتشجيع تبادلية المصالح التي يمكن ان توجد بين مزودي الموارد الجينية، بصورة رئيسية في الدول النامية، ومستعمليها الذين يقعون بصورة رئيسية في الدول المتقدمة.

 

الافصاح بالمنشأ الجغرافي للموارد الجينية في طلبات تسجيل براءات الاختراع    

 

هناك اقتراح يقول بأنه يتوجب على المتقدمين للحصول على حقوق الملكية الفكرية المؤلفة او المتقدمة من المواد الجينية ان يحددوا منشأ تلك الموارد وان يقدموا برهانا بأنهم حصلوا على تلك الموارد بالموافقة المدروسة المسبقة للبلد الذي أخذوها منه. نقدّم في المربّع 4:4 أمثلة على الدول التي أدخلت تلك المتطلبات في قوانينها.

 

ان الطبيعة الاقليمية لبراءات الاختراع تعني بأن المتطلبات المشار اليها أعلاه تنطبق فقط على براءات الاختراع الصادرة في تلك الدول او المناطق. مثلا لا علاقة لها ببراءات الاختراع الصادرة في الولايات المتحدة او اليابان. يقولون بأن ذلك يبرّر الوصول الى حل دولي لهذا الموضوع.

 

ويقال بأن المتطلّب في جميع القوانين المترتبة على براءات الاختراع والذي يقضي بافصاح مصدر الموارد الجينية وتقديم بيّنات على الحصول على الموافقة المدروسة مقدما، من شأنه ان يزيد الشفافية وبتوفير المعلومات ان يساعد في تطبيق أية ترتيبات للحصول عليها ولتقاسم فوائدها. وقد يظهر قضايا شبيهة بقضية "هوديا".

 

المربّع 4:4 بعض الأمثلة على تشريعات لبراءات الاختراع تشمل الافصاح بمنشأ الموارد

 

الهند: ينص القسم 10 (محتويات المواصفات) من قانون براءات الاختراع 1970 حسب تعديله في قانون التعديل الثاني لبراءات الاختراع (200) بأنه يترتب على طالب البراءة ان يفصح بالمصدر والمنشأ الجغرافي لأية مواد بيولوجية مودعة بدلا من وصفها. ويسمح أيضا القسم 25 (اعتراض لمنح براءة الاختراع) حسب تعديله برفع الاعتراض على أساس ان "المواصفات الكاملة لا تفصح او تذكر خطأ المصدر او المنشأ الجغرافي للمواد البيولوجية المستعملة في الاختراع".

 

المجتمعات الأنديانية: ينص القرار الأندي 486 في المادة 26 بأنه يجب تقديم الطلبات للحصول على براءات الاختراع للمكتب الوطني المختص ويجب ان تحتوي على ما يلي:

 

(ك)  نسخة من العقد الذي يتيح الحق في الحصول على الموارد، اذا كان قد جرى الحصول على المنتجات او العمليات الصناعية التي يطلبون البراءة لها، او تم تطويرها من موارد جينية او من منتجات يعود منشؤها الى احدى الدول الأعضاء؛

 

(ل)  واذا كان ملائما، نسخة من الوثيقة التي تصدّق على صحة الرخصة او تصريح لاستعمال المعرفة التقليدية لأهل البلاد القدامى الأصليين، أمريكان أفريقيين او مجتمعات محلية في الدول الأعضاء التي جرى فيها الحصول على او تطوير المنتجات او العمليات الصناعية التي يطلبون حمايتها والمبنية على أساس المعرفة المتأصلة في أي من الدول الأعضاء، وذلك بموجب الشروط الواردة في القرار 391 وتعديلاته وأنظمته الفعالة؛

 

كوستا ريكا: التنوع الاحيائي تنص المادة 80 من القانون 7788 (الاستشارة السابقة الواجبة) بأن "يترتب على مكتب البذور الوطني وسجلات الملكية الفكرية والصناعية ان يتشاورا مع المكتب الفني للجنة ادارة التنوّع الاحيائي قبل منح الحماية للملكية الفكرية او الصناعية وذلك لابتداعات تشمل مكوّنات من التنوّع الاحيائي. ويجب ان يقدما دائما شهادة المنشأ الصادرة عن المكتب الفني للجنة وأيضا الموافقة المدروسة المسبقة. المعارضة المبررة من المكتب الفني تمنع تسجيل براءة اختراع او حماية للابتداع."

 

الفشل في تزويد المعلومات اللازمة في أي من الحالات المشار اليها أعلاه من شأنه ان يؤدي الى رفض طلب براءة الاختراع او الى الغائها.

 

اوروبا: ينصّ الوصف 27 في التوجيه 98/44 بخصوص الحماية القانونية للاختراعات البيوتكنولوجية بأنه يتوجب ان يشمل طلب البراءة، حيث يكون مناسبا، معلومات عن المنشأ الجغرافي للمادة البيولوجية اذا كانت معروفة. ولكن هذا أمر تطوعي تماما، اذ لا يخلّ بالبت في طلبات البراءات او في صلاحية الحقوق الناجمنة عن البراءات الممنوحة.

 

ويقول المعارضون بأن السعي الى مواجهة الحصول غير المشروع او الاستعمال غير المصرّح به عن طريق قانون لبراءات الاختراع، لا يخاطب حالات لا تكون فيها براءات الاختراع مشمولة. وعلاوة على ذلك، فان ادخال مثل هذا المتطلّب فقط للموارد الجينية والمعرفة الملازمة لها، يميّز ضد الحالات الأخرى التي يكون قد جرى الحصول على براءات فيها نتيجة للنشاطات غير المشروعة او غير المصرّح بها.  ويقال أيضا ان ذلك من شأنه ان يؤدي الى شكوك قانونية ويخلق "صعوبات جدية من الوجهة العملية" حيث "كثيرا ما يكون منشأ العيّنة الاحيائية غير واضح".(34) وحتى عندما يكون مصدر المادة الآني معروفا فقد لا يكون ذلك المصدر الأصلي ولا سيما عندما يجري الحصول على المادة، كما هو معروف، من مقتنيات "خارج الموقع" تم جمعها على مدى سنوات عديدة.

 

من الصعوبة الحكم على تلك الشكوك. عندما تكون شركة ما مهتمة بمورد جيني معيّن فمن المحتمل ان تسعى الى اكتشاف أكبر قدر من المعلومات عن المادة على قدر الامكان بسبب صلتها بمنفعتها المحتملة (مثل كيف تقوم المجتمعات المحلية باستخدام تلك المادة). في مثل تلك الحالات من المحتمل ان يكون المنشأ الجغرافي للمادة معروفا. ولكن في حالات أخرى قد تصعب معرفة المنشأ الجغرافي الدقيق للعينة الفردية. ومع ذلك من غير المحتمل، ولا سيما بالنسبة لعينات تم الحصول عليها بعد عام 1992، بأن لا تكون بعض المعلومات عن المصدر الجغرافي لعيّنة معيّنة غير متوفرة. وبموجب نصوص ميثاق التنوّع الاحيائي يجب تقاسم أية فوائد مع البلد الموفّر للمورد بغض النظر ان كان يعود في الواقع مصدر المورد الى ذلك البلد.(35) مثلما رأينا تنص المعاهدة الدولية المترتبة على المصادر الجينية للنباتات آلية مختلفة للمصادر الجينية للنباتات ذات المنشأ المتغاير.

 

ومن الأهداف المعلومة القاضية بافصاح المنشأ والموافقة المدروسة المسبقة هو تشجيع الامتثال بقدرة التوصل الى الموارد وبمبادىء تقاسم الفوائد الواردة في ميثاق التنوّع الاحيائي. ولكن، هناك آليات وحوافز أخرى يمكنها ان تخاطب هذا الهدف. الفشل في الحصول على تصريح للتوصل الى الموارد او استعمالها قد يؤدي، مثلا، الى رفع قضية ضد الفاعل بموجب مبدأ الاستعمال من غير حقه او الاخلال بشروط العقد. ولكن السعي للحصول على تعويض بهذه الطريقة مضيع للوقت وباهظ الثمن وذو فائدة محدودة لأصحاب المعرفة التقليدية. وبالاضافة الى ذلك فان وصمة العار في تعريف المؤسسة على انها "قرصان احيائي" قد يكون أيضا حافزا يجعل المنظمات تحافظ على استقامة نشاطاتها. وقد يحرم المعروفون بانتهاك شروط ميثاق التنوّع الاحيائي من أي حصول في المستقبل على المادة. وقد جرى التفكير بتلك العقوبة في بنغلاديش.(36) يمكن لمزودي المواد ان يتفقوا جماعيا على تزويد فقط تلك المنظمات المستعدة للافصاح في أي طلب للحصول على براءة الاختراع بأنها ستقدم تفاصيل كاملة عن أية عقود أبرمتها للحصول على المواد. قد لا تكون تلك الحوافز كافية لوحدها. تبنّت الشركات والمؤسسات التي تستعمل او تزوّد المواد الاحيائية او المعرفة التقليدية او عمليات للمارسة تشمل نشاطات ذات علاقة بميثاق التنوّع الاحيائي.(37)

 

ومع ذلك فاننا نعتقد بأنه من الأهمية الاعتراف بقوة ميثاق التنوّع الاحيائي، حتى وان تكن فقط بضعة دول قد سنّت تشريعات خاصة بقدرة التوصل الى الموارد وعلى تقاسم الفوائد. وهكذا نحن نستنتج بالقول انه عندما تكون دولة ما قد أسست اطارا قانونيا واضحا يتحكم بحرية التوصل الى الموارد الاحيائية و/او المعرفة التقليدية عندئذ يمكن لتلك الدولة ان تتخذ الاجراءات القانونية عندما تمنح حقوق الملكية الفكرية لمواد او معرفة تكتسب بطريقة غير مشروعة من تلك الدولة.

 

وفي الواقع يمكننا ان نذهب الى حد أبعد من ذلك في دعم أهداف ميثاق التنوّع الاحيائي بالقول انه يجب ان لا يكون بوسع أي شخص ان يستفيد من أية حقوق للملكية الفكرية مؤلفة من، او مبنية على، موارد جينية او معرفة ملازمة يجري الحصول عليها بطريقة غير مشروعة او تستعمل بطريقة غير مصرّحة بها. وعلى تلك المنظمات التي تفكّر بالموضوع حاليا ان تفحص ما هي التدابير الممكنة ضمن الاطار الدولي القائم لتلبية هذا الهدف. ونحن نقترح بالاضافة الى رفض طلبات تسجيل البراءات او الغاء الحقوق التفكير أيضا باعلان حقوق الملكية الفكرية مثل هذه على انها غير قابلة للتطبيق.(38) مثل تلك العقوبة متوفرة في الولايات المتحدة بموجب مبادىء "الأيدي غير النظيفة" والسلوك غير المنصف، حيث ترفض المحكمة تطبيق براءة الاختراع ما لم ينظّف صاحب البراءة يديه او يصلح أي سلوك غير منصف او احتيالي. وفي تفسيرها لتلك المبادىء أشارت المحاكم الى ان المصلحة العليا تقضي بأن تصدر براءات الاختراع "من خلفيات متحررة من الاحتيال او من أي سلوك آخر غير منصف".(39) وقد أفادت المحكمة العليا الأمريكية بقولها:

 

"محكمة الانصاف تعمل فقط عندما وكيف يملي عليها ضميرها؛ وعندما يكون سلوك المدعي كريها بالنسبة لاملاءات العدالة الطبيعية، فعندئذ مهما تكن الحقوق الحائز عليها، ومهما يكن استخدامه لها في محكمة قانونية، يعتبر بأنه بدون وسيلة شرعية في محكمة الانصاف".(40) 

 

يملي مبدأ الانصاف بأنه يجب ان لا يكون بوسع الشخص ان يستفيد من حق الملكية الفكرية المبني على أساس الموارد الجينية او المعرفة المرافقة لها التي يكون قد اكتسبها بشكل يتنافى مع أية تشريعات تترتب على قدرة الوصول الى تلك المواد. وفي تلك الحالة يقع العبء على كاهل المشتكي ليثبت بأن صاحب الملكية الفكرية قد تصرّف تصرفا خاطئا. ولكن النذير لأي اجراء يجب ان يكون المعرفة بالخطأ. وللمساعدة في هذا المجال نرى انه من الضروري وجود متطلب الافصاح من النوع الذي سبق وتكلمنا عنه.

 

يجب على جميع الدول ان تنص في تشريعاتها مبدأ الافصاح الاجباري، في طلب الحصول على البراءة، للمعلومات المتعلقة بالمصدر الجغرافي للموارد الجينية التي استمد منها الاختراع. يجب ان يخضع هذا المتطلّب الى استثناءات معقولة، مثلا، عندما يتعذر حقا تحديد المصدر الجغرافي للمادة. ويجب فرض العقويات، ربما من النوع الذي ذكرناه أعلاه، فقط عندما يتبيّن بأن صاحب البراءة أخفق في الافصاح عن المصدر المعروف او يكون قد ضلّل عن قصد بشأن المصدر. ينبغي على مجلس "تريبس" ان يدرس الموضوع في سياق الفقرة 19 من اعلان الدوحة الوزاري.

 

ويجب التفكير أيضا في تأسيس نظام بحيث يمكن لمكاتب براءات الاختراع، التي تنظر في طلبات البراءة التي تحدد المصدر الجغرافي للموارد الجينية او المعرفة التقليدية، ان تنقل تلك المعلومات اما الى البلد المعني او الى المنظمة العالمية للملكية الفكرية التي يمكنها ان تعمل بمثابة مستودع للمعلومات المتعلقة ببراءات الاختراع في أمور تتعلق "بالقرصنة الاحيائية". يمكن عبر تلك التدابير مراقبة عن كثب استخدام وسوء استخدام الموارد الجينية.

 

المؤشرات الجغرافية

 

الخلفية

 

في بداية هذا الفصل نبحث في صلة المؤشرات الجغرافية بحماية المعرفة التقليدية. ولكن، للمؤشرات الجغرافية استعمالا واسعا وتشكّل بالنسبة لبعض الدول فئة من أهم فئات الملكية الفكرية. ينعكس ذلك في اتفاقية "تريبس".

 

المؤشرات الجغرافية واتفاقية "تريبس"

 

كانت المفاوضات بخصوص قسم المؤشرات الجغرافية في اتفاقية "تريبس" من أصعب المفاوضات.(41) انبثق ذلك من الانقسامات الواضحة بين المؤيدين الرئيسيين لاتفاقية "تريبس" وهما الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي. وبالاضافة الى ذلك، كما تبيّن في المحادثات اللاحقة في مجلس "تريبس"، هناك انقسامات أيضا بين الدول المتقدمة وبين الدول النامية. يعكس النص النهائي للاتفاقية تلك الانقسامات، وفي الطلب الى المزيد من العمل، يعترف النص بأنهم لم يتوصلوا الى اتفاق حول عدد من المسائل الهامة.

 

النتيجة هي ان النص الحالي لاتفاقية "تريبس" ينص على مقياس أساسي من الحماية وعلى مقياس أعلى للنبيذ والمشروبات الكحولية. ان شمل هذا المقياس العالي لا يشير الى الخصائص الفريدة للنبيذ وللمشروبات الكحولية بل كان حلا وسطا توصلوا اليه في المفاوضات. أدى عدم التوازن هذا الى مطالب بالمزيد من الحماية من عدد من الدول بما فيها الهند وباكستان وكينيا وموريشوس وسري لانكا.(42) تقول دول أخرى مثل الأرجنتين وتشيلي وغواتيمالا بأن تمديد الحماية الاضافية الى منتجات أخرى من شأنه أن يفرض أعباء مالية وادارية اضافية على جميع أعضاء منظمة التجارة العالمية وان تلك الأعباء ستفوق وزنا أية فوائد تجارية. وهي تعتقد بأن تلك الأعباء ستقع بقوة على أكتاف الدول النامية.

وفي غياب وجود تقييم جغرافي موثوق به فانه من الصعوبة تقدير حسنات وجهتي النظر. وهي بالطبع تعكس الفوارق في رؤية المصالح الاقتصادية بين الدول المتقدمة والدول النامية. وقد أشارت بعض الدول، مثل مصر وباراغواي، بأنها ستدخل حماية اضافية للمؤشرات الجغرافية في قوانينها الوطنية بالنسبة للمنتجات الأخرى.(43) وسنرى ما اذا كانت الحماية الاضافية الشاملة ستؤدي الى تكاليف اضافية كبيرة او الى فوائد، في غياب الاعتراف الدولي.

 

سجلّ متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية  

 

تقضي اتفاقية "تريبس" أيضا، بالاضافة الى توفير حماية متزايدة للمؤشرات الجغرافية على النبيذ والمشروبات الكحولية، بأن تجري مفاوضات في مجلس "تريبس" حول تأسيس سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية للنبيذ. مدّد مؤتمر الدوحة الوزاري هذا التكليف للتفاوض بشأن تأسيس نظام يشمل المشروبات الكحولية. ومثلما نذكر أدناه، تختلف مجموعات الدول في وجهات نظرها. البعض يريد استخدام السجل بمثابة سجل دولي كامل يجبر جميع الدول الأعضاء على توفير الحماية للمؤشرات الجغرافية التي تلبي متطلبات التسجيل. يريدونه الآخرون بمثابة نظام تطوّعي للتسجيل وكمصدر للمعلومات.

 

وقد جرى حتى الآن تقديم ثلاثة مقترحات مختلفة للسجل المتعدد الأطراف. يتصوّر الاتحاد الاوروبي سجلا يؤثر على جميع الدول الأعضاء في منظمة التجارة الدولية بغض النظر ان كانت لها أية مؤشرات جغرافية ام لا في السجل.(44) يترتب على أية دولة عضو في منظمة التجارة العالمية ترغب في الطعن بمؤشر جغرافي في السجل ان تبلغ الدولة المعنية بالأمر وان تدخل معها في مفاوضات بغرض حل سوء التفاهم بينهما. ويفيد الاقتراح المجري انه اذا قامت دولة عضو في منظمة التجارة العالمية بالطعن بنجاح شمل مؤشراً جغرافيا في السجل، بناء على أسس محددة، عندئذ ليست هناك حاجة الى قيام الدول الأعضاء الآخرين بحماية ذلك المؤشر الجغرافي.(45) وفي المقترحين، ان شمل الدليل الجغرافي في السجل يشكّل افتراضا بالمؤهلية للحماية بموجب أية وسائل قانونية منصوص عنها لحماية المؤشرات الجغرافية في أية دولة عضو في منظمة التجارة العالمية.

 

وبالمقابل يفيد الاقتراح المشترك المقدم من الولايات المتحدة وكندا وتشيلي واليابان تأسيس نظام للتسجيل ملزم فقط على تلك الدول التي تسعى الى المساهمة في النظام.(46) يمكن للدول الأعضاء المساهمة ان تستخدم السجل عندما، مثلا، تريد فحص طلبات تسجيل العلامات التجارية التي تحتوي على مؤشر جغرافي او مؤلفة منه. ويجري تشجيع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية غير المساهمة في السجل ان تستخدمه بالطريقة ذاتها. ومن المتوقع الانتهاء من المفاوضات على السجل، وفقا للمؤتمر الوزاري الأخير المنعقد في الدوحة، في وقت انعقاد المؤتمر التالي في المكسيك عام 2003.

وقد بدأت الأمانة العامة لمجلس "تريبس" في الكشف عن كيف قامت بعض الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، بمن فيها الدول النامية، بتلبية واجباتها بموجب اتفاقية "تريبس".(47) هناك لدى الغالبية العظمى من الدول التي حصلت الأمانة منها على معلومات، تشريعات معيّنة تشمل المؤشرات الجغرافية مع انه من غير الواضح ان كانت تلك التشريعات منبثقة مباشرة عن اتفاقية "تريبس" او كانت موجودة لتلبية الالتزامات الثنائية.

 

لا يبدو العبء الاداري في سن تشريعات جديدة في تلك الدول التي ليست لديها حماية حاليا عبئاً كبيرا. والسبب ان اتفاقية "تريبس" لا تتطلب حاليا أي نظام قومي رسمي لتسجيل المؤشرات الجغرافية، وبالتالي فان عبء وتكاليف فرض التطبيق يقع على كاهل أصحاب المؤشرات الجغرافية وليس على الحكومة. وكما سيأتي ذكره أدناه  فان تكاليف تأمين الانصياع لمستويات الجودة وتشجيع وتطبيق المؤشرات الجغرافية في الخارج قد تكون باهظة.

 

التأثير الاقتصادي للمؤشرات الجغرافية

 

من الأهمية عند التفكير بالمواقف التي يجدر اتخاذها في المباحثات الخاصة بالسجل المتعدد الأطراف والتمديد المحتمل لنطاق الحماية، ان تفكّر الدول النامية بحذر في التكاليف المحتملة وفي الفوائد. وفي الواقع مثلما صرحنا في مكان آخر من هذا التقرير، اننا نرى انه يجب القيام بتقييمات شاملة للتأثير الاقتصادي قبل ادخال أية واجبات جديدة ذات علاقة بالملكية الفكرية في الدول النامية.

 

هذا ومن الصعب تقييم النتائج الاقتصادية على الدولة النامية. الفائدة الاقتصادية الرئيسية للمؤشرات الجغرافية هي انها تشكّل علامة للجودة من شأنها ان تلعب دورا في تعزيز أسواق التصدير والايرادات. ولكن الحماية الزائدة، ولا سيما الحماية المطبقة دوليا، قد تؤثر تأثيرا ضارا على المشاريع التجارية المحلية التي تستعمل حاليا المؤشرات الجغرافية التي قد تصبح محمية من قبل طرف آخر. وهكذا يمكن لبعض الدول التي تنتج بدائل للبضائع التي ستصبح محمية بالمؤشرات الجغرافية ان تتكبّد خسائر من جراء ذلك. وانتشار المؤشرات الجغرافية بكثرة من شأنه ان يخفّض قيمتها الفردية.

 

ويقال أيضا ان المؤشرات الجغرافية قد تهم بصورة خاصة عددا من الدول النامية التي يمكن ان تكون لها أفضلية مقارنة، او يمكنها ان تحقق أفضلية مقارنة، في المنتجات الزراعية والأطعمة والمشروبات الخفيفة المعالجة صناعيا.(48) وهكذا قد تجني تلك الدول التي تسعى الى حماية وتطبيق المؤشرات الجغرافية في الخارج مكاسب اقتصادية. ولكن قد تكون التكاليف المنطوية على ذلك تكاليف باهظة، ولا سيما في تطبيقها. وعلاوة على ذلك، وقبل السعي الى الحماية في الخارج، من الضرورة تطوير وحماية المؤشرات الجغرافية في بلد المنشأ. وهناك حاجة الى موارد مالية لتأمين تطوير وصيانة الجودة المطلوبة للمنتج المشمول في المؤشر الجغرافي وسمعته او خصائصه الأخرى. ويجب بذل الجهود أيضا منعا من أن تصبح عبارة الدليل الجغرافي عبارة عادية تستخدم بسهولة من قبل الجميع (راجع المربّع 5:4).

 

من غير الواضح برأينا ان كان يمكن لتلك الدول ان تستفيد استفادة كبيرة من تطبيق المؤشرات الجغرافية. مثلا، في عام 1958 توصلوا الى اتفاقية لشبونة، وهو نظام دولي للحماية تديره منظمة التجارة العالمية لحماية تسميات المنشأ.(49) حتى هذا التاريخ انضمت 20 دولة الى الاتفاق (سبع دول منها دول متقدمة) ومنذ عام 1998 هناك 766 تسمية للمنشأ محمية بموجب الاتفاقية، 95% منها دول اوروبية.

 

 

المربّع 5:4 المؤشرات الجغرافية: قضية باسماتي

 

باسماتي هو نوع من الأرز يزرع في أقاليم البنجاب من الهند وباكستان. حبة الأرز رفيعة وطويلة ذات نكهة خاصة. يعود أصل هذا الأرز الى تلك المنطقة وهو يعتبر محصولا كبيرا للتصدير لكلا البلدين. تبلغ قيمة صادرات أرز باسماتي السنوية حوالي 300 مليون دولار أمريكي وهو يشكّل مصدر معيشة لالآف المزارعين في تلك البلاد.

 

ابتدأت "معركة باسماتي" في عام 1997 عندما منحت شركة تربية الأرز الأمريكية "رايس تك انك" براءة الاختراع (US5663484) المتعلقة بنباتات وبذور، تسعى فيها الى احتكار أنواع مختلفة من الأرز بما فيها بعض الأنواع التي تحتوي على خصائص شبيهة بأنواع باسماتي. قلقت الهند من تأثير ذلك على صادراتها فطلبت في عام 2000 اعادة النظر في تلك البراءة. استجابة لذلك الطلب سحب صاحب البراءة عددا من طلباته بما فيها تلك التي تشمل أنواع باسماتي. وسحب طلبات أخرى أيضا بعدما أبدى المكتب الأمريكي لبراءات الاختراع والعلامات التجارية قلقه من ذلك. ولكن تحوّل النـزاع من مسألة البراءة الى سوء استعمال اسم "باسماتي".  

 

في بعض الدول يمكن استعمال الاسم "باسماتي" للدلالة على الأرز ذي النكهة الخاصة وذي الحبة الطويلة الذي يزرع في الهند وباكستان. طلبت شركة "رايس تك" أيضا تسجيل العلامة التجارية "تكسماتي" في المملكة المتحدة مدعية ان كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة. عارضوا هذا الطلب بنجاح ووضعت المملكة المتحدة مدونة للمارسة في تسويق الأرز. ولدى المملكة العربية السعودية (التي تعتبر أكبر مستورد للأرز باسماتي) أنظمة مماثلة في تعريف الأرز باسماتي.

 

وتنص المدونة بأن "الاعتقاد لدى المستهلك في الدوائر التجارية والعلمية هو ان تميّزية أرز باسماتي الحقيقي لا يمكن الحصول عليها الا من المناطق الشمالية للهند وباكستان بسبب المجموعة المؤتلفة الفريدة والمعقدة الموجودة في بيئة تلك المناطق وفي تربتها  ومناخها والممارسات الزراعية فيها وجينات أنواع الأرز باسماتي."

 

ولكن في عام 1998 تقدم اتحاد الأرز الأمريكي بالقول ان كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة وتشير الى نوع من الأرز الذي يتميّز بنكهة خاصة. استجابة الى ذلك، رفعت جماعة من المنظمات المدنية الأمريكية والهندية عريضة تسعى فيها الى منع تسمية الأرز المزروع في الولايات المتحدة في الاعلانات بكلمة "باسماتي". رفضتها وزارة الزراعة الأمريكية ولجنة التجارة الفدرالية الأمريكية في شهر مايو/أيار عام 2001. لم تعتبر أية منهما بأن تسمية الأرز "باسماتي مزروع في امريكا" هي تسمية مضلّلة واعتبروا كلمة "باسماتي" على انها كلمة عامّة.

 

المشكلة غير محدودة بالولايات المتحدة؛ تزرع استراليا ومصر وتايلاند وفرنسا ايضا أرز من "باسماتي" وقد تحتذي حذو الولايات المتحدة وتعتبر رسميا بأن كلمة "باسماتي" هي كلمة عامّة.

يمكن حماية اسم "باسماتي" (وأسواق التصدير الهندية والباكستانية) بتسجيله بمثابة "مؤشر جغرافي". ولكن يتعيّن على كل من الهند وباكستان ان تفسّرا لماذا لم تتخذا أية اجراءات ضد التبني التدريجي للمنزلة العامّة لباسماتي منذ أكثر من 20 عاما. مثلا، لم ترفع الهند اعتراضا رسميا عندما أعلنت لجنة التجارة الفدرالية الأمريكية رسميا كلمة "باسماتي" على انها كلمة عامّة.

 

وحتى عند الأخذ بعين الاعتبار مواطن الضعف الموثّقة في اتفاقية لشبونة، مثل عدم وجود الاستثناء المناسب للمؤشرات الجغرافية التي أصبحت عامّة والتي تجعلها غير جذابة بالنسبة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، يبدو مستوى الاهتمام فيها محدود للغاية، حتى بين الدول النامية التي تعتبر الانضمام اليها أمرا جديرا بالاهتمام.(50)

 

وقد اقترحوا ضمن اطار المباحثات في منظمة التجارة العالمية على سجل متعدد الأطراف بأنه يجب التفكير مليا بالكلفة المحتملة، من بين أمور أخرى، الناجمة عن احداث نوع السجل الذي يقترحه الاتحاد الاوروبي.(51) وفي المباحثات الأخيرة التي جرت في المنظمة العالمية للملكية الفكرية نادى عدد من الدول النامية بالقيام بهذا النوع من التحليل.(52) ولكن لم يتوفر التأييد اللازم لأخذ ذلك الى الأمام من بعض الدول ذاتها التي تدعو الآن بقوة الى ذلك العمل في منظمة التجارة العالمية. نعتقد نحن مثل الآخرين بأنه فقط بهذا النوع من التحليل يمكن للدول النامية، ولا سيما ذات الدخل المنخفض، ان تتخذ مواقف مدروسة في المناقشات المستمرة حول المؤشرات الجغرافية، خصوصا داخل منظمة التجارة العالمية.(53)

 

ينبغي القيام بالمزيد من الأبحاث، بصورة ملحة، من قبل هيئة مختصة، ربما مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية، لتقييم ما يلي بالنسبة للدول النامية:

·                   التكاليف الفعلية او المحتملة المترتبة على تنفيذ شروط المؤشرات الجغرافية الحالية بموجب اتفاقية "تريبس"

·                   ما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه المؤشرات الجغرافية في تنمية تلك الدول

·                   التكاليف المحتملة والفوائد من تمديد الحماية الاضافية المتوفرة حاليا للنبيذ والمشروبات الكحولية الى منتجات أخرى

·                   تكاليف وفوائد مختلف المقترحات التي تقدموا بها لتأسيس سجل متعدد الأطراف للمؤشرات الجغرافية.

_________________________________________________________

(1)  في بقية هذا الفصل يجب الافتراض بأن الاشارة الى "المعرفة التقليدية" تعني أيضا الفولكلور، ما لم يشر الى عكس ذلك.

(2)  ورقة حقائق لمنظمة التجارة العالمية رقم 271، يونيو/حزيران 2002.

http://www.who.int/medicines/organization/trm/factsheet271.doc

(3)  تنص المادة 8j من ميثاق التنوّع الاحيائي بأنه يتوجب على "الأعضاء ان يحترموا ويصونوا ويحافظوا على معرفة وابتداعات وممارسات أهل البلاد الأصليين والمجتمعات المحلية التي تجسّد أساليب الحياة التقليدية ذات الصلة بصون وديمومة استخدام التنوّع الاحيائي وان يشجّعوا تطبيقها الأوسع وذلك بموافقة واشتراك أصحاب مثل تلك المعرفة والابتداعات والممارسات وان يشجعوا التقاسم المنصف للفوائد الناجمة عن استغلال مثل تلك المعرفة والابتداعات والممارسات". المصدر: http://www.biodiv.org/convention/articles.asp

(4)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(5)  راجع شرح الكلمات للتعريف.

(6)  للحصول على المزيد من المعلومات بخصوص شتى المناقشات المتواصلة راجع مثلا "وضع المناقشة حول المعرفة التقليدية"، ورقة بمعلومات خلفية أعدتها امانة سر مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية للندوة الدولية حول أنظمة حماية المعرفة التقليدية وتسويقها تجاريا، ولا سيما الأدوية التقليدية، 3-5 أبريل/نيسان 2002، نيودلهي. المصدر: env/test1/meetings/delhi/statedebateTK.doc http://www.unctad.org/trade 

(7)  الفقرة 19 من الاعلان الوزاري الصادر عن مؤتمر منظمة التجارة العالمية في الدوحة (وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم WT/MIN(01)/DEC/1) التي تم تبنيها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2001 تدعو مجلس "تريبس" الى دراسة مسألة حماية المعرفة التقليدية والفولكلور. المصدر:

http://www.wto.org/english/thewto e/minist e/min01 e/mindecl e.doc

(8)  المنظمة العالمية للملكية الفكرية (1999) "حاجات وتوقعات الملكية الفكرية من أصحاب المعرفة التقليدية"، تقرير المنظمة العالمية للملكية الفكرية حول بعثات تقصي الحقائق 1998-1999، المنظمة العالمية للملكية الفكرية، جنيف ( النشرة رقم 768E). المصدر:

http://www.wipo.int/globalissues/tk/report/final/index.html

(9)  C. Correa (2001) "المعرفة التقليدية والملكية الفكرية"، QUNO، جنيف. المصدر: http://hostings.diplomacy.edu/quaker/new/doc/tkcol3.pdf

(10)  محضر ورشة عمل نظمتها اللجنة حول المعرفة التقليدية، 24 يناير/كانون الثاني 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(11)  المصدر: http://www.niaaa.com.au/label.html

(12)  مراجعات المنظمة العالمية للملكية الفكرية لحماية الملكية الفكرية للمعرفة التقليدية (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية رقم WIPO/GRTKF/IC/3/7) 25 مارس/آذار 2002. المصدر: ( 7.doc http://wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 والفولكلور (وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية الرقم WIPO/GRTKF/IC/3/10)  10.doc http://wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 ) .

(13)  S. McDonald (2001) "دراسة تمهيدية للتكاليف المخفية لبراءات الاختراع – ملاحظات خطاب ألقي في بيت الكويكرز في جنيف 16 مايو/أيار 2001"، وثيقة QUNO تصدر بين الحين والآخر 4، QUNO ، جنيف. المصدر: http://hostings.diplomacy.edu/quaker/new/doc/OP4.pdf

(14)  نظام sui generis للحماية هو نظام مميز مكيّف او منقّح لاستيعاب الخصائص الخاصة للمعرفة التقليدية او الفولكلور. تتوفر  أنظمة sui generis للحماية حاليا في مجالات مثل حماية منوّعات النباتات (نظام الاتحاد الدولي لحماية الأنواع الجديدة من النباتات) وحماية قواعد المعطيات (توجيه الجماعة الاوروبية 96/9/EC ، 11 مارس/آذار 1996. المصدر: (http://www.eurogeographics.org/WorkGroups/WG1/eu directive.pdf

(15) قانون حقوق البلاد الأصليين 1997، القانون الجمهوري رقم 8371. المصدر: http://www.grain.org/docs/phillipines-ipra-1999-en.pdf وقانون حماية الحقوق الفكرية للمجتمعات 1994 مشروع قانون يبحث في مجلس الشيوخ رقم  1841 (غير مفصول فيه). المصدر:

http://www.grain.org/docs/phillipines-cipra-1999-en.pdf

(16)  القانون الوطني لحماية التراث الثقافي (رقم 26097، كما هو معدّل في عام 1998) وكما هو مفسّر في وثيقة المنظمة العالمية للملكية الفكرية  الرقم المنظمة العالمية للملكية الفكرية/GR المعرفة التقليدية F/IC/3/7 . المصدر: http://www.wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 7.doc

(17)  نموذج أفريقي للتشريعات لحماية حقوق المجتمعات المحلية والمزارعين والمربين للنباتات ولتنظيم حرية التوصل الى الموارد الاحيائية، قانون نموذجي لمنظمة الوحدة الأفريقية، 2000. المصدر: http://www.grain.org/publications/oau-model-law-en.cfm

(18)  Milpurruru وغيره ضد Indofurn Pty Ltd وغيره (1995) 30 حقوق الملكية الفكرية 209

(19)  محضر ورشة عمل نظمتها اللجنة حول المعرفة التقليدية، 24 يناير/كانون الثاني 2002. المصدر: http://www.iprcommission.org

(20)  الاجتماع السادس لمؤتمر الأطراف في ميثاق التنوّع الاحيائي، لاهاي، هولندا، 7-19 أبريل/نيسان 2002. القرار VI/24 C 3(b) يطلب المزيد من التفكير في دور القوانين العرفية والممارسات فيما يتعلق بحماية الموارد الجينية والمعرفة التقليدية والابتداعات والممارسات وعلاقتها بحقوق الملكية الفكرية. المصدر: http://www.biodiv.org/decisions/default.asp?lg=0&m=cop-06&d=24

(21)  اعلان مشترك لاجتماع خبراء الدول الـ 15 حول العلوم والتكنولوجيا، "الاستخدام القابل للدوام للمعرفة التقليدية وأنظمة الحماية"، 3-5 أبريل/نيسان 2002، كاراكاس. المصدر: http://www.mct.gov.ve/g15/declaracionbioingles.htm

(22)  قائمة جرد بقواعد المعطيات الحالية على الانترنت التي تحتوي على معطيات توثيق المعرفة التقليدية (المنظمة العالمية للملكية الفكرية/GR المعرفة التقليدية F/IC/3/6  - 10 مايو/أيار 2002). المصدر: http://www.wipo.org/eng/meetings/2002/igc/doc/grtkfic3 6.doc

(23)  مثلا، تسعى الأمانة الوطنية للابتداع في الهند للحصول على الموافقة المدروسة المسبقة للمبتدعين المحليين ولأصحاب المعرفة قبل نشر ابتداعاتهم او معرفتهم لأطراف ثالثة. اتفقوا أيضا على شكليات تقاسم الفوائد. المصدر: http://www.nifindia.org/benefit.htm

(24)  اللجنة المشكلة من الحكومات التابعة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية حول الملكية الفكرية والموارد الجينية، المعرفة التقليدية والفولكلور. الدورة الثالثة، يونيو/حزيران 2002، جنيف. المصدر: http://www.wipo.int/eng/meetings/2002/igc/index 3.htm

(25)  M. Riley (2000) "مركز الأبحاث في الطب التقليدي – أداة محتملة لحماية المعرفة الطبية التقليدية والقبلية في لاوس"، فصلية البقاء الثقافي، المجلد 4:24. المصدر: http://www.cs.org/publications/CSQ/244/riley.htm

(26)  استراتيجية الطب التقليدي لمنظمة الصحة العالمية للأعوام 2002-2005 (وثيقة منظمة الصحة العالمية الرقم WHO/EDM/TRM/20002.1). المصدر: http://www.who.int/medicines/library/trm/trm strat eng.pdf

(27)  للحصول على بحث حول مشروع قانون العلامات التجارية راجع: http://www.ruddwatts.com/newsroom/publications/ip/newtrademarksbill.asp

(28)  المادة 1 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(29)  المادة 15 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(30)  راجع الملاحظة 3 أعلاه.

(31)  المادة 16 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(32)  خطوط "بون" الهادية حول الحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للفوائد الناجمة عن استعمالها. المصدر:

http://www.biodiv.org/decisions/default.asp?lg=0&m=cop-06&d=24

(33)  A. Revkin  "علماء البيولوجيا سعوا الى الحصول على معاهدة؛ والآن يعيبونها"، جريدة نيويورك تايمز، 7 مايو/أيار 2002. المصدر:

http://www.nytimes.com

(34)  "هل يتوجب على طالبي براءات الاختراع ان يفصحوا بمنشأ المواد الاحيائية التي على أساسها يطلبون براءات الاختراع؟ وهل عليهم ان يبرهنوا حصولهم على الموافقة المدروسة المسبقة لاستعماله؟ بيان بسياسة ICC، أبريل/نيسان 2002 (رقم الوثيقة 450/941 Rev. 10). المصدر:

rules/statements/2002/should%20patent%20applicants.asp http://www.iccwbo.org/home/statements

(35)  المادة 2 من ميثاق التنوّع الاحيائي.

(36)  المادة 13(3) قانون التنوّع الاحيائي وحماية معرفة المجتمع في بنغلاديش، مسودة النص المقترح من قبل اللجنة الوطنية للمصادر الجينية للنباتات، 29 سبتمبر/أيلول 1998. المصدر: http://www.grain.org/docs/bangladesh-comrights-1998-en.pdf

(37)  راجع الارشادات للسياسة المشتركة للحدائق النباتية المساهمة وأمثلة أخرى سلّط عليها الأضواء S. Laird (المحرر) (2000) "التنوّع الاحيائي والمعرفة التقليدية – الشراكة المنصفة في الممارسة"، ايرثسكان، لندن، الصفحات 51-53.

(38)  N. Pires de Carvalho (2000) "لزوم الفصح بمنشأ الموارد الجينية والحصول على الموافقة المدروسة المسبقة في طلبات براءات الاختراع بدون خرق اتفاقية تريبس: المشكلة والحل"، جامعة واشنطن، مجلة القانون والسياسة، المجلد 2، الصفحات 371-401. المصدر:

http://www.law.wustl.edu/journal/2/p371carvalho.pdf

(39)  Precision Instruments Mfg. ضد Auto. Maint. Mach. Co. 324 US 806 (1945)

(40)  Keystone Driller Co. ضد General Excavator Co. 290 U.S. 240, 245  (1933) الاستشهاد بـ Deweese   ضد Rienhart

165 U.S. 386, 390 (1887).

(41)  S. Escudero (2001) "الحماية الدولية للمؤشرات الجغرافية والدول النامية" أوراق عمل TRADE الرقم 10، ساوث سنتر، جنيف. المصدر:

http://www.southcentre.org/publications/geoindication/toc.htm

(42)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/308/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/IP/C/W308R.doc

(43)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/278/Add.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w278a1.doc و IP/C/W/231 المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w231.doc

(44)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/`07/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w107R1.doc

(45)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/255  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w255.doc

(46)  وثيقة منظمة التجارة العالمية رقم IP/C/W/133/Rev.1  المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w133R1.doc

(47)  "ملخّص الاستجابات على قائمة الأسئلة"، IP/C/W/253 المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/ip/c/w253.doc

(48) البنك العالمي (2001) "التوقعات الاقتصادية العالمية والدول النامية 2002: جعل التجارة تعمل من أجل فقراء العالم"، البنك العالمي، واشنطن دي سي، الصفحات 143-144. المصدر: http://www.worldbank.org/prospects/gep2002/full.htm

(49)  تسمية المنشأ هي "الاسم الجغرافي للبلد او المنطقة او الموقع الذي يحدد المنتج المنشأ فيه، والذي تعود جودته وخصائصه  اليه بصورة مقتصرة او أساسا الى البيئة الجغرافية، بما فيه العوامل الطبيعية والبشرية"، المادة 2 من اتفاقية لشبونة حول حماية تسميات المنشأ. المصدر:

http://www.wipo.org/treaties/registration/lisbon/

(50)  M. Blakeney (2001) "المؤشرات الجغرافية واتفاقية تريبس"، وثيقة QUNO  تصدر بين حين وآخر 8، مكتب الكويكر للأمم المتحدة، جنيف. المصدر: http://www.geneva.quno.info/new/doc/OP8%20Blakeney.pdf

(51)  "مسائل للبحث في المفاوضات بموجب اتفاقية تريبس المادة 23-4"، تقدمة الولايات المتحدة الى مجلس تريبس، 10 أبريل/نيسان 2002، وثيقة منظمة التجارة العالمية الرقم TN/IP/W/2. المصدر: http://www.docsonline.wto.org/DDFDocuments/t/tn/ip/w2.doc

(52)  الأرجنتين، السودان، ماليزيا والمكسيك. اللجنة الدائمة للمنظمة العالمية للملكية الفكرية حول القانون المترتب على العلامات التجارية والتصاميم الصناعية والمؤشرات الجغرافية. الدورة السابعة، ديسمبر/كانون الأول 2001. وثيقة المنظمة العالمية لبراءات الاختراع الرقم SCT/7/4 Prov.2. المصدر:

http://www.wipo.org/dct/en/documents/session 7/pdf/sct7 4.pdf

(53)  D. Rangnekar (2002) "المؤشرات الجغرافية: مراجعة لمقترحات مجلس تريبس". مسودة وثيقة، مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة والتنمية/المركز

الدولي للتجارة والتنمية القابلة للاستمرار، جنيف. المصدر: http://www.ictsd.org/unctad-ictsd/docs/GI paper.pdf


الفصل الخامس

 

حقوق النشر والتأليف وبرامج الحاسب الآلي وشبكة الانترنت

 

المقدمة

 

يتعيّن على أي تحقيق جدي في موضوع الملكية الفكرية والتنمية بأن يأخذ بعين الاعتبار الدور المهم والحرج لحقوق النشر والتأليف وللصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف (مثل النشر والأفلام والتلفزيون والاذاعة والموسيقى والآن برامج الحاسب الآلي أيضا) في انتاج ونشر المعرفة والمنتجات المبنية على أساس المعرفة. تزوّد تلك الصناعات "المواد الخام" الفكرية للعلوم والابتداع، بالاضافة الى التعليم والتربية عموما، وقد ساعدت في تحقيق زيادات دراماتية في الانتاجية عن طريق المساعدة في استحداث منتجات مبنية على المعلوماتية مثل برامج النشر بواسطة الحاسب الآلي، والبريد الالكتروني او قواعد معلومات الحاسب الآلي العلمية المتقدمة. وعلاوة على ذلك، فقد تطوّرت الصناعات التي تعتمد على حقوق النشر والتأليف الى مصدر عظيم للثروة ولاستحداث الوظائف في اقتصاد عالمي يعتمد على المعرفة. ففي الولايات المتحدة، مثلا، ازدادت قيمتها المجتمعة العامة بسرعة كبيرة في السنوات العشرين الى الثلاثين الماضية بحيث تساهم حاليا معا بأكثر من 460 مليار دولار أمريكي من الانتاج المحلي الاجمالي الامريكي وبلغت قيمة صادراتها في عام 1999(1) 80 مليار دولار أمريكي تقريبا.

 

بالنسبة للدول النامية يتيح ذلك فرصا وتحديات هائلة على حد سواء:

 

"يعتبر احداث وملكية منتجات المعرفة على أهمية متزايدة بالنظر الى تمركزية الاعلام والمعرفة في اقتصادات ما بعد الاقتصادات الصناعية. فقد توسّع مفهوم حقوق النشر والتأليف، الذي كان أصلا معدا لحماية المؤلفين ودور نشر الكتب، بحيث يشمل الآن منتجات أخرى من منتجات المعرفة مثل برامج الحاسب الآلي والأفلام...وقد برزت حقوق النشر والتأليف على انها من أهم الأساليب لتنظيم التدفق الدولي للأفكار وللمنتجات المبنية على أساس المعرفة، وستشكّل آلية مركزية لصناعات المعرفة في القرن الواحد والعشرين. لدى الذين يتحكمون بحقوق النشر والتأليف أفضلية كبيرة في الاقتصاد العالمي الناشىء المبني على أساس المعرفة. الواقع هو ان حقوق النشر والتأليف محفوظة الى حد بعيد في أيدي الأمم الصناعية الكبرى وفي أيدي مؤسسات الاعلام الكبرى المتعددة الجوانب الأمر الذي يضع الدول ذات دخل الفرد المتدني بالاضافة الى الاقتصادات الصغيرة في وضع ضعيف الى حد بعيد."(2)

 

ويعود تاريخ الحماية القانونية لحقوق النشر والتأليف الى القرن السابع عشر و "قانون آن"، وفي نهاية القرن التاسع عشر جرى تكريسها في "ميثاق بيرن". ومع ان لغة الاتفاق توحي بأنه نموذج لحماية حقوق المؤلفين والفنانين، الا انه في حالات كثيرة تعود حقوق النشر والتأليف ليس للأفراد بل الى الشركات التي توظفهم. حقا، تعتبر حقوق النشر والتأليف عنصرا أساسيا في النموذج التجاري لدور النشر والتلفزيون وشركات الاسطوانات الموسيقية وشركات انتاج برامج الحاسب الالي لأنها تمنح أصحابها حقوقا مقتصرة، من بينها، حقوقا على استنساخ وتوزيع الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. تتيح تقنيات الاعلام والاتصالات الجديدة (ICTs)، ولا سيما شبكة  الانترنت، المجال لاستخراج نسخ غير مصرّح بها ولكن غير محدودة وممتازة وبلا كلفة من أعمال محمية، بالاضافة الى توزيعها الحاضر تقريبا في كافة أنحاء العالم. يشكّل ذلك الأمر  تحديا غير مسبوق لقانون حقوق النشر والتأليف. يعتقد البعض بأن حقوق النشر والتأليف ستصبح في المستقبل أقل أهمية لدى تحوّل الصناعات الى الحماية المبنية على التكنولوجيا، عن طريق التشفير والتدابير المناهضة للالتفاف حول الحقوق مع ما يرافقها من قوانين للعقود وأشكال ضريبية sui generis من حماية الملكية الفكرية لقواعد المعلومات الرقمية.

 

ونحن نعتقد بأن القضايا ذات العلاقة بحقوق النشر والتأليف قد أصبحت على صلة متزايدة  ومهمة بالنسبة للدول النامية لدى دخولها عصر الاعلام ونضالها للمساهمة في الاقتصاد العالمي المبني على أساس المعرفة. طبعا، لدى بعض الدول النامية مخاوف طويلة الأمد من أن حماية حقوق النشر والتأليف على الكتب ومواد التعليم، مثلا، ستجعل من الصعب لها ان تحقق أهدافها في التعليم والأبحاث. وقد جرى التعبير عن تلك المخاوف بشكل جليّ في مؤتمر ستوكهولم حول ميثاق بيرن المنعقد في عام 1967 وهي لا تزال قائمة حتى الآن.

 

وتستحق حقوق النشر والتأليف انتباها خاصا الآن ليس لأن ملايين الناس لا يزالون يفتقرون الى الكتب وللأعمال الأخرى المحمية بحقوق النشر والتأليف بل لأن العقد المنصرم قد شاهد تقدمات سريعة في تقنيات الاعلام والاتصالات الأمر الذي غيّر طريقة انتاج وانتشار وخزن المعلومات. وترافق ذلك مع تقوية حماية حقوق النشر والتأليف على الصعيدين القومي والدولي. وفي الواقع تلك التغييرات في التكنولوجيات هي التي أدت الى قيام الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول المتقدمة بالضغط من أجل اتفاقية "تريبس" ومعاهدة حقوق النشر والتأليف للمنظمة العالمية للملكية الفكرية، بالاضافة الى نظام الحماية الضريبية sui generis لقواعد المعطيات التي أسسها الاتحاد الاوروبي في عام 1996. من المحتمل ان تكون لتلك الاتجاهات نواح ايجابية وسلبية على حد سواء بالنسبة للدول النامية ومن الأهمية بمكان ان نعلم كيفية تأثيرها على مثل تلك الدول ولا سيما الفقيرة منها.

 

المسألة الحرجة بالنسبة للدول النامية هي تحقيق التوازن الصحيح بين حماية حقوق النشر والتأليف من جهة وتأمين القدرة على الحصول على المعرفة وعلى المنتجات المبنية على أساس المعرفة من جهة أخرى. مسألة تكلفة الحصول على المعرفة وتفسير استثناءات "الاستخدام المنصف" او "التعامل المنصف" هما أمران حرجان بالنسبة للدول النامية خصوصا مع تمديد حقوق النشر والتأليف الى برامج الحاسب الآلي والى المواد الرقمية. هناك حاجة تدعو الى مواجهة تلك القضايا لتأمين قدرة حصول الدول النامية على المنتجات المهمة المبنية على أساس المعرفة وذلك في سعيها الى تعميم التعليم على الجميع والى تسهيل الأبحاث وتحسين التنافس وحماية تعابيرها الثقافية وتقليل الفقر.

نتناول في هذا الفصل المسائل التالية:

·                   ما هي أهمية حقوق النشر والتأليف كحافز للصناعة الثقافية ولغيرها من الصناعات في الدول النامية؟

·                   كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف على الدول النامية بصفتها دولا مستهلكة للمواد من الخارج، ولا سيما للمواد التعليمية، بما في ذلك عن طريق شبكة الانترنت؟

·                   ماذا يترتّب على الدول النامية ان تفعله لتطبيق حقوق النشر والتأليف؟

·                   كيف تؤثر حقوق النشر والتأليف والسوفتوير على الدول النامية؟

 

حقوق النشر والتأليف كحافز للابداع

 

مثلما أشارت بعض الوكالات أمثال المنظمة العالمية للملكية الفكرية والاونيسكو والبنك العالمي، من الأهمية ان تطوّر الدول النامية آليات للحماية والافادة من  الاستغلال التجاري لأعمالها الابداعية الماضية والحاضرة. يمكن لحقوق النشر والتأليف، من وجهة النظر هذه، ان تلعب دورا هاما في تطوير المجالات الثقافية في الدول النامية وذلك بتأمين المكافآت عن طريق الحقوق المقتصرة مقابل النسخ والتوزيع.(3) بحثنا في الفصل الرابع المسائل المتعلقة بحماية المعرفة التقليدية في الدول النامية والشيء الكثير منها له صلة بموضوعنا هذا بالقدر الذي يمكن فيه حماية مثل تلك المعرفة والابداعية بحقوق النشر والتأليف.

 

ومن المنظور العالمي، المكافآت المباشرة الناجمة عن حماية حقوق النشر والتأليف موجهة الى حد بعيد الى صناعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في اوروبا وأمريكا الشمالية. مثل ما يبيّن الجدول 1:5 أدناه انتجت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا واسبانيا وفرنسا وايطاليا فيما بينها حوالي ثلثي الصادرات العالمية من الكتب في عام 1998. ولكننا نجد في بعض الحالات بأن الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول النامية هي صناعات مزدهرة وتحصل على نصيبها من تلك المكافآت.

 

ولعل أشهر حالة هي صناعة برامج الحاسب الآلي الهندية. بين 1994-1995 و 2001-2002 ارتفع دخل تلك الصناعة الاجمالي من 787 مليون دولار أمريكي الى 2ر10 مليار دولار أمريكي (جزء كبير منها كان صادرات من برامج الحاسب الآلي التي ارتفعت قيمتها خلال تلك الفترة من 489 مليون دولار أمريكي الى 8ر7 مليارات دولار أمريكي) ومع حلول شهر مارس/آذار عام 2002 كان قطاع برامج الحاسب الآلي وخدماته يوظّف نحو 520 ألف عامل.(4) هناك طبعا قدر كبير من المواهب الابداعية في الدول النامية – مثل الموسيقيين في مالي وجاميكا او الفنانين التقليديين في نيبال – الذين يمكن الانتفاع من مواهبهم لتوليد المزيد من الثروة للاقتصادات الناشئة. ولكن يحدث ذلك فقط في وجود بنية اساسية محلية للصناعات الثقافية، مثلا للنشر والتسجيل. حاليا، يضطر عدد كبير من المؤلفين والموسيقيين في الدول النامية (ولا سيما في أفريقيا) الى الاعتماد على دور النشر او شركات الاسطوانات الأجنبية.

 

الجدول 1:5 الدول الرئيسية المصدّرة للكتب حسب حصتها من السوق، 1998

 

الولايات المتحدة                20%

المملكة المتحدة                  17%

المانيا                             10%

اسبانيا                            6%

فرنسا                             6%

ايطاليا                            6%

البلجيك/لوكسمبورغ                        4%

روسيا                            3%

سنغافورة                                    3%

كندا                                3%

غيرها                            22%

 

المصدر: الاونيسكو (2000أ)

 

وفي الوقت ذاته، ناهيك عن قصص النجاح مثل صناعة برامج الحاسب الآلي الهندية، هناك أيضا بعض الدول النامية التي توفر حماية لحقوق النشر والتأليف كأعضاء في اتفاقية بيرن منذ عشرات السنين (مثل بينين وتشاد اللتين انضمتا الى الاتفاقية في عام 1971)، لم تر أية زيادات تذكر في صناعاتها الوطنية المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف او في مستوى الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف التي تبتدعها شعوبها.

 

وهكذا توحي الأدلة بأنه يمكن لتوفر الحماية لحقوق النشر والتأليف ان يكون شرطا ضروريا ولكن ليس كافيا لتطوير صناعات محلية قابلة للاستمرار في قطاعات النشر والتسلية والترفيه وبرامج الحاسب الآلي في الدول النامية. هناك عوامل عديدة أخرى مهمة للتنمية المستديمة لمثل تلك الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف. فلنأخذ صناعة النشر في أفريقيا كمثل. عدم الامكانية في التنبؤ بمقدار مشتريات الجكومة والدول المانحة من الكتب، والادارة الضعيفة في الشركات المحلية، والتكاليف العالية لمعدات الطباعة والورق، والافتقار الى الموارد المالية، ستستمر في العمل بمثابة تقييدات شديدة جدا في العديد من الدول في المستقبل المنظور.(5)

 

وعلاوة على ذلك، بالنظر الى حجم السوق الصغير يمكن ان تكون الحماية لحقوق النشر والتأليف مهمة من الوجهة التجارية في أسواق التصدير وليس محليا، علما انه يمكن للمؤلفين وللشركات في الدول النامية ان تواجه تكاليف لا يمكنها ان تتحمّلها عندما تضطر الى تطبيق حقوقها قانونيا في تلك الأسواق. طبعا، حماية حقوق النشر والتأليف في الأسواق المحلية في الدول النامية الكبرى، مثل الهند والصين والبرازيل ومصر، هي ذات أهمية كبيرة بالنسبة لصناعات النشر والأفلام والموسيقى وبرامج الحاسب الآلي الوطنية. ذلك مع انه في القرن التاسع عشر، مثلما قلنا سابقا، سعت الولايات المتحدة الى مساعدة تطوير صناعة النشر المحلية في البلاد بالامتناع عن الاعتراف بأصحاب حقوق النشر والتأليف الأجانب.

 

جمعيات الاقتناء

 

من أجل تحقيق الفوائد المحتملة من حقوق النشر والتأليف، شكّلت بعض الدول النامية جمعيات لادارة مقتنياتها تمثّل حقوق الفنانين والمؤلفين والممثلين وهي تجمع الجعالات (royalties) من ترخيص الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف التي تحتفظ به في مخزونها. في الوقت الحاضر، اتبع عدد قليل فقط من الدول النامية هذا المنوال وهناك أوجه نظر مختلفة حول حسنات تشكيل جمعيات لادارة المقتنيات. تؤيد المنظمة العالمية للملكية الفكرية وغيرها من الوكالات المانحة بشدة مثل تلك الجمعيات وتدعمها كما تقوم بذلك بعض الحكومات في الدول النامية (مثلا، في بلاد البحر الكريبي). وتجادل أيضا جماعات الصناعات المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في الدول النامية قائلة بأن تشكيل منظمات لحقوق انتاج نسخ طبق الأصل في الدول النامية من شأنه ان يسهّل حرية الحصول على الأعمال المحمية عن طريق استنساخها فوتوغرافيا بأسعار تناسب السوق المحلية.

 

من ناحية أخرى، يجادل بعض المعلقين بالقول انه على الرغم من انه يمكن لتلك المنظمات في الدول النامية ان تجمع الجعالات للمؤلفين والفنانين المحليين، الا انه يمكنها ان تجمع مقدارا أكبر لأصحاب الحقوق الأجانب في الدول المتقدمة الذين يمكنهم ان يهيمنوا على سوق الأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. مثلا، في جنوب أفريقيا، حيث يمكن ان ترجح كفة الميزان الى صالحها أكثر مما هو الحال في الدول النامية ذات الدخل المتدني، قامت منظمة حقوق الأعمال الدرامية والفنية والأدبية بتوزيع نحو 74 ألف يورو على أصحاب الحقوق القوميين، جمعت منه مقدار 20 ألف يورو تقريبا من جمعيات جمع الجعالة الأجنبية، وفي نفس الفترة وزّعت حوالي 137 ألف يورو على أصحاب الحقوق الأجانب.(6) ومن الأهمية الاعتراف بأنه يمكن لمنظمات ادارة المقتنيات ان تمارس نفوذا كبيرا في السوق وان تعمل باسلوب مناهض للمنافسة. هذا أمر يثير المخاوف في الدول النامية ذات القدرات المؤسسية والأطر التنظيمية الضعيفة.

 

في نهاية الأمر، يترتب على الدول النامية ان تتوصل الى قراراتها الخاصة بخصوص فوائد تأسيس منظمات لادارة مقتنياتها. وفي الدول النامية التي لديها أسواق كبيرة لمنتجات صناعاتها المبنية على أساس حقوق النشر والتأليف، محليا وخارجيا، فان تأسيس مثل تلك المؤسسات من شأنه ان يجلب فوائد مالية لأصحاب حقوق النشر والتأليف. ولكن بالنسبة للدول الأخرى، هذا يعني انه سيكون من الصعب تبرير الفوائد الصافية لمواطني البلاد، على عكس المواطنين الأجانب، من جراء الكلفة المنفقة عليها. وفي أي حال، من الضروري اظهار بشفافية من البداية التكاليف الكاملة المترتبة على تأسيس وتشغيل مثل تلك الوكالات في الدول النامية وان يتحمّل تلك التكاليف أصحاب حقوق النشر والتأليف بصفتهم المستفيدين المباشرين منها. ويجب عدم تأسيس منظمات لادارة المقتنيات ما لم يجر بالتوازي تشكيل مجالس قضاء عاملة متخصصة في مجالي حقوق النشر والتأليف والمنافسة.

 

ومع انه يمكن ان تكون الفوائد المحتملة من تطوير صناعات مبنية على أساس حقوق النشر والتأليف في بعض الدول النامية مغرية في بعض الحالات من الصعب ان لا نستنتج من النظر الى الأدلة المتوفرة من العالم النامي عموما بأنه من المحتمل ان يكون تأثير الحماية القوية لحقوق النشر والتأليف فوريا وهاما لغالبية فقراء العالم. هناك في الوقت الراهن "فجوة كبيرة في المعرفة" بين أغنى الدول وأفقرها. ومثلما أفاد البنك العالمي:

 

"اذا اتسعت الفجوة في المعرفة سينقسم العالم أكثر ، ليس من جراء التفاوتات في رأس المال والموارد الأخرى، بل من جراء التفاوت في المعرفة. ستتدفق بازدياد رؤوس الأموال وغيرها من الموارد الى تلك الدول التي تتمتع بقواعد قوية في المعرفة، الأمر الذي سيقوي عدم المساواة. هناك أيضا خطر من اتساع الفجوة في المعرفة داخل الدول، ولا سيما النامية منها، حيث يتوفر للمحظوظين القلة فيها المجال للاطلاع على المعلومات بواسطة الانترنت بينما يبقى الآخرون أميين. ولكن الخطر والفرصة هما وجهان لعملة واحدة. فاذا استطعنا تضييق الفجوات في المعرفة وتغلبنا على مشاكل الحصول على المعلومات...من الممكن ان نتمكن من تحسين الدخل ومستويات المعيشة بسرعة أكثر مما كنا نتصوّره سابقا."(7)

 

وعلى المدى الطويل، يمكن لحماية حقوق النشر والتأليف القوية ان تساعد في حث الصناعات الثقافية المحلية في الدول النامية شرط ان تستوفى الشروط الأخرى التي تؤثر على نجاح مثل تلك الصناعات. ولكن من المحتمل، على المدى القصير والمتوسط، ان تخفّض قدرة الدول النامية وقدرة الفقراء في اغلاق هذه الفجوة بالحصول على الكتب المدرسية والمعلومات العلمية وبرامج الحاسب الآلي التي هي بحاجة اليها بأسعار يمكنها ان تتحملها.

 

هل ستسمح قواعد حقوق النشر والتأليف للدول النامية على اغلاق الفجوة في المعرفة؟   

 

من الناحية النظرية، يمكن لقواعد حقوق النشر والتأليف الدولية ان تتغلب على مشاكل الحصول على المعرفة لأن تلك القواعد تتيح المجال للدول لادخال استثناءات وتراخيات في حقوق النشر والتأليف في بعض الظروف في قوانين تلك الدول الوطنية. مثلا، تسمح المادتان 9 و 10 من ميثاق بيرن للدول بأن تقوم باستنساخ محدود للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف بدون اذن لأغراض معيّنة محددة في التشريعات الوطنية مثل التعليم والأبحاث والاستعمال الخاص، طالما انها لا تخل بحق صاحب حقوق النشر والتأليف في الاستغلال العادي لعمله (راجع المربّع 1:5).

 

المربّع 1:5 "الاستخدام المنصف" و "التعامل المنصف" في العصر الرقميّ (Digital Era)

 

كجزء من ايجاد توازن بين الحقوق المقتصرة التي يحملها المؤلفون والفنانون والمبدعون الآخرون من ناحية، والهدف الاجتماعي الرامي الى نشر المعرفة نشرا واسعا من ناحية أخرى، تتيح قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية المجال للدول بأن تضع حدودا على الحق في منع الاستخدام غير المصرّح به وتسمح بالاستنساخ في ظروف فرضية معينة. مثلا، تفيد الفقرة 2 من المادة 9 من اتفاقية بيرن ما يلي: "يعود الأمر الى التشريعات في الدول الأعضاء في الاتحاد للسماح باستنساخ أعمال في حالات خاصة معيّنة، شرط ان ذلك الاستنساخ لا يتعارض مع الاستغلال العادي للعمل ولا يخلّ بشكل غير معقول بمصالح المؤلف المشروعة".

 

وبناء على ذلك، تضم قوانين حقوق النشر والتأليف في معظم الدول استثناءات للاستنساخ للاستخدام الشخصي وللأبحاث وللتعليم ولوضع نسخ في الأرشيف والاستعمال في المكتبات العامة والتقارير الأخبارية، بناء على مبدأ "التعامل المنصف"، او كما هو الحال في الولايات المتحدة، بناء على مبدأ "الاستخدام المنصف". يتفاوت نطاق وقوة ومرونة تلك الاستثناءات تفاوتا واسعا بين الدول والمناطق، من ناحية بسبب اختلاف القانون الوطني، ولكن عموما لتركيزها على الشروط التالية:

 

·                                غرض وطبيعة الاستخدام – يجب ان يكون الاستنساخ للأغراض الخاصة غير التجارية. لا يمكن استنساخ الا نسخة واحدة او عدد صغير من النسخ. نسبة العمل الذي يجري استنساخه – يجب عمل نسخ لأجزاء فقط من العمل. ويسمح باستنساخ الأعمال كاملة فقط عندما لا يكون العمل الأصلي متوفرا في السوق.

·                                ويمكن استنساخ نسخ من الأعمال المطبوعة بوسائل الاستنساخ الفوتوغرافي فقط. هناك بعض الحرية أيضا في أخذ نسخ من الأعمال الالكترونية، مثلا، لنقل أوقات البرامج التلفزيونية او للحفظ في الأرشيف برامج الحاسب الآلي.

·                                وفي حال وجود استثناءات لمصلحة المكتبات العامة والأرشيفات، يجب ان تكون تلك المؤسسات مفتوحة للجمهور وان تعمل بطريقة غير تجارية.

·                                ويجب الأخذ بعين الاعتبار المصلحة المشروعة لصاحب الحق – التأثير على السوق المحتملة للعمل.

 

ولكن، يسمح الآن تطوّر وانتشار التكنولوجيا الرقمية، بالاستحداث غير المصرّح به لعدد غير محدود وممتاز وبلا كلفة من النسخ، وللتوزيع الآني تقريبا والعالمي النطاق للأعمال المحمية بحقوق النشر والتأليف. استجابت صناعات حقوق النشر والتأليف الى ذلك باستخدام التكنولوجيا الرقمية، بشكل تكنولوجيات التشفير والتدابير المناهضة للالتفاف حول حقوق النشر والتأليف، مضيفة اليها قانون العقود وأشكال sui generis من الحماية لقواعد المعطيات. ويجادل النقّاد بالقول ان تلك التدابير تقيّد بالفعل "الاستخدام المنصف" وقد تخفّض قدرة المعلمين والطلاب والبحاث والمستهلكين من الحصول على المعلومات، ولا سيما في الدول النامية. ولذلك، هناك حاجة الى طرق جديدة لتأمين المحافظة على استثناءات "الاستخدام المنصف" المناسبة في السياق الرقمي هذا.(8)

 

وفي مؤتمر ستوكهولم لإتفاقية بيرن، طالبت الدول النامية بمرونات اضافية في قواعد حقوق النشر والتأليف الدولية بسبب حاجتها الى التعليم الجماعي. أصدر المؤتمر "بروتوكولا" يتيح للدول النامية بتوفير مدة مخفضة من الحماية مدتها 25 سنة علاوة على الترخيص الاجباري للترجمة الى اللغات المحلية، وأكثره اثارة للجدل، استخدام أية مواد محمية لأغراض التعليم او العلم او الأبحاث. ولكن لم يجر التصديق على "بروتوكول ستوكهولم" بسبب الافتقار الى الاجماع بين الدول المتقدمة والدول النامية. وفي النهاية، توصلوا الى اتفاق في باريس في عام 1971على مجموعة مخفّفة من الاستثناءات للدول النامية، تتيح أساسا ترخيصا اجباريا محدودا للأعمال للترجمة الى اللغات المحلية. تم تسجيل تلك الاستثناءات في "ملحق الاتفاقية" ولكنها لم تفد مباشرة الدول النامية الا قليلا مثلما يبيّن